الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى ١٨] يقولون: متى تأتي؟ ظنًّا منهم أنها غير آتية، ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا﴾ أي: يستعجلونها، يقولون: أين هي؟ متى تكون؟ ليس ذلك حرصًا عليها ولا رغبة فيما يكون فيها من الخير، ولكنه استبطاء لها وإنكار لها، يقولون: وين الساعة اللي تقولون؟ كما قال عز وجل: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥]، وهم بهذا ملبسون مشبهون؛ لأنه لم يقل لهم: إنهم يأتون في الدنيا، يأتون يوم القيامة، فالرسل لم تقل: إن آباءكم سيأتون وأنتم أحياء؛ لأنه من مات لا يُبعَث إلا يوم القيامة: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون ١٥، ١٦] اللهم إلا أن تكون آية من آيات الرسل كما جرى لعيسى.
﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ أما الذين آمنوا فاسمع ماذا يقول الله عنهم: (﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ﴾ خائفون ﴿مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ )، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ﴾ والإشفاق: أشد الخوف، وتفسير المؤلف له بالخوف تقريبي، وليس على وجه التحديد؛ لأن الإشفاق خوف وزيادة، ﴿مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ خائفون منها؛ لأنهم يعلمون أنها الحق وأنها ستقوم، وستكون الأهوال العظام، ستكون الجبال كالعهن المنفوش، وستُدك الأرض، وكل ما ذكر في الكتاب والسنة مما يكون في الآخرة فإن الذين آمنوا مؤمنون به مشفقون منه.
قال الله تعالى: (﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ﴾ يجادلون ﴿فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ ) ﴿أَلَا﴾ أعربها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أداة استفتاحية يعني أداة استفتاح، الفائدة منها التنبيه والتحقيق والعناية، ولهذا تأتي بعدها غالبًا (إن)، و(إن) للتوكيد، مثل قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس ٦٢]، ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة ١٢]، فإذن ﴿أَلَا﴾ أداة استفتاح تفيد التوكيد والتنبيه والتحقيق.
* طالب: والعناية.
* الشيخ: والعناية، ﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾، (إن) للتوكيد، واللام في قوله: ﴿لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ لام التوكيد داخلة على الخبر ﴿لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ أي: لفي ضلال بعيد عن الهدى؛ لأن الضلال قد يكون قريبًا ويهتدي الإنسان عن قرب، وقد يكون بعيدًا فلا يهتدي والعياذ بالله إلا بعد الَّتي واللُّتيا.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن منكري الساعة يستعجلونها، يقولون: متى؟ والمراد بقولهم: متى الإنكار كما قال عز وجل: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المؤمن بالساعة خائف منها؛ لقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾، ولكنهم ﴿مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ يعني خائفين خوفًا يحملهم على العمل لها، لا خوف ذعر فقط، بل خوف يحملهم على العمل لها، وهذا هو الخوف النافع، أما مجرد الذعر فلا يكفي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى ترجيح جانب الخوف؛ لأن الله تعالى امتدح الذين يخافون من الساعة، وهذه المسألة اختلف فيها أرباب السلوك والمعارف: أيما أفضل؛ أن يغلب الإنسان جانب الخوف أو جانب الرجاء؛ فقال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه؛ لأنه إن غلب جانب الخوف وقع الإنسان في القنوط من رحمة الله، وإن غلب جانب الرجاء وقع في الأمن من مكر الله، وكلاهما خطر على الإنسان. وقال بعض العلماء: ينبغي عند إرادة العمل السيئ -يعني عند إرادة المعصية- أن يغلب جانب الخوف لئلا يقع فيه، وعند فعل الطاعة أن يغلب جانب الرجاء. وهذا جيد جدًّا؛ لأنه عند الهم بالمعصية إذا لم يغلب جانب الخوف وقع فيها، وعند فعل الطاعة إذا لم يغلب جانب الرجاء لم ينشط على الطاعة.
فعليه نقول: إن تغليب أحد الجانبين -الخوف والرجاء- يرجع إلى حال الشخص؛ في حال الهم بالمعصية يغلب جانب الخوف، وفي حال فعل الطاعة يغلب جانب الرجاء؛ لئلا يقنط من رحمة الله وييئس من رَوح الله، فيغلب جانب الرجاء، ويكون رجاؤه هذا مبنيًّا على أنه لما يسر الله له فعل الطاعة فإن رجاءه بالله يكون أعظم وأمكن، فيكون الله تعالى عند حسن ظنه به. هذان قولان.
القول الثالث: في حال المرض ودنو الأجل يغلب جانب الرجاء حتى يموت وهو محسن ظنه بالله عز وجل، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف؛ لأن الإنسان إذا كان صحيحًا فإنه يكون عنده شيء من البطر والأشر، وربما يقدم على المعاصي والتهاون بالواجبات، فيغلب هنا جانب الخوف.
ولهذا جاء في الحديث: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»[[أخرجه البخاري (٦٤١٢) من حديث عبد الله بن عباس.]]. وعند العوام يقولون: نعمتان مجحودتان؛ الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان. هذا ما هو صحيح، الصحيح: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». ولم يكن فارغًا إلا لأنه غني؛ لأن الفقير لا يكون فارغًا يعمل ويكدح ويكتسب، فهاتان النعمتان كثير من الناس مغبون فيهما لأنه لا يربح فيهما، إذن هذا قول ثالث ما هو؟ في حال المرض يغلب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف، ولكن القول الوسط وما أشرنا إليه هو القول الثاني: إذا هم بالمعصية فليغلب جانب الخوف، وإذا فعل الطاعة فليغلب جانب الرجاء.
* طالب: بالنسبة (...) الساعة، فيه كتاب نازل في الأسواق يتحدث عن تاريخ نهاية أمة الإسلام، وهذا الكتاب يستند على أحاديث أقلها يصححها الشيخ الألباني، ونزلت ثلاثة كتب الآن: العلامات الصغرى يقول: أنها كلها خرجت، والذي بقي منها هذه تسمى أحداثًا تقع بعد خروج بعض العلامات الكبرى، مثل كنز الفرات وتعود مروجًا وأنهارًا جزيرة العرب، ويذكر أيضا في الكتاب -طبعا الكتاب مزكى من بعض علماء الأزهر- والأحاديث اللي فيه صحيحة أغلبها يعني إلى درجة الحسن، يحسنها الشيخ الألباني، ويستدل بأحاديث في حصار العراق، حصار العراق هذا ورد في حديث عن النبي ﷺ هذا الحصار، ويقول: إن الأمة ويستدل بأحاديث الأجراء، ويأتي بكلام لشيخ الإسلام، الأجراء الأمم اللي عملت بالنهار، والأمم اللي عملت بالليل، يعني طويلة بصراحة، وجاب أغلب الكتاب الثالث ردًّا على اللي ردوا عليه وقال: أنا ما هو أول واحد يعني سلك هذا المسلك، ابن حجر وأيضا ابن رجب وابن عساكر، وكثير من أهل العلم، والسيوطي تكلموا في هذا الباب، فلماذا تنكرون علي؟ طبعا هو بيقول: باقٍ عليها سبعون سنة أو ثمان وستون سنة وتنتهي أمة الإسلام، يقول: قد تزيد قليلًا وتنقص قليلًا، أما علم الساعة فعند الله سبحانه وتعالى، وهذا عمر أمة الإسلام، والله أعلم.
* الشيخ: لا شك أن هذا كذب ودجل واتباع للمتشابه، عندنا آيات صريحة مثل الشمس: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأعراف ١٨٧] كرره، كيف يجي واحد يقول: أنا أعلم. أما عمر الأمة الإسلامية بمعنى أن الإسلام يزول بعد هذه المدة فهذا قد يقول قائل: إنه ممكن وقد يقول: إنه غير ممكن العلم به؛ لأن قيام الساعة يكون على شرار الخلق حتى لا يقال: الله الله، لكن هذا ما عندنا علم منه، فكل هذا باطل، وكل هذا يجب أن يكذب وينكر، وأما الأحاديث التي يستدل بها فينظر أولًا في سندها وصحتها، وليس كل ما صححه فلان أو فلان يكون صحيحًا، البخاري رحمه الله قد يذكر تعاليق هو يجزم بصحتها كما قالوا: إنه إذا ذكر التعليق مجزومًا به فهو صحيح عنده، ومع ذلك هي ضعيفة، إمام المحدثين، وثانيًا: إذا تم النظر في صحتها وصارت صحيحة ينظر في دلالتها، فلا يمكن أن تدل الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ بخلاف ما جاء في القرآن، وبخلاف ما هو صريح في السنة. وقول الرسول ﷺ: «أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»[[أخرجه مسلم (٨/ ١) من حديث عمر بن الخطاب.]] يدل على أن من ديننا أن نؤمن بأنه لا علم لأحد بقيام الساعة.
{"ayah":"یَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَیَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱلَّذِینَ یُمَارُونَ فِی ٱلسَّاعَةِ لَفِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق