الباحث القرآني

ثم قال: (﴿وَلَمَنْ صَبَرَ﴾ فلم ينتصر ﴿وَغَفَرَ﴾ تجاوز) يعني عن الجاني (﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ الصبر والتجاوز ﴿لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى ٤٣] أي: معزوماتها، بمعنى المطلوبات شرعًا)، ﴿لَمَنْ صَبَرَ﴾ اللام هذه لام الابتداء، وتفيد التوكيد، و(من) اسم شرط جازم، وفعل الشرط ﴿صَبَرَ﴾، وجواب الشرط: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، انتبهوا لهذا الإعراب: (من) شرطية، فعل الشرط (صبر) وما عطف عليه، جواب الشرط: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، وهنا إشكال، وهو أنه إذا كان جواب الشرط جملة اسمية وجب اقتران الجواب بالفاء؛ كالآية التي قبلها: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى ٤١]، وهنا حُذفت الفاء، الإشكال هنا كيف حذفت الفاء في جواب الشرط وهو جملة اسمية؟ الجواب: أن الفاء قد تُحذَف وإن كانت الجملة -أي جملة جواب الشرط- اسمية، وأنشدوا على هذا قول الشاعر: ؎مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا ∗∗∗ .......................... (من يفعل الحسنات) هذه شرطية، فعل الشرط (يفعل)، جواب الشرط (الله يشكرها)، وليس فيها فاء، فقالوا: إنه يجوز أحيانًا حذف الفاء، واستدلوا بالآية، واستدلوا بالبيت. قال بعضهم في إعراب الآية: حذف الفاء يدل على أن (من) ليست شرطية، وإنما هي اسم موصول، وعليه يكون المعنى: وللذي صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور. والحقيقة أن الإعراب الأول والثاني جائز، لكن كوننا نجعل من اسم شرط كالآية التي قبلها أولى من حيث تلاؤم السياق بعضه مع بعض، ويكون الإشكال في حذف الفاء في الجواب، وجوابها أنها قد تحذف أحيانًا. قوله عز وجل: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ﴾ أي: صبر على ظلم الظالم إياه، وإن شئت فقل: إنها عامة تشمل كل من صبر على أذية من مرض أو سفر أو ما أشبه ذلك، ولكن العموم قد يمنع القول به قوله: ﴿وَغَفَرَ﴾؛ فإن ظاهر هذا السياق أن المراد صبر عن مؤاخذة الظالم، ﴿وَغَفَرَ﴾ أي: ستر ما حصل عليه من ظلم ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (أي: معزوماتها)، يعني لدليل على أن الرجل من ذوي العزم؛ لأنه تحمل وستر، تحمل فصبر وعفا فغفر ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ .﴾ * ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على الصبر والمغفرة؛ لقوله: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى ٤٣]، ولكن يجب أن تلاحظوا الآية السابقة؛ أن يكون في ذلك إصلاح. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأمور تختلف في العزمات وما دونها؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، ولا شك أنها تختلف، أن بعضها يكون المقدِم عليه ذا عزيمة صادقة ومروءة تامة، وبعضها دون هذا. * طالب: (...) لما ظلم فدعا على ظالمه فهل لا يجوز له أن يدعو عليه بأكثر من مظلمته؟ * الشيخ: هذا هو الواجب، لكن قد يظن الظان أن هذه المظلمة لا يسوغ أن يتجاوز فيها، وهي مظلمة عظيمة، «كدعاء سعد رضي الله عنه على من ظلمه وقال: إنه يظلم الرعية ولا يقسم بالسوية ويؤخر الصلاة عن وقتها، فدعا عليه بدعوة عظيمة: اللهم أعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن»[[أخرجه البخاري (٧٥٥) من حديث سعد بن أبي وقاص.]]، فهذه قد يقول القائل: إن هذه أكبر من ظلمه، ولكنها في الحقيقة ليست أكبر؛ لأن ظلمه له يتضمن القدح في ولي الأمر، حيث ولى على الناس مثل هذا. * طالب: أحسن الله إليك، ظلم الظالم يختلف باختلاف الناس، قد يظلم الإنسان إنسانًا بشيء، وإذا أراد أن يأخذ من هذا الإنسان قدر ما أخذ منه لا يتأذى منه كما تأذى هو، مثل أن يأخذ من فقير مالًا قليلًا، فهذا الغني لا يتأثر بهذا المال إذا أخذت منه، أو أن يضرب إنسانًا قوي البنية بضربة لواحد ضعيف، الضعيف يتأثر بضربة قليلة فيطيح، أما القوي إذا ضربه ذلك الضربة ما طاح شيخ، هل يكون يأتي بواحد قوي البنية مثله يضربه؟ * الشيخ: لا، ما هو شرط، إذا ضرب مثلما ضرب يكفي. * الطالب: ما يتأثر. * الشيخ: أولًا، بارك الله فيك، تعلم أن الضربة أكثر العلماء يقولون: ما فيها قصاص إلا أن يموت، ونعلم أن مثل هذه الضربة تقتل غالبًا، فيقتص منه، لكن لنقل غير هذه المسألة، المثال الأول الذي ذكرت فقير أخذ منه غني عشرة ريالات صار فقيرًا معدمًا، هذا الذي أخذ عشرة ريالات عنده ملايين، إذا أخذنا منه عشرة ريالات ما ضره شيء، فنقول: العدل أن يعطى هذا مثلما أخذ منه فقط. (...) يقول: إن رجلًا شريرًا اعتدى على آخر، فعفا عنه الآخر، فهل له أجر؟ ننظر؛ إذا كان هذا لم يعلم أن الرجل شرير وعفا يريد الإصلاح فله أجر، أما إذا كان يعلم ولكن يقول: أعفو عنه ولا أبالي سواء سعى في الأرض فسادًا أم لا، فإنه يأثم. * طالب: أحسن الله إليك، أحيانًا يموت الظالم ويكون ذا سلطان، فهل يجوز الدعاء، الإنسان يدعو عليه؟ * الشيخ: يعني بعد موته، لا بأس، له أن يدعو عليه ولو بعد موته، مع أن المظلوم لو فُرض أنه لم يدعُ فإن حقه سوف يأتيه يوم القيامة، وهو إذا استوفى بالدعاء عليه ما أخذ من حسناته يوم القيامة. نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم برحمته، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب