الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾. قوله: ﴿لَا يَسْأَمُ﴾ أي: لا يمل، بل لا يزال يسأل. و﴿الْإِنْسَانُ﴾ هنا يحتمل أن يكون المراد به الكافر، ويحتمل أن يُراد به الجنس؛ أي: جنس الإنسان سواء كان مؤمنًا أم كافرًا، ثم تُنزَّل الأحوال على ما يليق بها.
﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ ﴿دُعَاءِ﴾ مضاف، و﴿الْخَيْرِ﴾ مضاف إليه. من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وهو أيضًا -أعني الخير- مفعول لـ﴿دُعَاءِ﴾، والمدعو هو الله عز وجل، فعندنا: داعٍ، ومدعو، ومدعو به؛ أي: مطلوب، فالداعي الإنسان، والمدعو الله، والمدعُوُّ به الخير.
وقال المؤلف: (أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما) من البنين، والزوجات، والجاه، والشرف، وغير ذلك مما يدعوه الإنسان رغبةً به.
﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ (الفقر والشدة) وتخصيص الشر بالفقر والشدة ليس على سبيل الحصر بل هو على سبيل المثال؛ لأنه يشمل الفقر والشدة، وفقْد الأولاد، وفقد الجاه والإيذاء من الخلق، وأشياء كثيرة، فتخصيص المؤلف ذلك بالفقر والشدة من باب التمثيل.
﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ [فصلت ٤٩] الفاء رابطة للجواب، وهو (إن)، و(يئوس) خبر لمبتدأ محذوف، (يئوس) خبر المبتدأ أي: فهو: يئوس قنوط. قال المؤلف: (من رحمة الله تعالى وهذا وما بعده بالكافرين). (يئوس) قنوط.
هل هناك فرق بين اليأس والقنوط؟
الجواب: نعم، اليأس هو زوال الرجاء بحيث ينقطع رجاء الإنسان، والقنوط أشد اليأس. وعلى هذا فيكون قوله: (يئوس) هذا ابتداء القنوط. ﴿قَنُوطٌ﴾ هذا نهايته.
وقوله: ﴿يَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾، أعربنا (يئوس) خبر المبتدأ محذوف، فماذا نعرب ﴿قَنُوطٌ﴾؟ نعربه على أنه خبر ثانٍ، وتعدد الأخبار جائز واقع في اللغة العربية، وواقع في القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٤ - ١٦]، كل هذه أخبار متعددة، ولا يصح أن يكون الثاني وصفًا للأول؛ لأنها كلها تعود على موصوف واحد، وعليه فنقول: ﴿قَنُوطٌ﴾ خبر ثانٍ للمبتدأ المحذوف، ولا يصح أن يكون نعتًا لـ(يئوس)؛ لأن (يئوس) نفسها نعت.
قال المؤلف رحمه الله: (وهذا وما بعده في الكافرين) هذا المشار إليه اليأس والقنوط (وما بعده) سيذكره (في الكافرين)، وإنما قال المؤلف ذلك؛ لأن المؤمن لا ييئس ولا يقنط، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف ٨٧]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر ٥٦]، فلا يمكن للمؤمن أن ييئس، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكافرين.
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاه﴾ [فصلت ٥٠] (آتيناه). قوله: ﴿وَلَئِنْ﴾ يقول: (لام قسم) يعني اللام، وإن شرطية ﴿أَذَقْنَاه﴾ (آتيناه) ﴿رَحْمَةً﴾ (غنًى وصحةً) ﴿مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ﴾ ﴿مِنَّا﴾ أي: من الله عز وجل. ﴿مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ﴾ (شدة وبلاء) ﴿مَسَّتْهُ﴾ يعني أصابته ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ (أي بعملي).
انظر إلى حال هذا، فنبدأ أولًا بالإعراب؛ لأن فيه شيئًا من الإشكال وهو قوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاه﴾ إلى قوله: ﴿لَيَقُولَنَّ﴾، ففي الجملة الأولى: ﴿لَئِنْ أَذَقْنَاه﴾ حرف شرط، والشرط يحتاج إلى جواب، وفي سياق الآية لم نجد جوابًا للشرط فأين هو؟ جواب الشرط في هذه الآية محذوف؛ لأنه اجتمع قَسَم وشَرْط، وإذا اجتمع القسم والشرط حُذِف جواب المتأخر منهما. إذا اجتمع شرط وقسم حُذِف جواب المتأخر منهما، هنا اجتمع شرط وقَسَم، القسم في اللام، والشرط (إن)، أيهما المتأخر؟
* طالب: الشرط.
* الشيخ: الشرط، فيُحذف جواب الشرط؛ ولهذا جاء جواب القسم في قوله: ﴿لَيَقُولَنَّ﴾ قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَــــــوَابَ مَــا أَخَّـــــرْتَ فَهْـــوَمُلْـــــتَزَمْ
جواب ما أخرت فهو -أي هذا الحذف- ملتزم.
قوله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاه﴾ (آتيناه) لكن عَبَّر بالإذاقة عن الإيتاء؛ لأن من ذَاقَ شيئًا فقد انتفع به، والإيتاء قد ينتفع به الإنسان، وقد لا ينتفع، فإذا أعطيتك خُبزة مثلًا قد تنتفع منها، وقد لا تنتفع؛ يعني قد تأكلها وقد لا تأكلها، لكن إذا ذقتها فقد أكلتها، أو انتفعت بها؛ فلهذا عَبَّر عن الإتيان بالإذاقة؛ لأنه أبلغ في المماسة وفي الانتفاع.
وقوله: ﴿رَحْمَةً مِنَّا﴾ فسَّر المؤلف رحمه الله الرحمة بأنه الغنى والصحة، وهذا مثال، وليس هو الحصر بل تشمل الرحمة كل ما هو مطلوب للإنسان من (غنى وصحة)، وجاه، وأموال، وبنين، وغير ذلك.
وقوله: ﴿مِنَّا﴾ إشارة واضحة إلى أن هذه الرحمة ليست بكسبه، ولكنها فضْل من الله عز وجل، فالغنى أتاه من حيث لا يحتسب، والصحة أتته من حيث لا يحتسب، والبنون وغيره هي من عند الله، وواضح أنها من الله وليست بكسبه.
وقوله: ﴿رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ﴾ [فصلت ٥٠] يعني معناه أنها تُيقن الضرر، ثم جاءت الرحمة من عند من؟ من عند الله، وهذا أبلغ في النعمة أن تأتي بعد الضرر؛ لأن النعمة الدائمة لا يُحَسُّ بها لكن النعمة الطارئة بعد الضرر هي التي يُحَسُّ بها؛ ولهذا من لم يذق مرارة المرض فإنه لا يتذوق حلاوة الصحة حتى في الأمور الشرعية، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا ينقض الإسلامَ إلا من لم يعرف الجاهلية[[ذكره ابن القيم في الداء والدواء ص ٢١٤.]] أو كلمةً نحوها، يعني الذي لا يعرف الكفر لا يعرف قدر الإيمان، كذلك أيضًا الرحمة إذا كانت مستديمة مستمرة، لا يحس بها الإنسان لكن إذا جاءت من بعد الضرر أحس بها، وذاق لها طعمًا، وأَضْرِب لكم مثلًا الآن في النفس؛ النفس نعمة كبيرة من أكبر النعم، الإنسان لا يحس بها، ما دامت النعمة مستمرة لكن لو أُصيب بكتم النفس وحجبه، ثم فُرِّج عنه لوجد لهذا النفس نعمةً عظيمة وأثرًا عظيمًا، كذلك المرض، الإنسان الصحيح المستمر في صحته لا يعرف قدرها، لكن لو مرض، ثم شُفي تبين له قدر النعمة، الرحمة التي ذكر الله هنا رحمة من بعد الضراء يكون لها أثر بالغ أعظم مما لو كانت الرحمة مستمرة.
إذا أذاقه الله عز وجل رحمة من عنده من بعد الضراء ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت ٥٠] هذا جواب القسم يعني: يقول: ﴿هَذَا لِي﴾. ما معنى هذا لي؟ قيل: المعنى: هذا بعملي، فتكون اللام بمعنى (مِنْ)؛ أي: هذا مني وليس من الله. وقيل: اللام للاستحقاق؛ يعني أني مستحق له فلا مِنَّة لله عليَّ به؛ لأني له أهل فأنا حقيق به.
المؤلف مشى على القول الأول وهو أن اللام بمعنى (مِنْ)؛ أي: ليقولن هذا مني، وأنا الذي اكتسبته، أنا الذي اتجرت، أنا اكتسبت وما أشبه ذلك.
القول الثاني يقول: هذا من الله، لكن لا مِنَّة له عليَّ به؛ لأني مستحِق له، والآية تحتمل هذا وهذا، والقاعدة في التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يُنافي أحدهما الآخر فإنها تُحمَل عليهما جميعًا إذا لم يُوجَد المرجح لأحدهما.
﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [فصلت ٥٠] نسأل الله العافية؛ يعني ظن أنه مُخلَّد، لما جاءته هذه الرحمة، قال: إذن لا بعث ولا جزاء ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾. ثم قال: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت ٥٠] يعني على فرض أن تقوم الساعة، وأُرَد إلى الله فإن الذي نعَّمني في الدنيا سوف ينعِّمني في الآخرة؛ ولهذا قال: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت ٥٠] أي (الجنة).
نقول في: ﴿لَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ في الإعراب ما قلناه في ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاه﴾؛ لأنه اجتمع قسم وشرط، وتأخر الشرط فحُذِف جوابه، وبقي جواب القسم في قوله: ﴿إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ فتجد هذا الرجل من غروره -والعياذ بالله- أنه أكد بالقسم. و﴿إِنَّ﴾ واللام، القسم في قوله: ﴿لَئِنْ﴾. و﴿إِنَّ﴾ في قوله: ﴿إِنَّ لِي﴾. واللام في قوله: ﴿لَلْحُسْنَى﴾، فهو أكد أنه على فرض أن يرجع إلى الله فسيجد الحسنى، وهي الجنة كما قال المؤلف رحمه الله، وأخذ المؤلف هذا التفسير من تفسير النبي ﷺ في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦] حيث قال: إن الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.
إذن هذا الرجل مغرور في غاية الغرور، أولًا: أنه أضاف النعمة التي حصلت له في الدنيا، أضافها إلى نفسه إما مباشرة هو الذي حصَّلها بدون الله، وإما لأنه مستحق لها فلا فضل لله عليه فيها، الغرور الثاني أنه أنكر البعث؛ لقوله: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾، الغرور الثالث أنه على فرض أن الساعة قائمة فسيجد عند الله ما هو أحسن ﴿إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت ٥٠] ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ﴾ أي نُخبِرن، والفاء عاطفة، واللام موطئة للقسم المحذوف، والتقدير: فوالله لنُنبئن. إذن الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ﴾ المؤكد الأول: القسم، والثاني: اللام، والثالث: نون التوكيد في قوله: (لننبئن)، والضمير في قوله: (لننبئن) يعود على الله عز وجل، وعاد إليه بصيغة الجمع من باب التعظيم، وإلا فالله إله واحد.
﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾ أي بالذي عملوه، نخبرهم بذلك يوم القيامة، وكيفية هذا أن الله سبحانه وتعالى يُحصي أعمالهم يوم القيامة، فينادي عليهم على رءوس الأشهاد؛ لأنهم قد أخزاهم الله ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود ١٨].
ثم يقول: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ يعني بعد أن ننبئهم، ويقرون بذلك نذيقهم من عذاب غليظ؛ أي (شديد)، قال: (واللام في الفعلين لام قسم) أين الفعلان؟ (لننبئن) و(لنذيقن).
* في هذه الآية والتي قبلها: بيان حال الإنسان الكافر، وهو كفره بنعمة الله عز وجل واعتزازه بنفسه؛ لقوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت ٥٠]. فإن هذا يدل على كفره الشديد وإعجابه بنفسه واعتزازه بها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يرحم الكافر؛ لقوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً﴾، وبناءً على هذا لو سألنا سائل: هل الله يرحم الكافر؟ فالجواب: نعم، يرحمه، والدليل هذه الآية، ولكن اعلم أن رحمة الله تبارك وتعالى نوعان: رحمة خاصة، ورحمة عامة، فما به قوام البدن من الرحمة العامة، وما به قوام الدين من الرحمة الخاصة؛ الرحمة نوعان: عامة وخاصة، فما به قوام البدن عامة؛ لأنه يشمل المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والإنسان والحيوان، هذه رحمة عامة، وما به قوام الدين فهو الرحمة الخاصة، وهذا يختص بالمؤمنين، والفرق بينهما أن الرحمة العامة إنما هي غذاء البدن فقط وتزول بزواله، والرحمة الخاصة غذاء الروح تبقى ببقاء الروح، والروح منذ خلقها الله لا تفنى، الأرواح من الأشياء التي خُلقت للبقاء بخلاف الأجساد، فالأجساد قال الله: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن ٢٦]، لكن الروح لا تفنى كالولدان في الجنة، والحور العين في الجنة خُلِقت للبقاء.
إذن نقول: الفرق بين الرحمة العامة والخاصة؛ الرحمة العامة غِذاء للأبدان فقط، وتنقضي بموت البدن، وأما الرحمة الخاصة فهي غذاء الأرواح، وتبقى دائمًا في الدنيا والآخرة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان فضل الله عز وجل على الكافر؛ لكون الرحمة التي أصابت الكافر من عند الله؛ لقوله: ﴿مِنَّا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إعجاب الكافر بنفسه، حيث يضيف هذه الرحمة التي هي مِن الله إلى نفسه؛ لقوله: ﴿هَذَا لِي﴾، أو يضيفها إلى استحقاقه إياها فكأن الله لا مِنَّة له عليه على القول الثاني أن معنى قوله: ﴿هَذَا لِي﴾ هذا مستحق لي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان عتو الكافر، حيث أنكر ما قامت الأدلة الشرعية والعقلية والحسية على ثبوته في قوله: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [فصلت ٥٠].
الأدلة الشرعية على ثبوت قيام الساعة كثيرة لا تُحصى، الأدلة العقلية هو أنه ليس من الحكمة أن يُوجِد الله هذه الخليقة ويأمرها وينهاها ويُسلِّط بعضها على بعض بالسيف، فيقاتل المؤمن الكافر، ثم تكون النهاية لا شيء، هذا سفه، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون ١١٥]؛ أي فائدة لخلق يُوجَد ويُؤمر ويُنهَى ويُسلَّط بعضه على بعض في القتل العمد، ثم النهاية لا شيء؟! لا فائدة من هذا، وحِكمة الله تبارك وتعالى تأبى أن يقع مثل ذلك من الله، هذا دليل عقلي واضح، دليل عقلي يُوجب أن يُبعَث الناس ليجازوا على أعمالهم.
أما الدليل الحسي على ثبوت البعث وإمكانه وجوازه فالله تعالى يكرره في القرآن: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ [فصلت ٣٩] يعني هامدة ليس فيها نبات ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ﴾ [فصلت ٣٩] ﴿الْمَاءَ﴾ المطر ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ فصارت حية بعد أن كانت ميتة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فإحياء الأرض من بعد موتها والناس يشاهدون دليل على إمكان إحياء الموتى وبعثهم، وهذا دليل واضح حسي ولَّا عقلي؟ حسي مشاهَد، كذلك أيضًا أشهدنا الله عز وجل في الدنيا إحياء الموتى، فلنستعرض هذا في القرآن:
المشهد الأول من؟ بنو إسرائيل قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥]. فأخذتهم الصاعقة وماتوا، ثم بُعِثوا. هذا في الدنيا.
المشهد الثاني: القتيل الذي اختلفت القبيلتان فيه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة، وأن يضربوا القتيل ببعضها، ففعلوا فحيي القتيل وقال: إن الذي قتله فلان. إحياء بعد الموت.
المشهد الثالث: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة ٢٤٣]، خافوا من الموت، وخرجوا من ديارهم، فقال لهم الله: موتوا؛ فماتوا، ثم أحياهم، أماتهم ليعلموا أنه لا مفر لهم من قضاء الله، ثم أحياهم ليقضي أجلًا مسمى كم هذا من مشهد.
المشهد الرابع: صاحب القرية، مر على قرية وهي خاوية من عروشها فقال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ [البقرة ٢٥٩].
المشهد الخامس: إبراهيم قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة ٢٦٠]، فأمره الله عز وجل أن يذبح أربعة من الطيور، ويجعل على كل جبل منها جزءًا، وأن يدعوها، ففعل، فأقبلت إليه حية إما أنها تطير أو تمشي بسرعة. هذه خمسة مشاهد مذكورة في البقرة كلها تدل على إمكان الإحياء بعد الموت.
أما قصة عيسى فكذلك أيضًا، كان عيسى عليه الصلاة والسلام يحيي الموتى بإذن الله، يقف على الميت ويقول: يا فلان قُم. ويقوم، بل يقف على القبر، الميت مدفون ويأمره أن يخرج حيًّا فيخرج كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ [المائدة ١١٠]، وفي الدجال أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه يقطع رجلًا جزلتين، ويمر بينهما، ثم يقف ويأمره أن يُقبِل، يأمر هذا الميت القطعتين أن يُقبل فيلتئم حالًا ويقوم، والناس ينظرون، هذا أيضًا شاهد محسوس، فالمهم أن البعث دل عليه السمع والعقل والحس. هذا الكافر يقول: ﴿مَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف ٣٦].
* من فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: أن هذا الكافر عنده من العُجب والثقة بنفسه على أنه ليس له شيء يثق به ما أمكنه أن يقول: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فصلت ٥٠].
* ومن فوائد الآية: أن الإقرار بالربوبية لا يُدخل الإنسان في الإسلام؛ لأن هذا المنكر مُقر بالربوبية، من أين نأخذه؟ ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ والمشركون كانوا مُقرِّين بالربوبية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩] لكن الإقرار بالربوبية لا يُغني عن الإنسان شيئًا، ولقد فخر بعض الناس الجهال أن أحد رواد الفضاء شهد بأن لهذا الكون خالقًا، لما صعِد في الفضاء ورأى الأرض، ورأى ما حوله من الآيات شهد بأن لها خالقًا، فصار بعض الناس الجهال يُطنطن على إثبات أن للكون خالقًا بشهادة هذا الرجل الكافر، وهذا حقيقةً يدل على ضعف إيمانه؛ لأن خبر الله ورسوله عن ذلك أصدق وأوجب للإيمان، نعم، لو كُنَّا نجادل شخصًا مُنكِرًا لا يؤمن بالأديان، فنقول له: صاحبك الذي هو مثلك أقر بأن للكون خالقًا ربما ينفع، فيكون هذا من باب إقامة حُجته عليه لكننا نجعل هذا حجة مطلقة، ففيه نظر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التأكيد على أن هؤلاء الكافرين سوف يُخبرون بما عملوا؛ لقوله: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾ [فصلت ٥٠]، متى هذا؟ يكون يوم القيامة.
فإن قال قائل: هل لهذا القيد مفهوم؟ أو هو لبيان الواقع ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؟
فالجواب: لبيان الواقع، ليس له مفهوم؛ لأنك لو جعلت له مفهومًا لكان المؤمنون لا يُنبئون بما عملوا مع أنهم ينبئون، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧]. «وثبت عن النبي ﷺ أنَّ الله يخلو بعبده المؤمن فيُقَرِّرُه بذنوبِه: عملت كذا في يوم كذا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٨٥)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]. إذن تقييد الإنباء بالكافر لبيان الواقع يعني هؤلاء الذين كذبوا واقعهم أنهم سيُنبئون بما عملوا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كل شيء مُقيَّد محفوظ على الإنسان، نأخذه من قوله: ﴿بِمَا عَمِلُوا﴾ [فصلت ٥٠]، فإن ﴿مَا﴾ اسم موصول تفيد العموم، وقد قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق ١٨] أي: قول تلفظ به فلديك رقيب حاضر عتيد؛ يعني حاضر يكتب ما تقول.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن عذاب هؤلاء الكفار سيكون غليظًا أي شديدًا؛ لأن الغِلظة معناها القسوة، وهي في كل موضع بحسبه فغلظ الطباع ليس كغلظ الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك، غِلظ العذاب ليس كغِلظ الطين والعجين، وغِلظ القول وما أشبه ذلك، كل غِلظة بحسبها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العذاب في الآخرة ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت ٥٠]، فهل هناك عذاب قبل الآخرة؟ الجواب: نعم، يعذب الإنسان في قبره قبل أن يبعث، وهذا ثابت في القرآن والسنة، استمع إليه في القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام ٩٣].
فقوله: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ يدل على أنهم شحيحون في أنفسهم، لا يريدون أن تخرج؛ ولهذا يقال: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ توبيخًا. ثم يقال لهم: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام ٩٣] متى اليوم؟ يوم موتكم تجزون عذاب الهون، وهذه نص في إثبات عذاب القبر.
وقال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر ٤٦].
وأما السنة فطافحة بذلك وكثيرة، ومنها ما أجمع المسلمون عليه، فكل المسلمين يقولون في الصلاة، أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر. وهل يتصور أن أحدًا يتعوذ من شيء إلا وهو يؤمن بوجوده؟ أجيبوا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا يتصور، إذن فعذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع، وعليه فيكون العذاب المذكور في قوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت ٥٠] هو عذاب الآخرة، وهو أشد من عذاب القبر، أجارنا الله وإياكم من ذلك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لا، ما يصلح، إضافة العمل إلى النفس جائز حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في عمه أبي طالب قال: «لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]]. لكن الإنسان يضيفه إلى نفسه بمعنى كما قال هذا الكافر: ﴿هَذَا لِي﴾ هذا بعملي، أو أتاني من الله؛ لأني مستحق له هذا هو الممنوع.
* * *
* طالب: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [فصلت ٥١ - ٥٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ ﴿إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ يعني أعطيناه نعمة، والنعمة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب، فمن سقط في بحر، ثم هيأ الله له من ينقذه من الغرق فتلك نعمة، وكذلك أيضًا من رزقه الله مالًا وولدًا، هذه نعمة، فالنعمة إما انتفاء نقمة، وإما حصول محبوب للإنسان.
وقوله: ﴿عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ يقول المؤلف: المراد (الجنس)، يعني ليس المؤمن ولا الكافر بل هذا الوصف يكون من المؤمن، ويكون أيضًا من الكافر، قلتم الآن: أنه بقي علينا فوائد: أي آيات؟
قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ [فصلت ٤٩].
* مِن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان شحيح، وأنه حريص على الخير، شحيح ببذل ما يطلب منه.
* ومن فوائدها: أن الإنسان يحب الخير دائمًا؛ لقوله: ﴿لَا يَسْأَمُ﴾ ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾، وهذا بطبيعة الإنسان أنه يحب الخير وهو ما يلائم نفسه ومراده.
* ومن فوائدها: أن الإنسان الذي ليس عنده إيمان إذا مسه الشر يئس وقنط من رحمة الله.
* ومن فوائدها: ذم أهل اليأس والقنوط من رحمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى ساق هذا مساق الذم.
* ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي للإنسان أن يُغَلِّب جانب اليأس والقنوط، كما أنه لا يُغَلِّب جانب الرحمة؛ لأنه إن غَلَّب جانب الرجاء والرحمة فإنه يدخل فيمن لا يأمن مكر الله، وإن غلَّب جانب اليأس والقنوط دخل في أهل اليأس والقنوط.
وهل الذي ينبغي للإنسان أن يُغلِّب الرجاء أو يُغلِّب الخوف؟ اختلف السالكون إلى الله عز وجل في هذا؛ فمنهم من قال: ينبغي أن يُغَلِّب جانب الخوف ليحذر المعاصي ويتجنبها؛ لأنه إذا غلب جانب الخوف خاف وحذر من المعاصي.
ومنهم من قال: يُغلِّب جانب الرجاء؛ لأن الله تعالى عند حُسن ظن عبده به، وإذا غَلَّب الرجاء ابتعد عن اليأس والقنوط.
ومنهم من قال: إنه ينبغي ألا يُغلِّب هذا على هذا، وأن يجعل خوفه ورجاءه واحدًا، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه.
وقال بعضهم: ينبغي للإنسان أن يكون بين الخوف والرجاء كالطائر بين جناحيه إن انخفض أحدهما سقط. وقال بعض أهل العلم: ينبغي أن يُغلب جانب الرجاء عند فعل الطاعة، فيرجو القبول والثواب، ويغلب جانب الخوف عند الهم بالمعصية حتى لا يعصي الله عز وجل.
ومن العلماء من يقول: يُغلِّب جانب الرجاء عند المرض حتى إذا مات لقي الله وهو يُحسِن به الظن، وفي حال الصحة يُغلِّب جانب الخوف؛ لأن حال الصحة يدعو الإنسان إلى البطر والأشر بل يُغلِّب جانب الخوف.
كل هذه الأقوال التي تبلغ ستة أو سبعة كلها في الواقع تنظر إلى حال العبد؛ ولهذا نرى في هذه المسألة أن الإنسان ينظر إلى حاله، فإن كان قد عمل عملًا صالحًا وكدح فيما يرضي الله فليُغَلِّب جانب الرجاء، كلما عمل طاعة غلب جانب الرجاء؛ أن الله سبحانه وتعالى تجاوز عنه، أن الله تعالى قبلها وسيُثيبه، وإذا رأى من نفسه العلو والتعاظم فليُغلِّب جانب الخوف حتى يسير إلى الله تعالى سيرًا حسنًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ [فصلت ٥٠]، * من فوائدها: أن من عباد الله من لا يشكر الله عز وجل، ولا يعترف له بالفضل، فإذا جاءته الرحمة بعد الضراء ادعى أن هذا بعمله، وأنه محقوق به، وأهْل له؛ لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ﴾ إلى آخره [فصلت: ٥٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرحمة إنما هي من الله عز وجل، لا يستطيع الإنسان أن يجلب لنفسه نفعًا، ولا أن يدفع عنها ضررًا بل ذلك إلى الله، ولكن الله قد جعل لكل شيء سببًا؛ فللرحمة أسباب، وللعذاب أسباب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان حال هذا الإنسان الذي إذا أصابته الرحمة والخير، قال: ﴿هَذَا لِي﴾ ثم ادعى دعوى أخرى أنه لو رجع إلى الله لوجدَ عنده خيرًا من ذلك مع أنه ينكر قيام الساعة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإقرار بالربوبية لا يكفي في توحيد الإنسان وإيمانه؛ لأن هذا الرجل قد أقر بالربوبية في قوله: ﴿رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ [فصلت ٥٠].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تهديد من هذه حاله بأن الله سبحانه وتعالى سوف يقرره بذنوبه ويذيقه من العذاب الغليظ؛ لقوله: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [فصلت ٥٠].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإظهار في موضع الإضمار في موضعه خير من الإضمار؛ يعني إذا دار الأمر بين أن تأتي بضمير المتحدث عنه، أو باسم ظاهر فإن الأصل أن تأتي بالضمير، لكن إذا صار هناك فائدة في الإظهار في محل الإضمار فهو أولى وأحسن، الإظهار في موضع الإضمار في قوله: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ولو أضمر لقال: فلننبئنه، لكنه أظهر في موضع الإضمار، الإظهار في موضع الإضمار ذكرنا أن فيه ثلاث فوائد من يحفظها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بيان الصفة أو الوصف الذي استحق من أجله أن يُعاقَب بهذه العقوبة، الثاني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني معناه التسجيل عليهم بالكفر، التسجيل على من هذه حاله بالكفر.
* الطالب: بيان العموم.
* الشيخ: نعم، بيان العموم؛ يعني أن هذا الوعيد ليس لهذا الرجل وحده بل لكل كافر، هذا بالنسبة للآية التي معنا، ففي الإظهار في موضع الإضمار هذه الفوائد، فيه أيضًا فائدة رابعة وهي: انتباه المخاطب؛ لأن الكلام إذا كان على نسق واحد بضمائره ومظهراته فإن الإنسان لا ينتبه، لكن إذا جاء شيء يُخرج الكلام عن سياقه فإنه لا بد أن ينتبه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت ٥٠].
* ومن فوائدها: عموم علم الله عز وجل؛ لأن المنبئ بالعمل لا بد أن يكون عالمًا به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عظمة الله سبحانه وتعالى، حيث أضاف الضمائر إليه بصيغة الجمع، والجمع للواحد يُراد به التعظيم.
{"ayahs_start":49,"ayahs":["لَّا یَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِن دُعَاۤءِ ٱلۡخَیۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَیَـُٔوسࣱ قَنُوطࣱ","وَلَىِٕنۡ أَذَقۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُ لَیَقُولَنَّ هَـٰذَا لِی وَمَاۤ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَاۤىِٕمَةࣰ وَلَىِٕن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّیۤ إِنَّ لِی عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِمَا عَمِلُوا۟ وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِیظࣲ"],"ayah":"لَّا یَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِن دُعَاۤءِ ٱلۡخَیۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَیَـُٔوسࣱ قَنُوطࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











