الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ (اصبر) فعل أمر، والأمر الأصل فيه الوجوب كما سيأتي.
فما معنى الصبر لغة؟ معنى الصبر الحبس، ومنه قولهم: قُتِلَ فلانٌ صبرًا، أي: حبسًا؛ أي: أُمْسِكَ ثم قتل؛ لكنه في الاصطلاح الشرعي أخصُّ من مُطْلَقِ الحبس فهو: حبس النفس عما يُسْخِط الله تعالى فيما يُرضِي الله.
ومن ثَمَّ قال العلماء: إن الصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله وهو أعلى الأقسام، وصبر عن معصية الله وهو الثاني في المرتبة، وصبر على أقدار الله المؤلمة وهو الثالث في المرتبة أيضًا.
الأول: صبرٌ على طاعة الله؛ بأن يصبر الإنسان نفسه على طاعة الله، فيقوم بالواجب ويكمِّل ذلك بالمستحب، وهذا يحتاج إلى صبر، وإلى عناء، ولا سيما مع ضعف الإيمان، فإن ضعيفَ الإيمان يشُقُّ عليه فعل الطاعات، أليس كذلك؟ فيحتاج إلى أن يَصْبِرَ ويحبس نفسه على فعل الطاعة، ويَعِدُها بالخير والثواب، ويقول: إن الوقت ماش وذاهب، فإما أن يكون في طاعة الله، وإما أن يكون في معصية الله، وإما أن يكون لغوًا، فيحملها ذلك على القيام بطاعته.
والصبر على طاعة الله شاقٌّ من وجهين: من وجه إلزام النفس بالقيام به، ومن وجه تعب البدن بالقيام به، فهاهنا عناءان: الأول مع النفس، والثاني مع الجوارح؛ ولهذا كان هو أعلى أقسامِ الصبرِ، مثال ذلك: الصبر في الجهاد، هذا صبر على أيش؟ طاعة الله، وهو أشقُّ أنواع الطاعة التي يُصْبَر عليها، ولهذا جعله النبي ﷺ ذِروة سَنامِ الإسلام؛ لأنه أشق ما يكون.
الثاني: صبرٌ عن معصية الله؛ يعني أن الإنسانَ قد يهوى المعصية، ولكن يحبِس نفسه عنها، فهذا صَبْرٌ عن معصية الله عز وجل، ويتضمن هذا الصبر حبسَ النفس مع الكفِّ، ففيه عناء واحد وهو حبس النفس عن المعصية، لكن ليس فيه تعب بدنيٌّ إذ إنه كفٌّ بلا فعل، والكف بلا فعل أهون من الفعل، لأن ما فيه مشقة بدنية، غاية ما فيه أنها معاناة قلبية للصبر عن هذه المعصية.
والقِسم الثالث: الصبر على أقدارِ اللهِ المؤلمة، أقدار الله عز وجل المؤلمة هي التي لا تلائم النفس إما بفوات محبوب وإما بحصول مكروه، فيحبس الإنسانُ نفسه في هذا الأمر، وهو أقل أقسام الصبر رتبة؛ لأنه يأتي بغير اختيار الإنسان. الصبر على الطاعة باختيار الإنسان، وعن المعصية باختيارك، لكن على الأقدار؟ لا، ليس بملكك أن تمنع ما قدَّر الله عليك من فوات محبوب أو حصول مكروه.
ولهذا قال بعض السلف عند حلول المصائب: إما أن تَصْبِرَ صبر الكرام، وإما أن تسلو سُلُوَّ البهائم، وقس نفسك، تأتيك المصيبة اليوم أكبر من الجبال وأحرِّ من النيران ثم تخف شيئًا فشيئًا حتى لا تكاد تذكرها. أليس كذلك؟
إذن إما أن تصبر وتحتسب، وإما أن تسلو حتى لو تسخَّطْتَ فالمآل إلى نسيان، أن يسلوَ الإنسان سُلُوَّ البهائم، هذا القسم الثالث من أقسام الصبر يكون بالأمور الآتية:
حبس اللسان عن التَّسخط، لا يتسخط؛ يقول: أصابني الله بكذا، ولم يصب فلانًا، أصابني بالفقر، والناس أغنياء، أصابني بالمرض، والناس أصحاء، وما أشبه ذلك، لا يقول هكذا، لا يقول: واويلاه، واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك، لا يقول هكذا؛ لأن هذا منافٍ للصَّبر.
الإخبار بما أصاب الإنسان من مصيبة دون التَّشكِّي، أيجوز هذا أو لا؟
الإخبار بما أصاب الإنسانَ من مصيبةٍ دون التشكِّي، أيجوز هذا أو لا؟
يجوز هذا؛ وقع هذا من النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: «بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ»[[أخرجه البخاري (٥٦٦٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]. ولا حرج، يعني هناك فرقٌ بين شخصٍ يتكلم بما أصابه تسخُّطًا أو شكايةً لمخلوقٍ وبين شخصٍ يخبر عمَّا أصابه فقط مجرَّد خبر، والأعمال بالنيات.
الثاني: حَبْس الجوارحِ عند المصيبة عن فعل ما لا يجوز وما يُنبئ عن الغضب؛ مثل شقِّ الجيوب، لطْم الخدود، نتف الشعور، وما أشبه ذلك، هذا أيضًا منافٍ للصبر، ولهذا تبرَّأ النبيُّ ﷺ من فاعله فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ، وَلَطَمَ الْخُدُودَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»[[أخرجه البخاري (١٢٩٤) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]].
الثالث: وهو حَبْس القلبِ عن كراهة ما قدَّر الله عز وجل، وهذا أَعْظمُها وأدَقُّها، قد يرى الإنسانُ الضعيفُ المخلوقُ المملوكُ المدبَّرُ، قد يرى أنَّ ربَّه ظَلَمه -والعياذ بالله- دون أن يتكلم ودون أن يفعل، لكن قلبه مملوءٌ على الله من السخط ورؤية أنَّ الله تعالى ظَلَمه أو ما أشبه ذلك، هذا يجب أيضًا أن يتخلَّى القلب عنه، وهذا أخطر ما يكون بالنسبة للصبر على الأقدار.
اتلُ قولَ الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾، ﴿حَرْفٍ﴾ يعني طرف، ما هي عبادة راسخة ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج ١١]، وهذا يشمل فتنةَ المصائب وفتنةَ الشبهات.
مِن الناس مَن يؤمن بالله واليوم الآخِر لكنَّه على طرف، إنْ أصابه خيرٌ ولا ناقشه أحدٌ ولا جادله أحدٌ ما شكَّ، وإنْ جاء أحدٌ يشكِّكه في هذا الأمر شكَّ فانقلبَ على وجهه، خَسِر الدنيا والآخرة.
مِن الناس أيضًا مَن يكون في نعمةٍ؛ قد أنعمَ الله عليه بالأموال والأولاد وما يحتاج إليه من الدنيا أو يُكملها، فأُصِيب بحادثٍ فقدَ أهلَه به كلَّهم.
مِن الناس مَن إذا كان يعبد الله على حرفٍ يسخط على الله، ويكره قضاءَ الله كراهةَ سخطٍ، ما هو بكراهة أنه يتمنَّى أنه لم يُصِبه، لا، يتسخَّط على ربِّه، وهذا من جهل الإنسان، أنت ملْكٌ لمن؟ ملْكٌ لله عز وجل، هذا الربُّ الكريمُ الذي إذا أصابك بسرَّاء فشكرتَ أثابك، وإنْ أصابك بضرَّاء فصبرتَ أثابك، كيف تسخط على هذا الربِّ الكريمِ وأنت ملْكه وعبْده يتصرَّف فيك بما شاء وله الحكمة فيما فعل! وظيفتُك الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء.
فالمهمُّ أنَّ الصبر الآن تبيَّن أنه كم؟ ثلاثة أقسام:
الأول أعلاها وأتَمُّها، وهو الصبر على طاعة الله.
الثاني: الصبر عن معصية الله.
والثالث: الصبر على أقدار الله.
وأفضلُها الأول ثم الثاني ثم الثالث.
يوسف عليه الصلاة والسلام أُصِيبَ ببلاءٍ في خُلُقه وبلاءٍ في جسده، صبر على هذا وهذا، دعتْه امرأةُ العزيز في مكانٍ مغلقٍ، وهي امرأة العزيز، عندها من الحلي والزينة وربما الجمال ما ليس عند غيرها، وهو فتاها أيضًا، ما هو أكبر منها شرفًا عندها، دعتْه إلى نفسها في مكانٍ خالٍ، وهمَّ أن يفعل؛ لأنَّ النفس البشرية قد يغيب عنها ملاحظةُ أمرِ الربوبية، فهمَّ بها، لكنْ هي السابقة؛ ﴿هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف ٢٤]، لكن بعد أن همَّ رأى برهانَ الله عز وجل، أراه الله البرهانَ؛ الآية، كأنَّها رؤيا عينٍ فامتنع، وقال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف ٣٣]، هذا صبرٌ عن أيش؟
* الطلبة: عن المعصية.
* الشيخ: عن المعصية، وصبرٌ عظيمٌ؛ فتًى شابٌّ مع سيدته الجميلة في مكانٍ لا يطَّلع عليه أحدٌ ومع هذا كفَّ عنها، وأُوذِيَ في جسده؛ حُبِس، سُجِن، لَبِث في السجن بضع سنين، ومع ذلك صَبَر، حتى إنَّ الملِك لَمَّا قال: ائتوني به، أبَى أن يخرج حتى تُسأل النسوةُ ماذا حصل ليتبيَّن أيش؟ براءتُه قبل أن يخرج، وهذا -لا شكَّ- صبرٌ عظيمٌ، لكن أيُّ الصبرينِ أعظم؟
* طالب: الأول.
* الشيخ: الأول؛ الصبرُ عن المعصية؛ لأن السجن حاصلٌ حاصلٌ صَبَر أو ما صَبَر، وليس باختياره.
قول الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام: ﴿فَاصْبِرْ﴾ [غافر ٧٧] يتضمَّن أيَّ الأقسام؟
* طلبة: كلها.
* الشيخ: كل الأقسام، ولهذا كان نبيُّنا ﷺ أصبرَ الناسِ في أحكام الله وأصبرَ الناسِ على أحكام الله.
وقوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [غافر ٧٧] هذه جملة مؤكدة بأنَّ وعد الله حق.
ويقول المؤلف رحمه الله تعالى: (﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بعذابهم ﴿حَقٌّ﴾ ). وهذا قصور من المؤلف رحمه الله، بل: إنَّ وعد الله بعذابهم ونَصْرك حقٌّ، بل لو قُلنا بأنَّه أعمُّ من ذلك أيضًا، لولا أنَّه في سياق المحاجَّة مع الكفار لَقُلنا: أنَّه أعمُّ؛ ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ في كل شيء؛ في عذاب هؤلاء، ونصرك، وفي الجنة، وفي كل شيء.
وقوله: ﴿حَقٌّ﴾ أي أمرٌ ثابتٌ واقِعٌ، فكلُّ ما وعد الله به فهو حقٌّ ثابتٌ واقعٌ لكمال صِدقه وكمال قدرته. لماذا قُلنا هذا؟ لأنَّ إخلافَ الوعدِ يأتي من أحد أمرين: إما كَذِب الواعد، وإما عَجْزه عن تنفيذ ما وَعَد به. والله عز وجل لا يُخلف الميعادَ لكمال صدقه وكمال قدرته.
﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر ٧٧].
﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ يقول المؤلف في إعرابها: (فيه (إن) الشرطية مدغمة، و(ما) زائدة تؤكِّد معنى الشرط أول الفعل، والنون تؤكِّد آخِره) إلى آخره.
﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ الفاء هذه عاطفة، و(إنْ) شرطية، و(ما) زائدة للتوكيد، وهي كزيادتها في قوله تعالى: ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء ١١٠] ﴿أَيًّا مَا﴾ (ما) زائدة، لو حُذفت وقيل: أيًّا تدعوا، استقام الكلام، لكنْ يؤتى بحروف الزيادة للتوكيد.
﴿إِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ لو حُذفت (ما) وقال: إنْ نُرينَّك، استقام ولَّا لا؟ استقام، لكنَّها تأتي (ما) للتوكيد.
﴿إِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ (نُرِي) فعل مضارع، لكنَّه بُنِي الفتح؛ على فتح آخِره وهو الياء لاتصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد، والكاف مفعولٌ به. التوكيد هنا في آخِر الكلام، و(ما) في أوله، فصار هذا الفعل الذي هو الإراءة مؤكَّدًا بمؤكِّدين، أليس كذلك؟ (ما) الزائدة في أوله، ونون التوكيد في آخره. والكاف هذه مفعولٌ أول، و﴿بَعْضَ﴾ مفعولٌ ثانٍ. و(نُري) هنا من باب (كسا) أو من باب (ظنَّ)؟
* طالب: من باب (كسا).
* الشيخ: من باب (كسا)؛ لأنَّ الرؤية هنا بصرية، لكن لَمَّا دخلتْ عليها همزة التعدية صارتْ ناصبةً مفعولين؛ تقول: (فلانٌ رأى النجمَ) كم نصبت؟
* الطلبة: واحدًا.
* الشيخ: واحدًا، طيب. (فلانٌ أَرَيتُه النجمَ)؟
* الطلبة: مفعولين.
* الشيخ: مفعولين؛ من أجْل دخول الهمزة على (رأى)، هذه مثْلها؛ لأنَّ (نُرِي) رباعي، أصلُها: أَرَى، يُرِي ونُرِي.
﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ يعني: فأنت تراه، ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ (به من العذاب في حياتك، جوابُ الشرط محذوفٌ؛ أي: فذاك). أين الشرط؟ (جوابُ الشرط).
* طالب: (إنْ).
* الشيخ: (إنْ) في قوله: ﴿إِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾؛ يعني: إنْ أريناك بعضَ الذي نَعِدُهم فقد رأيتَه بعينك، وأقرَّ الله عينَك به. وهذا هو المطلوب. ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ يعني: قبل أنْ نُرِينَّك، ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ وسنُرِيك بهم. هذا تهديدٌ عظيمٌ.
وقوله: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ هذه معطوفة على ﴿نُرِيَنَّكَ﴾، وهي قسيم قوله: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾؛ يعني: إمَّا أنْ ترى العذاب قبل موتك، وإمَّا أنْ نتوفَّاك ثم نعذِّبهم بعد الرجوع إلينا. وهذا أشدُّ؛ فإنَّ عذاب الآخرة أشدُّ وأبقى، ولهذا جاء في الحديث أنَّ الله سبحانه وتعالى إذا أحبَّ شخصًا عجَّل له بالعقوبة في الدنيا؛ عُوقِب في الدنيا بماله أو بَدَنه أو أهله أو مجتمعه، وإلَّا تَرَكه حتى يُوافي به يوم القيامة[[أخرج الترمذي (٢٣٩٦) عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أراد الله بعبده الخيرَ عجَّل له العقوبةَ في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشرَّ أمسكَ عنه بذنْبه حتى يوافي به يوم القيامة».]]، نسأل الله أنْ يقيَنا وإيَّاكم عذابَ الدنيا والآخرة ويرزقنا العافية.
﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ (فنعذِّبهم أشدَّ العذاب، فالجواب المذكور للمعطوف فقط). أين المعطوف؟
* طالب: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾.
* الشيخ: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ يعني: إذا توفَّيناك فإلينا يُرجعون.
* في هذه الآية الكريمة: وجوب الصبر؛ لأنَّ الله تعالى أَمَر به في قوله: ﴿فَاصْبِرْ﴾، ووجْه كَوْنه واجبًا لأنَّ الأصل في الأمر الوجوب.
وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون: هل الأصل في الأمر في كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ الوجوب، أو الأصل الندب؟
إن قُلنا: الأصل الوجوب، كان هذا المأمور به ملزَمًا به. وإذا قُلنا: الندبُ، صار الإنسان بالخيار؛ إنْ فَعَله فهو خيرٌ وإنْ تَرَكه فلا شيء عليه. عرفتم يا جماعة؟ وهذا محلُّ إشكالٍ في الواقع، عند التطبيق محلُّ إشكال، وعند (...) أيضًا فيه نظر. انتبهوا، وهذه مسألة من أصول الفقه نبحثها؛ لأننا -كما قلتُ لكم من قبل- لدينا ضيوف قد لا يمر بهم هذا البحث.
أقول: الأصوليون اختلفوا في الأمر هل هو للوجوب أو الندب، والمراد الأمر المطْلق المجرَّد عن القرينة، أمَّا ما دلَّت عليه القرينة فالأمر فيه واضح؛ إنْ دلَّت على الوجوب فهو واجب، وإنْ دلَّت على الاستحباب فهو المستحبٌّ، وإنْ دلَّت على الإباحة فهو مباح، وإنْ دلَّت على التهديد فهو للتهديد؛ ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت ٤٠] المعنى الإنسان يعمل ما شاء أو هذا تهديد؟
* الطلبة: تهديد.
* الشيخ: نعم، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف ٢٩].
لكن المراد هنا الأمر المجرَّد عن كل قرينةٍ هل هو للوجوب أو للاستحباب؟
من العلماء مَن قال: إنَّه للوجوب، ولهم أدلَّة.
ومنهم مَن قال: إنه للاستحباب، ولهم أدلَّة.
القائلون بالوجوب يستدلُّون بمثل قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور ٦٣]، قالوا: هذا يدلُّ على الوعيد فيمن خالف أمْر الله عز وجل، فيدلُّ إذَن على أنَّ الأمر للوجوب.
وقالوا أيضًا: إنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧ / ١٣٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وهذا أيضًا يدلُّ على الوجوب؛ لأنه قال: «ائتُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» ومثل هذا التعبير إنما يكون في الواجب «وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ»، ولأنَّه يَقْبح عادةً أن يقول السيد لعبده: افعل كذا، ثم يخالفه. فتكون مخالفة الأمر قبيحة، والقبيح منهيٌّ عنه مكروه.
أمَّا القائلون بأنَّ الأصل في الأمر الاستحباب فيقولون: إنَّ كَوْنه مأمورًا به يدلُّ على فِعله، والأصل براءة الذِّمَّة، فلا نُؤَثِّم الإنسانَ إذا ترك ما أُمِر به إلا بدليل؛ لأن الأصل براءة الذِّمَّة، ولأنَّنا وجدْنا مسائلَ كثيرةً وأدلَّةً كثيرة فيها الأمر أجمع العلماء على أنَّه للاستحباب، وهذا يوهن القولَ بأنَّ الأمر للوجوب.
توسَّط قومٌ فقالوا: إذا كان الأمر في عبادةٍ فهو للوجوب، وإذا كان في آداب فهو للاستحباب. وهذا أقربُ من الإطلاق بأنَّه للوجوب أو الإطلاق بأنَّه للاستحباب؛ يعني هذا التفصيل هو أقربُ ما يكون، ومع هذا فليس بمنضبط، بل قد تأتي أوامر في الآداب وهي واجبة.
فعلى كل حالٍ نقول: أقربُ ما يقال في هذه المسألة أنَّ الأصل في الأوامر في التعبُّد أيش؟ الوجوبُ؛ لأنَّنا خُلِقْنا للعبادة وأُمِرنا بها فنتعبَّد، والأصل في الأوامر في غير العبادة -كالآداب مثلًا- هذا للاستحباب. ومِثْل ذلك يقال في النهي هل هو للتحريم أو للكراهة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات وقوع وَعْد الله عز وجل، وأنَّه حقٌّ ولا بدَّ أن يقع؛ لقوله: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، وهذه جملة مؤكَّدة بأيش؟ الجملة هنا مؤكَّدة بـ(إِنَّ) تدلُّ على أنَّ وَعْد الله لا بدَّ أن يقع.
طيب، هل وعيده كذلك؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، حتى وعيده حقٌّ ولا بدَّ أن يقع، إلَّا أن يَمُنَّ الله عز وجل بالعفو، وإلَّا فالأصل أنَّ وعيده واقع. أفهمتم الآن؟ لا يقال كما قال بعض الناس: الوعيد ليس بواقع وليس بحقٍّ وأمَّا الوعد فهو حقٌّ. نقول: كلُّه حقٌّ، لكن الوعيد قد يعفو الله سبحانه وتعالى عنه، والعفو كرم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات كلام الله؛ أنَّ الله يتكلَّم. من أين تؤخذ؟
* طالب: من قوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾؛ لأنَّ الوعد يكون بالقول، ولا شكَّ أنَّ الله تعالى يتكلم، وأنَّه لا نفاد لكلماته؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف ١٠٩]، ﴿الْبَحْرُ﴾ اسم جنس يعمُّ كلَّ البحار. لَنَفِد البحر قبل أن تنفد كلماتُ الله، سبحان الله! لو كان حبرًا يُكتَب به البحارُ كلُّها لنفدتْ قبل أن تنفد كلمات الله؛ وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾ يعني: لو أنَّ الذي في الأرض من الشجر كان أقلامًا ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ يعني: وكُتِب بالأقلام بمداد البحر، ويش قال؟ ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان ٢٧]، وهذا يدلُّ على عظمة الربِّ عز وجل؛ لأنه مدبِّر الكون، وإذا أراد أمرًا فإنما يقول له: (كُنْ) فيكون، ولا منتهى لإرادة الله.
طيب، وهل قول الله عز وجل قولٌ مسموعٌ؛ يعني بصوت أو بلا صوت؟
* الطلبة: بصوت.
* الشيخ: بصوت؛ قول الله تعالى بصوت؛ لأنَّ الله تعالى قال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم ٥٢]، ولا نداء ومناجاة إلا بصوت.
وورد الصوتُ صريحًا فيما ثبت عن النبي ﷺ أنَّ الله تعالى يقول: «يَا آدَمُ» -يوم القيامة- «فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّار. قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟...»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٨)، ومسلم (٢٢٢ / ٣٧٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظ البخاري: «يقول الله: يا آدم، فيقول: لبَّيْك وسعدَيْك، فينادَى بصوتٍ: إنَّ الله يأمرك أن تُخرج من ذرِّيتك بعثًا إلى النار»، وفي رواية: «فينادِي» بكسر الدال.انظر فتح الباري لابن حجر (١٣ / ٤٦٠).]] إلى آخره، هذا صريحٌ بأنَّ الله يتكلم بصوت.
وهنا في هذه المسألة مذاهب، نذكر منها المذاهب المشهورة الثلاثة:
-أنَّه يتكلم بصوتٍ مسموعٍ وحرفٍ غير مخلوق؛ لأنه كلامه، وهذا مذهب السلف وأئمَّة الخلَف؛ أنَّ الله يتكلم بصوتٍ مسموعٍ، ويش بعد؟ وحرفٍ غير مخلوق، فكلامه عز وجل هو اللفظ والمعنى.
-والقول الثاني: أنَّ الله تعالى يتكلَّم بصوتٍ مسموعٍ وحرفٍ مخلوقٍ، والكلام كلامه، وهذا مذهب الجهمية الذين يقولون: إنَّ القرآن كلام الله لكنَّه مخلوق، لأن كلَّ كلام الله عندهم مخلوقٌ.
-والثالث: مَن يقولون: إنَّه لا يتكلم بصوتٍ ولا بحرفٍ مخلوق، إنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه، لكن يخلق شيئًا يعبِّر عن هذا الذي في نفسه، فيُسمع هذا المخلوق ويُضاف إلى الله عز وجل إضافةَ تكريمٍ وتشريفٍ، وهذا مذهب الأشاعرة الذين هم أهل الكلام، والذين يقولون: إنهم هم الذين دافعوا المعتزلةَ عن الباطل، وهم الذين انتصروا للإسلام. وهُم في الحقيقة لا للإسلام انتصروا ولا لحرب الإسلام كسروا، بل قد نقول: قولُهم في الكلام شرٌّ من قول الجهمية، كيف ذلك؟ لأنهم اتفقوا على أنَّ ما يُسمع من كلام الله مخلوقٌ وعلى أنَّ القرآن مخلوقٌ، لكن الجهمية يقولون: مخلوقٌ وهو كلام الله. وهؤلاء يقولون: مخلوقٌ وليس كلامَ الله بل هو عبارةٌ عنه. طيب، وين كلام الله؟ قالوا: المعنى القائم بنفسه.
والحقيقة أنَّ المعنى القائم بالنفس ليس كلامًا، وإنما هو عِلْمٌ؛ عَلِم بما سيخلق من كلام، فيقولون: هذا هو كلامه. والعجيب أنهم استدلُّوا بآية وشعر؛ نظْم:
أمَّا الآية فقالوا: إنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨]، فأثبت القولَ النفسيَّ.
أمَّا الشعر فقالوا: إنَّ الشاعر قال:
؎إِنَّ الْكَــلَامَ لَفِي الْفُـــــؤَادِ وَإِنَّمَا ∗∗∗ جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِدَلِيلَا
الفؤاد يعني القلب.
فنقول لهم: أمَّا الآية فلا دلالة فيها لكم، بل هي على رؤوسكم؛ لأنَّ الله تعالى لم يُطْلق القولَ، بل قيَّده فقال: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾، وهذا كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وحديث النفس لا يمكن أنْ يقال: إنه حديثٌ، ولا أنْ يقال: إنه قولٌ، إلَّا بقَيْد، ولهذا لو حُذِفتْ ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ وقيل: ويقولون لولا يعذِّبنا الله، فماذا يُفهم منه؟ كلام باللسان. لكنْ هم بأنفسهم يقدِّرون؛ يقول الواحد منهم: لولا يعذِّبنا الله بما نقول، إذَن ما نقوله حقٌّ؛ لأنَّ الله لم يعذِّبنا. هذا يقدِّره الإنسان في نفسه.
أمَّا الشعر: (إنَّ الكلامَ لَفِي الفؤاد ...) فهو قول الأخطل الشاعر النصراني، قاله بعد تغيُّر الألسُن، وعلى فرض أنَّه موافقٌ فإنَّه يجب أن يُحمل على أنَّ المعنى: إنَّ الكلام المعتبَر هو ما يقدَّر أولًا في الفؤاد ثم ينطِق به اللسان. ولهذا يُعتبر الكلام الذي يسبق على اللسان لا يُعتبر كلامًا ولا يُؤاخَذ به، فالكلام الحقيقي الرَّصين المعتبَر هو الذي يكون أولًا في القلب ثم يُعبَّر عنه باللسان، هذا معنى البيت الذي لا يحتمل غيره.
إذنْ نُبقي بعض الفوائد إن شاء الله إلى الدرس القادم.
* * *
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، التسخُّط القلبي من أشدِّ الأمور، يقول بعضهم: إنَّ هذا أمرٌ خارجٌ عن طاقتي، فأنا أَكره هذا، لكن أجده في نفسي، وأُدافعه ومع هذا أجده وأجده.
* الشيخ: هناك فرقٌ بين كراهة المقدور وكراهة التقدير؛ كراهة المقدور من طبيعة الإنسان، كلٌّ يَكره أن يُصاب بأذى، لكن كراهة التقدير هذا هو المراد؛ أنْ تَكره تقديرَ الله من حيث هو فِعْل الله، فيولِّد لك ذلك أنَّك ربما تُبغض الله عز وجل -أعوذ بالله- ربما تُبغض الله؛ تقول: ويش هذا الرب؟! كيف يقدِّر عليَّ هذا التقدير؟! أمَّا كراهة المقدور فلا بدَّ منها، كلُّ إنسانٍ يُصاب بما لا يلائم طَبْعه سوف يَكره هذا الشيء.
* الطالب: يا شيخ، الكراهة هذه تقع في القلب مع كراهة الإنسان ظاهرًا لها، ويُدافعها لكنْ يجدها في قلبه.
* الشيخ: لا ما أظن، لا تفكِّر إنسان مؤمن بيَكْره ما قدَّر الله من حيث هو تقديرٌ لله، أبدًا، لأنه ويش يكره؟ ما هو أنت مملوك لله؟! كيف تكره هذا الشيء؟! هل لستَ أنت تذبح بعيرك لتأكله؟! والبعير يكره هذا الشيء، لكنه ملكك، فالله عز وجل احذرْ أن تكره تقديره من حيث هو تقدير، أمَّا من حيث هو مقدور فهذا شيءٌ -كما قلت- شيءٌ لا بدَّ منه.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، هل ما أراه الله سبحانه وتعالى للنبي ﷺ من النصر في غزوة بدر وغيرها يُعتبر أنه أراه قبل وفاته؛ ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾؟
* الشيخ: إي نعم، أراه قبل وفاته أشياء كثيرة، لكن الله عز وجل سلَّى رسوله؛ قال: لا بدَّ أن يقع بهم ما وعدناهم.
* الطالب: أحسن الله إليكم، هل يصح أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى قبل أن يخلق العالم ما كان يتكلم لأنه لم يوجَد المخاطَب. هل يصح هذا؟
* الشيخ: لا يجوز أن نقول هكذا، نقول: إنَّ الله تعالى لم يَزَلْ ولا يزال متكلِّما. وهل يلزم أن يتكلم بمخاطبة مخلوق؟ لا، قد يتكلم بما يُثني به على نفسه؛ مثل أن يقول: أنا الله الواحد الأحد، وما أشبه ذلك؛ كما يقول عز وجل يوم القيامة: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر ١٦] ما يجيبه أحد، فيقول: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر ١٦].
* الطالب: طيب، هل يُتوقَّف، أو يقال: يتكلم بهذا؟
* الشيخ: ما نقول شيئًا. نقول: الكلام صفة كمالٍ، والله تعالى موصوفٌ بالكمال أزلًا وأبدًا .. الكلام صفة كمالٍ، وإذا كان كذلك فإنَّ الله لم يَزَل موصوفًا به، ولا يَلزم من هذا أن يكون هناك مخاطَب، وكذلك الأفعال؛ فالذين -مثلًا- أثاروا مسألة التسلسل وما أشبه ذلك هُم بعيدون عن النصوص في الواقع، وإلا لو علموا أنَّ الله تعالى لم يَزَل ولا يزال فعَّالًا وأنَّه لم يكن في وقتٍ من الأوقات معطَّلًا عن الفعل، ولا يَلزم من الفعلِ المفعولُ، أليس كذلك؟ حتى فينا لا يَلزم من فِعْلنا أن يكون هناك مفعول، قد يتحرَّك الإنسانُ ولا يُنتج شيئًا، لكن الفعل .. يُقال: لا يمكن أن يمرَّ على الله تعالى زمانٌ من الأزمنة وهو معطَّل عن الفعل؛ لأنه إمّا أن يقال: تعطُّله هذا عن عَجْز، أو: عن غير عَجْز، فإنْ قلنا: عن عَجْز فهذا بَلِيَّة، وإن قلنا: عن غير عجزٍ، نقول: ما الذي يمنعه. إذَنْ فالتسلسل ليس بممنوعٍ في الماضي، كما أنه ليس ممنوعًا في المستقبل، مع أني أنا أكره أن يتكلم الناسُ في هذا لأنه كلامٌ لا فائدة منه، ولم يكن السلف يقولون به، لكن جاؤونا أهلُ الكلام وأدخلونا في هذه المعمعة وصار ما كان.
* طالب: شيخ، ما هو الفرق بين العبارتين إذا أصاب الإنسان شيء مكروه يقول: قَدَّرَ الله وما شاء فَعَل، وبعضهم يقول: قَدَرُ الله وما شاء فَعَل؟
* الشيخ: يجوز هذا وهذا؛ (قَدَّرَ اللهُ) هذا فعل ماضٍ، و(قَدَرُ اللهِ) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هذا قَدَرُ اللهِ.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [غافر ٧٨ - ٨٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾.
﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [غافر ٧٧].
* من فوائد الآية الكريمة: أنَّ وعْد الله حقٌّ ثابتٌ لا بدَّ أن يقع، وهو كذلك، وقد صرَّح الله بذلك في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران ٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: تهديد هؤلاء المكذِّبين للرسول عليه الصلاة والسلام بأحد أمرين: إمَّا بعقوبةٍ عاجلةٍ قبل أن يُتوفَّى، وإمَّا بعقوبةٍ آجلةٍ في يوم القيامة؛ لقوله: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر ٧٧].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنَّ مَرجِع الأمور كلها إلى الله، وليستْ باختيار أحدٍ، فهو الذي يقدِّر ما شاء سواءٌ في الدنيا أو في الآخرة؛ لقوله: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾.
* ومنها: أنَّ عذاب العدوِّ يشفي غليل عدوِّه؛ لقوله: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾؛ فإنَّ الإنسان إذا رأى عذاب الله تعالى لعدوِّه فلا شك أنه يشفي غليله.
* ومن فوائدها: أنَّه لا بأس أن نفرح إذا أصاب الله عدوَّنا بمصيبة؛ لأنَّ الظاهر أن قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ لأجْل أن تقرَّ عينُه بذلك، فإذا أُصِيبَ أعداؤنا بخسْفٍ أو صواعق أو فيضانات أو ما أشبهَ ذلك وفَرِحْنا بهذا فلا لوم علينا؛ لأنهم أعداؤنا يفرحون بما يصيبنا، فالجزاء من جنس العمل.
* ومنها: إثبات رجوع الخلْق إلى الله؛ لقوله: ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾، وهذا عامٌّ في كل شيء؛ في الأحوال والأوقات وفي كل شيء، المرجع إلى الله وحده.
{"ayah":"فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۚ فَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











