الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت ٣٣] هذه ثلاثة أوصاف إذا اتصف بها الإنسان فلا أحسن من قوله.
يقول الله عز وجل: (﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا﴾ أي: لا أحد أحسن قولًا) تفسير المؤلف لهذه الجملة يفيد أن (من) اسم استفهام لكنه بمعنى النفي، (من أحسن) يعني: لا أحد أحسن، إذا جاء اسم الاستفهام أو إذا جاء الاستفهام بمعنى النفي فإنه مُشْرب معنى التحدي، أيهما أبلغ أن تقول: لا أحد أحسن قولًا ممن دعا إلى الله، أو أن تقول: من أحسن؟
الثاني أبلغ؛ لأن الثاني يتضمن النفي ويتضمن التحدي كأنه يقول: ائت لي ببينة على أن هناك أحدًا أحسن ممن دعا إلى الله، كل استفهام جاء بمعنى النفي فإنه مُشرب معنى التحدي؛ لأنك إذا قلت: من كذا؛ يعني معناه: أتحداك أن تأتي لي بشيء سوى ذلك، فـ(من أحسن) أشد نفيًا من قول: لا أحد أحسن؛ وذلك لأنها جملة استفهامية مُشربة معنى التحدي.
(أحسن) هذه خبر المبتدأ، و(من) هو المبتدأ، و(قولًا) تمييز؛ لأنه كلما جاءك اسم منصوب بعد اسم التفضيل فهو تمييز له.
﴿مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ قال المؤلف: (بالتوحيد) وهذا لا شك حسن، لكن الآية أشمل من التوحيد ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ بالتوحيد والعمل الصالح، وغير ذلك (...) إلى الله.
وقوله: ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ يعني إلى دين الله، ودين الله يتضمن التوحيد والأعمال الصالحة.
ثانيًا قال: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ فبدأ بإصلاح الغير ثم ثنى بإصلاح النفس، مع أن من دعا إلى الله فهو مصلح لنفسه أيضًا.
﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (صالحًا): صفة لموصوف محذوف، التقدير: وعمل عملًا صالحًا، ولا يكون العمل صالحًا إلا بشرطين هما الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله ﷺ.
صالحًا ويش إعرابه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، قلنا: إنها صفة لموصوف محذوف، والتقدير: عمل عملًا صالحًا.
متى يكون العمل صالحًا؟
* طالب: إذا أخذ فاعله بشرطين: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والمتابعة لرسوله ﷺ.
* الشيخ: أحسنت، الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسول الله ﷺ.
فعمل المرائي أَعَمَلٌ صالحٌ هُوَ؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: فقد الإخلاص.
وعمل المبتدع أصالح هو؟ لا؛ لفقده المتابعة، وحينئذ نقول لهؤلاء المبتدعين الذين عندهم من الإخلاص لله ما عندهم: إن عملكم حابط، قال النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨) واللفظ له، من حديث عائشة.]].
ثم نقول: حقيقة الإخلاص تستلزم ألا تعبد الله إلا بما شرع، لا تعبده بهواك؛ لأنك إذا عبدت الله بهواك بالبدعة فأنت غير مخلص، المخلص لا بد أن يعبد الله سبحانه وتعالى بما شرع، فصار العمل الصالح ما تركب من شيئين: الأول: الإخلاص. والثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ.
قال: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت ٣٣] قال باللسان أو بالقلب؟ بهما جميعًا.
فإن قال قائل: قوله: ﴿إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ هو من العمل الصالح لا شك، فما الفائدة من ذلك؟
قلنا: الفائدة أنه يعلن هذا القول ولا يبالي بمن خالفة؛ لأن من الناس من يعمل صالحًا، لكنه تجده متسترًا ليس عنده الشجاعة التي تجعله يعلن ذلك، أما هذا فإنه يُعلن ويقول بلسان المقال غير مبالٍ: إنني من المسلمين.
والجملة كما تعلمون (إنني) مؤكدة بـ(إن)، ذكر بعض أهل العلم أن المراد بذلك المؤذن؛ لأن المؤذن يدعو إلى الله يقول للناس: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ولأنه مؤمن عامل صالحًا؛ ولأنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله يعلنها، وأشهد أن محمد رسول الله، وهذا معنى قوله: ﴿إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
لكن الصحيح أن الآية عامة تشمل المؤذن وغير المؤذن، الخطيب على المنبر يدخل في الآية ولّا لا؟ يدخل في الآية، المعلم في حلقة تعليمه يدخل في ذلك، فالآية أعم مما ذكر.
ولكن اعلم أن بعض السلف يذكر للآية معنى خاصًّا لا يريد حصرها في هذا المعنى وإنما يريد التمثيل، وهذه مسألة قد تفوت على بعض الناس، دائمًا ننظر في ابن كثير أو ابن جرير أنه قال: فلان كذا. لجزء المعنى، فَهُمْ لا يريدون أن يقصروا العام على الخاص؛ لأنهم أعلم من أن يقتصروا على بعض أفراد العام مثلًا، لكنهم يريدون التمثيل.
مثال ذلك مثلًا قال بعض العلماء: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر ٣٢] قال: الظالم لنفسه الذي يؤخر الصلاة عن وقتها، المقتصد الذي يصليها في آخر الوقت، السابق بالخيرات الذي يصليها في أول الوقت، هذا لا شك أنه حصر، بل لا شك أنه تخصيص للعام، فنقول: أرادوا بذلك التمثيل.
* من فوائد الآية الكريمة: تفاضل الأعمال لقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا﴾ [فصلت ٣٣]، و(أحسن) اسم تفضيل، ولا شك أن الأعمال تتفاضل باعتبار الجنس وباعتبار النوع وباعتبار الهيئة؛ ثلاثة اعتبارات: باعتبار الجنس وباعتبار النوع وباعتبار الهيئة والكيفية.
تتفاضل باعتبار الجنس: فمثلًا الصلاة أفضل من الزكاة، الزكاة أفضل من الصوم، الصوم أفضل من الحج، هذا باعتبار الجنس، ثم هذا الجنس أيضًا تتفاضل من وجه آخر: واجب العبادة أفضل من نفلها، فصلاة الظهر مثلًا أفضل من قيام الليل، هذا تفاضل باعتبار الجنس لكنه من وجه آخر.
دليل ذلك: أن النبي ﷺ قال عن الله: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ»[[أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.]].
تتفاضل باعتبار النوع: مثل: الوتر أفضل من مطلق التهجد، الرواتب أفضل من النفل المطلق، هذا باعتبار النوع، وإن شئت فاجعل تفاضلها باعتبار الوجوب والندب من هذا النوع.
الثالث: باعتبار الهيئة، صلاة يخشع فيها الإنسان ويتدبر ما يقول وما يفعل ويطمئن، وصلاة أخرى يقتصر على الواجب وبدون خشوع قلب مثلًا، أيهما أفضل؟ الأولى أفضل.
والمهم: أننا نؤمن بأن الأعمال تتفاضل، وأن بعضها أحب إلى الله من بعض.
يبقى النظر هل يلزم من تفاضل العمل تفاضل العامل؟ نعم، وعلى هذا فالعامل أيضًا يختلف ويتفاضل، قال النبي ﷺ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤١ / ٢٢٢) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، العمل واحد لكن العامل مختلف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الدعوة إلى الله عز وجل لقوله: ﴿مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت ٣٣].
* ومن فوائدها: الإشارة إلى الإخلاص في الدعوة نأخذها من قوله: ﴿إِلَى اللَّهِ﴾؛ لأن الداعي ربما يدعو ويقوم للناس ويذكرهم ويعظهم ويحثهم على الخير ويحذرهم من الشر، لكن يريد أن يكون مرموقًا بينهم، هل هذا داعٍ إلى الله ولّا دعا لنفسه؟ إلى نفسه، فلا بد إذن من الإخلاص.
لو قال قائل: هل يثلم الإخلاص ما لو أراد بالدعوة إصلاح الناس؟
الجواب: لا يثلمه؛ لأن أصل دعوته من أجل إصلاح الناس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة العمل الصالح الذي جمع بين الأمرين؛ الإخلاص والمتابعة؛ لقوله: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب العلم، من أين نأخذه؟ من قوله: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت ٣٣]؛ لأنه لا يمكن أن تعرف أن العمل موافق للشرع أو غير موافق إلا بالعلم، وهذا واضح، فيكون في الآية دليل على وجوب العلم؛ لأنه إذا كان العمل الصالح من الواجبات فلا بد أن تعلمه بالشرع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للمسلم أن يكون عزيزًا بدينه، وأن يعلن به، وأن يقول: إنني من المسلمين، وألّا يستحي إذا قيل له إنه مسلم؛ لقوله: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت ٣٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى تجنب التزكية الذاتية؛ لأنه قال: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، ولم يقل: وقال إنني مسلم؛ لأن الإنسان قد يعتز بقوله: إني مسلم، ويفخر أكثر مما يكون ذلك فيما لو قال: إنني من المسلمين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى المؤاخاة بين المسلمين؛ لقوله: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ إشارة إلى أنني كواحد من هؤلاء لا أفترق عنهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا سؤال يرد علينا كثيرًا، هل أفضل طلب العلم أو الاشتغال بالدعوة؟
والواقع أنه سؤال غير محرر؛ أولًا: إنه يمكن الجمع بين هذا وهذا، ونحن نعلم أن الداعية ليس يشغل وقته من صلاة الفجر إلى ما بعد صلاة العشاء وهو يدعو أبدًا، هل أحد من الدعاة يفعل هكذا؟ أبدًا، يدعو نصف ساعة هنا ونصف ساعة هناك، وأما يبقى لا يسكت من صلاة الفجر إلى أن يصلي العشاء لا يمكن، لا بد من فترات، فلا يتعذر الجمع بين الدعوة إلى الله وطلب العلم؛ يطلب العلم ساعة أو ساعتين ثم يدعو نصف ساعة مثلًا، فلا منافاة، هذه واحدة.
ثانيًا: أنه لا يمكن الدعوة إلى الله بلا علم، والدعوة إلى الله عن جهل قد يكون فيها من الضرر أكثر من عدم الدعوة، كثير من الدعاة يكون عنده غيرة ومحبة للخير فتجده يحرِّم الحلال أو يوجب ما ليس بواجب بناءً على ما عنده من الغيرة، ولو كان ذا علم لحصل له الثبات، ولا يخفى عليكم ما جرى من «عمر رضي الله عنه في صلح الحديبية ماذا فعل؟ صار يعارض الصلح ويأتي للرسول عليه الصلاة والسلام يريد أن يحل عقدة الصلح»[[رواه البخاري (٢٧٣١) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وفيه: فقال عمر بن الخطاب: فأتيتُ نبيَّ الله ﷺ فقلتُ: ألستَ نبي الله حقًّا! قال: «بلى»، قلتُ: ألسْنَا على الحقِّ وعدونا على الباطل! قال: «بلى»، قلت: فلمَ نعطي الدَّنِيَّة في ديننا إذن! قال: «إنِّي رسولُ الله، ولستُ أعصيه، وهو ناصري»، قلت: أوليسَ كنتَ تحدُّثنا أنَّا سنأتي البيتَ فنطوفُ به؟ قال: «بلى، فأخبرتُك أنَّا نأتيه العامَ؟»، قال: قلتُ: لا، قال: «فإنَّك آتيهِ ومُطوِّفٌ بهِ».]]، لكن الثبات كثبات أبي بكر تبين به الحق، فلا يمكن أن يكون داعية يدعو إلى الله بلا علم.
هذا إذا أردنا العلم بما يدعو إليه ولسنا نريد أنه لا يمكن أن يدعو إلى الله إلا من كان متبحرًا بالعلوم لا، لو قلنا هكذا ما صح قول الرسول: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آَيَةً»[[أخرجه البخاري (٣٤٦١) من حديث عبد الله بن عمرو.]] أفهمت؟
إذن الجواب من وجهين: الوجه الأول: أنه لا منافاة بين العلم والدعوة.
الوجه الثاني: أنه لا تمكن الدعوة إلا بعلم بما يدعو إليه.
بقي علينا وسائل الدعوة، وسائل الدعوة كثيرة؛ يعني ليست الدعوة مختصة بأن يقوم الإنسان يتكلم، الدعوة تكون بالقول وتكون بالكتابة وتكون بنفس الفعل، الإنسان الذي تثق منه تجد أنك تنظر ماذا يصنع، وتفعل مثله، هذا دعوة، هذا نوع من الدعوة، بل قد تكون الدعوة بالفعل والعمل أقوى تأثيرًا من الدعوة باللسان.
* طالب: شيخ بارك الله فيكم، طالب العلم الذي يريد الدعوة -لا سيما الدعوة في الحارات- لأنه يا شيخ يوجد في الحارات منكرات كثيرة، منكرات حتى في الصلاة، فيعرف أن فلان وفلان يتركون الصلاة، فإن جلس يمشي إليهم ضاع وقته، وبعضهم يقول إنه ما هو موجود، ويقع الإنسان في حرج؛ إما أن يتركهم أو يشتغل بما هو فيه، والوقت قليل وإن تفرق قَلَّ، فهل يُعذر الإنسان إذا غلب على ظنه أن هذا الشخص بعيد الاستجابة، وكذلك بعيد أن يقبل منه، ولن تجد الوقت المناسب له؟
* الشيخ: هذه في الواقع موعظة أو أمر، الدعوة تكون بصفة عامة، أما أن تذهب إلى فلان وتنصحه فهذا في الحقيقة موعظة، وإذا كان لك سلطة فهو أمر بالمعروف، وهذا كما تعرف له أحوال، لا يجب على الإنسان أن يترك ما يهمه في دينه ودنياه من أجل أن يذهب إلى الناس يقرع أبوابهم ليأمرهم أو يعظهم، هذا ليس بواجب.
* الطالب: فيه الاستحباب «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا»[[أخرجه مسلم (٤٩ / ٧٨) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
* الشيخ: نعم «مَنْ رَأَى» لكن الرسول ﷺ ما قال: تَطَلَّبُوا رؤية المنكر، وهذا الذي لا يصلي يمكن أن أعظه في السوق في المسجد، ولهذا نجد الناس الآن يستثقلون أن يقرع عليهم الباب أحد يعظهم أو يأمرهم، وربما حصل من ذلك ما يُسمى بِرَدِّ الفعل.
* طالب: شيخ، كيف نجمع بين هذا وبين حديث الرسول: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أُنَاسٌ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٣ / ٣٠٢) من حديث أبي سعيد الخدري.]]؟
* الشيخ: نعم، والعقيدة؟
* الطالب: عندهم عقيدة، موحدون.
* الشيخ: لكن هذا عُذِّب الآن، عُذِّب ما تُرِك.
* الطالب: العقيدة أنه خارج من النار.
* الشيخ: لكن هل هذا تنزلت عليه الملائكة؟ ما تنزل عليه الملائكة، ثم لا بد أن يكون عند هذا الإنسان عقيدة إيمانية، وإلا لقلنا: النصارى أيضًا يخرجون من النار بعقيدتهم.
* * *
* طالب: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٣ - ٣٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت ٣٣]، ما الذي نصب (قولًا)؟
* طالب: التمييز.
* الشيخ: التمييز، فهل هناك قاعدة في مثل هذا السياق؟
* طالب: إذا جاء اسم بعد أفعل التفضيل يكون منصوبًا على التمييز.
* الشيخ: إذا جاء اسم مبين لاسم التفضيل صار منصوبًا على التمييز.
الاستفهام هنا بمعنى؟
* الطالب: التحدي.
* الشيخ: لا، بمعنى النفي، وهو مُشْرب معنى التحدي.
من المراد بهذا ﴿مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت ٣٣]؟
* طالب: المراد كل من قام بالدعوة إلى الله سواءً بالكلمة أو بالأعمال أو بالقول.
* الشيخ: يعني: عامٌّ، كل من دعا.
ذكر بعضهم أنه مؤذن؟
* الطالب: هذا من باب ذكر بعض أنواع العموم.
* الشيخ: فيكون مراده؟
* الطالب: بعض أنواع العام، ولا يُراد منه التخصيص.
* الشيخ: لكن المراد أيش؟
* الطالب: التمثيل.
* الشيخ: التمثيل، بارك الله فيك.
قال الله تبارك وتعالى: (﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت ٣٤] في جزئياتهما؛ لأن بعضهما فوق بعض).
قوله: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ فسرها المؤلف بأن المعنى: لا تستوي الحسنات بعضها مع بعض ولا السيئات بعضها مع بعض، وعلى هذا التفسير تكون (لَا) غير زائدة؛ تكون أصلية، ويكون المراد بالآية: انتفاء تساوي الحسنات وانتفاء تساوي السيئات، وهذا أمر لا إشكال فيه؛ أن الحسنات بعضها أحسن من بعض، وأفضل من بعض، وأوكد من بعض، وكذلك السيئات بعضها أسوأ من بعض وأشد، لكن هناك تفسيرًا آخر وهو: أن المعنى أن الحسنات والسيئات لا تتساوى بدليل قوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ إلى آخره [فصلت: ٣٤]، وبناءً على ذلك تكون (لَا) زائدةً للتوكيد، كما هي في قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧]، فإن (لَا) هنا زائدة للتوكيد، ولهذا لو قلت في غير القرآن العزيز، لو قلت: غير المغضوب عليهم والضالين؛ لاستقام الكلام.
فإذا قال قائل: هل هناك ترجيح؟
قلنا: المؤلف رَجَّح المعنى الأول، وهو أن الحسنات لا تتساوى، والسيئات لا تتساوى، وبعضهم رجَّح الثاني؛ لأنه قال: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ﴾ إلى آخره، ولو قيل بالمعنيين جميعًا لم يكن هناك بأس؛ وذلك لأن الآية إذا كانت تحتمل معنيين على السواء وهما لا يتنافيان فإنها تُحمل عليهما جميعًا، هذه القاعدة في أصول التفسير.
(الحسنة) ما يحسن ذكره، و(السيئة) ما يسوء ذكره هذا التفسير العام للحسنة وللسيئة.
قال: ﴿ادْفَعْ﴾ السيئة ﴿بِالَّتِي﴾ أي: بالخصلة التي ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ إلى آخره.
الغريب أن كلام المؤلف في ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ يقتضي أن معنى الجملة قبلها: لا تستوي الحسنة مع السيئة.
﴿ادْفَعْ﴾ السيئة ﴿بِالَّتِي﴾ أي: بالخصلة التي ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ أفادنا -رحمه الله- أن (التي) صفة لموصوف محذوف؛ أي: بالخصلة التي هي أحسن من السيئة.
فإذا قال قائل: السيئة ليس فيها حسن، فكيف يقول: أحسن من السيئة؟
قلنا: إن اسم التفضيل قد يأتي وليس في الطرف الآخر منه شيء، كما في قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤]، مع أن أصحاب النار ليس في مستقرهم خير ولا في مقيلهم خير.
ويكون معنى الآية أنه لما كان من المعتاد أن الإنسان لا يدفع السيئة بالتي هي أحسن أمره الله أن يدفع بالتي هي أحسن؛ وذلك لأن مدافعة السيئة تكون على ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن يدفع سيئةً بمثلها، وهذا جائز.
والثانية: أن يدفع السيئة بحسنة، لكن هناك شيء أحسن منها، وهذا أيضًا جائز، وهو أعلى من الأول.
الثالث: أن يدفع السيئة بالتي هي أحسن؛ يعني بأحسن ما يدفعها به، وهذا أفضل وأطيب، وهو الذي أمر الله به، فصارت مقابلة السيئة على ثلاثة وجوه:
الأول: السيئة بمثلها ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى ٤٠].
الثاني: بحسنة لكن غيرها أحسن.
الثالث: بالتي هي أحسن؛ يعني إذا أساء إليك إنسان فلا تقابله بإساءة، ولا تقابله بحسنة أيضًا، قابله بما هو أحسن.
يقول المؤلف ممثلًا: (كالغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو) هذه أمثلة: (الغضب بالصبر) يعني إذا غضب عليك إنسان فاصبر وتحمل، (الجهل بالحلم) إذا جهل عليك إنسان بالإساءة فقابله بالحلم.
فإذا قال إنسان: الجهل هل هو يقابل الحلم أو يقابل العلم؟
قلنا: أما الجهل الذي هو عدم العلم فيُقابَل بالعلم، وأما الجهل الذي هو ضد الحلم بمعنى أن يكون الإنسان ذا عدوان على الغير فهذا يُقابَل بالحلم، قال الشاعر العربي:
؎أَلَا لَا يَجْــــهَلَنْ أَحَـــــدٌ عَلَيْــــنَا ∗∗∗ فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
وكذلك الإساءة بالعفو، إذا أساء إليك إنسان فاعف عنه، وقد سبق مرارًا ونكرره تكرارًا أن العفو إنما يُندب إليه إذا كان فيه إصلاح؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠].
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت ٣٤] (فإذا): (إذا) فجائية والفاء عاطفة، أي: فإذا دفعت بالتي هي أحسن فاجأتك هذه الحالة، وهي: أن تنقلب عداوة الشخص الذي أساء إليك فيصير كأنه ولي حميم؛ يعني: صديقًا قريبًا، وتأمل كون الجواب بـ(إذا) الفجائية ليتبين لك أن انقلاب عداوته إلى ولاية حميمة لا يتأخر كثيرًا؛ لأن (إذا) الفجائية تدل على الفورية.
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت ٣٤] لو كان المخبر بذلك غير الله عز وجل لكان الإنسان يتردد، وكيف ينقلب العدو صديقًا حميمًا بهذه السرعة؟
نقول: إن الذي أخبر بذلك من؟ هو الله عز وجل، ومن أصدق من الله قيلًا، ثم إن الذي أخبر بذلك هو الذي قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابعه يقلبها حيث يشاء، لا تستبعد هذا، الأمور بيد الله وكم من عدو انقلب صديقًا، وصديق انقلب عدوًا.
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت ٣٤] أي: فيصير عدوك كالصديق القريب بمحبته إذا فعلت ذلك، فـ(الذي) مبتدأ، و(كأنه) الخبر، و(إذا) ظرف لمعنى التشبيه.
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت ٣٤] أعربها المؤلف يقول: (الذي: مبتدأ)، ﴿بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ﴾ هذا صلة الموصول، (وكأنه الخبر) خبر المبتدأ (الذي)، (وإذا ظرف لمعنى التشبيه) (إذا) في قوله: ﴿فَإِذَا الَّذِي﴾ ظرف لمعنى التشبيه الذي هو (كأنه)؛ لأن التشبيه مضمن معنى الفعل، فلذلك صح أن يتعلق به الظرف.
هذا ما ذهب إليه المؤلف بالنسبة لـ(إذا)، والصحيح أن (إذا) فجائية لا تحتاج إلى متعلق.
يقول رحمه الله: (﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ أي: يؤتى الخصلة التي هي أحسن ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ﴾ ثواب ﴿عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٥]).
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾ قال المؤلف رحمه الله: (أي يؤتى الخصلة)، وقيل: معناها لا يوفق لها، والمعنى متقارب؛ يعني: لا ينال أحد هذه الخصلة، وهي الدفاع بالتي هي أحسن إلا الذين صبروا، هذه الجملة فيها حصر طريقه النفي والإثبات: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت ٣٥].
وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت ٣٥] أي: حبسوا أنفسهم وأجبروها على تحمل هذا الأمر، وذلك لأن هذا الأمر شديد، إذ أن النفوس تحب الانتقام ممن أساء إليها، ولكن يُقال: ادفع بالتي هي أحسن، لهذا قال: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت ٣٥] كل إنسان سوف يعاني معاناة شديدة إذا سلك هذه الطريق؛ وهي: الدفاع بالتي هي أحسن، لا بد أن يجد عناءً ومشقة، فأثنى الله تعالى على الصابرين على ذلك.
الصبر لا يحتاج إلى أن نطيل الشرح فيه؛ لأنهم قالوا: إنه يكون ثلاثة أنواع: يكون صبرًا على طاعة الله، وصبرًا عن معصيته، وصبرًا على أقداره.
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٥] قال: (ثواب) ﴿ذُو حَظٍّ﴾ أي ثواب، والصواب أن يُقال: الحظ هو النصيب، أي: ما يُلقاها إلا ذو نصيب عظيم، ليس من الثواب فحسب بل من الثواب والأخلاق والرزانة وغير ذلك؛ يعني: من له نصيب عظيم من الثواب والأخلاق والرزانة والتأني وغير ذلك، فلا ينبغي أن يقتصر في ذلك على الثواب، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٥].
ولما ذكر الله تعالى دفع العدو من بني آدم ذكر دفع العدو من غير بني آدم، فقال: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦]، شوف مدافعة العدو من غير بني آدم، لم يقل: ادفع بالتي هي أحسن، قال: الجأ إلى الله؛ لأنك لا تستطيع أن تدفع الشيطان إلا باللجوء إلى الله عز وجل، إذ إن الشيطان ليس أمامك حتى تلوي عنقه وتقتله، ولكنه لا يدفعه إلا الله، ولهذا قال: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [فصلت ٣٦].
فالمناسبة بين هذه الآية والتي قبلها أنه لما ذكر مدافعة العدو من بني آدم ذكر مدافعة العدو من غير بني آدم، فقال: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦].
قال: (إما) (فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة)، (إما) أصلها (وإن ينزغنك) لكن (ما) الزائدة تُزاد كثيرًا في أدوات الشرط كقوله هنا: (وإما ينزغنك)، وكقوله تعالى: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء ١١٠].
﴿إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ﴾ يعني: إن ينزغك ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦] (أي: يصرفك عن الخصلة وغيرها من الخير صارف ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ ).
المؤلف -رحمه الله- إذا نظرنا إلى تفسيره وجدناه يقصر هذه الآية على شيء معين، وهي إن صرفنا الشيطان عن المدافعة بالتي هي أحسن فاستعذ بالله.
والصواب خلاف ذلك، الصواب: أن الآية عامة، ولهذا قال: ﴿إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ﴾ أي: يصيبنك.
﴿مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ (نزغ) نكرة في سياق إيش؟
* طالب: النفي.
* الشيخ: خطأ، اقرأ الآية ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ [فصلت ٣٦] نكرة في سياق؟
* طالب: نكرة في سياق الشرط.
* الشيخ: في سياق الشرط، فتكون عامة سواء كان في المدافعة بالتي هي أحسن أو غير ذلك، كلما أصابك نزغ من الشيطان فاستعذ بالله، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي شكا إليه الوسوسة في الصلاة أمره أن يستعيذ بالله قال: «يتفُل عن يسارِه ثلاثًا ويستعيذ بالله»[[أخرجه مسلم (٢٢٠٣ / ٦٨) من حديث عثمان بن أبي العاص.]].
المهم: أنه متى نزغك من الشيطان نزغ فالجأ إلى من يستطيع دفعه؛ الله عز وجل، لكن كيف أعرف أن الشيطان نزغ أحدًا؟ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨]، كلما رأيت أنه ألقي في روعك أن تفعل معصية فاعلم أنه نزغ من الشيطان، كلما ألقي في روعك أنك تترك طاعة فهذا نزغ من الشيطان استعذ بالله؛ لأن الشيطان ليس شيئًا محسوسًا يحسه الإنسان فيراه ويسمعه، لكن يُعرف بما يلقي في القلب.
﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦] أي اعتصم به، قال المؤلف: (جواب الشرط، وجواب الأمر محذوف؛ أي: يدفعه عنك)، أين الأمر؟ (استعذ) يعني كأن قائلًا يقول: وإذا استعذت فما النتيجة؟ النتيجة أن يدفعه الله عنك لأن الله تعالى لم يأمرك بالاستعاذة به -والاستعاذة كما تعرفون هي الاستجارة مما يسوء- استعذ بالله يدفعه عنك.
(﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ للقول ﴿الْعَلِيمُ﴾ [فصلت ٣٦] بالفعل) هذه الجملة تعليلية، لقوله: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾؛ يعني: فإنك إذا استعذت منه بالله سمعك، وإنه عليم بكيفية دفع هذا الشيطان الذي نزغك منه نزغ فهو سميع لقولك إذا استعذت به عليم بما يدفع به عنك هذا الشيطان.
* في الآية فوائد: منها: انتفاء تساوي الحسنات بعضها ببعض، وانتفاء تساوي السيئات بعضها ببعض.
* فيترتب على ذلك فائدة: أن الحسنات تتفاوت والسيئات تتفاوت، فمن الحسنات ما هو أصول في الإسلام كالأصول الخمسة، ومنه ما هو دون ذلك، ومنه ما هو فرائض، ومنه ما هو نوافل.
في المحرمات ما هو شرك مخرج عن الملة وما هو شرك دون ذلك، وكذلك يُقال في الكفر، ومنه ما هو فسوق ومنه ما هو دون ذلك، هذا إذا قلنا: إن المراد أن الحسنات لا تتساوى والسيئات لا تتساوى.
أما إذا قلنا: لا تستوي الحسنة ولا السيئة؛ أي: إن الحسنة والسيئة لا يتساويان فيفيد الحث على فعل الحسنات في مقابل السيئات، وليس الفائدة أن يعلم أن الحسنة لا تساوي السيئة؛ لأن هذا أمر معلوم، ولا يمكن في القرآن ببلاغته أن يأتي بمثل ذلك؛ لأن هذا كقولك: السماء فوقنا، والأرض تحتنا، لكن المراد الحث على أن تُقابل السيئة بحسنة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإرشاد إلى مدافعة السيئات.
* طالب: ادفع.
* الشيخ: من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿ادْفَعْ﴾، يؤخذ من قوله: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت ٣٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على أعلى المقامات في مدافعة السيئات، تؤخذ من قوله: ﴿أَحْسَنُ﴾، ولم يقل: ادفع بالحسن، بل قال: ﴿بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت ٣٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى مقلب القلوب، فقد يكون العدو صديقًا والصديق عدوًا؛ لقوله: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ﴾ [فصلت ٣٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنك لا تأخذك العزة بالإثم فتقول: لا يمكن أن أسكت أمام هذا الذي أساء إلي ولا بد أن آخذ بحقي، نقول: إذ أخذت بحقك فذلك، لكن هناك خُلُق أفضل وأكمل، وهو المدافعة بالتي هي أحسن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المدافعة بالتي هي أحسن شاقة على النفس؛ لقوله: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت ٣٥]، ولكن اصبر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من سلك هذه الطريق؛ وهي مدافعة السيئة بما هو أحسن، فإنه ذو نصيب عظيم من الأخلاق والثواب والرزانة والرجولة والشهامة وغير ذلك؛ لقوله: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٥].
* ومِن فوائد الآية: التي بعدها أن ملجأ الإنسان عند الخوف مما لا يمكنه دفعه هو الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنك كلما أحسست بشيء من نزغات الشيطان من تهاون بالمأمور أو ارتكاب لمحذور فعليك أن تلجأ إلى الله عز وجل.
فإن قال قائل: نجد الاستعاذة مشروعةً في غير هذه الحال، مشروعة عند قراءة القرآن مثلًا، مشروعة عند دخول الخلاء، فما الجواب؟
الجواب: أن مشروعيتها عند تلاوة القرآن؛ لأن الشيطان يتسلط على الإنسان حين قراءة القرآن أن يصده عما فيه من الذكر الحكيم، يصده عن تدبره، عن الخشوع فيه، عن كون الإنسان يلتزم بأوامره ونواهيه ويصدق بأخباره.
المهم أن الشيطان يحرص على الإنسان إذا أراد قراءة القرآن، فناسب أن يؤمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وكذلك عند دخول الخلاء؛ لأن الخلاء موطن الشياطين، الشياطين تكون في أخبث الأماكن، والملائكة في أطيب الأماكن، ولهذا كانت المساجد بيوت الملائكة، وكانت المراحيض بيوت الشياطين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الشيطان وأن له سلطة على ابن آدم لقوله: ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦]، وهو كذلك، والله سبحانه وتعالى سَلَّط الشيطان على بني آدم، وأيد المؤمنين بالملائكة، فإن الشيطان إذا أمر بالفحشاء فإن هناك أمرًا آخر يضاده، وهو أمر الملك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يُستعاذ إلا بالله، في قوله: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت ٣٦]، لكن هذا مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، فإنه لا استعاذة منه إلا بالله، وكذلك أيضًا لا استعاذة لمخلوق غير قادر، فمثلًا لو أن الإنسان استعاذ بميت لكان هذا شركًا؛ لأن الميت لا يمكن أن يفيدك، لكن لو استعاذ بحي فيما يقدر عليه فلا بأس بذلك؛ لأن النبي ﷺ قال: «مَنْ وَجَدَ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٠١)، ومسلم (٢٨٨٦ / ١٢) من حديث أبي هريرة.]]، فالاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه كالاستعانة به فيما يقدر عليه وكالاستغاثة به فيما يقدر عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات السميع العليم لله؛ يعني أنهما من أسماء الله عز وجل، وسبق أنه لا يتم الإيمان بالاسم إلا بثلاثة أمور إن كان متعديًّا، وبأمرين إن كان غير متعدٍّ، السميع متعدٍّ، فتثبت السميع اسمًا، والسمع صفة، وكونه يسمع أثرًا، وكذلك يُقال في العليم.
وقول المؤلف رحمه الله: (السميع للقول) هذا صحيح؛ لأن متعلق السمع هي الأقوال.
(العليم بالفعل) فيه نظر؛ لأن الله عليم بالفعل، عليم بالقول، عليم بما ليس بفعل ولا قول ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق ١٦] فقصره على الفعل لا شك أنه قاصر، فيُقال: الصواب العليم بكل شيء من الأقوال والأفعال والإرادات والحاضر والمستقبل والماضي.
* ومن فوائد الآيتين: بلاغة القرآن بذكر المتقاربين في المعنى، وإن كان بينهما فرق من حيث الحقيقة، وجه ذلك: أنه ذكر في الآية الأولى معاملة المسيء من الإنس بأن تدفعه بالتي هي أحسن، وذكر في الثانية معاملة المسيء من غير الإنس وهو الشيطان.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلࣰا مِّمَّن دَعَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ","وَلَا تَسۡتَوِی ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ","وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَمَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ","وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"],"ayah":"وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق