الباحث القرآني

ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى ٢٥]. قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ الله عز وجل يَقْبل توبةَ التائبين، بل ويُحِبُّ توبةَ التائبين؛ كما قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢]، فما هي التوبة؟ التوبة هي الرجوع من معصية الله إلى طاعة الله، وتقع كلِّيَّةً وجزئيَّةً: كلِّيةً بأنْ يتوب الإنسانُ من كلِّ ذنبٍ، ومنها توبة الكافر فإنَّها كلِّيةٌ يمحو الله تعالى بها كلَّ ما سلفَ من ذنبه كما قال جل وعلا: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨]، ويقول المسلم: اللهمَّ إنِّي أستغفرك من جميع الذنوب وأتوب إليك، هذه كلِّية. التوبة الخاصَّة أن يتوب من ذنبٍ معيَّنٍ؛ كإنسانٍ تاب من أكْل الرِّبا لكنَّه مُصِرٌّ على شُرب الخمر -والعياذ بالله- فهذه توبةٌ خاصَّةٌ جزئيَّةٌ، ما هي شاملة، وسيأتي -إن شاء الله- الكلامُ عليها قريبًا. للتوبة شروطٌ خمسة: الأول: الإخلاص لله. والثاني: الندم على ما فَعَل. والثالث: الإقلاع عنه. والرابع: العزم على ألَّا يعود. والخامس: أن تكون التوبة قبل غلْق الأبواب. خمسة شروط؛ الأول: الإخلاص، والثاني: الندم، والثالث: الإقلاع، والرابع: العزم على ألَّا يعود، والخامس: أن تكون التوبة في زمن الإمكان. الإخلاص بأنْ يكون الحاملُ على التوبةِ خوف الله عز وجل ورجاءُ التقرُّب إليه؛ لئلَّا يقصد بذلك دُنيا ولا جاهًا ولا شيئًا من مخلوقات الله عز وجل، لا يريد إلا الوصول إلى رضا الله عز وجل ودار كرامته، والإخلاص -كما تعلمون بارك الله فيكم- شرطٌ في كلِّ عمل. الثاني: الندم على ما مضى من الذنب؛ بحيث يَشْعر الإنسانُ بالحزن والتأسُّف كيف وقع منه هذا الذنب. والندم هو انفعالٌ في النفس يحصل بفِعْل الإنسان وبغير فِعْله، لكن كلامنا في الندم في التوبة الذي يكون بفعله؛ بمعنى أنه يتحسَّر ويتأسَّف أن وَقَع منه الذنبُ، ولا يكون حالُه كحال مَن لم يُذنب. الثالث: الإقلاع عن الذنب؛ فإنْ كان معصيةً بمحرَّم فليجتنبْه، وإنْ كان تفريطًا في واجبٍ فليفعلْه، وعلى هذا فمَن زَعَم أنَّه تائبٌ من الغِيبة ولكنَّه لا يَدَع فرصةً تحصل فيها الغِيبة إلا اغتابَ، فهلْ نقول إنَّه تائب؟ * الطلبة: (...). * الشيخ: لماذا؟ * الطلبة: لأنَّه لم يُقلع. * الشيخ: لأنَّه لم يُقلع. كذلك مَن جَحَد مالَ شخصٍ وأنكره وقال: إنَّه تائبٌ، فلا بدَّ أن يَرُدَّ المالَ إلى صاحبه، وإلَّا فلا تُقبل توبتُه، ومَن اغتاب شخصًا -أي: ذكره بما يكره في غَيبته- فلا بدَّ أن يُقلع عن ذلك ويتحلَّل صاحب الغيبة؛ يذهب إليه ويقول: سامِحْني، حلِّلْني، فقد قلتُ فيك قولًا قد تبتُ منه. لا بدَّ من هذا. فإن قال: إنْ ذهبتُ إليه أستحِلُّه أخشى أن يظنَّ الأمرَ أكبرَ مما قلتُ فتقع العداوة. فالجواب: وإنْ كان كذلك، أنتَ أبرِئْ ذِمَّتك، وكونه يترتَّب على ذلك عداوةٌ أو ما أشبهَ ذلك ليس إليك، نعم لو فُرِض أنَّ صاحبك لم يعلمْ بغيبتك إيَّاه فهُنا يكفي أن تندم، وتُقلع عن غيبته في المستقبل، وتذكره في المجلس الذي اغتبتَه فيه بما له من صفاتٍ حميدة. الرابع؟ * الطلبة: العزم. * الشيخ: العزم على ألَّا يعود؛ بأنْ يقع في قلبه أنَّه لن يعود لهذه المعصية. فإنْ كان تابَ لكنَّه متردِّد فيما لو تيسَّرت له هذه المعصية أيفعلها أم لا، فالتوبة غير صحيحة، لا بدَّ أن يعزم على ألَّا يعود. فإنْ عاد -يعني عَزَم ألَّا يعود ثم عاد بعد ذلك- هل تبطل التوبة؟ الجواب: لا تبطل، التوبة الأولى صحيحة، لكن عليه أن يجدِّد التوبة للذنب الثاني، ولهذا كانت العبارة: (العزم على ألَّا يعود)، وليست العبارة: (بشرط ألَّا يعود)، وبينهما فرق؟ * طالب: (...). * الشيخ: تأكد الأول. * الطالب: بينهما فرق. * الشيخ: أيش الفرق؟ * الطالب: الأولى (العزم على ألَّا يعود) لا يُشترط (...) إذا عاد توبتُه الأولى باقية، أمَّا إذا قلنا: (بشرط ألَّا يعود)، إذا عاد بطلت التوبة. * الشيخ: إذَن هذا الفرق؛ إذا قلنا: (العزم على ألَّا يعود)، وعَزَم ألَّا يعود ثم عاد فالتوبة الأولى صحيحة، لكن عليه أن يجدِّد التوبة للذنب الثاني، أمَّا إذا قلنا: (بشرط ألَّا يعود)، فهذا يقتضي أنه لو عاد لَبطلت التوبة، وليس كذلك. الشرط الخامس-وما أعظمَه!- أن تكون التوبة في زمن الإمكان، فإنْ فات الأوانُ لم تنفع، وفوات الأوان عامٌّ وخاصٌّ؛ العامُّ طلوع الشمس من مغربها، والخاصُّ حضور الموت. أمَّا الأول فدليلُه قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨]، فسَّر النبيُّ ﷺ بعضَ الآيات بأنَّها الشمسُ تطلع من مغربها، وقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[[أخرجه أبو داود (٢٤٧٩) من حديث معاوية بن أبي سفيان.]]. أما الخاصُّ فهو حضور الأجل، فإنَّه إذا حضر الموتُ لم تُقبل التوبة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء ١٨]، الشاهد قوله: ﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾، وهذا الشرط يستلزم أن تكون التوبة على الفَوْر بدون تأخير؛ وجْه ذلك أنَّه لا يعلم متى يأتيه الموت، فقد يموت بغتةً على فراشه، أو على كرسيه، أو وهو ساجدٌ أو راكعٌ، وحينئذٍ يتبيَّن أنَّ التوبة واجبةٌ على الفور، فاستدِركْ أيُّها العبد، استدرِكْ نفسَك إن كان في أمرٍ بينك وبين الله أو بينك وبين الخلْق؛ لأنَّك لا تدري متى يأتي الموت. الخلاصة شروط قبول التوبة خمسة نعدُّها: أولًا: الإخلاص لله عز وجل. ثانيًا: الندم على الذنب. ثالثًا: الإقلاع في الحال. رابعًا: العزم على ألَّا يعود. خامسًا: أن تكون التوبة في زمن الإمكان. نسأل الله لنا ولكم التوبة. قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ قال المؤلف: (منهم)، فصَرَف معنى (عن) إلى معنى (مِن)، وهذا مبنيٌّ على ما سبق من أنَّ حروف المعاني تتناوب؛ أي: ينوب بعضُها عن بعض، ولكن إبقاء اللفظ على ظاهره أَوْلى، ويكون ﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ مُضَمَّنًا معنى: يعفو عنهم، فـ﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ أي: يقبلها ويعفو عنهم، ونجعل (عن) على بابها، ويكون قوله: ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ كالتوكيد لِمَا سبق. ﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ (﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ الْمُتَابِ عنها) والعفو مأخوذٌ من قولهم: عفا الأثرُ، إذا أخْفَتْه الرياح، وهو التجاوز عن العقوبة بالذنوب. و﴿السَّيِّئَاتِ﴾ جمع سيِّئة، وهي كلُّ ما يسوء الإنسانَ فعلُه أو وقوعُه، والمراد بالسيِّئات هنا -يعني تفسيري لها على حسب اللفظ- والمراد بها هنا مخالفةُ الشرع؛ فكلُّ ما خالف الشرعَ فهو سيِّئة سواءٌ كان بتَرْك واجبٍ أو فِعْلِ محرَّم. ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ يقول: (بالياء والتاء) ﴿مَا تَفْعَلُونَ﴾ و﴿﴿مَا يَفْعَلُونَ﴾ ﴾؛ أمَّا على قراءة ﴿﴿مَا يَفْعَلُونَ﴾ ﴾ فهي مطابقةٌ للضمائر السابقة، ﴿﴿وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ﴾ ﴾ أي: ما يفعله العباد. وأمَّا على قراءة التاء فهي من باب الالتفات عن الغَيبة إلى الخطاب، وأسلوبُ الالتفات أسلوبٌ بلاغيٌّ، ويُقصَد به تنبيه المخاطَب على ما سيُلقى إليه؛ وذلك لأنَّ الكلام إذا كان على وتيرةٍ واحدةٍ فإنَّ الإنسان ينسجم معه وربما يغفل عنه، وإذا اختلفَ وقفَ الإنسانُ: لماذا صار الأمر كذلك؟ الالتفات على قراءة: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ التفات من أيش؟ من الغَيبة إلى الخطاب. الالتفات فنٌّ معروفٌ في البلاغة، من فوائده تنبيه المخاطَب، انظُر إلى قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة ١٢] مقتضى السياق أن يقول: وبَعَثَ منهم، لكن قال: ﴿وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ﴾، فانتقل من الغيبة إلى التكلُّم لأجْل تنبيه المخاطَب. قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ عِلْمه بما نعمل يشمل العلمَ بالأشياء الظاهرة والأشياء الباطنة، قد يُذنب الإنسانُ ذنبًا ظاهرًا يعلمه الناسُ ويعلمه عز وجل، يعلمه ربُّ الناس، وقد يكون خَفِيًّا لا يعلمه الناسُ ولكن يعلمه الله تبارك وتعالى. * طالب: إذا ورد في تفسير التوبةِ (الندمُ) عن بعض الصحابة والتابعين، هو من باب ذِكْر أهمِّ الشروط أو هو بذِكْر أعظمها؟ * الشيخ: هو إمَّا أنَّه من باب الاقتصار على بعض الشروط، أو أنهم يخاطبون أحدًا يعرفون أنَّ الرجل لم يندم؛ قد أتى بوجهٍ واسعٍ غير مهتم ولا مكترث، فركَّزوا على هذا الشرط دون غيره. * طالب: لماذا كان تفسير المؤلف لقوله تعالى: (...)؟ * الشيخ: خطأ؛ لأنه زعم أن ﴿يَخْتِمْ﴾ يعني: يربط على قلبك، والربط ثناءٌ لا يتناسب مع السياق، ولم تأتِ (يختم) بمعنى يربط، بل تأتي (يختم) بمعنى يطبع؛ كما قال الله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة ٧]، وقال: ﴿طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة ٨٧]. * طالب: هل يجوز لنا أن نقول: عبَّر الله تعالى بالآية كذا؟ * الشيخ: إي نعم، يجوز؛ لأنَّ التعبير بمعنى الكلام، ووصْف الأفعال واسع، بالنسبة لأفعال الله عز وجل واسع، ما هو من جنس الأسماء، كلُّ ما يصحُّ أن يُنسَب لله فعبِّر به. * طالب: ما الفرق بين (العبارة عن كلام الله) و(الحكاية عن كلام الله)؟ * الشيخ: ليس هناك فرقٌ بيِّن، لكن الأشاعرة يقولون: عبارة، والكُلَّابية يقولون: إنه حكاية؛ فـ(العبارة) معناه أن الله خَلَق هذا الصوت ليعبِّر عما في نفسه، و(الحكاية) تُشبه ما يُعرف بالصدى؛ إذا كان الإنسان بين جبالٍ وتكلم تجد كلَّ الجبال يكون لها صوتٌ، تحكي صوت الله، وعلى كلِّ حالٍ العباراتُ الباطلة كلُّها سيِّئة، والله أعلم. * * * طيب، وفيه ﴿أَمْ﴾ هنا، متَّصلة أو منقطعة؟ * طالب: (...) بمعنى (بلْ) والهمزة. * الشيخ: نعم، ما هو الفرق بين المتصلة والمنقطعة؟ * الطالب: (...). * الشيخ: ما هو؟ * الطالب: (...) بمعنى (أو). * الشيخ: تمام، يعني بمعنى (أو). شيء آخَر: أنَّه لا بدَّ فيها من ذِكْر شيئينِ متقابلَينِ، أمَّا المنقطعة فهي التي بمعنى بلْ، ولا تقتضي الجمع بين شيئين متماثلين. قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾، نسأل عن شروط التوبة إجمالًا. * طالب: التوبة؟ * الشيخ: نعم، عشرة، خمسة. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، أولًا بأول، الإخلاص لله تعالى، والثاني الندم.. * الطالب: ثالثا: الإقلاع عن الذنب، والعزم على (...)، وأن يكون في زمن الإمكان. * الشيخ: أحسنت، خمسة شروط. ما تقول في توبة رجُلٍ سَرَق من شخصٍ مالًا، ثم غاب المسروق منه ولم يعلمْ به وأَيِس من رجوعه؟ * طالب: (...). * الشيخ: هو نَدِم، تاب إلى الله، وخاف من عقاب الله. * الطالب: (...). * الشيخ: ما يدري وين الآن، الآن لا يعلم مَن. * الطالب: (...). * الشيخ: لكنْ لا يعلم عنه، اختلَّ شرطٌ بغير اختياره. * طالب: نقول: توبته صحيحة، لكن (...) بهذا المال الذي سَرَقه لا بنِيَّة الأجر والثواب. * الشيخ: إي، يعني معناه لا تتمُّ توبتُه إلا إذا أخرج هذا المسروقَ عن ملكه فتصدَّق به، تمام؟ طيب، إذا كان المسروق منه كافرًا كيف يتصدَّق به عنه وهو لا يُقبل؛ لا تنفعه الصدقة؟ * طالب: نيَّة التصدُّق، لا يكون للكافر، ولكن نيَّة التبرُّؤ من هذا المال. * الشيخ: ما يخالف. يتبع هذا أي أساس؟ * الطالب: (...). * الشيخ: معلوم، هذا شرط، سواء مسلم أو كافر، لكن هذا لم أذكُره لكم، هذا يُجعَل في بيت المال؛ لأنَّ بيت المال بيتٌ لكلِّ مالٍ مجهولٍ صاحبُه. * * * ثم قال عز وجل: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى ٢٥]. * من فوائد هذه الآية الكريمة: رحمة الله تعالى بعباده حيث حثَّهم على التوبة؛ وجْهه في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾، فإنَّ هذا ليس مجرَّد خبرٍ أنَّ الله يقبل، بل هو حثٌّ من الله عز وجل أن نتوب إلى الله -اللهم وفِّقْنا للتوبة يا ربَّ العالمين- نظير ذلك أن أقول: مَن زارني أعطيتُه مئة درهم. معنى هذا حثُّ الناس على الزيارة، كلُّ إنسانٍ سوف يُقبل على الزيارة. ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ حثٌّ للناس بلا شكٍّ على التوبة إلى الله عز وجل. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيانُ كَرَمِ الربِّ عز وجل حيث يَقبل التوبةَ عن عباده مهما كان الذنب، واقرأْ قولَ الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر ٥٣]، التوبة من الكفر مقبولة أو غير مقبولة؟ * الطلبة: مقبولة. * الشيخ: مقبولة، والإسلام يَهدم ما قَبْله مهما عَظُم، حتى مَن سبَّ الله أو رسوله ثم أسلمَ تُقبل توبتُه لعموم الأدلَّة، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ يعني: عن كُفرهم ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨]. ما قد سَلَف منين؟ * الطلبة: (...). * الشيخ: وإنْ عظُمتْ؟ * الطلبة: (...). * الشيخ: وإنْ عظُمتْ؛ لقوله: ﴿مَا قَدْ سَلَفَ﴾، ﴿مَا﴾ اسم موصول يفيد العموم، حتى لو قَتَل هذا الكافرُ ألْفَ رجُلٍ مؤمنٍ ثم أسلمَ تاب الله عليه، ولذلك إذا أسلمَ الكفارُ وقد أتلفوا أموالَ المسلمين في الحرب هل يُضَمَّنون أموالَ المسلمين؟ لا يُضَمَّنون أموالَ المسلمين؛ لأنَّ الإسلام يهدم ما قبله. * ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى لُطف الله تبارك وتعالى؛ حيث قال: ﴿عَنْ عِبَادِهِ﴾، يعني كأنَّه -والله أعلم- لَمَّا كانوا عبيدًا له عامَلَهم بالرِّفق والعفو والتوبة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الله إذا تاب على العبد عفا عن سيِّئاته مهما عظُمت؛ لقوله: ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثباتُ عمومِ عِلْم الله سبحانه وتعالى لكلِّ ما نفعل؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾. يتفرَّع على هذه الفائدة التحذيرُ من المخالفة، وجه ذلك؟ * طالب: التحذير عن المخالفة؟ * الشيخ: نعم. * طالب: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾. * الشيخ: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾، يعني: فاحذروا أنْ تفعلوا شيئًا يُغضبه؛ فإنَّه عالِمٌ بِكُم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب