الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ [الشورى ١٥] فلذلك المشار إليه إقامة الدين وعدم التفرق فيه.
وقوله: ﴿فَادْعُ﴾ الفاء زائدة لتحسين اللفظ، والأصل: فلذلك ادعُ، ولهذا نقول: إن هذه الجملة فيها حصر، تقديم ما حقه التأخير، ما هو الْمُقدَّم؟ الجار والمجرور؛ ولذلك قلت لكم: إن الفاء في قوله: ﴿فَادْعُ﴾ زائدة لتحسين اللفظ، ولولا أنها من كلام الله لقلنا فلذلك ادعُ، وهذا هو السر في أن قلنا: إن هذه الجملة تفيد الحصر.
﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ قال المؤلف رحمه الله: (﴿فَلِذَلِكَ﴾ التوحيد). ولو قال: ﴿فَلِذَلِكَ﴾ أي لإقامة الدين، وعدم التفرق فيه لكان أجود ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ والخطاب للرسول ﷺ؛ ولهذا قال المؤلف: (يا محمد، الناسَ) الناس أشار به إلى أن مفعول ﴿ادْعُ﴾ محذوف، والتقدير (الناس).
(﴿وَاسْتَقِمْ﴾ عليه ﴿كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [الشورى ١٥] في تركه) ﴿اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ هذا ليس خاصًّا بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى في سورة هود: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ [هود ١١٢].
وقوله: ﴿اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ أي على الوجه الذي أُمرت من غير زيادة ولا نقص. ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ما أهواؤهم التي نُهي عن اتباعها؟ ما يخالف ما أُمِر به؛ ولهذا قال المؤلف الشارح: (في تركه).
﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ [الشورى ١٥] ﴿قُلْ﴾ معلنًا لهم ولغيرهم: ﴿آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ ﴿آمَنْتُ﴾ بمعنى: أقررت، والإيمان: هو الإقرار المستلزِم للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار؛ ولهذا نقول: إن أبا طالب ليس بمؤمن، مع أنه مقر برسالة النبي ﷺ، فإنه كان يقول في لاميته المشهورة:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِالْأَبَاطِلِ
ويقول:
؎وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا؎لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ ∗∗∗ لَرَأَيْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُـــبِينَا
ولكنه -والعياذ بالله- قد سبقت له من الله الشقاوة، فكان آخر ما قال أنه على ملة عبد المطلب، وصرح في تلك الحال أنه لولا أن قومه يلومونه ويقولون عندما أيس من الحياة آمن لآمنت، هكذا يقول -والعياذ بالله- وهو في سياق الموت.
فقوله: ﴿آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ نقول: الإيمان هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان. أبو طالب مقر لكنه لم يقبل، ولم يُذعن، فصار كافرًا.
﴿آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ أي: بالذي أنزل الله من الكتب كلها، وهكذا يجب علينا نحن أيضًا أن نُؤمن بما أنزل الله من كتاب، ولكن هل يجب علينا أن نتبع ما أنزل الله من كتاب؟
الجواب: لا، نتبع ما جاء في شريعتنا، وإن خالف ما في الشرائع الأولى، لكن نؤمن بأن الكُتب النازلة على موسى وعيسى وداود وغيرهم من الأنبياء نؤمن بأنها حق، أما الاتباع فهو لشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾. ويش اللي بعد ﴿لِأَعْدِلَ﴾ عندكم؟
* طالب: (...) ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ﴾ قال المؤلف: (لأن أعدل بينكم).
* الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أن اللام في قوله:﴿لِأَعْدِلَ﴾ بمعنى الباء؛ أي أُمرت بأن أعدل ﴿بَيْنَكُمُ﴾. هذا ما قدره المؤلف رحمه الله تعالى، ولا شك أن هذا تقدير سهل، سهل أن يقول: اللام بمعنى الباء، ويمشي، لكن إتيان اللام بمعنى الباء قد لا يكون سائغًا في اللغة العربية، وأن الله تعالى أمر رسوله ﷺ بأمر فوق ذلك، أي: ﴿وَأُمِرْتُ﴾ بالشرع أو بالعدل ﴿لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ فيكون المأمور به محذوفًا، ويكون الموجود هو العلة، أُمرت بكذا لأعدل بينكم، وهذا أبلغ من أن نقول: اللام بمعنى الباء، ويكون أُمرت بالعدل بينكم، لا، نقول: أُمرت بالشرع والإيمان بكل كتاب ﴿لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ في الحكم.
﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ هذه الجملة حق لا شك فيها. ولكن قد يقول قائل: ما الفائدة منها؟ أليس هذا كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا؟ لأن هؤلاء يُقرون بأن الله ربهم، فما الفائدة؟
الفائدة من ذلك هو إلزامهم أن يكونوا مثل ما كنا عليه من الدين؛ لأن الرب واحد ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ بإقراركم، فإذا كان كذلك فالواجب عليكم أن تخضعوا لأوامر ربكم عز وجل، ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ يعني أنه لا يضرنا عملكم ولا يضركم عملنا، فإذن لا تتعقلوا بنا ولا نتعلق بكم، كُلٌّ له عمله، فكل يُجازَى بعمله.
﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ كيف لا حجة بيننا وبينكم ولدينا الحجة عليهم؟ المقصود: لا حجة قال الشارح: (خصومة بأن أعدل ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ ) إلى آخره.
والصواب: عدم تقدير: بأن أعدل؛ لأنه لا داعي له، بل المعنى: لا حجة قائمة على وجه الخصومة بيننا وبينكم؛ لأننا قد أيسنا منكم، ولن تنفع فيكم المحاجة؛ ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾، قال: (هذا قبل أن يُؤمر بالجهاد).
وبعد أن أمر الجهاد صار لهم أعمالنا ولنا أعمالهم؟ هل حين شُرع الجهاد تبطل المحاجة؟ لا، ولهذا نقول للمؤلف رحمه الله: عفا الله عنك، أولًا: أثبِتْ لنا أن هذه الآية قبل الأمر بالجهاد، فإذا قال: هذه الآية مكية، والجهاد إنما أُمر به في المدينة، نقول: أثبِت لنا أنه لما أُمر بالجهاد بطلت هذه البراءة. لا يستطيع أن يثبت ذلك، والله سبحانه وتعالى إنما يتحدث في هذا عن حال المشركين والنبي ﷺ بين أظهُرهم في مكة، وهذا أصلًا لا جهادَ فيه حتى نقول: إن هذا من باب النسخ.
(﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ في المعاد لفصل القضاء ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ المرْجِع) والجملة ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ فيها حصر، طَريقُه تقديم ما حقه التأخير، والله أعلم.
* طالب: هل نقول: إن النسخ شامل للأمم السابقة أو خاص بأمة دون (...)؟
* الشيخ: لا، لنا ولغيرنا، اسمع قول الله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء ١٦٠]، هذا نسخ، كانت هذه الطيبات حلالًا، ثم نُسخت وحُرِّمت، والشريعة واحدة، أما الشريعتان فقال عيسى لبني إسرائيل: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران ٥٠].
* طالب: قول المؤلف: (هذا قبل الجهاد)، لعله يقصد الخصومة بين المسلمين والكفار؟
* الشيخ: لا، كثير من العلماء، ومنهم المؤلف، إذا أتوا مثل هذه الآيات قالوا: هذا قبل الأمر بالجهاد، ويعني ذلك أنه منسوخ؛ كقوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦] قال: هذا قبل الأمر بالجهاد؛ لا حاجة، البراءة موجودة حتى بعد الأمر بالجهاد.
* الطالب: شرع من قبلنا؟
* الشيخ: هذا فيه خلاف، بعض العلماء يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، وبعضهم يقول: لا، شرع من قبلنا لهم ولنا شرْع؛ لقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨]، والمسألة لها ذيول طويلة وبحوث عميقة في أصول الفقه، والظاهر لي أن شرع من قبلنا الذي أوحاه الله إلينا شرع لنا؛ لأن الله لم يُوحِ إلينا عبثًا بل لنعتبر، ثم إن نُسخ في شريعتنا نُسِخ؛ ولذلك تجد العلماء يستنبطون أحكامًا كثيرة من قصص الأنبياء، لشيخنا رحمه الله فوائد مستنبطة من قصة يوسف؛ رسالة.
* الطالب: هل من فائدة وحكمة في تخصيص النبي ﷺ بالوحي، وباقي الأنبياء بالوصية؟
* الشيخ: نعم، الحكمة هو إثبات أن هذا القرآن مُوحًى به.
* الطالب: في بعض الإذاعات قراءة من التوراة، فهل يجوز للعوام ولطلبة العلم الاستماع لها؟
* الشيخ: أثبت لي هذا بارك الله فيك، أنا أطالبك بصحة النقل.
* الطالب: أنا سمعت من الإذاعة بنفسي.
* الشيخ: السعودية؟
* الطالب: لا، في لبنان يا شيخ..
* طالب آخر: عن طريق إذاعة أخرى ليست من إدارة البلاد، يسمع الإنسان..
* الشيخ: من يمنع الجو؟! لا، ما يجوز أبدًا، يُروى أن عمر بن الخطاب أرى النبي ﷺ صحيفة من التوراة فغضب، وقال: «أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، لَقَدْ جِئْتُ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»[[أخرج أحمد (١٥١٥٦) بسنده عن جابر بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب، أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبي ﷺ فغضب وقال: «أَمُتَهَوِّكُونَ فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني». ]]. أبدًا، ولا يجوز، لكن المشكل من يمنع الجو؟ إنما أنا متردد، هل نحذر العوام من سماع هذه الإذاعات؟ لأن مع الأسف الشديد أن هذه الإذاعة تأتي صوتها عاليًا وواضحة كل الوضوح، هل نحذر الناس؟ فيه إشكال؛ لأنك إذا حذرت الناس فتحت الباب لاستماعها، يقولون: ما هي اللي حذر منها؟ وإن تركتهم فأكثر الناس لا يسمعونها والحمد لله.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [الشورى ١٥].
* من فوائد الآية الكريمة: وجوب الدعوة إلى توحيد الله عز وجل؛ لقوله: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ وتقديم المعمول يدل على الاهتمام به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب على المرء أن يستقيم كما أُمِر فلا يحدث في دين الله ما ليس منه؛ لقوله: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجوز توجيه الأمر لمن كان متصفًا به من قبل من أجل الثبات عليه؛ لقوله: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾؛ لأن النبي ﷺ استقام كما أُمِر من حين ما أُرسِل، بل من حين ما بُعِث، لكن المراد بذلك الثبوت على هذا الشيء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ عبد مأمور يُوجَّه إليه الأمر، وليس له من الأمر شيء، كما قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران ١٢٨] وهنا قال: ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على أولئك القوم الذين يدعون أن للنبي ﷺ تصرفًا في الكون وتدبيرًا له، ومن باب أولى أن يكون فيها رد على القائلين بأن من دُون الرسول عليه الصلاة والسلام له تصرف في الكون؛ كقول الرافضة، وبعض الصوفية الذين يدعون أن مِن أئمتهم من يتصرف في الكون، وأولئك الصوفية يدَّعون أن من أقطابهم مَنْ يتصرف في الكون؛ فهؤلاء لا شك أنهم ضالون مشركون بالله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: النهي عن اتباع الهوى؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾.
فإن قال قائل: هل اتباع الهوى محمود أو مذموم؟
قلنا: أما ما كان موافقًا للشريعة فهو محمود؛ ولهذا رُوِي عن النبي ﷺ أنه قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»[[أخرجه ابن بطة في الإبانة (٢٧٩) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ]]. وأما ما خالف الشريعة فإنه مذموم.
* ومن فوائد هذه الآية: تثبيت الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن مثل هذه الأوامر والنواهي تؤيده وتثبته وتقويه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الإيمان بكل ما أنزل الله من كتاب؛ لقوله: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ [الشورى ١٥]، ولكن كيف يكون الإيمان بالكتب السابقة؟ الإيمان بالكتب السابقة يكون بالإيمان بأنها نازلة من عند الله عز وجل حقًّا، وأما اتباعها فإنه منسوخ بهذه الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإن قال قائل: وهل نؤمن بأن الكتب التي في أيدي النصارى واليهود الآن هي الكتب النازلة على أنبيائهم؟
فالجواب: لا، لأن الله تعالى ذكر أنهم حرَّفوها وأخفوا كثيرًا منها؛ فذلك لا ثقة لنا بما عندهم من الكتب التي يزعمونها كتب الله.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب العدل؛ لقوله: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ في كل معاملة، بل حتى في معاملة الله عز وجل فإن الواجب العدل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل ٩٠]، ولما بعث النبي ﷺ عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر من أجل مقاسمتهم جمعهم وقال لهم: إني أتيت من أحب الناس إليَّ، وإنكم لأبغض إليَّ من عِدَّتكم من القردة والخنازير، وليس حبي إياه وبُغضي إياكم بمانع من أن أقوم فيكم بالعدل. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أنه لو اجتمع مسلم وكافر في خصومة بين يدي القاضي فإن الواجب عليه أن يعدل بينهما في الجلوس، وفي النظر، وفي الكلام، يعني لا يتكلم للكافر بغِلْظة وينظر إليه شذرًا، وإنما يعامله كما يعامل المسلم؛ لأن العدل واجب، ولا يجوز في مقام الحكم أن نُفرِّق بين فلان وفلان؛ ولهذا قال: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إعلان ما به الإلزام للخصم؛ لقوله: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ يعني وإذا كان ربنا وربكم فالواجب أن ننقاد جميعًا لأوامره.
فإن قال قائل: وهل الله تعالى رب للكافرين؟
فالجواب: نعم، رب كل شيء، لكن لا يُضاف إليه فيقال: رب الكافرين كذا اللهم إلا في مقام الاحتجاج؛ لأنه وإن كان الله تعالى خالق كل شيء ورب كل شيء لكن لا ينبغي أن تُضاف ربوبيته وخلقه إلى أقبح خلقه، كما أننا نعلم أنه سبحانه وتعالى رب الكلاب، ورب الخنازير، ورب القردة، وما أشبه ذلك، لكن لا نقول: رب القردة، ورب الكلاب، وما أشبه ذلك، وهذه نقطة قد لا يتفطن لها بعض الناس وهي الأدب في التعبير.
ويذكر أن أحد الملوك رأى في المنام أن أسنانه ساقطة، فدعا معبرًا يعبر الرؤيا، فعبرها هذا العابر بأن حاشيته تموت وأهله؛ لأن الإنسان بأسنانه يتغذى ويحفظ حياته، فأمر بسجنه، ثم إنه دعا عابرًا آخر فقال له: أطولهم عمرًا، فأكرمه وارتاح لقوله، والمعنى واحد؛ لأنه إذا مات أهله قبله صار أطولهم عمرًا لكن التعبير يختلف.
هنا ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ أضاف ربوبيته عز وجل إلى الكافرين لكن في مقام الاحتجاج، ثم إنه يسهل الأمر أنه قال: ﴿رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ لإفادة العموم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى سوف يجمع بين الناس يوم القيامة ويحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؛ لقوله: ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ [الشورى ١٥].
* ومن فوائدها: أن المرجع إلى الله خاصة؛ لقوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ لكن في شيء؟ هل معنى: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ يوم الحساب أو: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ في كل شيء؟
الجواب: الثاني؛ إليه المصير في كل شيء، إن أردنا الحكم الشرعي فالمصير إلى الله، الحكم القدري؛ المصير إلى الله، الحكم في الدنيا؛ المصير إلى الله، الحكم في الآخرة؛ المصير إلى الله، فكل شيء فإن مصيره إلى الله عز وجل.
* يتفرع على هذه القاعدة: أن الإنسان لا يرجو، ولا يخاف، ولا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يستعين إلا به.
{"ayah":"فَلِذَ ٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَاۤ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَـٰبࣲۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











