الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [فصلت ٥١]، المراد بالإنسان هنا الجنس كما قال المؤلف؛ يعني أن جنس الإنسان بالنظر إلى كونه إنسانًا فقط هذه حاله، إذا أنعمنا على الإنسان أعرَض عن الشكر، وما هو الشكر؟ الشكر حقيقةً هو طاعة الله عز وجل، هذا هو الشكر، ويكون بالقلب، وباللسان، وبالجوارح. ويدل على أن الشكر هو طاعة الله قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:» ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾، «وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ:» ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ «»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة.]]. فجعل النبي ﷺ الشكر لله هو العمل الصالح؛ يعني القيام بطاعة الله، فالشكر إذن هو القيام بطاعة الله، ويكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح؛ أما بالقلب فهو شعور الإنسان بأن هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى، وأنه لولا فضل الله ما حصلت له فيقر بقلبه، ويعترف أن ذلك من عند الله وليس بحوله وقوته، وأما اللسان، الشكر باللسان، فالتحدث بنعمة الله عز وجل اعترافًا بفضله لا افتخارًا على خلقه، بأن يقول: الحمد لله، قد رزقني الله أموالًا وأولادًا وعِلْمًا وجاهًا وما أشبه ذلك، ومن الشكر باللسان جميع الطاعات القولية فإنها من الشُّكر باللسان، فقراءة القرآن، الأخ هل هي من الشكر أو لا؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: من الشكر؛ لأن كل طاعة باللسان فهي من شكر الله عز وجل، الشكر بالجوارح العمل كالركوع، والسجود، والقيام، والقعود، والصدقة، وما إلى ذلك، وفي هذا يقول الشاعر: ؎أَفَادَتْـــــكُمُ النَّعْــــمَـــاءُ مِنِّيثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا يقول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ [فصلت ٥١]، يقول المؤلف في تفسير: ﴿نَأَى بِجَانِبِهِ﴾ (أي ثنى عطفه متبخترًا)؛ يعني أعرض ببدنه وبقلبه مُفتخرًا مُتعاظِمًا، هذا بالنسبة لحاله، بالنسبة لما يطلب منه من الشكر: يعرض ولا يشكر الله عز وجل، وهذه حال كثير من بني آدم؛ ولهذا عمَّمها الله، قال: ﴿إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ﴾؛ لأن أكثر بني آدم على هذا الحال. وقوله: ﴿نَأَى﴾ أنا عندي ﴿﴿نَاءَ بِجَانِبِهِ﴾ ﴾ (وفي قراءة بتقديم الهمزة) في قراءة سبعية، واعلم أن اصطلاح المؤلف رحمه الله أنه إذا قال: (وفي قراءة) فهي سبعية؛ أي من القراءات السبع، وإذا قال: (وقرئ) فهي من القراءات الشاذة، إذن (ناء) و(نأى) معناهما واحد كـ(أيس) و(يئس) بتقديم الهمزة وتأخيرها، ومعناهما واحد أيِس من كذا، يئس من كذا، معناهما واحد، ناء بكذا، أو نأى بكذا؛ معناهما واحد، والمقصود أنه كما قال المؤلف: (ثنى عطفه وانصرف متبخترًا ومتعاظمًا). ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ [فصلت ٥١] أقبل ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ (أي كثير)، إذا مسه الشر لجأ إلى الله وأطال الدعاء وأكثر منه. وانظروا ما حكى الله سبحانه وتعالى عن المشركين إذا كانوا في البحر، وهاج البحر ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس ٢٢] ولكنهم يعدون ويكذبون، إذا أنجاهم عادوا إلى الكفر والعياذ بالله. ﴿إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الإنسان من حيث هو إنسان بطر عند النَّعْماء لكنه مُقبِل عند الضراء؛ لقوله: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾. * ومن فوائدها: أن ما يتمتع به الإنسان من النعيم فإنما هو من عند الله؛ لقوله: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ﴾. * ومن فوائدها: التحذير من هذه الحال، فإذا رأى الإنسان من نفسه أنه عند النعمة يفرح ويبطر ويتهاون بما أوجب الله عليه فليعلم أنه داخل في هذا الإنسان المذموم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان يعرف من نفسه الضعف إذا أصابه الضرر، ويلجأ إلى الله، حتى الكافر يعرف من نفسه الضعف، ويلجأ إلى الله عز وجل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكفار يؤمنون بالله، وبأنه هو كاشف الضر؛ لقوله: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فصلت ٥١]، الإعراض في قوله: ﴿إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ هذه جملة شرطية، فأين الجواب؟ الأخ، أنت؟ ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أنت رفعت اليد اليُسرى، وهذا ليس من الأدب؛ ولذلك سوف يكون تعزيرك بحرمانك من الإجابة. * طالب: أعرض ونأى بجانبه. * الشيخ: ﴿أَعْرَضَ﴾ هذا الجواب. ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ معطوف عليه، هذا صحيح، وأين الجواب في قوله: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾؟ * الطالب: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾. * الشيخ: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾. ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ أين عاملها؟ * الطالب: (...). * الشيخ: مُقدَّر؟ قلها على التقدير؟ * الطالب: (...). * الشيخ: فهو ذو دعاء عريض. لماذا اقترنت الفاء بجواب الشرط؟ * الطالب: (...). * الشيخ: لأن جواب الشرط جملة اسمية، وإذا كان جواب الشرط جملةً اسمية وجب قرنها بالفاء، ولا تسقط إلا نادرًا، ما هي الجمل التي إذا وقعت جوابًا للشرط فإنها تقترن بالفاء؟ * طالب: (...) اسمية طلبية. * الشيخ: مجموعة في قول الناظم: ؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ∗∗∗ وَبِلَنْ وَقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ نعم، إذا وقع جواب الشرط جملةً من هذه الجمل السبع وجب اقترانه بالفاء، ولا تُحذف إلا نادرًا مثل قول الشاعر: ؎مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ∗∗∗ ............................ الأصل: من يفعل الحسنات فالله يشكرها. لكنها سقطت، فإما لضرورة الشعر، وإما للقلة؛ لأنها تسقط حتى في النثر لكن ذلك قليل. المهم افهموا الآن: أنه متى وقعت جملة الجواب إحدى هذه الجمل، فإنه يجب اقترانها بالفاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب