الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨] إلى آخره. الجملة هذه مؤكَّدة بثلاثة مؤكِّدات: اللام، و(قد)، والقَسَم المحذوف. والتقدير: واللهِ لقد أرسلْنا رُسُلًا من قبلك. والرسول هو بَشَرٌ يوحى إليه بشرعٍ ويُؤمر بتبليغه، ولهذا سُمِّي رسولًا؛ أي: مدفوعًا من قِبَل الله عز وجل ليبلِّغ، وأمَّا النبيُّ فإنَّه بَشَرٌ أُوحِيَ إليه بشرعٍ ولكن لم يُكلَّف بتبليغه؛ بمعنى أنَّه يجدِّد شَرْع مَن قبله إنْ كان قبله رسولٌ حتى يُحْيي هِمَمَ الناسِ فيقتدوا به، وإذا لم يحتج الناسُ إلى رسولٍ لم يُرسَل إليهم أحد؛ فإنَّ آدم عليه الصلاة والسلام كان نبيًّا ولم يكن رسولًا، هو نبيٌّ يتعبَّد لله تعالى بما أوحاه الله إليه، ولكن لم يُرسَل لأنَّ الناس لم يختلفوا بعد؛ كما قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]، فالرُّسُل إنما أُرسلوا بعد الاختلاف، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنَّ تقدير الآية الكريمة: كان الناسُ أُمَّةً واحدةً فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشِّرين. وقال: إنَّ في الآية إيجاز حذْفٍ؛ أي: حُذِفَ منها ما دلَّ السياقُ على حَذْفه. على كل حالٍ الرسولُ مَن؟ بَشَرٌ أُوحِيَ إليه بشرعٍ وأُمِرَ بتبليغه، هذا الرسول. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ﴾ وهؤلاء الرُّسُل كانوا يُرسَلون إلى أُمَمِهم فقط كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث جابر: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]]، وما من أُمَّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ كما قال الله عز وجل، كل أُمَّةٍ أرسل الله إليها رسولًا لتقوم الحجَّة. ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ (مِن) هذه تبعيضيَّة؛ أي: بعضهم قصصناهم عليك وأخبرناك بهم، وبعضهم لم نقصصهم عليك. قال أهل العلم: وإنما قصَّ الله على رسوله ﷺ مَن كانوا من الجزيرة العربية وما حولها؛ لأن أخبار هؤلاء له بقيَّةٌ في العرب، فلهذا قصَّه الله، أمَّا مَن كانوا في أمريكا أو في شرق آسيا أو ما أشبهَ ذلك من الأماكن البعيدة فهؤلاء لم يُقَصَّ علينا من نبئهم شيء. (﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ رُوي أنَّه تعالى بَعَثَ ثمانيةَ آلاف نبيٍّ؛ أربعة آلافٍ من بني إسرائيل وأربعة آلافٍ من سائر الناس). وجديرٌ بالمؤلف رحمه الله أن يقول: (رُوي) بصيغة التمريض؛ لأنَّ هذا لا يصح؛ كيف يكون من بني إسرائيل -وهم متأخرون عن أُمَمٍ كثيرة- أربعة آلاف، ومن سائر الناس أربعة آلاف؟! هذا بعيد، بل إنَّ الله أرسل في كل وقتٍ وحينٍ ما تقوم به الحجة. وهل لنا أن نبحث عن عدد هؤلاء؟ لا، وإن قلنا: لنا، فإنَّه ليس علينا؛ يعني لو قيل لنا أن نبحث للاطِّلاع لم يكنْ سائغًا أن نقول: علينا أن نبحث، بل نقول: آمَنَّا بالله وبرُسُله مَن عَلِمنا منهم ومَن لم نعلم. قال: (﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ﴾ منهم ﴿أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [غافر ٧٨] لأنهم عبيدٌ مربوبون). قوله: ﴿وَمَا كَانَ﴾، ﴿ما﴾ نافية، و﴿كَانَ﴾ فعلٌ ماضٍ ناقص، و﴿لِرَسُولٍ﴾ خبره، و﴿أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ﴾ اسم كان؛ أي: وما كان إتيانُ أحدِهم بآيةٍ إلا بإذن الله. ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ يعني أنَّ الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام آتاهم الله آيات، لكنْ هل هُم الذين يملكون هذا؟ لا، هذا من عند الله، ولكنَّ الله تعالى بيَّن أنه ما من رسولٍ إلا وأُوتِيَ آية؛ ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الحديد ٢٥] يعني بالآيات البيِّنات، حتى يؤمن البشر، وحتى لا يكون لهم حُجَّة عند الله؛ لأنَّ الله لو بعث رسولًا هكذا إلى الناس وقال: إنِّي رسول الله، ولم يأتِ بآية، فإن الناس لن يقبلوا منه، وإلا لَأمْكنَ لكل كاذبٍ أن يدَّعي الرسالة، لكن لا بدَّ من آيات بيِّنات -يعني واضحة- على أنَّه رسول، ومع هذا لا يمكن لرسولٍ أن يأتي بآية إلا بإذن الله. وقوله: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الإذن الكوني، إذا أَذِنَ الله كونًا أن يأتي الرسول بآية أتى بآية، والرسول قد يأتي بآيةٍ ابتداءً، وقد يأتي بآيةٍ بطلبٍ من المرسَل إليهم؛ كما قد جاء في الحديث الصحيح أنَّ قريشًا قالوا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أَرِنا آيةً، فأشار إلى القمر فانفلقَ فلقتين إحداهما على الصفا والثانية على المروة، وشاهد الناسُ ذلك[[أخرج مسلم (٢٨٠٠ / ٤٥) عن عبد الله بن مسعود قال: انشقَّ القمرُ على عهد رسول الله ﷺ فِلْقتينِ، فستر الجبلُ فِلْقةً وكانتْ فِلْقةٌ فوق الجبل، فقال رسول الله ﷺ: «اللهم اشهدْ».]]، ولكن مع ذلك: ﴿إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر ٢]، قالوا: إنَّ محمدًا سَحَرنا والقمر لم يتصدَّع، ولكن لَمَّا لم يُعَيِّنوا الآية التي طلبوها لم يُؤاخَذوا بالعقاب؛ لأنَّ الأُمَم إذا عَيَّنوا الآية التي طلبوها ثم لم يؤمنوا عاجَلَهم الله بالعقوبة. ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ﴾ (آية) أي: علامة على صِدْقه ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. وهنا قال: (آية)، ولم يقل: بمعجزة، وقد جرى على ألسنة كثيرٍ من العلماء رحمهم الله تسمية آيات الأنبياء بالمعجزات، ولكن هذه التسمية غير سديدة، بل الأَوْلى أن نعبِّر بأيش؟ * الطلبة: بآية. * الشيخ: بآية، نقول: آية النبي، ولا نقول: معجزة. أولًا: لأنَّ هذا هو التعبير القرآني. وثانيًا: لأنَّ المعجزة تأتي من الرسول، وتأتي من الساحر، وتأتي من الشياطين، يأتي من هؤلاء ما يعجز عنه البشر، فالتعبير السليم أن نعبِّر بـ(آية). أولًا: لموافقة القرآن. والثاني: لأن المعجزة تكون من الرسول وغيره. والثالث: أنَّ كلمة (آية) فيها إشارة إلى أن ما جاء به هذا الرسول مما يُعجِز البشر أيش؟ آية، علامة. فهذه ثلاثة أشياء تبيِّن رُجحان التعبير بـ(آية) على التعبير بـ(معجزة). التعبير بـ(الآية) خيرٌ من التعبير بـ(المعجزة) من كمْ وجه؟ من ثلاثة أوجه: أولًا: أنَّ القرآن جاء بتعبير (آية) دون (معجزة). ثانيًا: أنَّ المعجزة تكون من غير النبي، تكون من الساحر والمشعوذ والشياطين. ثالثًَا: أنَّه ليس المقصود مجرَّد الإعجاز، المقصود أن تكون علامةً على صدق النبي. قال الله عز وجل: (﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ بنزول العذاب على الكفَّار ﴿قُضِيَ﴾ بين الرُّسُل ومكذِّبيها ﴿بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر ٧٨] أي: ظَهَر القضاءُ والخسرانُ للناس، وهم خاسرون في كلِّ وقتٍ قبل ذلك). ﴿إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ أمْر الله تعالى الكوني؛ لأنَّ أمر الله ينقسم إلى قسمين: كوني وشرعي، كما سنذكر إن شاء الله. ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ بماذا؟ بنزول العذاب على الكافرين، ونزول النصر للرُّسُل وأتباعهم. ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾ والقاضي هو الله عز وجل، وحُذِف الفاعلُ هنا للعلم به؛ لأن الله تعالى هو الذي يقضي بالحق؛ كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ [غافر ٢٠]، ويُحذَف الفاعلُ أحيانًا للعلم به كما في قوله: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] وكما في هذه الآية. وقد يُقال: إنَّه حُذِف الفاعلُ هنا للتعميم؛ ليكون القاضي هو الله، وكذلك القاضي بالحقِّ هم الرُّسُل وأتباعُهم؛ لأنهم قضوا بالحقِّ بالانتصار على عدوِّهم، لكن الأوَّل أَوْلى؛ أنْ يكون الفاعلُ واحدًا ولكن حُذِف للعلم به. ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [غافر ٧٨] هنا ﴿خَسِرَ﴾ الخُسران: فوات الربح، و(هُنَا) اسم إشارة للمكان، والمراد به الزمان، ولهذا قال المؤلف: (في كل وقت)؛ المعنى: خَسِر في ذلك الوقتِ المبطلون. فإذا قال قائل: ألستم تقولون: إن (هُنَا) إشارةٌ للمكان؟ قلنا: بلى، لكن قد تُستعار إشارةً للزمان. واللام في قوله: ﴿هُنَالِكَ﴾ للبُعد، والكاف حرف خطاب. ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾ أي: الذين وقعوا في الباطل؛ لأن القضاء بالحق يقتضي زوالَ الباطل، وإذا زال الباطلُ خَسِر أهلُه. والباطل ضدُّ الحق، ويُفَسَّر في كل موضعٍ بحسبه؛ فالباطل في الكلام الخبري ما هو؟ الكذب، والباطل في الحُكْم أيش؟ الجور، والباطل في المعاملة: الغِشُّ وما أشبه ذلك، المهمُّ أنَّ الباطل يُفسَّر في كل موضعٍ بحسبه. وقول المؤلف: (وهُم خاسرون في كلِّ وقتٍ) احترازٌ من الإشارة في قوله: ﴿هُنَالِكَ﴾؛ لئلَّا يظنَّ الظانُّ أنهم خاسرون حين نزول العذاب فقط، مع أنهم خاسرون كلَّ وقت. وقد يقال: لا حاجة إلى ذلك، يعني لا حاجة إلى ما قال المؤلف؛ لأن المقصود ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ﴾ أي: ظهرتْ خسارتهم وبانت؛ لأنهم قبل أن يُؤتَوا بالعذاب ربما يقول قائل: إنهم ربحوا، كما قال أبو سفيان في يوم أُحُد، قال: «يومٌ بيوم بدرٍ، والحربُ سِجَال»[[أخرجه البخاري (٣٠٣٩) عن ابن عباس رضي الله عنه.]]. فظنَّ أنه ربح في ذلك اليوم. فالأَوْلى أن تبقى الآيةُ على ظاهرها وألَّا يُستدرك القرآن، فيقال: ﴿خَسِرَ هُنَالِكَ﴾ أي: ظهر خُسرانهم وبانَ، أمَّا خُسرانهم قبل نزول العذاب فهو ليس ببيِّن؛ إذْ قد يقول القائل: إنهم يربحون فيما إذا أدالهم الله تعالى على الإسلام إدالةً غير مستقرَّة. لأنه لا يجوز لنا أن نعتقد بأنَّ الله يُدِيل الكفرَ على الإسلام إدالةً مستقرَّة، بل مَن ظنَّ بالله هذا فقد ظنَّ به ظنَّ السوء، لكن الله يقول: ﴿تِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٤٠]. * من فوائد هذه الآية الكريمة: * أولًا: إثبات الرُّسُل السابقين؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ﴾. * ومن فوائدها: عدلُ اللهِ عز وجل في عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بعد إرسال الرُّسُل وتكذيب هؤلاء القوم الذين أُرسِل إليهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أنه لا رسول بعد محمد؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ﴾، ولم يقل: سنُرسل. وهذه الفائدة في الواقع ليست بتلك القوية؛ يعني مأخذها من الآية لولا الواقع ما أخذناه من الآيات؛ لأنَّ الله إنما يتحدَّث عن شيء مضى. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ مِن الرُّسُل مَن قَصَّهم الله على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهم مَن لم يقُصَّه؛ لقوله: ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الله تعالى يتكلم، يعني: إثبات كلام الله؛ لقوله: ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا﴾، والقَصُّ في الأصل تتبُّع الأثر، وأمَّا في الكلام فهو ذِكْر أخبار مَن سلف، وهذا يدلُّ على أنَّ الله يتكلم عز وجل، وهذا هو ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة وإجماع السلف. ولكن هل يتكلم بصوتٍ يُسمع أو لا؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم، يتكلم بصوت يسمع. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات حِكمة الله عز وجل في حديثه عن الأُمَم السابقة؛ حيث قَسَّم مَن قُصَّ علينا نبأُهم ومَن لم يُقَصَّ، وما ذلك إلا لحكمةٍ عظيمةٍ بالغة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام أيَّدَهم الله تعالى بالآيات؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. * ومن فوائدها: أنَّ الرُّسُل لا يملكون إيجادَ الآيات، مهما بلغتْ منزلتُهم فإنهم لا يملكون أن يأتوا بآية واحدة؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنَّ الكفَّار يطلبون منه آيات، ولكن الله تعالى يقول: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [العنكبوت ٥٠] يُسلِّي الرسولَ عليه الصلاة والسلام وأنَّ هذا الأمر ليس إليك، بل هو إلى الله، إذا شاء أن يؤتيك آيةً آتاك، وإلَّا فهو الحكيم. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثباتُ الإذْن لله عز وجل، والإذن نوعان: إذنٌ شرعي، وإذنٌ كوني؛ فالإذن الكوني ما يتعلَّق بالمخلوقات وإيجادها وإعدامها وتغييرها وما أشبهَ هذا، والإذن الشرعي ما يتعلَّق بالمشروعات. فلننظر إلى قوله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩]. شرعي، ولا يصحُّ أن يكون كونيًّا؛ لأنَّا نعلم أنه إذا فعلوه فقد أذن الله فيه. وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] شرعي، ذكرنا الشرعي في المثال الأول، كذلك هم؛ ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ هنا أي: لم يأذنْ به شرعًا، ولا يجوز أن يكون إذنًا كونيًّا لأنه وقع، فقد أذِنَ الله تعالى فيما شرع هؤلاء إذنًا كونيًّا. وقال الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥]. * طلبة: كوني. * طلبة: شرعي. * طالب: كوني شرعي. * الشيخ: كيف (كوني شرعي)؟ * الطالب: يوم القيامة. * الشيخ: ما يخالف، هو يوم القيامة، لكن أين الشرع؟! الشفاعة يُطلَب من الله عز وجل أن يخفِّف العذابَ عن شخصٍ أو ما أشبهَ ذلك أو يرفع درجاته، وهذا إذنٌ كوني لا شك. * ومن فوائد هذه الآية: إثباتُ أفعال الله الاختيارية؛ يعني أنَّ الله تعالى قد يُحدِث من أمْرِه ما شاء؛ لقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾، وإذا هنا شرطية للماضي أو للمستقبل أو للحاضر؟ أجيبوا. * طلبة: للمستقبل. * الشيخ: للمستقبل، إذَن الأمر لم يأتِ بعد، وهذا يدلُّ على أن الله سبحانه وتعالى مُتَّصف بالأفعال الاختيارية، خلافًا للأشاعرة ونحوهم الذين قالوا: إنَّ الله تعالى لا يوصَف بالأفعال الاختيارية، كيف يوصَف بالأفعال الاختيارية؟! إذا قلنا: يوصَف، قالوا: هذا يقتضي أحدَ أمرين: إمَّا أن يكون الله حادثًا، وإمَّا أن يكون ناقصًا؛ أمَّا كونه يستلزم أنْ يكون الله حادثًا فلأنَّ الحوادث لا تقوم إلا بحادث، فإذا أثبتُّم أنَّ الحوادث تقوم به لَزِمكم أن يكون الله حادثًا؛ لأنَّ الحوادث لا تقوم إلا بحادث، هذه واحدة. أمَّا النقص فنقول: إذا كان هذا الفعل الذي فعله الآن كمالًا فلماذا لم يَتَّصف به من قبل؟ إذا كان كمالًا فلماذا يحدث بعد أن لم يكن؟ لماذا لم يَتَّصف به من قبل؟ وإنْ لم يكن كمالًا فهو نقصٌ يجب أن يُنَزَّه الله عنه. أفهمتم؟ وهذا لا شك أنه تلبيس؛ أمَّا الأول فقولهم: إنَّ الحوادث لا تقوم إلا بحادث. نقول: من أين أتاكم هذا؟ أمِن جيوبكم أمْ من آرائكم الفاسدة؟ مَن قال: إنَّ الحوادث لا تقوم إلا بحادث؟! الحوادث منَّا الآن تحدث قبل أن تكون، ونحن سابقون عليها، فكذلك ما يُحدِثه الله عز وجل، يُحدِثه وهو سابقٌ عليه، وسَبْقُه أزلي، فدعواكم هذه باطلة تحتاج إلى أيش؟ إلى دليل، ولا دليل، بل الدليل على نقضها. وأمَّا قولكم: إنْ كان كمالًا فلماذا لم يَتَّصف به من قبل؟ وإن لم يكن كمالًا فهو نقصٌ فيجب نَفْيه. نقول: هذا أيضًا باطل؛ لأنَّا نقول: إنَّ فِعْل الله الذي يُحدِثه هو كمالٌ حال إحداثه، وليس كمالًا حال عدمه؛ لأن الله تعالى مُتَّصف بالكمال، ففي حال عدمه لا يكون كمالًا، وفي حال وجوده يكون هو الكمال، وهذا واضح؛ فِعْل الإنسان -وهو الإنسان- أحيانًا يكون مناسبًا وفي محلِّه، وأحيانًا يكون غير مناسب وتكون الحكمة ألَّا يفعله. وبذلك نعرف أنَّ الرجوع إلى العقل فيما يتعلَّق بالله أيش؟ باطلٌ وضلالٌ؛ لأن العقل قد يَزِلُّ وقد يَهِمُ، فالرجوع فيما يتعلَّق بالله عز وجل إلى الكتاب والسُّنة لا ثالث لهما، اللهم إلا أنْ يُقال: إجماعُ السلف أيضًا يُرجع إليه، فيكون مصدر التلقِّي في العقيدة وفيما يتعلَّق بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته ثلاثة: القرآن، والسُّنة، وإجماع السلف. لكنَّنا نقول: لا حاجة إلى قول: (إجماع السلف)؛ لأنَّ إجماع السلف لا يكون إلا عن كتابٍ أو سُنَّة. * من فوائد الآية الكريمة: تهديد هؤلاء المشركين الذين كذَّبوا الرسولَ عليه الصلاة والسلام؛ لقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾، ووجْه التهديد أنَّ علماء البلاغة يقولون: إنَّ ﴿إِذَا﴾ تفيد وقوعَ الشرط في المستقبل؛ كما إذا قلتُ لك: إذا جاء زيدٌ فأكرِمْه. تفهم من هذا أنَّ زيدًا سوف يأتي، لكنَّه متأخِّر، بخلاف (إنْ)، فإنَّ (إنْ) شرطيةٌ، لكن للمحتمل؛ إنْ جاء زيدٌ فأكرِمْه، هل مجيئُه محقَّق؟ * الطلبة: لا. * الشيخ: لا، لكنْ إذا جاء فأكرِمْه، يكون المجيء محقَّقًا، لكنَّه مربوطٌ بزمنٍ مستقبل. هذه؛ ﴿إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ يفيد أنَّ أمْر الله لا بدَّ أن يأتي. أمْر الله ينقسم إلى قِسْمين: كوني، وشرعي. فقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء ٥٨] شرعي ولَّا كوني؟ * الطلبة: شرعي. * الشيخ: لماذا لا يكون كونيًّا؟ * طالب: لأن (...). * الشيخ: نعم، لأنَّه لو كان كونيًّا لَكان كلُّ الناس يؤدُّون الأمانة إلى أهلها، إذَنْ هو شرعي. ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٤٧]؟ * الطلبة: كوني. * الشيخ:كوني، فصار الأمر الآن يكون كونيًّا ويكون شرعيًّا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنَّ ما قضى الله تعالى من عقابٍ أو عذابٍ فإنَّه حقٌّ؛ لقوله: ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾، وعلى هذا فينتفي بذلك أن يكون الله تعالى ظالمًا لِمَن عاقبه. فإنْ قال قائل: أليست العقوبة تنزل بالأُمَّة وفيهم الصالحون؟ الجواب: بلى، تنزل العقوبة على الأُمَّة وفيهم الصالحون، لكنَّها تكون عقوبةً على المسيء ورِفْعةَ درجاتٍ وتكفيرَ سيئاتٍ على أيش؟ على الصالح، ولهذا لَمَّا قالت إحدى أمهات المؤمنين: «أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧١٣٥)، ومسلم (٢٨٨٠ / ١)، من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها.]]. فإذا غلبَ الخبثُ على الطيِّب حلَّت العقوبة بالجميع. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنَّ المبْطِل خاسرٌ إذا نزل به العذاب؛ لقوله: ﴿خَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾. وإذا كان المبْطِل خاسرًا فالمصلِح رابح، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود ١١٧]، ولهذا إذا كان الأهل مصلِحون فإنَّ الله لا يُهلك الأُمَّة، لكن إذا كانوا صالحين فقد تهلك الأُمَّة إذا كَثُر الخبث، وهذه نقطةٌ قد لا يتفطَّن لها كثيرٌ من الطلبة؛ انتفاء الإهلاك متى؟ إذا كان الأهل مصلحين ومحاولين للإصلاح، أمَّا إذا كانوا صالحين فإنه قد يقع الإهلاك إذا كثُر الخبَث، أمَّا مع الإصلاح ولو كثُر الخبَث ما دامت الأُمَّة تحاول الإصلاح وتسعى به فإنها لن تهلك، وهذه نقطةٌ -كما قلت لكم- قد لا يتفطَّن لها كثيرٌ من الناس، نسأل الله أن يُصلح أحوالنا وأحوالكم. * طالب: قلنا: مِن عدْل الله عز وجل أنه لن يعذِّب العباد إلا بعد أن أرسلَ إليهم الرُّسُل، في هذه الآيه هل هناك ضابط للعُذر بالجهل؛ الذين يقعون في الباطل وعلى اعتقادهم أن هذا صواب، فهل يُعذَرون بجهلهم في هذه الأيام؟ * الشيخ: قد يُعذَرون بجهلهم؛ لأنَّ مِن العوامِّ مَن لا يعرف الحقَّ إلا عن طريق أناسٍ مُعَيَّنين، وهؤلاء الأُناس المعيَّنون منحرفون، فيُعذَرون، وربما أُناس في الغابات البعيدة لا يسمعون إذاعاتٍ ولا يقرؤون صُحُفًا ولا يعرفون شيئًا. * طالب: أورد بعضُ المستشرقين على قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٤] على أنَّ هناك فترات ما بين الأنبياء، فترات (...) ليس هناك نبي، انقطع الرسالة. * الشيخ: لا، هذا غلط؛ لأنَّه إذا جاء النذير ليس معناه أنَّ النذير يبقى نذيرًا ما دام حيًّا فقط، قد تبقى رسالته، أليستْ رسالةُ إسماعيل وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام بقيتْ في العرب إلى قُرب بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ أول ما دخل الشركُ على العرب من عمرو بن لُحَيٍّ، متأخِّر. * الطالب: (...) النصارى قبل الرسول ﷺ، قبل بعثة الرسول هناك فترة يكاد ينقطع الوحي تكاد تنقطع الرسالة. * الشيخ: هذه الفترة لحكمة، يعني معناه امتداد ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام لحكمةٍ؛ حتى يعرف الناسُ شِدَّة ضرورتهم إلى الرسالة. * طالب: (...) تعريف النبي أنَّه الذي أُمِر بالوحي ولم يُؤمَر بتبليغه، كيف نوفِّق بينه وبين قول النبي ﷺ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ خَيْرَ مَا يَعْلَمُهُ ويُحَذِّرَهُمْ مِنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ»[[أخرجه مسلم (١٨٤٤/ ٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بلفظ: «إنَّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدلَّ أُمَّته على خير ما يعلمه لهم، ويُنذرهم شرَّ ما يعلمه لهم ...» الحديث.]]؟ * الشيخ: هذا .. المراد بالنبي الرسول، المراد به الرسول، ولهذا تجد الآن في القرآن الكريم أنبياء هم رُسُلٌ، لكن تُذكَر بلفظ الأنبياء: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣]، ثم قال في الأخير: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [النساء ١٦٥]، ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا﴾ [مريم ٤١]. * الطالب: شيخ، بارك الله فيك، هل يصحُّ أن نُطلق لفظة (الدلائل) على آيات الأنبياء؟ * الشيخ: إي نعم؛ لأنَّ الدليل ما يهدي إلى غيره، ولهذا يُسمَّى الرجل الذي يدلُّك الطريق يُسمَّى هاديًا، فالآيات لا شك أنها دليلٌ وبيِّنات. * الطالب: هل ورد نص أنَّ الآيات تُسمَّى دلائل، مثل المعجزات يا شيخ، قلنا: لا تُسمَّى .. أن نُطلقها على آيات الأنبياء؟ * الشيخ: إحنا نقول: الآية دليل، واللغة مترادفة، فما دام اللفظ مرادفًا للآخَر ولا يتضمَّن محظورًا ليس فيه مانع أن نعبِّر به. * الطالب: هل فيه دليل على عدد الأنبياء والرُّسُل؟ * الشيخ: فيه حديث أبي ذر أنَّهم كانوا أربعةً وعشرين ألفًا، منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا رسول، والباقي أنبياء[[أخرج أحمد (٢٢٢٨٨) بسنده عن أبي ذرٍّ قال: قلت: يا رسول الله، كم وَفَى عِدَّة الأنبياء؟ قال: «مئةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا، الرُّسُل من ذلك ثلاثُ مئةٍ وخمسة عشر جمًّا غفيرًا». ورواية ابن حبان في الصحيح (٣٦١) بلفظ: «قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال مئةُ ألفٍ وعشرون ألفًا».]]، لكن الحديث بعض العلماء قال: إنه غير صحيح، وإن كان ابن حبان صحَّحه، فالله أعلم، ما هناك شيءٌ يركن إليه الإنسان في العقيدة بأنَّ عددهم كذا وكذا، لا الأنبياء ولا الرُّسُل. * طالب: هل -يا شيخ- القولُ بأنَّ كل رسولٍ نبيٌّ وليس كل نبيٍّ رسولًا؟ * الشيخ: صحيح. * طالب: ضوابط المعجزة والكرامة. * الشيخ: عندنا معجزة، وكرامة، وشعوذة. المعجزة هي آيات الأنبياء، وكما سمعتَ أنَّنا نُسمِّيها آيةً ولا نُسمِّيها معجزةً. الكرامة كلُّ أمرٍ خارقٍ للعادة يُظهره الله تعالى على يد متَّبع الرسول. ما هو على يد الرسول، على يد متَّبع الرسول. أمَّا السِّحر والشعوذة فهو كلُّ خارقٍ للعادة يظهر على يد مُخالِف الرسول. وقد أنكرت المعتزلة الكرامات وقالت: لو أنَّا أثبتنا الكرامات لَاشْتبهَ النبيُّ بالوليِّ، والوليُّ بالساحر. فيقال: هذا مغالطة؛ لأنَّ النبي يقول: إنَّه نبيٌّ، والذي ظهرت الكرامةُ على يده يقول: إنَّه وليٌّ وليس بنبيٍّ، والساحر ليس نبيًّا ولا وليًّا، معروفٌ بأنَّه فاسقٌ مخالفٌ للشرع، فلا يمكن أن يكون التباس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب