الباحث القرآني

ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (سُميت الثانية سيئة لمشابهتها للأولى في الصورة، وهذا ظاهر فيما يُقتَص فيه من الجراحات. قال بعضهم: وإذا قال له: أخزاك الله فيجيبه: أخزاك الله). قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ هذه في الحقيقة قاعدة؛ أن للإنسان أن ينتقم لنفسه السيئة بمثلها لا يزيد؛ لأنه إن زاد فقد ظلم. والزيادة قد تكون في الكمية، وقد تكون في الكيفية، وقد تكون في النوعية، فإذا انتصر لنفسه فضرب من ظلمه ثلاثًا وقد ظلمه باثنتين من باب الكمية، وإذا ضرب من ضربه ضربًا خفيفًا فانتصر لنفسه بضرب ثقيل هذا بالكيفية، وإذا ضرب من اعتدى عليه بسوط ضعيف بسوط أكبر هذا النوعية، المهم أنه لا بد أن تكون المجازاة بمثل السيئة التي أسيء إليه فيها ولا تزيد، فإن زاد فهو ظالم، ولهذا يقال: هذه بهذه والبادي أظلم. وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (سُميت الثانية سيئة لمشابهتها الأولى في الصورة) فيه نظر واضح، فالمقاصة سيئة، لكن ليست سيئة بالنسبة للفاعل، بل هي سيئة بالنسبة لمن اقتص منه، تسوءه وتؤلمه وترد اعتباره إذا كان يرى أنه فوق صاحبه، فهي سيئة لا باعتبار الفاعل ولكن باعتبار المقتص منه، وأما قوله: إنها مشابهة للأولى، فلا يمكن أن تُطلق سيئة لمطلق المشابهة أو لمجرد المشابهة ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾. هذا في الواقع هذه قاعدة في جميع الاقتصاص، فلننظر إذا شق ثوبك فهل تشق ثوبه؟ ظاهر الآية نعم، لكن إذا كان ثوبك رديئًا يساوي عشرة وثوبه جيد يساوي مئة تشق ثوبه أو لا تشق؟ إذا شققته فنقص عشر قيمته كم يكون؟ ينقص العشر، مثلًا هذا الثوب يساوي عشرة ريالات، شقه المعتدي بشق ينزل قيمته العشر، العشر كم من عشرة؟ واحد، ثوبه يساوي مئة فشققته بشق يساوي العشر كم ينقص؟ * طلبة: عشرة. * الشيخ: عشرة، الآن أخذت عشرة مقابل واحد، فهل نقول: العبرة بالمعنى، فإنه لما شق ثوبك أذلك وأنت إذا اقتصصت منه وشققت ثوبه أذللته، وهو البادي، فنشق ثوبه ولو كان أغلى، أو نقول: نشق ثوبه إن كان مماثلًا للأول أو مقاربًا له، وإلا فلا؟ نعم؛ لأن هذا الذي ثوبه بعشرة ينكسر اعتباره كالذي ثوبه بمئة، والمقصود إذلال المعتدي وكسر اعتباره. وعلى هذا فنقول: من شق ثوبك فشق ثوبه. وهل المعتبر المساحة أو المعتبر النسبة؟ هذا إنسان قصير.. أو ما فهمتم السؤال، هذا إنسان قصير، شق ثوبه بمقدار شبر، الشبر هذا يساوي العشر مثلًا من ثوبه، والآخر طويل جدًّا، شق ثوبه بمقدار شبر، هل يتساوى في النسبة مع ذاك؟ ما يتساوى. إذن نسأل الآن: هل المعتبر المساحة أو النسبة؟ العدل أن يكون المعتبر النسبة، فإذا شق نصف هذا الثوب القصير مساحته ذراع، والطويل شقه بمساحة ذراع، لكنه طويل طول الأول مرتين، هل يكفي أو لا يكفي؟ لا يكفي، نقول: شق إلى أن تبلغ النسبة إذا كان العشر فهذا العشر؛ لأن هذا هو العدل في الحقيقة، لأن المعتدي أفسد عشر ثوب المعتدى عليه، فلنفسد عشر ثوبه، مع أنه هو المعتدي. وهذا ينطبق تمامًا على قول الله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾. رجل قال لشخص مع المغاضبة قال: أنت حمار، هل يقول له: أنت الحمار؟ * طالب: ما يقوله. * الشيخ: لا، يقوله، كيف ما يقوله، لكن هل يقول: أنت حمار وأبوك حمار؟ الجواب: لا، هذا عدوان، لكن يقول: أنت حمار. إذا قال له: لعنك الله، هل يقول: بل لعنك أنت؟ معكم كتاب الله ﴿جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ له أن يقول هذا، ولذلك إذا لعن الإنسان شخصًا لم يكن أهلًا له، أين تذهب اللعنة؟ ترجع إلى الأول، فيعاقب بمثل ما فعل. اسمع كلام المؤلف: (وهذا ظاهر فيما يقتص فيه من الجراحات) واضح هذا: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠] الذي يقتص فيه من الجراحات كل عضو قائم بنفسه، وكل جرح ينتهي إلى عظم،هذا فيه القصاص، كل عضو قائم بنفسه مثل العين والأصبع وما أشبه ذلك هذا يقتص، رجل قطع خنصرك تقطع خنصره، واضح، أو جرح ينتهي إلى عظم، جرحه في رأسه حتى بان عظم رأسه يقتص منه أو لا، جرحه في ساقه حتى بان العظم يقتص حتى لو كانت طبقة اللحم التي على العظم في الجاني أغلظ، يقتص حتى يصل إلى العظم، إذا كان الجرح لا يصل إلى العظم مثل أن جرحه في فخذه جرحًا لم ينتهِ إلى العظم، هل يقتص منه؟ يقول الفقهاء: إنه لا يقتص منه؛ وذلك لعدم انضباط القصاص، ما ينضبط إلا إذا وصل للعظم، لكن نظرًا لتقدم الطب نقول: إذا أمكن أن يقتص منه اقتص منه. إذا قطع يده من نصف الذراع يقتص منه أو لا؟ الفقهاء يقولون: ما يقتص منه؛ لعدم الانضباط، لكن إذا كان من المفصل كما لو قطع كفه من مفصلها يقتص منه. والصحيح في الصورة الأولى إذا قطع يده من نصف الذراع أنه إذا أمكن القصاص فإنه يقتص منه، وفي عصرنا الآن يمكن أو لا؟ يمكن على الشعرة أو أدنى من الشعرة، فإذا كان لا يمكن وقال المجني عليه: اقطعوا يده وأنا أعفو عما قطع من الذراع، المجني عليه قال: اقطعوا كف الجاني والزائد أعفو عنه، هل يقتص منه أو لا؟ الصحيح أنه يقتص منه، فتقطع كف الجاني، وإذا أسقط الزائد -أعني المجني عليه- سقط. فإن قال المجني عليه: أنا أريد أن تقصوا كفه وآخذ أرش الزائد، له ذلك؛ لأن الله يقول: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة ٤٥] وهنا يقول: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠]؛ وهذا ظاهر فيما يقتص فيه من الجراحات، ما هو الذي يقتص فيه من الجراحات، وهو كل عضو مستقل أو جرح ينتهي إلى عظم، والباقي فيه خلاف. قال بعضهم، يعني بعض العلماء: وإذا قال له: أخزاك الله فيجيبه: أخزاك الله؛ لقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠]. إذا قال: لعن الله أباك، ماذا تقول؟ تقول له: لعن الله أباك؟ لا، قال النبي ﷺ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ». قالوا: يا رسول الله، وهل يلعن الرجل والديه؟ قال: «نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»[[أخرجه البخاري (٥٩٧٣) من حديث عبد الله بن عمرو.]] هذا يدل على أيش؟ * طلبة: عدم الجواز. * الشيخ: عدم الجواز، كيف عدم الجواز؟ نقول: إن قول الرسول ﷺ هذا لبيان الواقع، لا لبيان الحكم الشرعي، يعني أنه جرت العادة في المسابة بين الناس أن الرجل إذا سب أبا الرجل سب أباه، وهذا شيء تعرفونه، وإن لم تعرفوه فاعرفوه، انزل الأسواق انظر المسابة بين الناس، إذا سب أباه سب أباه واضح ولَّا غير واضح؟ فيكون قول الرسول هذا بيانًا للواقع، وبيان الواقع لا يعطي الجواز شرعًا، والدليل على أن بيان الواقع لا يعطي الجواز قول النبي ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» اليهود والنصارى[[أخرجه البخاري (٧٣٢٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، هل لنا أن نتبع اليهود والنصارى؟ لا، ولكن هذا لبيان الواقع. كذلك أيضًا أخبر أن المرأة تسافر من كذا إلى كذا وحدها؛ لبيان الواقع، ليس لبيان الحكم الشرعي. إذا قال قائل: ما هو الذي حملك على أن تجعل قوله: «يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٧٣)، ومسلم (٩٠ / ١٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]] أن هذا لبيان الواقع، لا لبيان الحكم الشرعي؟ أقول: الذي حملني على هذا أنه لا يجوز العدوان على أحد لم يقع منه عدوان، هذا ظلم، كيف أسب أباه؟ هذا ظلم لا شك، والظلم لا يأذن به الشرع، لكن لو قال قائل: إنه إذا لعن والديه فلا تطيب نفس الذي لعن والداه إلا إذا لعن والدي الأخ؛ لأن لعن الوالدين إذلال للولد، وهو يريد أن يطيب نفسه، نقول: الحمد لله، هذا ليس هناك ضرورة إذا لعن والديك، العنه هو، وهذا أشد في الإذلال. فالحاصل أنه إذا دعا على أبيك وأمك لا تدع على أبيه وأمه؛ لأنه لا ذنب لهما، والحديث عرفتم الجواب عنه أنه بيان للواقع، لا للحكم الشرعي، ولكن لك أن تحول السب واللعن إلى نفس الفاعل لا إلى والديه. (...) يسأل يقول: هل القاتل يقتل بمثل ما قتل به أو يقتل بالسيف؟ الجواب: يقتل بمثل ما قتل به؛ لأن «النبي ﷺ رَضَّ رأس اليهودي بين حجرين لأنه رض رأس الجارية بين حجرين»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤١٣)، ومسلم (١٦٧٢ / ١٥) من حديث أنس.]]، وقال عز وجل: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة ١٩٤] لكن استثنى العلماء ما لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها فلا يقتص منه، قالوا: فلو تلوط بطفل صغير وهو يعرف أن هذا الفعل بيقتله، ثم مات الطفل من أجل هذا، فهل نقيم رجلًا يتلوط بهذا؟ لا، ما نفعل، قال بعض العلماء: ما نفعل، هذا معلوم؛ لأن اللواط محرم لذاته، لكن ندخل خشبة في دبره حتى يموت، هذا له وجهة نظر، لكن عندي أن فيه نظرًا؛ وذلك لأن الخشبة أشد ألمًا من اللواط، فلا يمكن القصاص. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠] على أي شيء حمل المؤلف السيئة الثانية؟ على مشابهة الأولى في اللفظ، نعم عن طريق المشاكلة، طيب هل كلامه صحيح أو لا؟ * طالب: ليس بصحيح * الشيخ: غير صحيح، كيف ذلك؟ * الطالب: الصحيح أن المشابهة في المال؛ لأن سيسوءه المقتص منه، المقتص منه إذا اقتص منه يسوءه. * الشيخ: إذن هي سيئة بالنسبة لمن؟ للمقتص منه، وإبقاء اللفظ على ظاهره خير من تحريفه بدون دليل. قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠] (من) هذه شرطية، فعل الشرط (عفا)، والمعطوف عليه جملة ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ هي جواب الشرط، يقول الله عز وجل: ﴿فَمَنْ عَفَا﴾ أي: لم يؤاخذ بالذنب يعني عمن ظلمه، ﴿وَأَصْلَحَ﴾ يقول: (الود بينه وبين المعفو عنه ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ أي أن الله تعالى يأجره لا محالة). قوله: ﴿فَمَنْ عَفَا﴾ قال المؤلف: (عن ظالمه)، وهذا واضح، والعفو عنه يعني عدم مؤاخذته. ﴿وَأَصْلَحَ﴾ يقول: (الود بينه وبين ظالمه) وهذا تفسير قاصر جدًّا، بل المراد أصلح في عفوه، أي: صار عفوه مشتمِلًا على الإصلاح. وإنما قلنا ذلك لأن ما ذكرناه أعم وأنفع بالنسبة للمعنى. إذن ﴿أَصْلَحَ﴾ المؤلف يراها قاصرة على إصلاح الود بينه وبين من ظلمه، والصواب أن المراد أصلح في عفوه، أي: كان عفوه إصلاحًا. ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ يقول المؤلف: (أي أن الله يأجره لا محالة)، أجر بمعنى ثواب، وسمى الله سبحانه الثواب أجرًا لأنه في مقابل عمل؛ كأجرة الأجير إذا قام بعمله،. وفيه أيضًا إيماء إلى أن هذا الثواب واجب كما يجب إعطاء الأجير أجره. وقول المؤلف: أي فإن الله يأجره لا محالة أخذ هذا المعنى -أعني قوله: (لا محالة)- من كون الجملة اسمية؛ لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار. * من فوائد هذه الآية الكريمة: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ﴾ أنه يجب أن تكون المقاصة على وجه العدل، فيكون جزاء السيئة سيئة مثلها، فلا يجوز أن يعتدي في القصاص لا القولي ولا الفعلي، ولننظر لو أن رجلًا سبك بوصفين وسببته بثلاثة أوصاف، ما تقول؟ يجوز أو لا يجوز؟ لأن الله قال خاص: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠]. لو أن رجلًا قطع يد إنسان وطلب القصاص فقال الجاني: أنا أريد أن أضع بنجًا في يدي حتى لا أحس بالألم، وقال المجني عليه: لا، من القول قوله؟ قول المجني عليه؛ لأن الجاني أتى بمفسدتين؛ الإيلام وفقد العضو، فلا تتم المقاصة إلا إذا حصل هذان الأمران بالنسبة للجاني. ولو أن سارقًا حكم عليه بقطع اليد، وطلب أن تبنج يده، أيجوز هذا أم لا؟ يجوز؛ لأن المقصود بالنسبة للسارق المقصود إعدام اليد المتعدية، وهو حاصل، وليس هناك قصاص حتى نقول: لا بد أن يكون المثل بالمثل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تأكيد المقاصة بالعدل؛ لقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠]، فأكد ذلك بقوله: ﴿مِثْلُهَا﴾، لو أراد المجني عليه أن يأخذ بعض حقه يجوز أو لا يجوز؟ الآية تقول: ﴿مِثْلُهَا﴾. * طالب: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾. * الشيخ: ما وصلنا عفا وأصلح، يعني معناه إذا أردنا العدل فهذا هو، وإذا عفا الإنسان عن حقه الخاص به فلا بأس، كما أنه لو عفا مطلقًا فلا حرج عليه. * ومن فوائد قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ إلى آخره، الحث على العفو إذا كان إصلاحًا، فإن لم يكن إصلاحًا فالأخذ بالحزم أولى، دليل هذا أن الله قال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾. يتفرع على هذا مسألة مهمة: لو أن الجاني معروف بالشر والفساد فاعتدى على شخص، هل نقول: الأفضل أن يعفو عنه؟ الجواب: لا، لا نقول، بل نشترط أن يكون ذلك إصلاحًا، هذا الرجل الشرير المعروف بالشر إذا جنى على شخص، هل نقول للشخص المجني عليه: اعف عنه فأجرك على الله؟ لا، لا نقول هذا؛ لأننا لو عفونا عن هذا الرجل الشرير في هذه القضية المعينة فعل مثلها أو أشد بعد ذلك؛ لأنه أخذ على العفو، فكان يؤمل أن يُعفَى عنه في كل فعل، إذا كان الجاني شريرًا معروفًا بالفساد فجنى على شخص، فهل نقول: الأفضل أن تعفو عنه أو أن تأخذ بحقك؟ ذكرنا أن الأفضل في هذه الحال أن تأخذ بحقك؛ لأن هذا الرجل الشرير المجبول على الشر إذا عفوت عنه الآن ذهب يفعل ما هو أشد في اليوم الثاني، يجب أن نعلم أن قوله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة ٢٣٧] هذه الآية المطلقة تقيَّد بهذه الآية، بل كل نص فيه الحث على العفو فإنه مقيد بهذه الآية. إذن لا بد أن يكون العفو إصلاحًا. انتبهوا لهذا. لو أن أحدًا صدم شخصًا وهو يقود السيارة، وصدم شخصًا فمات، فهل الأفضل لأولياء المقتول أن يعفوا عن الدية أو أن يأخذوا بالدية؟ فيه تفصيل، وهو إن كان هذا الرجل معروفًا بالتهور وعدم المبالاة، وكما يقول بعض السفهاء: الدية في الطابلون، فهذا لا ينبغي أن يُعفَى عنه، وأما إذا كان رجلًا ذا مروءة، ونعلم أن هذا أمر حصل منه كما يقول العوام: فوات حرص، فإن الأفضل أن يُعفَى عنه، وهذه الآية هي ميزان العفو المحمود وغير المحمود. * من فوائد هذه الآية الكريمة: تفضل الله تبارك وتعالى على عباده، حيث أوجب على نفسه أجر العافي، من أين يؤخذ؟ ﴿أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾. ضمن الله عز وجل لهذا العافي الأجر، لكن بشرط أن يكون ذلك إصلاحًا. قال: (﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى ٤٠] أي: البادئين بالظلم، فيترتب عليهم عقابه) قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ﴾ الضمير يعود على الله عز وجل، ﴿لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ أي المعتدين، سواء ظلموا أنفسهم أو ظلموا غيرهم، فصاحب المعاصي غير محبوب إلى الله عز وجل، والمعتدي على عباد الله غير محبوب لله عز وجل. وقول المؤلف رحمه الله: (أي: البادئين بالظلم) فيه نظر، الآية عامة تشمل الظالمين ابتداء والظالمين في الثاني، بمعنى أن المبتدئ بالظلم غير محبوب إلى الله، وكذلك من تجاوز في حقه فإنه غير محبوب عند الله، فإبقاء الآية على إطلاقها أولى، أي: لا يحب الظالمين ابتداءً ولا اقتصاصًا. * طالب: ذكر قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ ذكر بعض أهل العلم أنه يجوز أن يأخذ من خانه من المال أن يأخذ مثله بدون علمه، واستدل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام؛ قول النبي عليه الصلاة والسلام لهند زوجة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أبناءها. * الشيخ: السؤال يقول: إن بعض العلماء أخذ من قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ أن الإنسان لو جحد لك مالًا فلك أن تأخذ من ماله بمقدار ما جحد بدون علمه؟ ونقول: نعم هذا ظاهر الآية أنه إذا أخذ من مالك وقدرت على استرداده من ماله فلك هذا، ولكن قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٣٤)، والترمذي (١٢٦٤)، والدارمي (٢٦٣٩).]]، ولو فتح هذا الباب لكانت الأمور فوضى، كل واحد يأخذ من مال الثاني، ويقول: قد جحد لي مالي، فلا يستقيم هذا، عمليًّا لا يستقيم، وأما قضية هند فإن السبب فيها ظاهر، كل الناس يعرفون أن هذه زوجته، وأنه يجب عليه أن ينفق، فإذا أخذت من ماله بغير علمه وقالت: إنه لا ينفق علي، لم يقل الناس شيئًا؛ لأن السبب ظاهر، ومثلها لو نزل الضيف على أحد ولم يقدم له الضيافة، وقدر على أن يأخذ شيئًا من ماله بقدر ضيافته فله ذلك؛ لأن السبب ظاهر، وبهذا يتم الجمع بين الأدلة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب