الباحث القرآني

ثم قال جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت ٤٠] يقول المفسر: (من أَلْحَد ولَحَد) من (ألحد) تكون يُلْحِدُون، و(لَحَد): يَلْحَدون، وأصل اللحد أو الإلحاد هو الـميل، ومنه سُمي اللحد لحدًا لميله إلى جانب القبر، إذن فهذه المادة (ل ح د) مأخوذة من أين؟ من الميل، فمعنى ﴿يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ أي: يميلون فيها، و﴿آيَاتِنَا﴾ جمع آية، وآيات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: آيات شرعية: وهي الوحي المنزل على الأنبياء والرسل، وآيات قدرية: وهي المخلوقات، كل المخلوقات آيات قدرية تدل على خالقها وبارئها، وفي ذلك يقول الشاعر الصادق في قوله: ؎فَوَاعَجَبَا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ ∗∗∗ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ؎وَفِي كُـــــــــــــلِّ شَـــيْءٍ لَــــــهُآيَــــــةٌ ∗∗∗ تَـــــدُلُّ عَلَى أَنَّـــــهُوَاحِـــــــدُ كل المخلوقات آية من آيات الله، إذن الآيات قسمان؛ كونية: وهي جميع المخلوقات، شرعية: وهي الوحي المنزل على الرسل عليهم الصلاة والسلام. الإلحاد في الآيات الكونية يكون بواحد من أمور ثلاثة: إما بإضافتها إلى غير الله، وإما باعتقاد مشارك لله فيها، وإما باعتقاد مُعِينٍ لله فيها، كم هذه؟ ثلاثة؛ الأول: نسبتها إلى غير الله، فيقول مثلًا: الذي خلق السماء القوة الطبيعية، هذا إلحاد في الآيات الكونية، أو اعتقاد مُشارك لله فيها، مثل أن يقول: الذي يدبر الكون هو الله والإمام الفلاني كما تقوله بعض الرافضة، الثالث: اعتقاد مُعِينٍ لله فيها؛ يعني كأن الله عجز عن إقامة السماوات والأرض فأعانه آخر، هذا هو الإلحاد في آيات الله الكونية. وإلى هذا يشير قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ ٢٢] كل الثلاثة نفاها ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ على سبيل الاستقلال، ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ على سبيل المشاركة، ﴿وَمَا لَهُ﴾ أي ما لله ﴿مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ أي: مُعين. مرة ثانية نقول: الإلحاد في الآيات الكونية ما هو؟ * طالب: يكون من ثلاثة أشياء؛ إما بإضافتها لغير الله، أو اعتقاد مُشارِكٍ لله عز وجل، أو اعتقاد مُعِينٍ لله. * الشيخ: إما بنسبتها إلى غير الله، أو اعتقاد مُشارك لله فيها، أو اعتقاد مُعين لله فيها، كل هذا إلحاد. الآيات الشرعية قلنا: إنها ما نزل من الوحي على رسل الله، الإلحاد فيها يكون بتكذيبها وتحريفها ومخالفتها أيضًا في ثلاثة أمور، يكون بثلاثة أمور: تكذيبها أو تحريفها أو مخالفتها، هذا الإلحاد في الآيات الشرعية فمن كذب وقال: إن محمدًا -مثلًا- لم ينزل عليه وحي وإنما يعلمه بشر فهو ملحد، ومن حرفها وغَيَّر معناها أو غير لفظها فهو ملحد؛ لأن التحريف يكون لفظًا ويكون معنى، والثالث: من خالفها فهو مُلحد، فمن عصى الله فهو ملحد لكنه ليس الإلحاد الذي نفهمه وهو الخروج من الدين، بل هو ملحد إلحادًا بقدر ما فعل من المعصية والمخالفة، دليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج ٢٥]، الدليل هذا سمعي، الدليل العقلي أننا قلنا: الإلحاد في اللغة هو الميل، والعاصي المخالف للأوامر مائل بلا شك، الإلحاد في الآيات الشرعية يكون؟ * طالب: بثلاثة. * الشيخ: بثلاثة ولّا بواحدة من ثلاثة؟ * طالب: بواحدة من ثلاثة؛ إما بتكذيبها أو تحريفها أو مخالفتها. * الشيخ: تمام، هؤلاء الذين يلحدون في هذا أو في هذا يقول الله عز وجل: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت ٤٠] هذه صفة نفي ﴿لَا يَخْفَوْنَ﴾، نفى الله عز وجل أن يخفى عليه هؤلاء، لماذا؟ لكمال علمه، واعلم أنه لا يمكن أن يوجد في صفات الله نفي محض، بل كل ما نفى الله عن نفسه فهو متضمن لكمال وإثبات، وهذه دعها قاعدة عندك لا تفرط بها، لا يوجد في صفات الله نفي محض، بل كل ما نفى الله عن نفسه فإنه متضمن لكمال، فمثلًا: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ ليش؟ لكمال علمنا، فإن الله تعالى كامل العلم محيط بكل شيء ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠]. إذن ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ أي: لا تخفى علينا حالهم ولا أعيانهم لكمال علمنا، والمراد بهذه الجملة المراد بها التهديد، كما تقول لابنك: يا بني اذهب لما شئت فإنك لا تخفى علي، لا يخفى علي فعلك، فالمراد بها التهديد وهي في غاية التهديد؛ لأنه إذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ فسوف ترتعد الفرائص من هذا الوعيد. ثم قال: (﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ فنجازيهم) المؤلف رحمه الله يقول: (﴿فِي آيَاتِنَا﴾ القرآن بالتكذيب) ففي تفسير المؤلف قصور، أولا: أنه جعل الآيات هنا الآيات الشرعية، وهذا غلط، الآيات أعم. ثانيًا: أنه لم يجعل الإلحاد في الآيات الشرعية إلا بنوع واحد من الإلحاد وهو التكذيب، وقد قلنا: إن الإلحاد فيها يكون بواحد من ثلاثة أمور: إما التكذيب أو التحريف أو المخالفة. قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فصلت ٤٠] الجواب: الثاني ولّا الأول؟ * طالب: الثاني ﴿مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. * الشيخ: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ﴾ استفهام من الله عز وجل ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الجواب لا شك أنه الثاني، وفي قوله: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى﴾ هذا نتيجة قوله: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ إذن فالمعنى: لا يخفون علينا وسنلقيهم في النار؛ لأن هذه هي النتيجة من قوله: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ فيكون المعنى: لا يخفون علينا وسنلقيهم في النار، وأخبروني: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؟ والجواب: أن الناس بصوت واحد سيقولون: من يأتي آمنًا يوم القيامة فهو الخير. وقوله: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ﴾، ﴿يُلْقَى﴾ يفيد هذا أن أهل النار -والعياذ بالله- إذا وردوها لا يدخلوها طائعين ولا مختارين، ولكنهم يُلقَون إلقاءً كما يُلقى الحجر من على الجبل، قال الله تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الملك ٨] ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا﴾، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣]؛ لأنهم لا يريدون أن يذهبوا، ولكن قد ثبت أن النار تمثل لهم كالسراب فيأتون إليها سراعًا، نقول: لا منافاة هي تمثل لهم كالسراب وهم يريدون الشرب فيأتون إليها سراعًا، فإذا وصلوا إليها وعرفوا أنها النار حينئذ يقفون ثم يُدَعُّون إلى نار جهنم دعًّا -أعاذنا الله وإياكم منها- ثم يُلقون فيها إلقاءً. وقوله: ﴿خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وهم المؤمنون الذين لا يلحدون في آيات الله، هؤلاء يأتون يوم القيامة آمنين، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ [الأنعام ٨٢] في الدنيا أو في الآخرة؟ * طلبة: في الدنيا والآخرة. * الشيخ: في الدنيا والآخرة، ﴿أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا﴾ إعراب ﴿آمِنًا﴾ لماذا صارت بالنصب وقبلها فعل مضارع؟ * طالب: حال. * الشيخ: حال، أين الفاعل؟ * طالب: الفاعل ﴿يَأْتِي﴾. * الشيخ: الفاعل مستتر، التقدير: أم من يأتي هو آمنًا يوم القيامة، ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يعني به يوم البعث والنشور، وسُمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة: الأول أن الناس يقومون فيه من قبورهم لرب العالمين؛ كما قال تعالى: ﴿يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين ٦]، الثاني: أنه يُقام فيه العدل؛ كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء ٤٧]، والثالث: أنه يُقام فيه الأشهاد ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١] فلهذا سُمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة، الأخ؟ * طالب: إما لقيام الناس من قبورهم. * الشيخ: لقيام الناس من قبورهم لرب العالمين، الدليل؟ * طالب: ﴿يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. * الشيخ: هذا واحد، الثاني؟ * الطالب: الثاني: قيام الأشهاد. * الشيخ: نعم، الدليل؟ * الطالب: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾. * الشيخ: الثالث؟ * الطالب: الثالث قيام الموازين بالقسط. * الشيخ: أنه يُقام فيه العدل، الدليل؟ * الطالب: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾. * الشيخ: بارك الله فيك، ﴿أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ يعني: بعد هذا الإنذار والتهديد والوعيد ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾، وهذه الجملة أيضًا تفيد التهديد بلا شك، يعني: اعملوا ما شئتم من الخير أو من الشر ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت ٤٠]، إذن ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ ليست إباحة أن الإنسان يعمل ما شاء كما يدعي هؤلاء أن الحرية أن تعمل ما شئت، عند هؤلاء الكفار الإنسان حر في دينه، يدين بما شاء، حر في أخلاقه يتخلق بما شاء، حر بأعماله يعمل ما شاء، هكذا عندهم، ونحن نقول: لا، الحرية المطلقة هي الرق الـمُطلق؛ لأنك إذا تحررت من قيود الشرع تقيدت بقيود الشر، ولهذا يقول ابن القيم في النونية: ؎هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الَّذِي خُلِقُوا لَهُ ∗∗∗ ........................... ما هو الرق الذي خُلقنا له؟ عبادة الله عز وجل، وبُلوا؛ يعني: ابتلوا، برق النفس والشيطان: صاروا عبيدًا لأنفسهم والشياطين، فروا من رقهم لله إلى رقهم للهوى والشيطان. فنقول: إن قوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ ليس إطلاقًا بمعنى ليس إباحة، ولكنه تهديد، وهو أسلوب عربي مبين منذ نزل القرآن وإلى يومنا هذا، ولهذا أكده بقوله: ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قال المؤلف: (تهديد لهم)، ﴿إِنَّهُ﴾ الضمير يعود على الله عز وجل، وقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي: عليم، وقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قُدِّم على عامله لسببين: أحدهما: لفظي، والثاني: معنوي؛ أما اللفظي فهو لتناسب الآيات رؤوس الآيات، والقرآن الكريم -كما تعلمون- نزل بلسان عربي يراعي التناسب اللفظي والمعنوي، والفائدة الثانية: أنه أشد تهديدًا مما إذا جاء متأخرًا عن عامله، كأنه يقول: لو لم يكن عالمًا بأي شيء لكان عالمًا بأعمالكم، فهنا الحصر لبيان التهديد لهؤلاء كأنه يقول: لو خفي عليه كل شيء لم يخف عليه أعمالكم. * في هذه الآية فوائد: * أولًا: تحريم الإلحاد في آيات الله، وجه ذلك أن الله تعالى هدد الملحدين في آيات الله. * ثانيًا: إثبات الآيات والتقسيم من عندنا مبني على التتبع والاستقراء، أفهمتم؟ يعني إثبات أن الله له آيات كونية وشرعية، الآية ليس فيها ذلك، لكن بالتتبع والاستقراء علمنا أن آيات الله تنقسم إلى قسمين: شرعية وكونية. * ومن فوائد الآية الكريمة: تهديد الملحدين بأن الله مطلع عليهم لا يخفى عليه شيء من أحوالهم. * ومن فوائدها: سعة علم الله تبارك وتعالى، وأنه لا يخفى عليه شيء. * ومن فوائدها: أن الإلحاد سبب لدخول النار؛ لقوله: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ﴾ مثل الملحدين. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أهل النار -والعياذ بالله- يُلقون فيها إلقاءً ويُدعُّون إليها دعًّا إهانةً لهم وإذلالًا لقوله: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: جواز المفاضلة بين شيئين بينهما من التباين أكثر مما بين السماء والأرض إفحامًا للخصم، الدليل: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، كل يعرف أن الثاني خير، وأنه لا حاجة إلى الاستفهام، لكن من أجل إفحام الخصم وإقامة الحجة عليه، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩] كل يعرف أن الله خير، لكن هذا من باب إفحام الخصم، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾ [البقرة ١٤٠] كل يعرف أن الأعلم هو الله لكن هذا أيضًا من باب إفحام الخصم، وهذه فائدة انتبهوا لها أن المفاضلة بين شيئين التفاوت بينهما ظاهر لا يراد به المقارنة ولكن يراد به إفحام الخصم. * من فوائد الآية الكريمة: أن من استقام في آيات الله ولم يلحد فيها فإنه يأتي يوم القيامة آمنًا؛ لقوله: ﴿أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ في مقابل الملحدين الذين يُلقَون في النار. * ومن فوائد الآية الكريمة: عظمة الله عز وجل وقوة سلطانه؛ لقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ فإن مثل هذا التهديد لا يكون إلا من كامل السلطان. * ومن فوائد الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. * ومنها أيضًا: أن الناس في يوم القيامة بين آمن وخائف؛ لقوله: ﴿أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة للعبد؛ لقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ فيكون في ذلك رد على الجبرية، الجبرية يقولون: الإنسان مجبر على العمل وليس له أي إرادة فيما يفعل، عجبًا لهم، يصلي بلا إرادة، ويتوضأ بلا إرادة، ويمشي بلا إرادة، ويقعد بلا إرادة، ويؤمن بلا إرادة، ويكفر بلا إرادة، سبحان الله! مجبر؟! قال: نعم مجبر، فالحركة هذه طبيعية فيه كالإحراق في النار، هل النار تحرق باختيارها؟ لا، لكن أُودع فيها الإحراق، هم يقولون: هذه الأفعال والحركات من الإنسان لا إرادية لكنه جُبِل عليها، ويقولون: إن حركته الإرادية كحركته الاضطرارية، فنزول الإنسان في الدرج من العليا إلى السفلى وصعوده من السفلى إلى العليا كمن دُحرج دحرجة على الدرج، والمدحرج له اختيار ولّا ما له اختيار؟ * طالب: ما له اختيار. * الشيخ: هم يقولون: هكذا اللي ينزل باختياره لا فرق، فقيل لهم: إذا كان كذلك فإن من أظلم الظلم أن يعذب الله الظالم؛ لأن الظالم يقول: أنا مُجبر ما لي قدرة ولا لي اختيار، قالوا: لا يمكن، الظلم في حق الله مستحيل لذاته؟ لا لأن الله لا يريده، لكنه مستحيل لذاته، لماذا؟ لقالوا: لأنه تصرف الخالق في ملكه والمتصرف في ملكه ليس بظالم، ولهذا قال ابن القيم عنهم: ؎وَالظُّلْمُ عِنْدَهُمُ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ ∗∗∗ .......................... ونحن نقول: أخطأتم؛ لأن الله تعالى شرع شرائع، وأوعد من خالفها، ووعد من وافقها، وأعطى الإنسان حرية، والظلم ممكن في حق الله لكنه مستحيل عليه إرادةً؛ بمعنى أنه لا يريد الظلم، ولو شاء لظلم، لكنه لا يريده، وليس وصفه إطلاقًا قال الله تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ وقال: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق ٢٩]، وقال تعالى في نفي إرادة الظلم: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر ٣١]، وكيف يتمدح الله عز وجل بأمر مستحيل؟ هذا غير ممكن، لولا أن الظلم ممكن ما كان وُصف الله به كمالًا، فهو ممكن أن يعذب الإنسان الذي أمضى ليله ونهاره في طاعة الله ممكن عقلًا أو لا؟ عقلًا ممكن، لكن الله تعالى لا يريد هذا، لذلك بطل قولهم بأنه الظلم محال في حق الخالق؛ لأنه يتصرف في ملكه. على كل حال في الآية هذه ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ دليل على إثبات المشيئة للعبد، وهو يرد ردًّا واضحًا على الجبرية، العجب أنه قام أناس ضد الجبرية فداووا البدعة ببدعة قالوا: الإنسان له مشيئة وإرادة واختيار لكنه منفصل عن إرادة الله تعالى ومشيئته، مستقل بالعمل ما لله فيه إرادة إطلاقًا، كيف؟ قال: نعم، أنت الآن تذهب وتجيء باختيارك لا تشعر أن أحدًا يجبرك أو يكرهك فإذن لا علاقة لله بفعلك، أنت تفعل مختارًا مستقلًا عن إرادة الخالق. أيهم أقرب إلى المعقول الجبرية أو القدرية؟ القدرية أقرب للمعقول؛ لأن كل إنسان يعرف أنه يفعل الشيء باختياره، وأنه يُحمد على فعله للخير، ويذم على فعله الشر، ولو كان بغير اختيار ما استحق أن يحمد على الخير ولا أن يذم على الشر، كل يعلم ذلك، ولهذا يُسمَّوْن العقلانيين؛ لأنهم يحكمون العقل حتى في مثل هذا الأمر، إذن نقول: قُوبلت بدعة الجبرية ببدعة من؟ * طلبة: القدرية. * الشيخ: القدرية الذين أثبتوا للإنسان إرادةً استقلالًا، ولهذا يُسمَّوْن مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يقولون: الحوادث لها خالقان: الظلمة والنور، كل ما في الدنيا من شر فخالقه الظلمة، كل ما فيها من خير فخالقه النور؛ لأن الأشياء اللي في الدنيا كلها إما خير وإما شر، فيجب أن يكون هناك إلهان: إله الخير وإله الشر، أيهما المناسب للخير؟ النور؛ لأن النور فيه سعة الصدر والانشراح، وأيهما أنسب للشر؟ الظلمة، قالوا: إذن جميع ما يحدث في الكون له خالقان: ظلمة ونور، الظلمة تخلق الشر، والنور يخلق الخير، وفي هذا يقول المتنبي في ممدوحه: ؎وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ ∗∗∗ تُحَــــــدِّثُ أَنَّ الْمَانَـــــوِيَّةَتَكْـــذِبُ (كم) للتكثير، (كم لظلام الليل عندك من يد) أي: من نعمة، (تحدث أن المانوية): وهم فرقة من المجوس (تكذب) لأن المانوية يقولون: الظلمة تخلق أيش؟ * طلبة: الشر. * الشيخ: والنِّعَم خير ولّا شر؟ خير، يقول لممدوحه: أنت تجود ليلًا ونهارًا مما يكذب المانوية الذين يقولون: إن الظلمة تخلق الشر، على كل حال نحن نقول: إن الجبرية قوبلت بدعتهم ببدعة واعلم أن البدعة لا يمكن أن تقاوم ببدعة؛ لأن.. ؎........................ ∗∗∗ تُحَدِّث أنَّ الـمَانَوِيَّةَ تكْذِبُ (كم) للتكثير ؎وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيْلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ ∗∗∗ ................................. أي مِن نعمة (تحدث أن المانوية) وهم فرقة مِن المجوس (تكذب) لأنَّ المانوية يقولون: الظلمة تخلق أيش؟ * طالب: الشر * الشيخ: والنِّعَم خير ولَّا شر؟ * طالب: خير * الشيخ: خير، يقول لممدوحِه: أنت تجود ليلًا ونهارًا مما يكَذِّب المانوية الذين يقولون إنَّ الظلمة تخلق الشر، على كلِّ حال نحن نقول: إنَّ الجبرية قوبِلَتْ بدعتُهم بأيش؟ ببدعة، واعلم أنَّ البدعة لا يمكن أن تُقاوم ببدعة؛ لأنك إذا ابتدعت ادعى عليك هو ادعى هو عليك، ومِن ذلك ما يفعلُه بعض الناس في يوم عاشوراء يوم عاشوراء عند الرافضة يوم حُزْن وبلاء، جاء أناس مِن أهل السنة قالوا: إذًا نجعله يوم فرح وسرور وينبغي يوم عاشوراء أن نتزَيَّن ونتجَمَّل ونُوَسِّع على العيال ونكشت بهم ونريهم الأشياء، ضد أيش؟ ضد الحُزْن لكن هل هذا صحيح؟ لا؛ لأن إذا فعلْنا هذا قالت الرافضة: ما دليلكم على هذا؟ فلا يمكن أن تقابَل البدعة ببدعة أبدًا لا تُقابَل إلا بالسنة، نحن نُقابِل الجبرية الذين ينكرون مشيئة العبد بدلالة الكتاب والسنة أنَّ للإنسان مشيئة، ونقابل القدرية بأنَّ الله تعالى له مُلْك السماوات والأرض وما تشاءون إلا أن يشاء الله أفهمتم؟ إذًا أنا إذا شئتُ شيئًا وفعلتُه أقول: إنَّ الله شاءَ ذلك قبل أن أشاءه لا يمكن أن أشاءَ شيئًا وأفعلَه دون أن يكون الله تعالى شاءَه أبدًا، فإذا قال قائل: أنت إذا قلت هذا وأنَّ مشيئتَك بعد مشيئة الله وتابِعَة لمشيئة الله لزِم على ذلك أن يحتَجَّ العاصي علينا بقدرِ الله ومشيئَتِه، العاصي يشاء المعصية ويفعل المعصية قلنا له ليش؟ قال: لأنَّ الله شاء ذلك، أنتم تقولون إنه ما مِن مشيئةٍ للعبد إلا وهي مسبُوقَةٌ بمشيئة الله ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان ٣٠] أنا وش أسوي؟ شاءَ الله أن أفعل ففعلْت كيف تلومونني على أمرٍ كتبَه الله عليّ وشاءَه علَيّ؟ أيش نقول؟ نقول: قبل كل شيء مَن أعلمَك أنَّ الله شاء ذلك؟ هل أحد يعلم أنَّ الله شاءَ الشيء إلا بعد وقوعه؟ لا يعلم ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان ٣٤] أنا مثلًا عندما أقوم وأصلي أعلم أنني لما شئْتُ الصلاة وفعلْت فقد شاءَها الله عز وجل مِن قبل، لكن قبلَ أن أُصَلّي هل أعلَم أنَّ الله شاء أن أُصَلِّي أو لا؟ * طلبة: لا أعلم * الشيخ: لا؟ لام ألف؟ متأكدون؟ * طلبة: نعم. * الشيخ: طيب، العاصي حين يفعل المعصية هل يعلَم أنَّ الله شاءَ له أن يفعَلَ المعصية قبل أن يفعلَها؟ لا؛ إذًا لا حُجَّةَ له، وما أحسن ما قاله بعض العلماء: إنَّ القدر سِرٌّ مكْتُوم لا يُعلَم إلا بعد وقوع المقدور. وهو كذلك هذا جوابٌ مفحم لا يمكن أن يتخَطَّاه المجرِم قيدَ أنملة، ثم نقول له: ألستَ الآن إذا كان أمامك نارٌ محرِقَة أو أودية مُغْرِقة ألست تُحْجِم عنها ولا تُقْدِم عليها؟ * طالب: بلى * الشيخ: طيب، لماذا لا تُقدِم وتُلقِي نفسَك في النار وتقول والله هذه مشيئة الله؟ لا يمكن أن يُقدِم لا على أودية مغرِقة ولا على نارٍ محْرِقة ويدَّعِي أن ذلك بمشيئة الله لا يمكن، نقول: إذًا لماذا لم تتجَنَّب المعاصي التي علِمْت بوعد الله عز وجل أو وعيده أنَّها سببٌ لدخول النار؟ لِماذا؟ هذا نخاطِبُه عندما نريد منه أن يتجَنب المعاصي، عندما نريد أن يفعل الطاعات نقول: تعال: نزلَ في الصحف مسابقة على وظِيفتين إحداهما عشرة آلاف ريـال في الشهر والثانية عشرة ريال في الشهر إلى أين يذهب؟ * طلبة: عشرة آلاف * الشيخ: لا يا جماعة يذهب إلى عشرة ونقول هذا تقدير الله؟ * طلبة: لا * الشيخ: لا؟ متأكدون * طلبة: نعم * الشيخ: طيب، نقول: ألست تذهب إلى عشرة آلاف؟ تريد هذا الراتب الجيد، طيب العمل الصالح عُرِض عليك عمل صالح بأنَّ جزاءَ الحسنة بعشْر أمثالها إلى سبعمائة ضعف لماذا لا تُقدِم عليها؟ كما كنت تُقدِم على ما تراه حظًّا لك في عمَلِ الدنيا فلماذا لا تُقدِم على ما تراه حظًّا لك في عمل الآخرة؟ وبهذا تنقطع حجة الظالم سواءٌ ظلمَ بفعل المحرمات أو بترك الواجبات، لا حرج (...) نقول تعرضنا لهذا وإن كان ليس مِن خصائص علم التفسير لأنَّ هذا من علم العقيدة المهِمّ، ربما يُشوِّش على الإنسان مثلُ هذه الإيرادات من الجبرية أو من القدرية فنقول بما سمعتم، والأمر والحمد لله واضح حتى أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام حلَّ هذه المشكلة بكلمتين فقط قال عليه الصلاة والسلام وهو على شفِير قبرٍ لإحدى بناته قال: «ما منكم من أحد إلا وقد كُتِب مقعده من الجنة ومقعده من النار» -ما هنا أحد إلا كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار- قالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتَّكِل على الكتاب؟ هذا اعتراض لكنه اعتراض في بادي الأمر كما قال تعالى: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ [هود ٢٧] ما دام مكتوب الشيء ما حاجة نعمل، هذا مكتوب من أهل السعادة خلاص نال السعادة لِيَنَم لأنه من أهل السعادة، هذا من أهل الشقاوة أيضًا لا يعمل؛ لأنه من أهل الشقاوة ما حاجة يعمل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام كلمتين: «اعملوا فكلٌّ مُيَسَّر لِما خُلِق له»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٤٥)، ومسلم (٢٦٤٧ / ٧) من حديث علي بن أبي طالب. ]] سبحان الله ما ذهب يأتي بالفلسفة وتطويل: بكلمتين: «اعملوا فكلٌّ مُيَسَّر لِما خُلِق له» » هذا الذي مِن قِبَلِنا أن نعمل ثم كُلٌّ مُيسر لِما خُلِق له فإذا وجدت من نفسك أنَّ الله يسَّر لك الخير والهدى والنشاط على العبادة فاعلم أنك ممن كُتِب من أهل السعادة لقول النبي ﷺ: «أمَّا أهل السعادة فيُيَسَّرُون لعمل السعادة وأما أهل الشقاوة فيُيَسرون لعمل أهل الشقاوة»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦٢)، ومسلم (٢٦٤٧ / ٦) من حديث علي بن أبي طالب.]] فالأمر والحمد لله واضح جدًّا أنه لا حجة للعاصي بالقدر على أيش؟ معصيته، ولا للمتهاون بالقدر على تهاونه، الأمر أوضح مِن أن يحتاج إلى كثيرِ كلام، لكن لَمَّا كان الشيطان يأتي للإنسان ويقول: كذا وكذا، بقي علينا أن يقال: أليس آدم قد احتج بالقدر؟ أوليس الله تعالى قد احتَجّ بالقدر فقال لرسوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام ١٠٧] فما هو الجواب؟ الجواب أن يقال: أما قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [الأنعام ١٠٧] فهذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام تسلية له حيث قال الله له: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ فشركُهم بمشيئة الله، ومعلومٌ أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يرضى بأيش؟ بقضاء الله، سوف يرضى بقضاء الله، ولهذا يجِب علينا أن ننظُر إلى أهل المعاصي بنظرتين أو بنظَرَيْن: نظَر قدرِيّ ونظر شرعي: النظر القدري أن نرضَى بما وقع من معاصيهم لأنه بتقدير من؟ بتقدير الله، النظر الشرعي أن نُلزِمَهم بشرع الله نُقيم عليهم الحدود والتَّعزيرات وغير ذلك مما يحمِلُهم على فعل الطاعات وترك المحرمات، انتبهوا يا إخواني المسائل هذه مهمة جدًّا، إذًا نقول: إن قوله تعالى للرسول: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام ١٠٧] الغرض منه أيش؟ تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه إذا علم أن ذلك بمشيئة الله رضِي، ولكنَّ الله تعالى أبطَلَ هذه الدعوى منهم بقوله: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ ماذا قال بعده؟ ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي بشريعة الله ﴿حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام ١٤٨] بعقوبَةِ الله، أبطل الله هذه الحجة لأنهم أرادُوا بذلك أيش؟ أرادوا بذلك إبطَالَ الشرع بالقدر فبيَّنَ الله تعالى أنه عذَّبَهم، آدم احتَجَّ عليه موسى وقال له: خيَّبْتَنا أخرجْتنا ونفسَك من الجنة، بماذا؟ بمعصيته بأكل الشجرة، فقال له آدم: أتلومُني على شيءٍ كتبه الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فحَجَّه آدم»[[أخرجه أحمد (٧٦٣٥) من حديث أبي هريرة.]] وفي رواية: «فحَجَّ آدمُ موسى»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٠٩)، ومسلم (٢٦٥٢) من حديث أبي هريرة. ]] ومعنى «حجَّه» » أي غلبه في الحجة، فاحتَجَّ آدم بالقدر الذي كُتِب عليه قبل أن يُخلَق وخُصِم موسى، هذا الحديث يحتَجُّ به من؟ أهل المعاصي على معاصيهم ويقولون: إنَّ آدم احتَجَّ بالقدر على موسى وحكَم النبي صلوات الله وسلامه عليه حكم لِمَن؟ لآدم وقال: إنه حجَّه فنحن نحتَجُّ بالقدر كما احتَجَّ أبونا، أجيب عن هذا بجوابين: الجواب الأول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إنَّ آدم لم يحتَجَّ بالقدر على المعصية وإنما احتَجَّ بالقدر على الخروج مِن الجنة، أما المعصية فقد اعتذر منها آدم و ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف ٢٣] ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ [البقرة ٣٧] أفهمتم؟ فآدم لا يمكن أن يحتَجَّ بالقدر على المعصية إطلاقًا، وهو أجلُّ قدْرًا مِن أن يحتَجَّ بالقدر على معصية الله، وإنما احتَجَّ بالقدر على إخراجِه من الجنة لا على سبب الإخراج، والاحتجاج بالقدَر على المصائِب أمرٌ جائِز وهو غايةُ التسليم لله عز وجل، أرأيتم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «المؤمن القوي خيرٌ وأحَبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كُلٍّ خير، احرِصْ على ما ينفعُك واستعِن بالله ولا تعجَزْ وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلْتُ لكان كذا وكذا ولكن قل: قَدَرُ الله وما شَاء فعل»[[أخرجه مسلم (٢٦٦٤ / ٣٤) من حديث أبي هريرة.]] وهذا احتجاجٌ بالقدر لكن بعد الفعل أسباب، فالاحتجاج بالقدَر على المصائِب أمرٌ جائز، والإنسان عندما يصاب بالمصيبة ويقول: إنَّا لله وإنا إليه راجعون فهذا يعنِي التسليم للقدر -حطوا بالكم يا جماعة انتبهوا- إذًا احتجاجُ آدم بالقدَر على أيش؟ على المصيبة لا على المعصِية، هذا وجه، وجهٌ آخر: ما كان لموسى عليه الصلاة والسلام أن يلُومَ أباه على ذنبٍ تاب منه وحصَل له بعدَه أن اجتباه ربه وهداه، لا يمكن، أدنى واحد من الناس إذا أُصِيب أحدٌ بذنب ثم تاب فإنه لن يُوَجِّهَ اللوم إليه قال الله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ﴾ بعد هذا ﴿اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ أي اصطفاه واختاره ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه ١٢١، ١٢٢] هذه المنزلة ما حصَّلَها قبل أن تحْصُل له المعصية، إذًا لا يمكن لموسى أن يلوم أباه على ذنب تاب منه وارتفع بعد التوبة منه منزِلَةً عند الله عز وجل هذا لا يمكن هذا لا يكون مِن أدنى واحد فضلًا عن رجلٍ من أولي العزم مِن الرسل، هذا جواب من؟ جواب شيخ الإسلام ابن تيمية وهو جواب جيد لا شَك، وذهب ابن القيم رحمه الله إلى جواب آخر وقال: إنَّ الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها والإقلاع عنها مقبُولٌ لا لِرفْعِ اللَّوم واستباحة الاستمرار، فيقول الاحتجاج بالقدر نوعان: نوع: احتجاجٌ بالقدر بعد فوات الأوان مع الإقلاع عن المعصية وحُسْن الحال فهذا جائز، واحتجاجٌ بالقدر لدفع اللوم والاستمرار في المعصية فهذا أيش؟ ممنوع، عرفت؟ يعني إذا قدَّرْنا أنَّ احتجاج آدم عليه الصلاة والسلام بالقدَر على المعصية التي تاب منها وهداه الله واجتباه يكون جائز على هذا التقدير؛ لأنَّ آدم ما احتَجّ بذلك ليستمِرّ احتَجّ بذلك لأنه قد فات، ونظير هذا الآن فيما عندنا الآن لو أنَّ إنسان زنَا -والعياذ بالله- وهو رجل خير لكن غلبَتْه شهوتُه وزنا ثم تاب وقلنا له: يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء؟ قال والله يا أخي هذا قضاء وقدَر وإلَّا فلستُ من أهل هذا الأمر لكن المقدَّر كائن. نقبَل منه ولَّا ما نقبل؟ نقبل منه، لكن لو كان يزني ويستمِر نقول: تب إلى الله قال والله هذا غصب. غصب سبحان الله غصب وأنت ممارس لهذا العمل ما هو غصْب، على كل حال يقول ابن القيم: الاحتجاج بالقدر بعد وقوعه تسليمًا للقدر وتفويضًا لأمر الله لا استمرارًا ولا دفعًا لِلَّوْم فهذا جائز، ثم استدل بقصة وقعت مِن علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة رضي الله عنها حين دخل عليهما النبي ﷺ فقال لهما: «ألا تصليان؟» قال علي: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله لو شاء لأقامَنا. احتَجّ بأيش؟ بالقدر فخرج النبي ﷺ أو تولى عنهما يضرب على فخذه ويقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٢٧)، ومسلم (٧٧٥ / ٢٠٦). ]] فالرسول عليه الصلاة والسلام هل قبِلَ منهما؟ * طالب: لا، قبل. * الشيخ: انتبهوا إن قلتم قبِل على الإطلاق ما هو صحيح، وإن قلتم: قبِل الواقع لكنه كرِه الجدال فهذا هو الواقع؛ لأنه لو أراد الإنكار عليهما لقال غير ذلك لقال: لا حجة لكما في هذا لكنَّه جعلَ ذلك من باب الجدل الذي نهَى عنه فقد خرج يومًا من الأيام على أصحابه وهم يتجادَلُون في القدر فغضِب عليه الصلاة والسلام كأنما فُقِئَ في وجهِه حبُّ الرمان احمَرَّ وجهُه ونهى عن التنازع في القدر[[أخرجه ابن ماجه (٨٥) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. ]]، إذًا المخرج الثاني من قصة آدم مع موسى أيش هو؟ أنَّ آدم احتج بالقدر على أمر مضى وانقضى وتخلَّص منه ولكن قال هذا: أمر فرط مني ولكلٍّ منهما وجهة ولكنَّ الوجهة الأولى في ظنِّي أنها أقوى؛ لأنَّ موسى لا يمكن أن يلومَ أباه على أمرٍ تاب منه لكن الثانية لها وجهة نظر لا شك إنما لا نُنَزِّل قصة آدم وموسى عليها بل نقول: هي في سائر الناس الآن لو أنك لُمْتَ شخصًا على أمرٍ فعله من معصية الله ثم احتَجّ بالقدر بعد أن تاب فأنا أقبَل منه وهذا يقع كثيرًا، كثيرًا ما يفعل الإنسان الذنب ثم يتنَدَّم ندامةً عظيمة ثم يقول: قدَرُ الله وما شاء فعل كيف يقع مني هذا؟ كيف تغلبُني نفسي؟ وهذا أمرٌ لا بأس به، أطلنا في هذا عليكم لكن اعذرونا لأنا نرى أنه لا بد لطالب العلم أن يكونَ عنده كما يقولون خلفِيَّة وأنا أقول: ما هي خلفية أن يكونَ عنده عِلْمٌ بمثل هذه الأمور لِيُخَلِّص بها نفسَه من الشبهات التي يُورِدُها عليه الشيطان ولِيتخَلَّصَ بها من شبهاتٍ يورِدُها عليه أولياء الشيطان. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عِلْمِ الله تعالى بكل ما يعمل هؤلاء لقوله: ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. * ومن فوائدها: تخصِيص الحكم بما فيه النزاع وإن كان عامًّا، يعني وإن كان الحكم عامًّا فلنا أن نُخَصِّص هذا الحكم في محَلِّ النزاع، من أين يؤخذ؟ مِن تقديم المعمول ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا نقول: هذا الحصر حقيقي إنَّه لا يعلم عز وجل إلَّا ما عمِلُوا بل يعلم كل شيء لكن لَمَّا كان الكلام في عملِهم جاءت الآية أو جاء الحكم بصيغة الحصر؛ مِن أجل شدة التحذير وأنّهم لن يفوتوا الله عز وجل، والله أعلم. * طالب: أحسن الله إليك، قلنا قصة علي رضي الله عنه وزوجته فاطمة مع النبي ﷺ، قلنا الرسول ﷺ قبِل الواقع لكن كره الجدل، ما فهمت جيدا .. * الشيخ: قَبِل الواقع وهو احتجاجُهم بالقَدَر، النائم في الحقيقة ما عليه لوم ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام ٦٠] من؟ الله فيقول: أنفسنا بأيدي الله لو شاء أن نقُوم لقُمْنا هذا واقع، أما الجدل فكونُه يجادِل النبي عليه الصلاة والسلام بالقدر هذا أمرٌ لا ينبغي، ولهذا تشعُر بأنه ما هو راض يضرب على فخِذِه ويقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٢٧)، ومسلم (٧٧٥ / ٢٠٦). ]] والجدل قد يكون بحق ويُقْبَل حتى وإن كان فيه جدَل إذا كان بحق يُقبَل. * طالب: بارك الله فيكم يا شيخ أعطيتنا قاعدة وهي إذا وجدنا بدعة لا نقابلها ببدعة ونقابلها بالسنة، إن وجدنا ما يسمى الآن التمثيل وهو تمثيل ساقط، فإذا وجدنا الآن ما يُسمَّى بالتمثيل الساقط فالبعض دعَا إلى تمثيل هادف فهل هذا مقابلة بدعة بِبدعة؟ * الشيخ: مسألة التمثيل ما هو بدعة في حدِّ ذاته، التمثيل تقريبٌ للمعاني بصورتها الفعلية، وقد وردَ التَّمثيل في الحديث الصحيح في قصة المَلَك الذي جاء إلى الأبرَص والأقرع والأعمى بصورته التي عليها وقال: إنه مسكين وابن سبيل[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٦٤)، ومسلم (٢٩٦٤ / ١٠) من حديث أبي هريرة. ]]. وهو ليس مسكينًا ولا ابنَ سبِيل ولا أبرَص ولا أقرَع ولا أعمَى لكن هذا للتقريب، إنما المبالغة في التمثيل بحيث لا ندعُو الناس إلَّا به هذا هو الخطأ، فنقول: الدعوة إلى الله تعالى لها وسائِل كلّ ما يكون فيه تصوِير الواقع والتَّحْذِير منه بدون أن يشتَمِل على كذب أو محاكاة للبهائم أو ما أشبه ذلك أو محاكاة الرجل للمرأة وبالعكس فلا مانِعَ منه، فنحن لا نُنكِرُ التمثيل مطلقًا ولا نُحَبِّذُه ونُنْكِر أن يكونَ هو الوسيلة للدعوة إلى الله؛ لأنك إذا عوَّدت الناس على ألا تدعُوَهم إلى الله إلا بهذه الوسيلة نسُوا الأهَمّ وهو موعِظَةُ القرآن والسنة. * طالب: زادك الله ذكرت في قصة احتجَاج آدم على موسى وأنه قال: «كيف تلومني على شيءٍ قد كتبه الله عليَّ قبل أن أُخلق بأربعين سنة»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٠٩)، ومسلم (٢٦٥٢) من حديث أبي هريرة. ]] هل هذا يدل على أن آدم خُلِق قبل خلق القلم بأربعين سنة والمعلوم أن الله عز وجل.. * الشيخ: لا، يقول:« «كُتِب علي قبل أن أخلق» » مكتوبٌ قبْل خَلْق آدم. * طالب: يعني بأن القلم أول ما خلق الله القلم قال: اكتب مقادير .. * الشيخ: اصبر خليك معي الآن أنا أُصَحِّح سؤالَك: فهِمْت مِن كلامك أنَّ هذا يدل على أنَّ آدم خُلِق قبل أن يُكْتَبَ عليه؟ آدَم خُلِق بعد أن كُتِب عليه لكن بأربعين سنة فكيف نجمَع بين قوله «بأربعين سنة» » وبين أنَّ الله تعالى خلقَ القلم فقال له: اكتب قبل أن يخلُق السماوات بخمسين ألف سنة؟ يقال إذا صحَّت الكلمة هذه وكانت محفوظة فإنَّ هذه كتابَة أُخرى خاصَّة بآدم. * طالب: شيخ حفظك الله كيف نرُدّ على مَن قالوا أنَّ الظلم يمكن يُطلَق على الله تعالى مِن باب المقابلة قالوا أن رد الظالم على الظالم كمال واستدلوا ببيت الجاهلي: ؎ألا لا يجهلن أحد علينا ∗∗∗ فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا * الشيخ: أقول: هذا مِن العجب أين في القرآن والسنة أنَّ الله تعالى وصف نفسه بالظلم في مقابَلةِ الظالم؟ وين؟ * طالب: ما فيش * الشيخ: إذا كان ما فيه ليش يسمى الله بالظلم؟ وهو قد نفاه عن نفسه * طالب: هم قالوا أن الرد على الظالم كمال * الشيخ:لا أبدًا، الانتقام من الظالم كمال؛ لكن أن يُرَدَّ على الظالم بظُلْم لا، ولهذا لم يأتِ في القرآن والسنة: فلما ظلمونا ظلمناهم. بل قال: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل ١١٨] أما الاستهزاء فنعم، الخداع نعم، المكر، الكَيْد، هذا لا بأس، ذكَرَ الله تعالى هذه الأوصاف في مقابَلَة مَن عاملَه بمثلها (...). * * * * طالب: ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ [فصلت ٤١ - ٤٣] * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ [فصلت ٤٠] ما معنى الإلحاد لغة؟ * طالب: الميل * الشيخ: الـمَيْل من أين اشْتُقّ؟ * طالب: من (أَلْحَدَ) يعني من ألحد ولحد * طالب آخر: اللحد الميل * الشيخ: نعم، من لَحْدِ القَبْر لِميلِه إلى جانبٍ منه، الإلحاد يكون في أسماء الله ويكون في آيات الله؟ * طالب: نعم يكون في آيات الله عز وجل، آياته الكونية وآياته الشرعية * الشيخ: يكون في أسماء الله ويكونُ في آيات الله، ما هو الدليل على كونه في أسماء لله؟ * الطالب: قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف ١٨٠]. * الشيخ: وفي الآيات؟ * طالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ * الشيخ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ بماذا يكون الإلحاد في أسماء الله؟ * طالب: يكون في أسماء الله (...) يصف الله أو يسمي الله بما لم يسم نفسه أو * الشيخ: القاعدة العامة فيها أو الضابط: الميل بها عما يجب، ثم فصل * الطالب: ثم ما يكون (...) بما لم يسم نفسه أو .. * الشيخ: أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه مثاله؟ * طالب: أسماء الله ما قلناها، (...) الشرعية فقط * الشيخ: إذن الآيات الإلحاد في آيات الله؟ * طالب: (...) ثلاثة أقسام الآيات إما أن يكون آيات شرعية أو كلية والآيات الشرعية (...) ثلاثة أنواع في الآيات الكونية.. * الشيخ: الإلحاد في الآيات الكونية: * الطالب: أن ينسب إلى غير الله * الشيخ: أن تنسب إلى غير الله * الطالب: أو أن يعتقد الشريك بالله أو أن يتخذ معين لله * الشيخ: أحسنت، أن ينسبها إلى غير الله مثل؟ * طالب: مثل أن يقول: الذي أنزل المطر هو الولي الفلاني * الشيخ: نعم، أحسنت، يعني يعتقد أنَّ أحدا خلَق شيئًا منفَرِدًا به، المشاركة؟ * طالب: المشاركة: أن يدعي أنه معين لله إنه فيه أحد شاركه.. * الشيخ: كيف معين لله؟ احنا نقول: مشارك * طالب: مثلما يعتقد بعض الرافضة أنَّ هذا الكون أن لله فيه شريكا.. * الشيخ: أنَّ مع الله إلهًا يدَبِّر الكون يُدَبِّره مباشرة، الثالث؟ * طالب: الثالث أن يعتقدوا أن لله عز وجل معينا * الشيخ: معينًا يعني يكون الله منفرد بالخلق لكن فيه مَن يساعده؟ ولكن هذا المساعد ليس له شِرْكَة في الخلق وبهذا نعرِف الفرق بين الـمُعين والـمُشارك، ما هو الدليل على انتفاء هذه الأمور الثلاثة من القرآن؟ * طالب: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ ٢٢] * الشيخ: قوله تعالى * الطالب: قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ ٢٢] * الشيخ: أحسنت، الإلحاد في الآيات الشرعية؟ * طالب: إما بالتكذيب وإما بمخالفته وإما بالتحريف * الشيخ: نعم يكون بتكذِيبها وتحرِيفِها والثالث: مخالَفَتِها، أحسنت. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ نحن لم نتكَلَّم عن الإلحاد في الأسماء؛ لأنه ليس في الآية لكن إتمامًا للفائدة نقول: الإلحاد يكون في أسماء الله وهو المَيْل بها عمَّا يجب، وذلك أوَّلًا: أن يُسَمِّيَ اللهَ تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسَه كتسمِيَةِ الفلاسِفَةِ له عِلَّةً فَاعلة يقولون: إنَّ الله هو العلةُ الفاعلة لهذا الكون، وتسمية النصارى إيَّاه أبًا يسمونه الأَب، الأب والابن والروح القدس، الثاني: أن يُنكِر شيئًا مِن الأسماء أو مما دَلَّت عليه وهذا عكْس الأول: الأول سمَّى الله بما لم يُسَمِّ به نفسه والثاني أنكَرَ ما سمَّى الله به نفسَه إما إنكارًا كلِّيًا وإما إنكارًا جزئِيَّا أو يُنكِر ما تضمَّنَتْه الأسماء من المعاني والصفات، ينكر الأسماء أو بعضها أو ما دلت عليه من المعاني والصفات، فمثلًا الذين يقولون: إنَّ الله سبحانه تعالى ليس له أسماء ولا صفات كغلاة المعتزلة والجهمية هؤلاء ملحِدُون، والذين يقولون: له أسماء لكن ليس لها معاني هؤلاء أيضًا ملْحدون كما هو المشهور من مذهب المعتزلة، والذين ينكِرُون بعضَ الصفات كالأشاعرة هم أيضًا ملحدُون فيقولون مثلًا: إنَّ الله لا يثبُت له من الصفات إلَّا سبع صفات زعَمُوا أنَّ العقل دلَّ عليها وأنَّ الباقي لا يدُلُّ عليه العقل، وقد تكلمنا على هذا كثيرًا ولا حاجة إلى إعادته، كم هذه من نوع؟ * طالب: نوعان * الشيخ: نوعان: الأول أيش؟ تسمية الله بما لم يسم به نفسه، والثاني عكس ذلك أنه ينكر الأسماء أو ما تضمنته من المعاني والصفات إما الجميع وإما البعض، الثالث: أن يشتَقَّ مِن أسمائه أسماءً للأصنام ومنه اشتقَاق اللات من الإله، والعُزَّى من العزيز ومَنَاة من الـمَنَان هذا أيضًا مِن الإلحاد في أسماء الله، كل الإلحاد هذا وغيرُه في أسماء الله قد توَعَّد الله مَن سَلَكَه في قوله: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف ١٨٠] في قوله تعالى: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ نوع من أنواع الصفات يعني العلماء يقولون: الصفات تنقسم إلى قسمين: فمِن أيِّ الأنواع قوله: ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾؟ * طالب: الصفات المنفية * الشيخ: أحسنت مِن الصفات المنفية بارك الله فيك، وسؤالنا الآن: هل الله عز وجل له أسماء منفِيَّة بمعنى أنها نفْيٌ محْض أو لا؟ * طالب: ما يوصف الله (...) محض * الشيخ: بنفْيٍ محْض؟ إذًا ما معنى النفي الذي يتَّصِفُ الله به أحيانًا؟ * الطالب: أن يكون فيه إثبات كمال * الشيخ: إثباتُ كمَال ضِدِّ المَنفِيّ طيب فمثلًا ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ فيها إثْبَات كمَال العلم، ما المراد بهذه الجملة ﴿لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾؟ * طالب: (...) * الشيخ: لا ما هو معناها، ما المراد بها يعني ما الغرض منها؟ * طالب: الإخبار بعلم الله سبحانه وتعالى * الشيخ: لا، ما هو هذا * طالب: التهديد * الشيخ: التَّهديد، المراد بها التهديد، في الآية الكريمة ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قد يقول قائل: إنَّ هذا الاستفهام لا معنى له لأنَّ كُلَّ أحدٍ يعرِف أنَّ مَن يأتِي آمنًا يوم القيامة خيرٌ ممن يُلقَى في النار؟ * طالب: هو جواب لقولِه سبحانَه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾ فأجاب سبحانه: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ﴾ * الشيخ: لا، ما أقصد ما مناسبة هذه لما قبلها هذا الذي ذكرت المناسبة، لكن أقول: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يسأل الله سبحانه وتعالى هل هذا خيْر أو لا، أقول: هذا كيف يسأل عنه وهو معلوم؟ * الطالب: استفهام إنكاري * الشيخ: المقصود استفهام إنكاري يعني فهو في الواقع خبَر، هذا وجه، وجهٌ طيب، أنَّ المقصود: لا يسْتَوي مَن يُلقَى في النار ومَن يأتي آمِنًا يوم القيامة فالاستفهام خبري، الوجه الثاني؟ * طالب: يا شيخ نقول أن مثل هذا التعبير يُراد به إفحَام الخصم * الشيخ: نعم، أن هذا التعبيرَ يُراد به إفحَام الخصم، هل له نظِير؟ * طالب: نعم، قوله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩] * الشيخ: نعم له نظير: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ معروف أنَّه لا مناسبة فضلًا عن المفاضلة بين الله عز وجل وبين آلهتهم لكن هذا مِن باب إفحام الخصم أي أن آلهتَهم ليس فيها خيْر وكذلك مَن يُلقَى في النار ليس فيه خير، ما هو الضمان للإتيان آمِنًا يوم القيامة؟ مَنِ الذي يأتي آمِنًا يوم القيامة؟ * طالب: ذكرَهم الله في كتابه. * الشيخ: من؟ * الطالب: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام ٨٢] * الشيخ: ذكرَهم الله في قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ * الشيخ: كَمِّل * الطالب: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ * الشيخ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢] الأمْن في الدنيا والآخرة بارك الله فيك، وقفنا على هذا أظن؟
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب