الباحث القرآني
طالب: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت ٩ - ١٢].
* الشيخ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت ٨] لَمَّا ذكر عقوبة المشركين بيَّن ثواب المؤمنين؛ لأن الله تعالى أنزل هذا الكتاب مثانِيًا، وإنما كان الأمر كذلك؛ ليكون الإنسان سائِرًا إلى ربِّه بين الخوف والرجاء، فإنه إذا سَمِعَ عقوبةَ المكذبين خاف، وإذا سمع ثواب المؤمنين رجا، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون سائرًا إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء ٩٠]، ولكن في بعض الأحيان قد يكون من المصلحة تغليبُ الرجاء أو مِن المصلحة تغليب الخوف فإذا اشتَدَّت رغبة الإنسان في المعصية فَليُغَلِّب جانب الخوف حتى يرتدِع عنها، وإذا فعل الإنسان العبادة فَليُغَلِّب جانب الرجاء وهو قبول الله تبارك وتعالى لها، وكذلك أيضًا ينبغي له في حال المرض أن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى وأن يُحسِنَ الظن به كما جاء في الحديث: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ»[[أخرجه مسلم (٢٨٧٧ / ٨١) من حديث جابر بن عبد الله.]] تبارك وتعالى.
يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ جَمَعَ الله تعالى بين العقيدة والعمل، بين الإيمان والإسلام؛ ﴿آمَنُوا﴾: العقيدة، ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: الإسلام، وهذا -كما ترَوْن- يقع في القرآن كثيرًا؛ فالإيمان وحده لا يكفِي بل لا بد مِن عملٍ صالح حتى يحصُلَ الثواب، وكلما جاءت ﴿آمَنُوا﴾ فالمراد: ﴿آمَنُوا﴾ بما يجب الإيمان به من الأصول الستة التي بيَّنَها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لجبريل حين قال: «الْإِيمانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]]؛ وذلك لأن الإيمان المُجمَل في القرآن تفسره أو يفسِّرُه تفصيل السنة؛ لأنه لا أحد أعلم بكتاب الله من رسول الله ﷺ.
أما قوله: ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فمعلوم أن ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ وصفٌ لموصوفٍ محذوف؛ التقدير: الأعمال الصالحات، فما هي الأعمال الصالحات؟ الأعمال الصالحات: ما جمعَت شرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عمَلٍ فيه شِرْك فإنه ليس بصالح وهو مردودٌ على صاحبه لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]] وكذلك أيضًا لا بد مِنَ اتِّباع الرسول؛ فالعمل البدعِيُّ غير مقبول وإن أخلص الإنسان فيه؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة.]] إذن الأعمال الصالحات لا بد أن تتضَمَّن شيئين وهما: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت ٨] هذه الجملة خبر ﴿إِنَّ﴾ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قد نقول: إن تقديم الجار يدل على الحصر أي لهم لا لغيرِهم مِن المكذِّبين أو الفاسقين ﴿أَجْرٌ﴾ أي: ثواب ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ يقول المفسر: (غير مقطوع) بل هو دائم؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ٦٢]، وقيل: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غير ممنونٍ بِهِ أي يُعطَوْنه بلا مِنَّة وهذا محتمِل وإذا كان محتمِلًا ولا ينافي المعنى الأول كان المراد بالآية المعنيين جميعًا؛ إذ لدينا قاعدة في التفسير وكذلك في الحديث مهمة وهي: إذا كان النَصُّ يحتمِلُ معنيين لا ينافي أحدُهما الآخر فإن النص يُحمَل عليهما جميعًا؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما يحتمله كلامُه وكذلك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما لمْ يُعَيِّن أحد الاحتمالين وجب أن يكون شاملًا لهما، لكن إذا كان أحدهما أرجحَ من الآخر فإنه يُتَّبَع الأرجح ولهذا نقول: يُقَدَّمُ ظاهر النص على تأويل النص والتأويل كما تعلمون هو اتِّباع المعنى المرجوح.
إذن ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي: ثواب غير مقطوع وثواب غير ممنون به.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾ [فصلت ٩] ﴿قُلْ﴾ أي: يا محمد لهؤلاء المكذِّبِين ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾ الجملة هذه استفهام بمعنى التقرير يعني: إنكم لتَكفرون، و(إن) للتوكيد و﴿لَتَكْفُرُونَ﴾ للتوكيد أيضًا؛ وذلك لأن اللام الواقعة في خبر (إن) أو اسمِها المؤَخِّر تكونُ للتوكيد.
﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ﴾ هذا إعرابها فـ(إنَّ) تنصب المبتدأ وترفع الخبر والكاف اسمُها، وجملة ﴿لَتَكْفُرُونَ﴾ خبرُها، أما مِن حيث القراءات فاستمع: يقول: (بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلِها) تحقيقها أن تقول: ﴿أَئِنَّكُمْ﴾ تسهيلها أن تقول: ﴿﴿أَاِنَّكُمْ﴾ ﴾ سهِّلْها تمرُّ بها بسرعة (وإدخال ألف بينهما بوجْهيها وبين الأولى) (بوجهيها) ما هما الوجهان؟ التَّحقيق والتسهيل، أدخِلْ ألفًا بينهما على القراءتين تكون القراءاتُ أربعًا: إدخال الألف تقول: ﴿﴿آئِنَّكُمْ﴾ ﴾ هذا في التحقيق ﴿﴿آاِنَّكُمْ﴾ ﴾ هذا بالتسهيل.
إذن تحقيقٌ وتسهيل بألف وبدونِها، اثنان في اثنين بأربع قراءات.
﴿لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ تكفرون به أي: تجحَدُونه وتستكْبِرُون عن عبادته؛ لأن الكفر كله يدور على شيئين، انتبهوا لهما، الكفر يدور على شيئين: إما جحد وإما استكبار؛ فمثلًا الشيطان إنما كفر بأيش؟ بالاستكبار، وإلَّا فهو مُقِرٌّ بالله وبعزة الله وبقدرة الله لكنه استكبر، وآل فرعون ومَن شابههم كفروا بأيش؟ بالجحود، فمدارُ الكفرِ كلِّه على هذين الأمرين: الجَحْد أو الاستكبار، فقوله: ﴿لَتَكْفُرُونَ﴾ يشمل المعنيين؛ لأنهم جحدوا توحيدَ الله عز وجل واستكبرُوا عن عبادته.
﴿بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ لم يقل: بالله، بل أتى بفعلٍ مِنْ أفعاله جل وعلا، فعل لا تقدر عليه هذه الأصنام، والإتيانُ بالفعل الذي لا تقدر عليه الأصنام هو إقامة للحجة في نفس الوقت؛ أي: تكفرون بهذا مع أن أصنامكم لا تفعله.
﴿لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ قال المفسِّر: قال: (الأحد والاثنين)؛ لأن أول يوم ابتدأ الله فيه الخلق الأحد.
﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ الواو حرف عطف و﴿تَجْعَلُونَ﴾ معطوفة على ﴿تَكْفُرُونَ﴾ لا على الصلة؛ يعني: لا على ﴿خَلَقَ﴾.
(﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ شركاء) ﴿أَنْدَادًا﴾ جمع نِدٍّ، والند في الأصل هو المساوي والمماثل يقال: هذا نِدُّ هذا أي: مماثل له ونظير له، والمراد بهم هنا الشركاء الذين يعبدونهم كما يعبدون الله، والعجب أن هؤلاء المشركين من سفههم يقولون: إنما نعبدهم أيش؟ ليقرِّبونا إلى الله، تعبدونهم مع الله وتقولون: يقربونا إلى الله؟ إن الله غني عن هذا وهذا لا يزيدكم من الله إلا بُعدًا.
﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ أتى باسم الإشارة دون الضمير ثم جعلها إشارة بُعْد للتعظيم والتفخيم والتعلية؛ لأن البعد هنا إشارةٌ إلى المكان العالي ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ لو قال: هو رب العالمين استقام الكلام، لكن لم يحصُل ما تدلُّ عليه الإشارة من التعظيم ثم ما يدل عليه صيغة البُعد من العلو نظيرُ ذلك ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ١، ٢] ولم يقل: هو الكتاب ولا هذا الكتاب إشارةً إلى ما ذكرنا، ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، قال المفسر: (مالك) وفي هذا التفسير قصور، بل نقول: خالق ومالك ومدبِّر؛ لأن الربوبية هي الخلق والملك والتدبير، فإذا قلنا: (مالك) صار في هذا قصور.
﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: خالقهم ومالكهم ومُدَبِّر أمورهم.
(﴿الْعَالَمِينَ﴾ جمع عالم وهو ما سوى الله) عز وجل، كل ما سوى الله فهو عالم وسُمِّيَ عالمًا؛ لأنه علم على خالقه جلَّ وعلا، فإن كلَّ شيء فيه آية تدلُّ على وحدانية الله وقدرته وحكمته وعزته وغير ذلك، قال: (﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ جمع عالم، وهو ما سوى الله وجُمِعَ لاختلاف أنواعه) يعني: لم يقل: العالم، بل أتى بالعالمين (لاختلاف أنواعه، بالياء والنون تغليبًا للعقلاء).
فإن قال قائل: هل العقلاء أكثر أو غير العقلاء؟
* طلبة: الثاني، العقلاء.
* الشيخ: عندنا الآن قولان: العقلاء أكثر، غير العقلاء أكثر، ما فيه قول بالتوقف؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: نعم؟ أقول ما في شيء بالتوقف؟
* طالب: ما أحد يستطيع أن يجزم.
* الشيخ: إذن قل: أنا متوقف، إذا كنت لا تجزم قل: متوقف حتى يكون هناك قول ثالث؟ فيقال: إن قيل: العقلاء أكثر يحتاج إلى دليل، وربما يكون دليله أن النبي ﷺ قال: «أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ؛ مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعٍ مِنْهَا إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»[[أخرجه الترمذي (٢٣١٢)، وابن ماجه (٤١٩٠) من حديث أبي ذر.]] والسماء واسعة عظيمة، كل سماء أوسع مما تحتها، فمن يحصي هؤلاء؟ هذا شيء عظيم، البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم من الملائكة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، مَنْ يحصي الأيام؟ وكل يوم يضرب بسبعين ألف ملك، فإذا رأينا إلى هذا قلنا: العقلاء أكثر، من يحصي هؤلاء؟! وإن نظرنا إلى ما في الأرض قلنا: غير العقلاء؟
* طلبة: أكثر.
* الشيخ: أكثر، فعلى هذا التقدير أن المراد مثلًا أن نريد (من في الأرض) نقول: إنه غُلِّب العقلاء لشرفهم، والحاصل أن تغليب العقلاء إن كان العقلاء أكثر فغُلِّبُوا لأيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لكثرتهم، وإن قلنا: غير العقلاء أكثر فغُلِّب العقلاء..
* طالب: (...).
* الشيخ: يُغلَّب مَنْ ليس بمميز؟
* طالب: تشريف.
* الشيخ: لشرفهم صح، على كل حال تغليب العقلاء الآن إن كان العقلاء أكثر أيش؟ فلكثرتهم، إن كان غير العقلاء أكثر فلشرف العقلاء ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
قال: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ (﴿جَعَلَ﴾ مستأنَف) يعني: وليس معطوفًا على ﴿خَلَقَ﴾، والعجب أنه يقول: (ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي) هذا ما ذهب إليه المؤلف أن قوله: (﴿وَجَعَلَ﴾ مستأنف)، ولا شك أننا إذا جعلناه مستأنفًا لم يكن الكلام منتظمًا، والصواب أنه على خلاف ما قال المؤلف: أن ﴿جَعَلَ﴾ معطوفة على ﴿خَلَقَ﴾ يعني ﴿بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ والفاصل الأجنبي هنا لا يضر إما أنه لا يضر مطلقًا كما قيل به، وإما أنه لا يضر؛ لأنه في مضمون الكلام والكلام واحد، فالصواب أن قوله: ﴿وَجَعَلَ﴾ معطوفة على ﴿خَلَقَ﴾ أي: ﴿بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾.
(﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ جبالًا ثوابت) أولًا: ﴿جَعَلَ﴾ هنا هل هي من أفعال التصيير أو من أفعال الإيجاد؟
* طلبة: الإيجاد.
* الشيخ: يحتمل المعنى: وأوجد فيها رواسي ويحتمل أن تكون من أفعال التصيير أي: صيَّر فيها رواسي والمعنى لا يختلف، لكن الإعراب يختلف، إذا قلنا: من أفعال التصيير صارت تنصب مفعولين، وإذا قلنا: من أفعال الإيجاد صارت تَنْصِب مفعولًا واحدًا، وقول المؤلف: (جبال ثوابت) أفادنا رحمه الله أن ﴿رَوَاسِيَ﴾ صفة لموصوف محذوف والتقدير: جبالًا رواسي، و﴿رَوَاسِيَ﴾ بمعنى ثوابت.
﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ هل يجوز أن يُحْذَف المنعوت؟ نعم، وهو كثير جدًّا.
؎وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ∗∗∗ يَجُــــــــوزُ حَــــــذْفُهُ وَفِي النَّعْتِيَقِـــــلّْ
أي: وفي المنعوت يكثُر ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ ١١] أي: دروعًا سابغات، المهم كثيرة.
﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ كما مر علينا، حذف المنعوت كثير؛ لأن المقصود الصفة والصفة تكون بأيش؟ بالنعت وهو موجود.
﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾ أي: هذه الرواسي من فوق.
* طالب: إعراب (جعل) بمعنى صير؟
* الشيخ: إي نعم، يعني: صير فيها رواسي.
* طالب: المفعول الأول والثاني.
* الشيخ: المفعول الأول هو ﴿رَوَاسِيَ﴾، والثاني الجار والمجرور، وقوله: ﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾ انتبه لهذه الكلمة لها فائدة عظيمة، الرواسي قد تكون من أسفل وقد تكون من فوق، أليس كذلك؟ قد تكون من أسفل يعني يكون مثلًا يحفر في الأرض قواعد ترسي وتكون راسية، لكن هنا قال: ﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾؛ وذلك لفوائد:
الفائدة الأولى: ظهور هذه الرواسي وبيانها للناس حتى يعرفوا بذلك حكمة الله عز وجل، وربما لا تكون رواسي إلا إذا كانت من فوق بناءً على أن الأرض تدور حتى تحفظ أيش؟ توازنها.
ثانيًا: هذه الرواسي إذا كانت من فوق حصل فيها من المنافع في درء العواصف وفي الملاجئ شيء كثير كما هو معروف في المغارات وكما يُعْرف من سفوح الجبال وخدودِ الجبال ورؤوس الجبال، من نوابت لا توجد لولا هذه المرتفعات.
وثالثًا: أنها توجب أن تندفع مياه الأمطار بشدة حتى تصل إلى أراض صالحةٍ للنبات؛ لأنكم تعرفون أن بعض الأرض سبخات ما فيها خير وبعضها رياض تنبت، فإذا نزل الماء على هذه الجبال على قممها وعلى خدودها نزل إلى الأرض بشدة عظيمة حتى يصل إلى ما أراد الله إيصاله.
ورابعًا: أن في قمم الجبال من المعادن الجيدة أكثر مما في الأرض السفلى ولهذا قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد ٢٥] أنزلناه من قمم الجبال؛ ولهذا يقول العلماء يقولون: إن الحديد الذي يكون من قمم الجبال أعلى وأقوى من الذي يكون من الأسفل، هذا ما نعلمه وما لا نعلمه أكثر، المهم أن كلمة ﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾ صار لها فائدة عظيمة، ذكرنا منها الآن أربع فوائد.
(﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا﴾ بكثرة المياه والزروع والضروع) ﴿بَارَكَ فِيهَا﴾ أي: في الأرض، وما أعظم بركات الأرض من الزروع والأشجار والأنهار والمعادن وغيرها من بركات الأرض، وقول المؤلف: (الضروع) يعني ضروع البهائم؛ لأن البهائم كلما شَبِعَت من الربيع ازداد دَرُّها، ومَنْ يتأمل يجد أن في الأرض بركات عظيمة حملت الأحياء والأموات والوحوش والسباع والبهائم والحشرات والآدميين، وكانت سعة أيضًا مع كثرة ما فيها، الآن هؤلاء الأحياء الذين على ظهر الأرض لو كان الناس يحيون إلى الآن لرأيت أمرًا بشعًا وصعبًا لكن جعل الله الأرض ﴿كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات ٢٥، ٢٦] وهذه من بركاتها.
﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ ﴿قَدَّرَ﴾ قال المؤلف: (قسَّم ﴿فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ للناس والبهائم) إلى آخره قدَّر فيها الأقوات يقول: قدر من التقدير وهو التقسيم، قدر الأقوات ولم يجعل القوت في جانب واحد من الأرض، لو كان في جانب واحد من الأرض لشق هذا على الناس كثيرًا، أليس كذلك؟ لو قدر مثلًا أن الأقوات لا تكون إلا في غرب الكرة فكيف يعيش أهل الشرق أو بالعكس كيف يعيش أهل الغرب لكنه مقدر، ثم قدره من ناحية أخرى جعل في هذه الأراضي ما لا يصلح في الأراضي الأخرى والعكس، الحكمة: من أجل أن يتبادل الناس الأقوات فيأتي الناس الذين ليس عندهم هذا النوع من القوت يذهبون إلى الأراضي اللي فيها هذا القوت يجلبونه إلى الأرض الخالية منه وكذلك العكس، في بعض الجهات من الأرض ما يكثر فيه النخيل والعنب لكن يقل فيه الحمضيات وأشباهها، وفيه أيضًا أشياء كثيرة أنا لست من أهل الزراعة لكن في أشياء كثيرة تصلح في مكان دون مكان من أجل أن يقع التبادل بين الناس والضرب في الأرض ابتغاء الرزق، وهذا من الحكمة في قوله: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾.
﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ (﴿فِي﴾ تمام ﴿أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ أي: الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء) إذا كان خلق الأرض أولها الأحد والإثنين ثم قال: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ ماذا يكون الباقي؟ الثلاثاء والأربعاء، فتكون الأرض خُلِقَت وقُدِّر فيها الأقوات ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾.
قال الله تعالى: (﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ منصوب على المصدر؛ أي: استوت الأربعة استواءً لا تزيد ولا تنقص) فأفادنا بقوله: (استوت استواء) أن ﴿سَوَاءً﴾ اسم مصدر، فقوله: (منصوب على المصدر) فيه تجوز؛ لأننا إذا قلنا: ﴿سَوَاءً﴾ مصدر (استوى) فإنه لا يستقيم على القاعدة؛ لأن القاعدة أن المصدر ما وافق الفعل في حروفه، وهنا (استوى) لا توافقها ﴿سَوَاءً﴾، بل الذي يوافقها (استواء) إذن فـ﴿سَوَاءً﴾ تكون اسم مصدر مثل كلَّم والمصدر تكليم واسم المصدر (كَلام)، طيب هنا (استوى) والمصدر (استواء) واسم المصدر ﴿سَوَاءً﴾.
المهم أن قوله: ﴿سَوَاءً﴾ يعني أن هذا الخلق استوعب الأربعة كلها لم يكن في يومين أو ثلاثة، بل في الأيام الأربعة كلها، فعلى هذا يكون قوله: (منصوب على المصدر) الصواب أن يقال: على أنه مفعول مطلق؛ أي: استوت الأربعة استواءً لا تزيد ولا تنقص.
(﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ عن خلق الأرض بما فيها) ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ هذه لا تظنوا أنها متعلقة بسواء، بل هي جواب لخبر محذوف أي: هذا جواب للسائلين أو نحو هذه الكلمة.
المهم أن قوله: ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ يفيد أن ما ذكر جواب لمن سأل عن خلق الأرض وتقدير أقواتها بأنها ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً﴾.
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ ﴿ثُمَّ﴾ أي: بعد خلق الأرض وتقدير أقواتها.
﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ قال المؤلف: (قصد إلى السماء) وهذا أحد القولين في هذه الجملة أنها بمعنى (قصد) لكن قصدًا كاملًا؛ وذلك لأن ﴿اسْتَوَى﴾ تدل على الكمال كما قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص ١٤]، والقول الثاني أن (استوى إلى) بمعنى (استوى على) على السماء أي علا عليها، ولكن المعنى الذي سلكه المؤلف أرجح أنه قصد إلى السماء بإرادة تامة مستوية؛ لأن (إلى) تفيد الغاية و(على) تفيد الاستعلاء، ومعلوم أن السماوات لم تَكُنْ خُلِقَت في تلك الساعة، ثم إننا لو قلنا: إن ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى (علا)، (ثم استوى على السماء) كان قبل ذلك حين خلق الأرض ليس عاليًا على السماء، مع أن علو الله تعالى وصف لازم لذاته.
(﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ بخار مرتفع) جملة ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾ حالية، و﴿السَّمَاءِ﴾ هنا بمعنى العلو؛ لأنها لم تكن خلقت بعد لكنها كالدخان أي البخار المرتفع، قيل: إن هذا البخار المرتفع تصاعد من الماء الذي كان قبل أن تخلق الأرض؛ لأن الله تعالى قال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود ٧] فكان قبل خلق السماوات والأرض ماء فوقه عرش الرحمن عز وجل، ثم خلقت الأرض وقد اندفع من هذا الماء أيش؟ بخار متصاعد كثيف صار مثل الدخان.
(﴿﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ﴾ ﴾ قال الله لها وللأرض: ﴿﴿ائْتِيَا﴾ ﴾ إلى مرادي منكما ﴿طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ في موضع الحال أي: طائعتين أو مكرهتين ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ بمن فينا ﴿طَائِعِينَ﴾ ﴾) إلى آخره ﴿قَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا﴾، هذا الأمر هل هو أمر تكوين أو هو أمر تكليف؟
* طلبة: الأول.
* الشيخ: إن قلنا: إنه تكليف لم يكن هناك فرق بين أن يكونا طائعَيْن أو مكرهتين، يعني نحن قلنا بالأول هل هو أمر تكوين أو تكليف؟ إذا قلنا: إنه أمر تكليف فظاهر، أنه أمر تكليف ولهذا قال: ﴿طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ إن قلنا: إنه أمر تكوين فإنه لا يستقيم أن يكون طوعًا أو كرهًا؛ لأن أمر التكوين كائن لا محالة، فالظاهر والله أعلم أنه أمر تكليف، ولله تعالى أن يكلِّف ما شاء من عباده أو من خلقه، له أن يكلف ما شاء، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الآيات في الدرس القادم.
* طالب: قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [فصلت ٨] هل هذه الآية ومثيلاتها تصلح دليلًا لمن أخرج العمل الصالح عن الإيمان بمقتضى أن العطف يقتضي المغايرة؟
* الشيخ: هذا لا يصح؛ لأن العمل الصالح دلت النصوص على أنه من الإيمان، لكنه لا مانع أن يكون الشيء الواحد منقسمًا إلى أنواع، فالإيمان تدخل فيه الأعمال لا شك، لكنه يتنوع؛ منه ما هو عقيدة، ومنه ما هو عمل قولي، ومنه ما هو عمل فعلي.
* طالب: (...) شيخ، في حديثنا عن العقلاء أكثر أم غير العقلاء، شيخ الآن يعني قلنا: العقلاء أكثر لتشريفهم؛ تشريفًا لهم.
* الشيخ: لا، إذا قلنا: تغليبهم الأكثر لأكثريتهم.
* الطالب: الآن، شيخ ما فهمت، كيف؟
* الشيخ: ما فهمت؟
* الطالب: الآن شيخ، الأكثر العقلاء أم غير العقلاء؟
* الشيخ: أسألك؟
* الطالب: نحن على ما أعرف قلنا: إن العقلاء أكثر تشريفًا لهم وغير العقلاء أقل لعددهم.
* الشيخ: لا، اعكس تُصِبْ، إن قلنا: إن العقلاء أكثر، فهنا أتى بصيغة العقلاء لكثرتهم، غلَّبهم لكثرتهم، وإن قلنا: إن العقلاء أقل غلَّبهم لشرفهم.
* الطالب: طيب، يا شيخ الآن كيف نقول: أكثر، والعقلاء هي بحيِّز الكون والكون يحتويها، وكل محتوى أكبر منه محتويها، لو قلنا: إنها أكثر فهي يشملها الكون، والكون أكبر منها.
* الشيخ: إحنا قلنا: فيه احتمال، قلنا: على الاحتمالين كذا أو كذا.
* طالب: شيخ في ﴿سَوَاءً﴾ لماذا لا نقول: أنها مِن فعل (سوَّى)؟
* الشيخ: سوَّى؟
* طالب: سوَّى.
* الشيخ: تسوية، لو قلنا: من الفعل (سوَّى) صارت تسوية، وهي أيضًا ما تصلح من (سوَّى)، تصح من (استوى).
* الطالب: سوى؛ يعني: مساواة بين شيئين؟
* الشيخ: لا، ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً﴾ أي: تامة مستوية.
* طالب: ﴿سَوَاءً﴾ ما تُعْرَب حالًا؟
* الشيخ: يمكن أن تكون حالًا، لكن اعلم أن المصدر لا يُعرَب حالًا إلَّا إذا كان لا فرار من إعرابه بأنه حال، بمعنى أننا لا نعرب المصدر حالًا إلا للضرورة، فهمت؟ لأن الأصل في الحال أن تكون مشتقة والمصدر جامد.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ هل هذا هو ذكر (...)؟
* الشيخ: لا، سيأتينا إن شاء الله، التقدير غير ذلك، إن شاء الله يأتينا بالفوائد.
* طالب: شيخ، أيهما خُلِقَ أولًا الأرض أم السَّماوات؟
* الشيخ: يأتينا إن شاء الله.
* طالب: هل خلْق الأرض بما فيها من الرواسي والبحار في أربعة أيام أو في يومين؟
* الشيخ: في أربعة أيام، خلقها في يومين هكذا، ثم جعل فيها الرواسي وقدر الأقوات في يومين آخرين.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- يعني قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت ٧] يعني: هناك أناس مسلمون، بعض الناس مسلمون يصلُّون ويزكُّون مسلمون لكن إذا ذكرتهم مثلًا بعذاب القبر وبأهوال يوم القيامة يقولون: هل رأيت عذاب القبر، وهل رأيت أهوال يوم القيامة، هل رأيت الجنة أنت؟ ما حكم هؤلاء؟
* الشيخ: إذا قلت لهم: هكذا قال الله ورسوله، ماذا يقولون؟
* الطالب: لا أدري.
* الشيخ: إن قالوا: لا نصدق إلا ما نراه فهؤلاء كفار لو يركعون بالليل والنهار ويخرجون جميع ما في صناديقهم من النفقة فهم كفار؛ لأنهم مكذبون هذا كفر تكذيب.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- في بعض القراءات الهمزة بالتسهيل يقرؤونها بالهاء مثلًا في ورش، في بعض الأحياء ليس فيها (...) مثلًا ﴿أَئِنَّكُمْ﴾ يقرأه: (أهنكم) مثلًا.
* الشيخ: أهنكم؟
* طالب: نعم، هل هذا صحيح يا شيخ؟
* الشيخ: ما أظن هكذا.
* طالب: بعض الناس سمعتهم يقول: هذا تحريف، لكن هي قراءة الظاهر يا شيخ.
* الشيخ: لا، ما أظن تُقلَب هاء؟
* طالب: نعم، في بعض المواضع.
* الشيخ: ما أدري، والله.
* طالب: (...).
* الشيخ: بس أنتم لستم بحجة، لستم بحجة.
* طلبة: للتعليم.
* طالب: بعضهم أنكر يا شيخ الذين يقرؤون حفص، أنكروا على ورش، ولكن..
* الشيخ: المهم -بارك الله فيك- إذا ثبتت القراءة بالهاء فهذا يُعْتَبر إبدالًا، ما هو بتسهيل، إبدال الهمزة هاءً
* طالب: تصح يا شيخ؟
* الشيخ: ما أدري والله.
* طالب: ورش يسهل يا شيخ.
* الشيخ: لا، التسهيل غير القلب، يعني يقول: أهنكم غير ﴿أَئِنَّكُمْ﴾.
* طالب: النطق بالتسهيل، بعض الناس ينطقون كأنه هاء (...).
* الشيخ: إي، يمكن هذا هو الجمع أن بعض الناس يتشدَّد في التسهيل حتى تكون هاء، وربما يتشدد آخر حتى تكون حاءً، حقيقة؛ لأن بعض الناس -الله يهدينا وإيَّاهم- عند القراءة، وقد أنكر هذا شيخ الإسلام رحمه الله في فتاويه وغيَّرها، أنكر هذا التشدد في تحقيق بعض القراءات، بعض الناس مثلًا في القلقلة، جاء يقلقل كأنه يقلقل حصاة أو حجرًا يعني: يتكئ كثيرًا، إي نعم، والحقيقة أن التنطع ليس بحسن والإهمال ليس بحسن، خير الأمور الوسط (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت ٩ - ١٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١] قوله: ﴿طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ قال المؤلف: (في موضع الحال أي: طائِعَتَيْن أو مُكْرَهَتَيْنِ) ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ بمن فينا ﴿طَائِعِينَ﴾ فيه تغليب المذكر العاقل وأنزلتا لخطابهما منزلته).
أولًا نسأل: قوله تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ﴾ هذه الجملة مؤكَّدة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: بماذا؟
* طالب: بـ(إن) وباللام.
* الشيخ: وباللام؟ وما المراد بالاستفهام: ﴿أَئِنَّكُمْ﴾؟
* طالب: هذا استفهام إنكاري.
* الشيخ: إنكار وتوبيخ؟ نعم، في قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ﴾ قراءات متعددة.
* طالب: أربع قراءات.
* الشيخ: نعم، قُلْها، لا ما أريد تقرأها؛ اذكر القراءات؛ يعني لا أريدها تطبيقيًّا بل نظريًّا.
* طالب: الأول تحقيق الهمزتين.
* الشيخ: هذه واحدة.
* طالب: والثاني تسهيلهما.
* الشيخ: هذه ثنتان.
* طالب: والثالث والرابع: تحقيقهما وتسهيلهما مع المد.
* الشيخ: تمام، بارك الله فيك.
* طالب: يا شيخ، يقول: تسهيلهما يا شيخ.
* الشيخ: لا، تسهيل الثانية؛ تحقيقهما، وتسهيل الثانية مع المد، طيب اقرأها بتحقيق الهمزتين؟ تحقيق الهمزتين هي أسهل القراءات: ﴿أَئِنَّكُمْ﴾، تسهيل الثانية، تحقيق الأولى وتسهيل الثانية.
* طالب: (آئنكم).
* الشيخ: لا، بدون ألف.
* طالب: ﴿﴿أَاِنَّكُمْ﴾ ﴾.
* الشيخ: طيب، إدخال ألف بينهما مع التحقيق.
* طالب: ﴿﴿آئِنَّكُمْ﴾ ﴾.
* الشيخ: ﴿﴿آئِنَّكُمْ﴾ ﴾، مع التسهيل.
* طالب: ﴿﴿آاِنَّكُمْ﴾ ﴾.
* الشيخ: طيب، بارك الله فيك، قوله تبارك وتعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ الجملة هذه معطوفة على أي شيء؟
* طالب: ﴿بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾.
* الشيخ: ﴿بِالَّذِي خَلَقَ﴾ معطوف على ﴿خَلَقَ﴾، هل المؤلف رحمه الله مشى على هذا القول أو لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أي نعم، على أن ﴿جَعَلَ﴾ معطوفة على ﴿خَلَقَ﴾ يقول: معطوفة على هذا.
* طالب: المؤلف (...).
* الشيخ: لا ترجع إلى المصحف.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني: ولم يجعلها معطوفةً على ﴿خَلَقَ﴾ لماذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: بس؟ لماذا نحن جعلناها معطوفة على ﴿خَلَقَ﴾ وهو يقول: إنها استئنافية، فلماذا؟
* طالب: لأجل وجود الفاصل.
* الشيخ: لوجود الفاصل الأجنبي على دعواه، ما هو الجواب عن هذا التعليل؟
* طالب: إما أن يقال: إن وجود الفاصل أصلًا لا يضر، وإما أن يقال: إن الفاصل متعلق بـ (كلام).
* الشيخ: أحسنت، متعلق بالصلة فهو غير أجنبي.
قوله تعالى: ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ أولًا: إعرابها؟
* طالب: ﴿سَوَاءً﴾ حال.
* الشيخ: حال منين؟
* طالب: من ﴿أَيَّامٍ﴾.
* الشيخ: من الـ﴿أَيَّامٍ﴾، كيف تكون حالًا من الـ﴿أَيَّامٍ﴾ وهو مصدر جامد، والحال لا بد أن يكون مشتقًّا؟
* طالب: شيخ، حالًا من ﴿أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾.
* الشيخ: طيب.
* طالب: والمصدر لا يُؤَوَّل بالمشتق.
* الشيخ: والتقدير؟
* طالب: مستوين.
* الشيخ: مستويات، طيب.
* طالب: اسم مصدر.
* الشيخ: اسم مصدر؛ يعني: منصوبة على أنها مفعول مطلق التقدير؟
* الطالب: استوت سواء.
* الشيخ: استوت سواء، قوله: ﴿لِلسَّائِلِينَ﴾ متعلق بماذا؟
* طالب: متعلق بـ ﴿جَعَلَ﴾.
* الشيخ: ﴿جَعَلَ﴾؟
* طالب: ﴿خَلَقَ﴾.
* الشيخ: ﴿خَلَقَ﴾؟ يعني ﴿خَلَقَ﴾ للسائلين؟
* طالب: سواء.
* الشيخ: يعني: سواءً للسائلين، وغير السائلين؟ تزيد أو تنقص؟
* طالب: متعلق بمحذوف.
* الشيخ: التقدير؟
* طالب: هذا جواب للسائلين.
* الشيخ: نعم، أحسنت، قوله تعالى: ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾؟
* طالب: (...) ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ فهو بمعنى قصد.
* الشيخ: أحسنت، بمعنى قصد، إذن يكون المعنى: ثم قصد إلى السماء، وكيف تُعْرِب قوله: ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾؟
* طالب: الواو للحال.
* الشيخ: الجملة جميعًا.
* طالب: الجملة في موضع الحال.
* الشيخ: في موضع نصب على الحال، منين؟
* طالب: من ﴿السَّمَاءِ﴾.
* الشيخ: من ﴿السَّمَاءِ﴾ تمام، المؤلف يقول: (﴿طَائِعِينَ﴾ فيه تغليب المذكر العاقل وأنزلتا لخطابهما منزلته) ما معنى هذا الكلام؟
* طالب: ﴿طَائِعِينَ﴾ هذه جمع مذكر سالم والأصل أن يكون للعقلاء.
* الشيخ: للذكور العقلاء.
* طالب: للذكور العقلاء، وعاد هنا على السماء والأرض وهما غير عاقلتين ولكن أنزلا منزلته.
* الشيخ: ما هو الدليل على أنهما أنزلا منزلته؟
* طالب: لأنه أخبر به عنهما ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ ولم يقولا..
* طالب آخر: لأنه خاطبهما فأنزلتا منزلة العاقل.
* الشيخ: صحيح؛ ولهذا يقول المؤلف: (أنزلتا لخطابهما) هذا التعليل ولو قال: أنزلتا منزلته لخطابهما كان أوضح، وقوله: (﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ بمن فينا) لماذا قدَّر قوله: (بمن فينا)؟ ما الذي أحوجه إلى أن يقول: بمن فينا أتينا بمن فينا؟
* طالب: (...).
* طالب آخر: ما أخذناها.
* الشيخ: عجيب، طيب إذن نبدأ من هذا بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ يقول الشارح المفسر: (﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ بمن فينا ﴿طَائِعِينَ﴾ ) احتاج المؤلف إلى أن يُقَدِّر (بمن فينا) لوجهين: الوجه الأول: أن ﴿طَائِعِينَ﴾ جمع و﴿قَالَتَا﴾ مثنى ولا مطابقة بين المثنى والجمع، ولو أراد المطابقة لقال: قالتا: أتينا طائعتين، هذه واحدة، الوجه الثاني: أنه جمعه بمذكر المذكر العاقل فكان لا بد أن يُقَدَّر (بمن فينا)؛ ليدخل فيه العقلاء، ويكون هذا من باب التغليب، وقوله رحمه الله: (فيه تغليب المذكر العاقل)، ذكرنا فيما سبق أنه غَلَّب المذكر أيش؟ لشرفه.
* طلبة: (...).
* الشيخ: غلَّب المذكر.
* طالب: لشرفه.
* الشيخ: لشرفه.
* طالب: أو لكثرته.
* الشيخ: أو لكثرته إذا قلنا: إن العاقل أكثر، وقوله رحمه الله: (أو أنزلتا لخطابهما منزلته) يعني: المسألة فيها إما تغليب وإما أن الأرض والسماء أُنزِلتا منزلة العاقل لخطابهما أي: لكونهما خوطبا ولا يخاطب غالبًا إلا العاقل.
﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت ١٢] ﴿قَضَاهُنَّ﴾ يقول: (الضمير يرجع إلى السماء؛ لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه أي: صيَّرها ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ ) ﴿قَضَاهُنَّ﴾ يقول: (الضمير يرجع إلى السماء)، وحينئذ يرد إشكال فإن ﴿السَّمَاءِ﴾ مفرد، و﴿قَضَاهُنَّ﴾ الضمير جمع، فكيف كان الأمر كذلك؟
يقول رحمه الله: (يرجع إلى السماء؛ لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه)؛ لأن هذه ﴿السَّمَاءِ﴾ المفرد يؤول إلى جمع وما مقداره؟ ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ فكأنه عبر عن السماء باعتبار مآلها أنها ستكون ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾.
وقوله: ﴿قَضَاهُنَّ﴾ أي: صيَّرهن، وعلى هذا فيكون الضمير في ﴿قَضَاهُنَّ﴾ المفعول الأول، و﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ المفعول الثاني، ويحتمل أن تكون ﴿قَضَاهُنَّ﴾ بمعنى فرغ منهن، وعلى هذا فيكون الضمير الأول مفعولًا به، و﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ حال أي: حال كونها ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾، وعلى كُلٍّ فإن السماوات كانت سبعًا.
﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ قال المؤلف: (الخميسِ والجمعة فرغ منها في آخر ساعة، وفيها خلق آدم؛ ولذلك لم يقل هنا: سواء، ووافق ما هنا آيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام) ﴿قَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ و﴿فِي﴾ للظرفية، والظرف يكون أوسعَ من المظروف، فيحتمل أنه قضاهن في يومين من أوَّل اليومين إلى آخرها، ويحتمل أنه قضاهن في يومين أي: في هذا الظرف، وإن كان الخلق أو القضاء لم يستوعبْ هذا الظرف، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف وسيتبين ما فيه إن شاء الله.
يقول: (فرغ منها في آخر ساعة منه وفيها -أي في آخر الساعة- خَلَق آدم؛ ولذلك لم يقل: سواءً) بينما قال في خلق الأرض: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً﴾ وهنا لم يقل: في يومين سواء لماذا؟
لأن بعض اليومين خُلِقَ فيه آدم، هذا ما ذهب إليه المؤلف، وفيه نظر ظاهر، لأن هذا يقتضي أن آدم خُلِقَ حين خَلْقِ السماوات والأرض؛ يعني: في الأيام الستة التي خُلِقَت فيها السماوات والأرض وهذا لا شك أنه خطأ، بل إنه خُلِقَ بعد ذلك ما أقول: بملايين بل بمئات السنين؛ لأن آدم -كما تعلمون- جعله الله تعالى خليفةً لمن؟ لأُناسٍ قبله أو للجن الذي سكنوا الأرض قبله؛ ولهذا لما قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قالت الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة ٣٠] إلى آخره.
فدعوى المؤلف رحمه الله أن آدم خُلِقَ في آخر ساعة من يوم الجمعة التي تم فيها خلق السماوات والأرض غير صحيح، نعم خُلِقَ آدمُ يوم جمعة لا شك في ذلك كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام[[أخرجه مسلم (٨٥٤ / ١٧) من حديث أبي هريرة.]]، لكنها ليست الجمعة التي تم بها خلق السماوات والأرض.
إذن خلقهن في يومين، يقول المؤلف: إن هذا يوافق (ووافق ما هنا آيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام) كيف وافقها؟ لأنَّ أربعة أيام كانت لخلق الأرض، ويومين كانت لخلق السماء فيكون المجموع سِتَّة أيام، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، في بعض الآيات يقول: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الفرقان ٥٩]؛ لأن بين السماوات والأرض من الآيات العظيمة ما استحق أن يكون قسيمًا لخلق السماوات والأرض.
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الفرقان ٥٩] وقد كنا نقول: كيف يكون خلق ما بين السماء والأرض قسيمًا لخلق السماوات والأرض مع أنه في نظرنا لا يساوي شيئًا بالنسبة إلى خلق السماوات والأرض إذ كنا لا نعلم إلَّا أن الذي بين السماء والأرض هو الغيوم والهواء فقط؟ وكنا نقول: إن القمر والنجوم والشمس كانت في السماء، كنا نقول: القمر في السماء الدنيا، والشمس في السماء الرابعة، وزُحَل في السماء السابعة، وكنا ننشد قول الشاعر:
؎زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ∗∗∗ فَتَزَاهَــرَتْ بِعُــــطَارِدَالْأَقْمَــــارُ
هذه الكواكب السبعة.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما حفظته من قبل؟ يَلَّا.
* طالب:
؎زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ∗∗∗ فَتَزَاهَــرَتْ بِعُــــــطَارِدَالْأَقْمَــــــارُ
* الشيخ: المعنى: نأتي من أعلى إلى أسفل: (زحل) هذا أعلاها (شرى) المشتري (مريخه) المريخ (من شمسه) الشمس (فتزاهرت) الزهرة (بعطارد) عطارد (الأقمار) القمر هو الأخير، وعلى هذا فتكون الشمس في السماء الرابعة، وكنا نظن أن هذه مرصعة بالسماء كما يرصع المسمار على الخشبة لكن تبين الآن أن هذه في أجواء بين السماء والأرض، وليست مرصعة في السماوات والأرض وأن السماء من فوقها بأمد بعيد وحينئذ تبين الحكمة من كون الله عز وجل يجعل خلقَ ما بين السماء والأرض عديلًا لخلق السماء والأرض.
ثم قال عز وجل: (﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة) ﴿أَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ يعني: قُدِّر بما أوحاه في كل سماء أمرها، كل سماء لها ملائكة خاصة وعبادات خاصة وأجواء خاصة، كل سماء تختلف عن السماء الأخرى حتى إنَّ بعضهم -وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب- يقول: إن جُرْمَ السماء الدنيا يختلف عن جُرْمِ السماء الثانية، والثانية عن الثالثة، كل واحدة من مادة أخرى غير مادة السماء الأخرى، والله أعلم.
وقوله: ﴿أَمْرَهَا﴾ مفرد مضاف فيعَمُّ جميع الأمور، جميع ما يتعلق بكل سماء قد أوحاه الله بها.
﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾ شوف خصائص السماء الدنيا (﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ بنجوم ﴿وَحِفْظًا﴾ منصوب بفعله المقدَّر أي: حفظناها من استراق الشياطين السمعَ بالشهب).
﴿زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾ ﴿الدُّنْيَا﴾ يعني: القربى، وسُمِّيَتْ دنيا؛ لأنها قريبة من الأرض فهي أقرب السماوات، زينها بالمصابيح، ما هذه المصابيح؟ هي النجوم، وسُمِّيَت مصابيح؛ لأنها بمنزلة القناديل المعلقة بالسقف.
فإن قال قائل: ظاهر الآية أن هذه المصابيح مرصعة بالسماء، قلنا: إن كان هذا ظاهرها فالواقع خلاف ذلك، ولا مانع من أن تُزَيَّن بمصابيح وإن لم تكن ملتصقةً بها أرأيت لو أنك لو دَلَّيْتَ مصابيح من سقف عال ثم كنت تحت هذه المصابيح، أفلا تكون هذه المصابيح زينةً للسقف وإن كانت غير لاصقة به، بل جهتها –أي: جهة هذا السقف- مزينة بهذه المصابيح، فلا يلزم من قوله: ﴿زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ أن تكون مرصعةً بالسماء، بل نقول: هي مُزَيَّنَة بها وإن كان بينها وبين السماء مسافة.
وقوله: ﴿وَحِفْظًا﴾ أي: حفظناها حفظًا، فالسماء محفوظة كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾؛ ولهذا لم يستطع جبريل أن يدخل السماوات مع أنه نازل منها حين كان معه محمد ﷺ حتى استأذن له، في حديث المعراج «أَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا وَصَلَ بِالنبي ﷺ إلى السماء الدنيا استفْتَح، فقيل: مَن هذا؟ قال: جِبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، فقيل له: هل أُوحِي إليه أو أُذِنَ له؟ قال: نعم، ففُتِحَ له». لماذا؟ لأن السماء محفوظة لا يمكن أن يدخل أحد منه إلا بإذن الله، جبريل قال: معي محمد، قيل له: «وقد أُرسِلَ إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبًا به، فنعم المجِيءُ جاءَ، ثم فَتَحُوا له، فدخلَ السماء الدنيا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٠٧)، ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) من حديث مالك بن صعصعة.]] ثم الثانية والثالثة، وهكذا، مما يدل على أيش؟ على إتقان حفظ الله سبحانه وتعالى للسماوات وأنها متقنة، عليها ملائكة لا يمكن أن يتجاوزها أحد.
﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه ما سبق من قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ﴾ إلى آخره.
وقوله: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ أي: الذي قَدَّرَهُ هو العزيز عز وجل العليم، ﴿الْعَزِيزِ﴾ هنا مناسبتها؛ لأن المسألة تحتاج إلى عزة وقوة، والعزة يقول المؤلف رحمه الله: (﴿الْعَزِيزِ﴾ في مُلْكِه) يعني: الذي له العزة التامة في ملكه، لكن إلى الآن لم يُبَيِّنْ لنا ما هي العزة.
العزة قال العلماء: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عزة القَدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع. ثلاث معان؛ أما عزة القدر فمعناها الشرف، يعني أنه ذو قدر عظيم بالغ العظم، عزة القهر يعني أنه قاهر ولا يُغْلَب، والثالث: عزة الامتناع أي: يمتنع أن يناله سوء جل وعلا بأي حال من الأحوال.
ولملاحظة هذا المعنى الثالث نقول: إنه مُشْتَقٌّ من قولهم: أرض عزاز، عزاز يعني قوية صلبة ونحن نسميها باللغة العامية (الأرض عَزا) يعني صلبة، ليست لينة كالرمل والروض، ولكنها صلبة.
﴿الْعَزِيزِ﴾ إذن كم معنًى له؟ ما هي؟
* طالب: القهر والقدر والعز.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: امتناع..
* الشيخ: الامتناع، ويش معنى الامتناع؟
* الطالب: الامتناع عن السوء؛ يعني..
* الشيخ: إي يعني، يمتنع عليه السوء والنقص، القهر يعني؟
* طالب: القهر هو (...) والقاهر لا (...).
* الشيخ: أحسنت، هو الغالب الذي لا يُغْلَب، والثالثة الامتناع؟
* طالب: الامتناع ذكرها، تقدَّم.
* الشيخ: الامتناع أنا أقول..
* طالب: ذكر الامتناع.
* الشيخ: مَن الذي ذكره؟ ويش قال؟
* طالب: يمتنع عنه النقص.
* الشيخ: يمتنع عنه النقص، وعزة القدر؟
* طالب: عزة القدر بأن الله قادر على كل شيء.
* الشيخ: لا، لو كان كذلك لقلنا: عزة القدرة.
* طالب: عزة القدر بمعنى: القوة والغلبة.
* الشيخ: لا، هذا عزة القهر.
* طالب: (...) الثلاثة.
* الشيخ: إي، جزاك الله خيرًا، الثالثة عِزَّة القدر يعني؟
* طالب: العظمة والشرف، شرف الأشياء.
* الشيخ: الشرف، إي نعم، عزة القدر؛ يعني أنه ذو قدر عظيم وشرف عظيم، أما العليم فهو ذو العلم، وعلم الله تبارك وتعالى واسع؛ قال الله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢] فعلمُه تعالى واسع شامل لكل شيء، يعلم ما كان فلا ينساه، ويعلم ما يكون فلا يجهله، ويعلم كيف كان يكون إذا كان، يعني: ليس يعلم أن هذا الشيء يقع فقط، بل يعلم أنه يقع ومتى يقع، وكيف يقع وأين يقع، من كل جهة، وقد فصَّل الله سبحانه وتعالى دقائق العلم في قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ﴾ يعني: إلا يعلمها ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام ٥٩]، وعلمنا بأنه عليم، ما الذي يستوجب من الناحية المسلكية بالنسبة للعبد؟ إذا علمت أن الله بكل شيء عليم، ويش يترتب على هذا؟
* طالب: نخاف الله عز وجل في أعمالنا.
* الشيخ: أحسنت، يترتب على هذا أن يخاف اللهَ عزَّ وجلَّ، وأن يقومَ بطاعته، وأن يدع معصيته؛ لأنه يعلم أن الله تعالى عالم به حتى وإن خفيت على الناس فإنك لن تخفى على الله، بل إن الله يعلم من نفسك ما لا تعلمه أنت، أنت تعلم من نفسك ما يمكن أن تحيط به، لكن الله يعلم من نفسك ما لا تحيط به، يعلم مستقبلك ومآلك وحالك وأنت لا تعلم، وهذا يوجب للعبد المؤمن بذلك أن يخاف ربَّه في السرِّ والعلن حتى لو كنت في حجرة مظلمة ليس عندك أحد وأردت أن تفعل ما يغضب الله، فاعلم أن الله تعالى يراك.
* طالب: قلنا: إن قول الله تعالى: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا﴾ هذا يدل على (...) الله تعالى للسماوات ما معنى قوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣] ما المقصود بالسلطان هنا؟
* الشيخ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا﴾ هذه الآية على سبيل التحدي؛ إن كنتم تقدرون فانفذوا وفِرُّوا من قضاء الله، فروا من عذاب الله ما تستطيعون ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣] يعني: ولا سلطان لكم، والسلطان هنا بمعنى القدرة والقوة؛ لأن المقام مقام تحدٍّ، والذي يقابله القوة، والمعنى لا سلطان لكم، وعلى هذا فالآية للتحدي، وهذه تكون يوم القيامة، وليس كما زعم الناس لما خرج الروس بأول مركبة فضائية وخرج عن الغلاف الجوي بدأ هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا القرآن كتابًا علميًّا يقولون: هذا دل عليه القرآن ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣] أي: إلا بعلم، وقد تعلمنا ونفذنا، وهذا حرام، تفسير القرآن بهذا المعنى حرام، وقول على الله بلا علم؛ لأن إذا كان المقام مقام تحدٍّ فما هو السلطان الذي يمكن أن نفعل به؟
* طالب: القوة.
* الشيخ: القوة لا شك، ثم إنه قال في الآية التي بعدها: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾ [الرحمن ٣٥]، هل أرسل على هؤلاء؟ ثم إنه يقول: ﴿مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الرحمن ٣٣] وهؤلاء إذا قدَّرْنا نفذوا من أقطار الأرض فإنهم لم ينفذوا من أقطار السماوات، ولهذا هؤلاء -والعياذ بالله- الذين فسروا الآية بما حصل قالوا على الله بلا علم، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، ومثل ذلك من قال: إن الأرض تدور لقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل ٨٨] قال: هذا في الدنيا؛ لأن قوله: ﴿تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ هذا حسبان والحسبان لا يكون في الآخرة؛ لأن الآخرة يقين. فيقال: هذا غلط أليس الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ تحسبهم سكارى من شدة الذهول والانزعاج وما هم بسكارى ﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج ١، ٢]، فالمهم أن بعض المتأخرين هداهم الله يفسرون القرآن بالواقع مع أنه لا يدل عليه ونحن نقول: احمدوا الله أن القرآن لا يدل على خلافه، أما أن تقولوا: يدل عليه غلط.
* طالب: أحسن الله إليك، هنا قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت ١١]، وفي آية أخرى قال: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ [النازعات ٢٨]، هل معنى الآيتين واحد؟
* الشيخ: ﴿رَفَعَ﴾؟
* طالب: ﴿سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ [النازعات ٢٨]
* الشيخ: يعني: جعلها رفيعة هو جعلها رفيعة.
* طالب: أن السَّمْك والدخان واحد.
* الشيخ: لا ما هو، بعد أن خلقها جعلها سميكة (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [فصلت ١٢ - ١٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ ﴿قَضَاهُنَّ﴾ يعنى أتمهن، وسنتكلم إن شاء الله عن الآيات بعد الانتهاء منها ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ (﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ الخميس والجمعة، فرغ منها في آخر ساعة منه وفيها خلق آدم؛ ولذلك لم يقل هنا: سواء، ووافق ما هنا آيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ الذي أمر به مَنْ فيها من الطاعة والعبادة).
﴿أَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ صرف المؤلف رحمه الله الأمر هنا إلى الأمر الشرعي لا الأمر الكوني ولذلك قال: (أمرها الذي أمر به مَنْ فيها من الطاعة والعبادة).
(﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ [فصلت ١٢] الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة) من هنا نبدأ ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ صرف المؤلف -رحمه الله- الأمر هنا إلى الأمر الشرعي لا الأمر الكوني؛ ولذلك قال: (﴿أَمْرَهَا﴾ الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة)، ويحتمل أن يكون المراد بالأمر هنا الشأن؛ أوحى في كل سماء شأنها، فيشمل أحوال السماء، وأحوال من فيها، وهذا أعم مما ذكره المؤلف رحمه الله.
وإننا نقرر قاعدةً في التفسير: إذا ورد تفسيران في الآية، أحدهما أعم أخذنا بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، فإذا قلنا: شأنها صار أعم من أن نقول: إنه أمرها الشرعي؛ لأن هذا أخص، فالحمل على الأعم أولى، يقول جل وعلا: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [فصلت ١٢]، وهي النجوم (زيَّنَّاها)؛ أي جعلناها زينة تسر من نظر إليها ويبتهج بها.
(﴿وَحِفْظًا﴾ منصوب بفعل مقدر؛ أي: حفظناها حفظًا من استراق الشياطين السمع بالشهب) إلى آخره.
قوله: ﴿حِفْظًا﴾ مصدر عامله محذوف، التقدير: حفظناها حفظًا، ومن أي شيء؟ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر ١٦، ١٧]، فيكون المراد بالحفظ حفظها من الشياطين؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا.
وما شأن الشياطين بالنسبة للسماء؟ شأن الشياطين بالنسبة للسماء أنها تصعد، يركب بعضها بعضًا إلى أن تصل إلى السماء، فتستمع إلى أخبار السماء، وما تتحدث به الملائكة، ثم تنزل به إلى الأرض، وتُلقيه إلى الكهان الذين لكل واحد منهم رَئِي من الجن، والكاهن يأخذ هذا الخبر، ويضيف إليه أخبارًا أخرى، ثم يُحدِّث الناس بذلك، ومن المعلوم أن ما سُمِع في السماء لا بد أن يكون فتكون هذه الكلمة الواحدة صِدْقًا، تكون مثارًا لإعجاب الناس بالكهان والرجوع إليهم؛ ولهذا كانوا في الجاهلية يتحاكمون إلى الكهان، هذه هي قضية استراق السمع.
ثم إن الله تعالى حفظ السماء وقت بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصارت الشياطين إذا حاولت الاستماع أرسل الله تعالى عليها شهابًا يحرقها وتهلك، وهل بقي هذا الحفظ بعد موت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لا؟ يقال: الله أعلم، لا ندري، لكنها حُفظت في عهد النبوة من استراق السمع، أما الآن فالله أعلم، قد يكون ذلك وقد لا يكون؛ لأنه ليس هناك نبي حتى يختلط المسموع المـسترق بالوحي الصحيح.
يقول عز وجل: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت ١٢] ﴿ذَلِكَ﴾ المشار إليه ما سبق مما تحدث الله عنه من خلق السماوات والأرض.
﴿تَقْدِيرُ﴾ أي مُقدَّر. ﴿الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أو: تقدير مصدر على بابه، ويكون المشار إليه فعل الله لهذا الشيء، فعندنا الآن كلمة ﴿تَقْدِيرُ﴾ مصدر يجوز أن تكون بمعنى اسم المفعول، ويكون المعنى: ذلك مُقدَّر العزيز، ويجوز أن تكون مصدرًا وهو فعل الله عز وجل، ويكون هذا أيضًا معنًى صحيحًا، وكلاهما متلازمان؛ لأنه إذا كان هذا الشيء مُقدَّر الله فهو من تقديره؛ يعني ناتج عن تقديره.
وقوله: ﴿الْعَزِيزِ﴾ قال: (في ملكه ﴿الْعَلِيم﴾ بخلقه) فيها شيء من القصور (﴿الْعَزِيزِ﴾ في ملكه)، والصواب: ﴿الْعَزِيزِ﴾ يعني بذلك ذا العزة، والعزة قسمها العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي:
* طالب: القدْر، والقهر، والامتناع.
* الشيخ: عزة القدْر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، معناها عزة القدر؟
* طالب: (...) أي عزة (...).
* الشيخ: خطأ.
* الطالب: أنه ذو قدر عظيم وشرف عظيم.
* الشيخ: نعم، أي أنه ذو قدر عظيم وشرف عظيم لا يشاركه فيه أحد، عزة القهر؟
* طالب: القاهر الذي يَغلب ولا يُغلب.
* الشيخ: نعم، القاهر الذي يَغلب ولا يُغلب، عِزَّة الامتناع؟
* الطالب: لا يناله سوء، يمتنع أن يناله سوء.
* الشيخ: نعم، يمتنع أن يناله سوء أو نقص.
أما قوله: ﴿الْعَلِيم﴾ فهي صفة مُشبَّهة، ويجوز أن تكون من باب المبالغة؛ لأن (فعيل) يصح أن تكون صفة مشبهة، ويصح أن تكون صيغة مبالغة، ومعناه: ذو العلم، وعلم الله تعالى واسع، عالم بما كان وما يكون لو كان كيف يكون، وقد سبق لنا الكلام عليه مرارًا لا حاجة إلى إعادته.
* من فوائد الآيات الكريمة: في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت ٨].
* مِن فوائد هذه الآية: تحقيق أن القرآن مثاني تُثَنَّى فيه المعاني المتقابلة؛ إذا ذُكِر ثواب المجرمين ذُكر ثواب المتقين، وإذا ذُكرت الجنة ذُكرت النار، وهلم جرًّا، من أجل أن يكون الإنسان سائرًا إلى ربه بين الخوف والرجاء، وهكذا ينبغي للإنسان في سيره إلى ربه أن يكون خائفًا راجيًا؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء ٩٠]، فما سبب الخوف؟ سبب الخوف ذنوب الإنسان إذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره خاف، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون ٦٠]، أي: يخافون ألا يقبل منهم، والرجاء: إذا نظر إلى عفو الله وفضله، وأنه جل وعلا حليم، رجا وقوي رجاؤه، فيكون دائرًا بين الخوف والرجاء.
وقال بعض أهل العلم: في الطاعة يُغلِّب جانب الرجاء، وفي المعصية يُغلِّب جانب الخوف. وهذا له نظر قوي؛ لأن الإنسان إذا فعل الطاعة فينبغي أن يُحسِن الظن بالله، وأن الله سيقبل منه، فيقوى رجاؤه، أما إذا هم بالمعصية فينبغي أن يُغلِّب جانب الخوف؛ حتى لا يقع في المعصية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإيمان وحده لا يكفي حتى يقترن بعمل، لكن إذا أطلق الإيمان شمل العمل، وإن ذُكر معه العمل صار العمل علانية والإيمان سرًّا، مثل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ هنا جُمِع بين الإيمان والعمل فيكون الإيمان في القلب والعمل في الجوارح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: دوام نعيم المؤمنين العاملين الصالحات؛ لقوله: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت ٨] أي لا يُقطع كما قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ٦٢].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أجر الآخرة خيرٌ من أجر الدنيا وثوابها، وجه ذلك: أن أجر الآخرة غير مقطوع بل هو مستمر دائمًا وغير ممنون به أيضًا بل يُعطى الإنسان بدون مِنَّة، وأما ثواب الدنيا فإنه بالعكس.
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾ [فصلت ٩] إلى آخره. في هذا دليل على وجوب إعلان المؤمن ما عليه الكفار من الكفر بالله؛ لقوله: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أنه لا تجوز مداهنة الكفار، وإن كانت المداراة تجوز لكن المداهنة لا تجوز، والفرق بينهما: أن المداهنة سكوت الإنسان عن معصية العاصي كأنه يقول: لك معصيتك ولي طاعتي، فأنت اعمل وأنا أعمل، هذه مداهنة، مُصانَعة لا تجوز، قال الله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] لكن لا يجوز للمؤمن أن يداهن، أما المداراة فمعناه أن ينقل الإنسانُ مما هو عليه من المعصية شيئًا فشيئًا وهو غير راضٍ بها بل هو كاره، ولا يرى أنه يجوز إقرارها، بخلاف المداهِن؛ المداهنة في الحقيقة أشبه ما لها في وقتنا الحاضر، ما يسمونه بالمجامَلة أو بالعلمنة، العلمنة الآن العلمانيون يقول: خلِّ كل إنسان وشأنه، الدولة دولة والدين دين، الدولة لا بد أن تتحد والدين لِكُلٍّ دينه، لا تنكر على الكافر ولا على الفاسق خلوا كل إنسان يعمل ما شاء، فالمهم أن هذه الآية الصريحة في أنه يجب أن نُنكر على الكافرين كفرهم وألا نداهنهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي تأكيد ما يمكن أن يُنفى أو يُشك فيه، وجهه: أنه أكد ذلك بقوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ﴾، وإلا فيكفي أن يقول: قل لقد كفرتم أو قل كفرتم، لكن لما كان هذا أمرًا يشك فيه، ويقال: هؤلاء لم يكفروا بالله بل آمنوا به؛ لأنهم يؤمنون بأن الله موجود، وبأن الله خالق السماوات والأرض، لكن إذا لم يتبعوا شرعه فهم كافرون به ولو أقروا بوجوده.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل، وبيان حكمته في خلق السماوات والأرض، حيث خلق هذه الأجرام العظيمة الكبيرة الواسعة في خلال ستة أيام، أما الحكمة فوجهه أن الله جل وعلا كان قادرًا على أن يخلقها بلحظة واحدة: كن فيكون، لكنه جل وعلا ربط الأسباب والمسببات، وجعلها تتفاعل شيئًا فشيئًا حتى تنتهي، هذا من وجه، ومن وجه آخر أنه أخَّر ذلك ليُعَلِّم عباده التأني في الأمور.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن خلق الأرض قبل خلق السماء؛ لأنه لما ذكر خلق الأرض في أربعة أيام قال: ثم استوى إلى السماء، وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ٢٩]، ولكن هذا يعارضه ظاهر قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات ٢٧ - ٣٠]، فهنا ذكر أن الأرض دُحيت بعد خلق السماء فهل المراد بالدحو شيء سوى الخلق؟ أو أن البعدية هنا بعدية ذكر، يعني كما يقولون: هذا ترتيب ذكري وليس ترتيبًا زمنيًا؟ في هذا وجهان:
الوجه الأول: أن الدحو ليس الخلق بل هو شيء آخر فسره الله بقوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ [النازعات ٣١] هذا الدحو، وإخراج الماء والمرعى شيء زائد على الخلق والتكوين.
وأما الوجه الثاني: فإن البعدية هنا بعدية ذكر وهو ما يعرف عند علماء النحو بالترتيب الذكري، ومنه قول الشاعر:
؎إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ∗∗∗ ثُمَّ سَادَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ جَدُّهُ
فتجد الآن الترتيب على خلاف الترتيب الزمني لكن هذا يسمى ترتيبًا ذكريًّا، يحتمل وجهين، ولكن الوجه الأول أولى أن يقال: إن الدحو ليس الخلق، الخلق والتكوين شيء والدحو شيء آخر، والدليل أن الله تعالى قال في الدحو مفسرًا إياه قال: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ أفهمتم الآن؟
إذن لا معارضة بين الآيتين؛ لتنزل كل واحدة منهما على وجه لا يعارض الوجه الآخر، واعلم أنه ينبغي للإنسان إذا رأى آيتين ظاهرهما التعارض ألا يسرع في الحكم بالتعارض؛ لأنه لا يمكن أن تتعارض آيتان من كل وجه كما ذكرنا ذلك في أصول التفسير، ولكن ليتأنى وليتأمل وليفكر، فإن أدرك ألا تعارض فهذا المطلوب وإلا وجب أن يسأل أهل العلم، فإن لم يتبين له الأمر وجب عليه التوقف، وصارت هذه من الآيات المتشابهات التي يجب أن يقول فيها: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران ٧]، وقد ذكرنا لكم فيما مضى أن من العلماء من ألَّف في الآيات التي ظاهرها التعارض وجمع بينها، وذكرت لكم أن من أحسن ما رأيت ما ألفه الشيخ الشنقيطي رحمه الله (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب).
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن نوع الكفر الذي حصل من هؤلاء المخاطبين: الشرك؛ لقوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [فصلت ٩] وجعل الأنداد له أنواع كثيرة: إما أن يجعل له أندادًا في الذات فيقول: إن الله له مثيل كما فعلت النصارى، حيث قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وكما فعل الممثِّلة الذين مثَّلوا صفات الله بصفات خلقه، فإن هذا من الشرك، وقد يكون نِدًّا في العبادة، يعبده وإن كان لا يرى أنه مثل الله لكن يعبده ويدعي أنه إنما عبده ليقربه إلى الله عز وجل وقد يكون هناك أنداد في المحبة يحب الشيء كما يحب الله، والعجب أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فيحب الشخص، ويتعلق به كثيرًا ويقول: أنا أحبه لله، والحقيقة أنه يحبه مع الله وليس لله، الذي يحب الشخص لله تكون المحبة الأصلية لمن؟
* طالب: لله.
* الشيخ: محبة الله، وهذا أحبه؛ لأنه يحب الله، لكن الذي يجعل قلبه منصرفًا إلى هذا المحبوب لا يفكر إلا به، ولا ينام إلا على ذكره، ولا يستيقظ إلا بذكره، هذا لم يحبه لله، بل أحبه مع الله، وهذا شرك كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة ١٦٥]، كذلك من الند أن يتعلق قلب الإنسان بالمخلوق خوفًا ورجاءً لا محبة؛ خوفًا ورجاءً، بحيث يعتمد عليه في تحصيل معاشه أو في دفع الضرر عنه، وهذا يقع كثيرًا ولا سيما بعد فتح المستشفيات، فإن أكثر الناس يتعلق قلبه بالمستشفى، تجده إذا مرض قال: أروح آخذ حبة أو حبتين، ما يقول: يا رب عافني، أو يلجأ إلى الله، على طول، روح حبة ولا حبتين ولا ثلاثة مع أنه ربما يكون هذا الطبيب الذي اعتمد عليه ورجاه كافرًا ملحدًا، هذا أيضًا من اتخاذ الند لله؛ ولهذا كان ضرر المستشفيات الآن مع ما فيها من نفع وخير كثير، والحمد لله لكن كان فيها ضرر عظيم؛ لأن الناس الآن صاروا يعلقون آمالهم ويجلون آلامهم بالمستشفيات، أبدًا لو يجي الإنسان لو تقطُّه الشوكة، يلَّا المستشفى، طلعها بظفرك، ولا طلعها بالمنقاش، قال: المستشفى، لا إله إلا الله، المرأة إذا جاها الطَّلق وصارت تطلق طلقًا عاديًّا أيش يعمل؟ المستشفى، والمستشفى ماذا يقول؟ والله هذه مسألة خطيرة لا بد من قيصرية، القيصرية هذه نشق البطن، ثم يبقى عندها عشرة شقوق في بطنها إذا ولدت عشرة أولاد، يبقى هذا البطن ما يتحمل أي حمل لو حمل انفجر، كل هذا نوع من الشرك، لا تلجأ إلى المستشفى إلا للضرورة القصوى، اجعل رجاءك دائمًا معلقًا بالله، وقل: إن الذي خلقني وأوجدني أول مرة قادر على أن يزيل ما نزل بي من مرض أليس كذلك؟ وهو أقدر من كل أحد، يزيله عز وجل بدون أي عملية، وبدون حبوب، وبدون مياه، وبدون إبر.
المهم أن اتخاذ الأنداد ليس خاصًّا بشيء معين؛ يكون في أشياء كثيرة، فإياك أن يكون لك ند حتى إن الرسول ﷺ قال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيلَةِ»[[أخرجه البخاري (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة.]]. من عابد هذه؟ هل الإنسان يضع الدينار فوقه ويسجد له ويركع؟ لا، ولا كذلك الدرهم، ولا الخميصة، ولا الخميلة، لكن لما كان قلبه معلقًا بهذا الشيء إن أُعطي رضيَ وإن لم يُعطَ سخط صار عبدًا لها، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من ذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان امتناع الند لله عز وجل؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [فصلت ٩] وجه الامتناع: أنه رب العالمين، وأي ند يكون رب العالمين؟ ماذا تقول؟ أجب؟ ما هو؟ أين ذهبت؟
* طالب: لا، لا، أسمع..
* الشيخ: تسمع ولكنك لا تعي؛ لأن القلب غير حاضر، أليس كذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم ولَّا بلى؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الظاهر أن المقر بالذنب يُعفى عنه. أقول في هذا في قوله: ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ دليل على أنه لا يمكن أن يكون أحد ندًّا لله، لماذا؟ يعني من يمكن أن يقال: إنه رب العالمين؟ لا يمكن، فهو رب وما سواه مربوب، إذن ما سواه لا يصح أن يكون ندًّا له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم ربوبية الله عز وجل لكل العالم؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الخضوع له شرعًا كما أننا نخضع له قدَرًا؛ لأن هذا مقتضى الربوبية؛ أن تخضع لهذا الرب شرعًا كما أنك خاضع له قدرًا، كل خاضع لله قَدَرًا ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [الرعد ١٥] هذا السجود أيش؟ القدَري، فيجب أن تخضع له شرعًا، وأن تتذلل له تكون أمامه ذليلًا كما كنت أمامه ذليلًا في قدره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مِنَّة الله سبحانه وتعالى على عباده، حيث جعل في الأرض رواسي؛ أي: ثوابت، ما الحكمة؟ الحكمة ذَكَرَها الله في قوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل ١٥]، لولا هذه الرواسي لمادت بنا الأرض.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأرض تدور؛ لقوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾؛ لأن نفي الميدان دليل على وجود أصل الحركة؛ إذ لم يقل: أن تتحرك بكم، ونفي الأخص يقتضي وجود الأعم كما قلنا في قول الله تبارك وتعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام ١٠٣] إنه دليل على أن الله يُرَى لكن لا يدرك؛ إذ لو كان لا يُرَى لوجب أن يقول: لا تراه الأبصار، فلما نفى الأخص صار دليلًا على وجود الأعم.
هكذا قررها بعضهم وقال: إن في الآية دليلًا على أن الأرض تدور؛ لأن الله ألقى هذه الرواسي لتكون دورتها متزنة لا تتخلخل فتضطرب بالناس، ولكن هذا وإن كان قويًّا من حيث النظر لكنه ليس متعينًا؛ إذ يجوز أن يكون المعنى أن تميد بكم تضطرب ولو كانت واقفة، فالسفينة مثلًا على الماء تضطرب ولو كانت واقفة، فيكون المعنى: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل ١٥] يعني أن تضطرب بكم، وسواء كانت تدور أو لا تدور؛ ولهذا ليس في الآية دلالة قطعية على أن الأرض تدور.
فإن قال قائل: إذا قلت: إنه يحتمل أنها تكون دالةً على أن الأرض تدور فما جوابك عن آيات كثيرة تدل على أن الشمس تجري، تطلع، تغرب، تزاور، توارى، تذهب؟ كل هذه الأفعال أسندت إلى الشمس، والأصل أن الفعل إذا أُسنِد إلى شيء أن يكون قائمًا به، فيكون ظاهر القرآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ﴾ [الكهف ١٧] إذن معناه هي التي كانت مختفية، ثم طلعت علينا، وهؤلاء الذين يقولون: الأرض تدور، يكون المعنى ﴿إِذَا طَلَعَتْ﴾ أي إذا طلعنا عليها؛ لأنا نحن الذين نأتي إليها أما هي ثابتة قارة أعني الشمس.
قلنا: يجوز أن تكون الأرض تدور، والشمس أيضًا تدور جائز، وإذا كان الدوران بالعكس فظاهر أنه يتعاقب الليل والنهار؛ يعني مثلًا لو كانت الأرض تدور نحو الشرق، والشمس تدور نحو الغرب، هذا ممكن بكل سهولة، فإن كانتا تدوران إلى اتجاه واحد فإن إحداهما إذا كانت أسرع من الأخرى تحقق اختلاف الليل والنهار، ومن قال: إنه لا يمكن أن نقول: إن الشمس تجري إلا إذا قلنا: إن الأرض ثابتة لا تدور فأما إثبات دوران الأرض مع دوران الشمس فهذا لا يمكن. فإن قوله غير صحيح.
الإمكان ممكن ولو قلنا بدورانهما جميعًا، لكن الشيء الذي نعتقده الآن أن الليل والنهار يحصل بتعاقب الشمس على الكرة الأرضية، لا بتعاقب الكرة على الشمس، هذا الذي نعتقده إلى الآن؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، والقرآن صدر من الخالق عز وجل وهو أعلم بما خلق.
ولا يمكن أن نحيد عن هذا قيد أنملة ما دام لم يظهر لنا أمر حسي لا يمكن التكذيب به، وعند بعضهم -أي بعض الذين يقولون بدوران الأرض- يقولون: عندنا أمر قطعي بدليل الصواريخ العابرة للقارات فإنها تقدر بتقدير معين بحيث يتماشى مع دوران الأرض فيصيب الهدف، وإلا لما أمكن.
على كل حال هذه أنا أردت يعني أن أتكلم فيها بعض الشيء؛ لأنها في يوم من الأيام كانت مثارًا للجدل بين الناس؛ بين طلبة العلم وبين عامة الناس وبين الذين لم يتمكنوا من العلم كثيرًا، فنحن نقول: أولًا: البحث العميق في هذا والجدل في هذا أمر لا ينبغي ولا فائدة منه.
ثانيًا: عندما نريد أن نحقق المسألة تحقيقًا علميًّا نظريًّا ننظر إلى الآيات، فإذا كان ظاهر قوله تعالى: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل ١٥] يقتضي أنها تدور قلنا بذلك ولا حرج، ولا مانع أن نقول: هي تدور وكذلك الشمس لا مانع، فنكون أخذنا بظاهر القرآن في الشمس، وبظاهر ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ في الأرض، وإذا كان قوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ لا يتعين أن يكون بحركتها وإنما قد تضطرب وهي ساكنة قارة فلا يبقى في الآية دليل على أن الأرض تدور.
* طالب: (...) أقرهم أنه لا يمكن يقرهم على قولهم (...) الشمس (...).
* الشيخ: نعم، نحن نقول: لا نقرهم على أن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دورة الأرض بل نقول: هو باختلاف طلوع الشمس على الأرض.
* الطالب: ولا يمنع أن يكون الشارع (...) الأرض؟
* الشيخ: ولا يمنع، لكن لو فُرِض أنه جاءنا دليل حسي ملموس على أن اختلاف الليل والنهار بسبب دورة الأرض لقُلنا به، ويكون إضافة الأفعال هذه إلى الشمس على حسب رؤية الإنسان لها.
* الطالب: هم يقولون بثبوت الشمس..
* الشيخ: لا، أنا أقول: لا، هم يقولون: الشمس تدور في الجو أو تدور حول نفسها؟
* طالب: دوران الشمس (...) دورة سنوية (...).
* الشيخ: إي، المهم على كل حال ما يهمنا، الكلام على أن من جهة القرآن، الآن إذا قرأنا: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف١٧]، هذه فيها أربعة أفعال أُضِيفت كلها إلى الشمس، الأصل أن الأفعال المضافة إلى الشيء أنها قائمة به، فالشمس هي اللي تطلع هم يقولون: لا، الشمس ما تطلع علينا؛ نحن الذين نطلع عليها بسبب دوران الأرض؛ يعني الآن مثلًا اللمبة اللي فوقي يدي مثلًا كظاهر اليد مقابل لها الشمس طالعة، ثم تقول: هكذا تغيب الشمس؛ يعني نحن غبنا عن الشمس ونحن طلعنا عليها، نقول: إذا ثبت هذا ثبوتًا قطعيًّا لا شك فيه فالقرآن لا يخالف الحس أبدًا، وتُفسَّر الأفعال المضافة إلى الشمس بحسب رؤية الرائي.
* طالب: كيف تكون طاعة الكافر طاعة قدرية؟
* الشيخ: أليس الله يأمره أن يكون مريضًا فيمرض؟ ويكون صحيحًا فيصح؟ ويموت فيموت؟
* الطالب: بلى.
* طالب آخر: شيخ، أحسن الله إليك، يقول تعالى: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١] هل هذا يدل على أن الجمادات تريد وتنطق؟
* الشيخ: هذه ما هو وصلناها، بارك الله فيك.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ألا يشهد لقولهم: أنا نحن الذين نطلع على الشمس، قوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف ٨٥، ٨٦] أسند الفعل للشمس، وفسر أهل العلم بأنها في عين الرائي..
* الشيخ: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾.
* الطالب: ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾ ﴿تَغْرُبُ﴾ الفعل أسند إلى الشمس، هذا وقال أهل العلم: إنه في عين الرائي ولا تغرب، إنما تغرب (...).
* الشيخ: تختفي عنه.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إيه، طيب.
* الطالب: هل هي تغرب في عين حمئة؟
* الشيخ: كيف؟ تختفي عنه في البحر لكن ما هي في وسط البحر طبعًا؛ ولهذا قال: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾.
* طالب: علمنا يا شيخ أن الأرض خلقت قبل الشمس فما الحكمة؟
* الشيخ: الأرض قبل الشمس؟
* الطالب: الأرض خلقت قبل الشمس.
* الشيخ: ما علمنا هذا، قبل السماء.
* الطالب: الحكمة في أن الله عز وجل ذكر السماء والأرض (...) السماء؟
* الشيخ: هذه ما وصلناها، الحكمة بأن الله تعالى يذكر الأعلى قبل الأسفل، أما التحدث عن خلْق السماء فبيَّن الله تعالى أن الأسفل يُخلق قبل الأعلى كالبناء الآن، عندما تريد أن تبني شيئًا، هل تبني السقف قبل أن تبني العمود؟ فعند الذكر والتحدث يبين الأشرف والأعلى يقدم، وعند التكوين والبناء يبدأ بالأسفل؛ لأنه هو الأصل. (...)
* * *
* الطالب: ﴿إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [فصلت ١٤ - ١٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كنا نتكلم على فوائد الآيات السابقة من قوله تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت ٩] وأخذنا عدة فوائد منها كم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ثلاثة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إلى؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما وصلناها.
* الطالب: منة الله تعالى على عباده حيث جعل في الأرض رواسي ثوابت (...).
* الشيخ: * ومن فوائد هذه الآيات: أن الله تعالى جعل الرواسي من فوق الأرض لما في ذلك من المنافع، ودفع المضار الذي أشرنا إليه في أثناء التفسير.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الله تعالى بارك في الأرض، ووجه البركة ظاهر، فقد حملت الأحياء والأموات، وحملت من الدواب ما لا يعلم أجناسَه فضلًا عن أنواعه فضلًا عن أفراده إلا الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الله قدَّر في الأرض أقواتها؛ أي جعلها مُقدَّرة بقدر معلوم، ومن ذلك التقدير أن جعل في جهات من الأرض من الأقوات ما ليس في جهات أخرى حتى يتبادل الناس هذه الأقوات، وتتحرك التجارة إلى غير ذلك من الفوائد، ولعله يشير إلى هذا قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ يعني المطر ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الفرقان ٥٠].
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن خلق الأرض تم في أربعة أيام؛ لقوله تعالى: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً﴾ [فصلت ١٠].
* ومن فوائدها: أن الله تبارك وتعالى يجيب السائلين أسئلتهم، سواء سألوا بلسان الحال أو بلسان المقال، فالإنسان مُتشوِّف إلى علم المسألة دون أن ينطق بلسانه، يقال: إنه سائل بلسان الحال، والإنسان الذي يتكلم باللسان سائل بلسان المقال، والسؤال عن خلق السماوات والأرض وكيف ذلك؟ هذا يكون بلسان الحال ويكون بلسان المقال.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن السماء كانت قبل أن تُخلَق كانت دخانًا، ثم حوَّل الله هذا الدخان إلى سماوات؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت ١١].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات عُلُوِّ الله عز وجل على أحد القولين في تفسير ﴿اسْتَوَى﴾ وهما أيش؟ قَصَدَ أو ارتَفَعَ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل شيء قابل لمخاطبة الله عز وجل؛ أي قابل أن الله يخاطبه؛ لأن الله خاطب السماء والأرض وهي جماد، قال: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾، لكننا نحن لو خاطبنا الجماد لعُدَّ ذلك سفهًا ونوعًا من الجنون، أما الرب عز وجل فإنه يخاطب ما شاء من عباده من عاقل وغيره وجماد وغيره؛ لأن كل من خاطَبَهُ الله فإنه يفهم خطاب الله.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن كل شيء خاضع لله عز وجل سواء كره أم رضي؛ لقوله: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت ١١].
* ومِن فوائد هذه الآيات الكريمة: كمال خضوع السماوات والأرض لله عز وجل حيث قالتا: ﴿أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أنه يصح أن يُعبَّر عن غير العاقل بما يُعبَّر به عن العاقل إذا نُزِّل غير العاقل منزلة العقل؛ لقوله: ﴿طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١]، فإن هذا الجمع -جمع المذكر السالم- لا يصدر إلا من عاقل، وغيره يُقال: طائعات وما أشبهها لكن إذا نُزِّل غير العاقل منزلته بالخطاب صح أن يُعامل معاملة العاقل.
* من فوائد هذه الآيات الكريمة: إثبات الطواعية والكراهية لغير العاقل؛ لقوله: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾، فهل هذا يعني أن لغير العاقل إرادةً؟ الجواب: نعم؛ لأن الطائع له إرادة، ومن يتصور إكراهه له إرادة أيضًا، وإرادة كل شيء بحسبه، وقد مر علينا أن الحصى تُسبِّح بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا تسبيح إلا بعد إرادة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال في أُحُد: «يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠٨٣)، ومسلم (١٣٩٣/٥٠٤) من حديث أنس بن مالك.]]. والمحبة أخص من الإرادة، وعلى هذا فهذه الجمادات التي نحن لا نفقه تسبيحها هي لها إرادة، وتُسبِّح الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن مُدَّة خلق السماوات أقل من مدة خلق الأرض مع أن السماوات أعظم، لكن لما كانت الأرض موضوعة للأنام كما قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ [الرحمن ١٠] كان خلقُها أكثر مُدَّة؛ لبيان عناية الله تعالى بهذه الأرض التي وضعها للأنام، وليعلم الأنام الذين على الأرض أن العبرة بالإتقان لا بالسرعة.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الله أتم خلق السماوات حين أوحى في كل سماء أمرها، ورتَّبها الترتيب المحكم المتقَن.
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن الله تعالى خلق هذه النجوم؛ لفائدتين: الفائدة الأولى: زينة السماء، والفائدة الثانية: حفظ السماوات من الشياطين، فهي تحفظ السماوات من الشياطين وهي كذلك زينة للسماء، هناك فائدة ثالثة ذكرها الله تعالى في سورة النحل في قوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦] ولهذا قال قتادة -وهو من أئمة التابعين-: خلقَ الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء، ورجُومًا للشياطين، وعلامَاتٍ يُهتَدَى بها[[أخرجه البخاري معلقًا (٤ / ١٠٧).]].
* ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: كمال إتقان الله عز وجل لمخلوقاته؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت ١٢] وهذا التقدير لا شك أنه تقدير مُحكَم مُتقَن من جميع الوجوه.
* ومن فوائدها: إثبات اسمين من أسماء الله وهما: العزيز العليم، وهذان الاسمان يتضمنان صفتين هما: العزة والعلم، وهنا نسأل: هل في العزيز ما يسمى بالحكم أو بالأثر؟ الجواب: نعم، بناءً على أن من معناه: عزة القهر، والقاهر لا بد من شيء مقهور حتى يتم به القهر، فعلى هذا يكون الإيمان بهذين الاسمين يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالاسم اسمًا لله.
والثاني: الإيمان بالصفة.
والثالث: الإيمان بالأثر، وإن شئت فقل: بالْحُكْم.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونࣲ","۞ قُلۡ أَىِٕنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِی یَوۡمَیۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ ذَ ٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَجَعَلَ فِیهَا رَوَ ٰسِیَ مِن فَوۡقِهَا وَبَـٰرَكَ فِیهَا وَقَدَّرَ فِیهَاۤ أَقۡوَ ٰتَهَا فِیۤ أَرۡبَعَةِ أَیَّامࣲ سَوَاۤءࣰ لِّلسَّاۤىِٕلِینَ","ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ وَهِیَ دُخَانࣱ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِیَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهࣰا قَالَتَاۤ أَتَیۡنَا طَاۤىِٕعِینَ","فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَاتࣲ فِی یَوۡمَیۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِی كُلِّ سَمَاۤءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِمَصَـٰبِیحَ وَحِفۡظࣰاۚ ذَ ٰلِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ"],"ayah":"۞ قُلۡ أَىِٕنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِی یَوۡمَیۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ ذَ ٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق