الباحث القرآني
(﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ﴾ [غافر ٧٣] تبكيتًا ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ معه، وهي الأصنام) والاستفهام هنا لا شك أنه للتوبيخ والتنديم والتعجيز، كلها يتضمنها هذا الاستفهام، وهذا ألم قلبيٌّ؛ لأن الإنسان يندم أشد الندم إذا كانت هذه الأصنام التي كان يعبدها لتقرِّبَه إلى الله عز وجل كما يَدَّعِي ثم تضل عنها الآن ولا توجد، كما لو أمسكتَ عبدًا مثلًا وعذَّبْتَه وقلت: أين سيدك الذي تدعي أنه يحميك؟ أليس هذا يكون أشد ندمًا له؟ بلى، إذن فهؤلاء يُنَدَّمُون هذا التنديم، فيقال: ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: مع الله وهي الأصنام، وحينئذ يتحسَّرون حسرة ليس فوقها حسرة.
ولهذا يقولون إقرارًا إقرارَ المكره في الواقع: (﴿قَالُوا ضَلُّوا﴾ غابوا ﴿عَنَّا﴾ فلا نراهم).
إذن عرفوا أنها لن تنفعهم، وأنها غابت عنهم في أشد ما يحتاجون إليها فيه، بل قالوا: ﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾ سبحان الله! يعني: أنكروا أن يكونوا أشركوا، كما قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام ٢٣، ٢٤] فالحاصل أنهم يُنَدَّمُون هذا الندم العظيم ثم ينكرون.
يقول عز وجل: ﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾ ﴿نَدْعُو﴾ بمعنى نعبد؛ لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، وكلاهما متلازمان؛ فدعاء المسألة عبادة كما جاء في الحديث: «الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ» »[[ أخرج أبو داود (١٤٧٩) بسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: «الدُّعاءُ هو العِبادَةُ...» الحديث.]]، ودعاء العبادة أيضًا دعاء مسألة؛ لأنك لو سألتَ العابد: لماذا عبدْتَ الله؟ لقال: رجاءَ ثوابِهِ وخوف عقابه، فهو داعٍ بلسان الحال؛ ولذلك صار الدعاء بمعنى العبادة، والعبادة بمعنى الدعاء، وانظر إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠]، لكن دعاء المسألة دعاء صريح في السؤال يقول القائل: رب اغفر لي وارحمني إلى آخره، ودعاء العبادة دعاء باللازم؛ لأن الإنسان إنما يعبد الله خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه.
دعاء المسألة دعاء عبادة صريح أو باللازم؟ عبادة باللازم؛ لأن السائل متذلِّل للمسؤول فهو متعبِّد له.
قال: (﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾ أنكروا عبادتهم إياها ثم أُحْضِرَت فقال الله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء ٩٨] أي: وقودها) وتمام الآية: ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٨، ٩٩] فهؤلاء أنكروا، كذبوا على أنفسهم، ظنوا أن هذا سينفعهم كما لو أن الجاني في الدنيا أنكر جنايته ربما ينفعه ذلك، لكن في الآخرة لا ينفع، حتى إنهم إذا أنكروا خُتِمَ على أفواههم فتتكلم الأيدي والأرجل والجلود والألسُن بما تعمل، وحينئذ لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا.
* في هذه الآية أيضًا من الفوائد: أن هؤلاء المكذِّبين بالكتاب وبما أرسل الله به الرسل يعذبون عذابًا جسديًّا بالسلاسل والأغلال والسحب في النار، ويعذَّبون عذابًا قلبيًّا بالتوبيخ والتقريع والتنديم فيقال: ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [غافر ٧٣، ٧٤].
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات القول لله عز وجل، هل يمكن أن تُؤخَذ من الآية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الآية لا تدلُّ على هذا؛ لأن القائل لم يُبَيِّن ﴿قِيلَ لَهُمْ﴾، ولكنها في آيات أخرى تدلُّ على أن الله يقول لهم ذلك: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٦٢].
مَنِ الذي يُنادِيهم؟ الله؛ لأنه قال: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾، ويمكن أن يقال: إنهم ينادَون من قِبَل اللهِ وينادَوْن أيضًا مِنْ قِبَل الملائكة الذين وكَّلهم الله عز وجل، أو يقال: إن الملائكة تناديهم، ولكن مناداتهم أُضيفَت إلى الله؛ لأنَّه الآمر بها، كما أضاف الله الوفاةَ إليه مع أن الذي تتوفى الأنفسَ مباشرة هي الرُّسُلُ، ولكن نقول: هذه الاحتمالات لا نُورِدُها مع وجودِ الظاهر؛ لأنَّ الكلامَ يُحمَلُ على أي شيء؟ على ظاهره، حتى يقومَ دليلٌ على صَرْفِه عن الظاهر، فإذا كان اللهُ يقول: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٦٢] صريحٌ بأنَّ المنادي هو الله فيبقى على ما هو عليه، ويُحمَل ما كان مبنيًّا للمفعول على أن المنادي هو الله عز وجل.
* طالب: ﴿وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾ [غافر ٧١] ما فيه عائد، يا شيخ؟
* الشيخ: ما فيه عائد؟ ذكرنا العائد؛ قلنا: العائد محذوف، والتقدير: يُسْحَبون بها، حذف العائد يجوز، كُلُّ ما يُعْلَم فحذفُه جائزٌ.
* طالب: فسَّرتم الاستفهامَ أنَّه استفهامٌ تقريريٌّ.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾.
* الشيخ: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾، نعم.
* الطالب: ثم قلتم: من فوائدِه التَّعجُّب؟
* الشيخ: إي نعم؛ لقوله: ﴿أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾.
* الطالب: التعجب ليس فيه الاستفهام.
* الشيخ: لا، من ﴿أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾ استفهام.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (٧٤) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [غافر ٧٣ - ٧٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قوله: ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ مَنِ القائل؟
* طالب: القائل هو الله.
* الشيخ: القائل هو الله. ما هو الدَّليل من القرآن؟ ﴿فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [القصص ٦٢].
هل يحتمل معنى آخر أن القائل غيرُ الله أيضًا؟
* طالب: نعم، في نفس الآية، فيه احتمال؛ لأن الفاعل محذوف، لكن الآية الأخرى تثبت، ما تُبْقي احتمالًا.
* الشيخ: ويمكن أن تكون الملائكة أيضًا، يعني حذف المفعول..
* طالب: ويمكن أن يكون القائلون الملائكة، ونُسِبَ إلى الله تعالى؛ لأنه الآمر كما أن..
* الشيخ: الآية التي ذكرها الأخ صريحة، لكن ما في القرآن آية تدل على أن الملائكة تُوُبِّخهم أيضًا؟ إذا كان فيه فلا مانع، تكون هذه الآية بُنِيَت لما لم يُسَمَّ فاعله لهذا السبب، طيب.
ما المراد بهذا القيل؟ ما هو الغرض من هذا؟
* طالب: التوبيخ.
* الشيخ: التوبيخ والتنديم طيب. إذن يكون جُمِعَ لهم بين العذاب؟
* طالب: القلبي والحسي.
* الشيخ: القلبي والبدني؛ لأن تنديمَهم وتلويمهم لا شك أنه يؤثر عليهم.
قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ [غافر ٧٤] ﴿كَذَلِكَ﴾ الكاف حرف، لكنَّها اسم في الواقع، فهي مفعول مطلق، وتقديرُ الكلام: مثل ذلك الإضلال يضل الله الكافرين، فهي حرف صورة، لكنها بالمعنى اسم، هذا الاسم محله من الإعراب مفعول مطلق للفعل الآتي بعده.
وكما تعلمون أنَّ مثل هذا التعبير يأتي كثيرًا في القرآن، وإعرابه كما سمعتم أن الكاف حرف بمعنى مثل، وأن إعرابها مفعول مطلق للفعل الذي بعدها، والتقدير في كل سياق بحسبه، لكن في الآية التي معنا: مثل ذلك الإضلال يضل الله الكافرين.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ [غافر ٧٤] أي: يجعلهم في ضلال.
يقول المفسر: (﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل إضلال هؤلاء المكذبين ﴿يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ ).
قال: (ويقال لهم أيضًا ﴿ذَلِكُمْ﴾ العذاب ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ ) ﴿ذَلِكُمْ﴾: المشار إليه العذاب، والمخاطب: أولئك الكافرون، ولهذا جاءت الكاف بضمير الجماعة، وجاءت اسم الإشارة بالإشارة لمفردٍ مُذَكَّرٍ؛ لأن العذاب مفرد مذكر.
واعلم أن اسم الإشارة وكاف الخطاب تارة يتفقان وتارة يختلفان؛ فاسم الإشارة يكون بحسب المشار إليه، وكاف الخطاب بحسب المخاطب، فإذا قيل لك: أَشِرْ إلى مفرد مذكر مخاطبًا جماعة نساء، فكيف تقول؟
* طالب: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾.
* الشيخ: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف ٣٢].
أَشِرْ إلى مثنى مذكر مخاطبًا مثنى مؤنَّثًا.
* طالب: ذانكما.
* الشيخ: ذانكما، طيب.
أَشِرْ إلى مفردة مؤنثة مخاطبًا جماعة ذكورٍ؟
* طالب: تانكم.
* الشيخ: في القرآن ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا﴾ [الزخرف ٧٢]، المشار إليه مفرد مؤنث، والمخاطب جماعة ذكور.
المهم هذه القاعدة؛ اسم الإشارة بحسب المشار إليه، وكاف الخطاب بحسب المخاطب، قد يتَّفقان وقد يختلفان.
وقوله: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ﴾ الباء للسببية، و(ما) مصدرية، وعلامة (ما) المصدرية أن يصح تحويل ما بعدها إلى مصدر، فمثلًا قوله: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ﴾ إذا حوَّلْنَا ما بعدها إلى مصدر يكون التقدير: ذلكم بكونكم تفرحون في الأرض بغير الحق.
وقوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾ معلومٌ أنَّ كان هذه للماضي؛ أي: قبل الموت.
﴿تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ أي: تفرحون بالباطل، وذلك أنهم يفرحون بالشرك والكفر وكل من شاركهم في إثمهم فإنهم يفرحون به.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ قال المفسِّر: (مِنَ الإشراكِ وإنكارِ البعث)، وهذا في الواقع قصور إلا إذا كان يريد به التمثيل، وإلا فإن قوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ أعم من الشرك وإنكار البعث، فهم يفرحون في الأرض بغير الحق؛ من الشرك، وإنكار البعث، والعدوان، وتحليل الحرام، وتحريم الحلال، كالسائبة، والوصيلة، والحام، وما أشبه ذلك.
المهم أن قول المؤلف: (من الإشراك وإنكار البعث) هذا قصور ما لم يُرِدِ التمثيل، فإنْ أراد التَّمثيل فإن التمثيل لا يفيد الحصر.
(﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تتوسَّعون في الفرح) الواو حرف عطف، والباء للسببية، وهذا الجملة معطوفة على ما قبلها بإعادة العامل، ما هو العامل؟ الباء، والعطف بإعادة العامل يعني أن الثاني مستقل عن الأول، فهم يُعَذَّبُون بالأمرين جميعًا، يعذبون عذابًا خاصًّا بالفرح وعذابًا خاصًّا بالمرح، وبالباء للسببية، (﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تتوسَّعون في الفرح).
﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [غافر ٧٦] ﴿ادْخُلُوا﴾ فعل أمر، والآمر هم الملائكة، والأمر يراد به الإهانة، ليس أمر إكرام، ولكنه أمر إهانة، وإلزام؛ لأنه لا بد أن يدخلوا.
وقوله: ﴿أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ جمع، فكم عدد الأبواب؟ عدد أبواب جهنم سبعة، كما قال الله تعالى: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [الحجر ٤٤]، وجهنم اسم من أسماء النار، وسُمِّيَت بذلك لأنها ذات جُهْمَة إذا قلنا: إن جهنم اسم عربي زيدت به النون.
وإن قلنا: إنه اسم غير عربي، ولكنه عُرِّب فلا حاجة أن نقول: إنه مشتق من الجُهمة التي هي الظلمة والقعر، وأيًّا كان فهو اسم من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ هذه حال من الفاعل في قوله: ﴿ادْخُلُوا﴾، وهذا الخلود هل هو طول المكث أو هو التأبيد؟ نقول: اللغة العربية يأتي فيها الخلود مُرادًا به طولُ المكث، ويأتي مرادًا به التأبيد، والمراد به هنا الثاني؛ يعني أنهم خالدون فيها أبدًا، ودليل ذلك أن الله تعالى صرح في القرآن الكريم بأن أهل النار خالدين فيها أبدًا في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: قول الله تبارك تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩].
والآية الثانية: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥].
والآية الثالثة: قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
وبهذه الآيات الثلاث يتبيَّن ضعف بل بطلان قول مَنْ يقول: إن النار ليست مؤبدة وإنها تفنى، فإنَّ هذا القول منكر لأنه مخالف لصريح القرآن، ولا يمكن لإنسان يخالف صريح القرآن لمجرد تعليلاتٍ يعلِّلها مثل أن يقول: إن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وأن هؤلاء مآلهم إلى أن يفنوا هم والنار.
يقال: نعم، رحمة الله سبقت غضبه، لكن وعد الله حَقٌّ، أليس كذلك؟ وإذا كان وعد الله حقًّا فإنهم يخلَّدون فيها أبدًا.
وإذا قال قائل: التخليد الأبدي في هذا العذاب الأليم كيف يكون جزاء لإنسان لم يبق في الدنيا إلا مئة سنة أو ألف سنة؟
فيكون هنا العذاب أكثر من زمن العمل؛ لأنه ما فيه أحد بقي في الدنيا أبد الآبدين، فيقتضي هذا أن يكون فيه ظلم؛ لأنَّ الجزاء صار أكثر من العمل بكثير ولا يُنْسَب له، كما قلت لكم لنفرضْ أنَّ أحدًا من الناس عاش ألف سنة أو عشرة آلاف سنة، لكنه عاش إلى أمد، ثم نقول: عذابه مؤبد، يكون هذا ظلمًا؟
فيقال: إن هذا أمضى حياتَه الدنيا كُلَّها في مُحادَّة الله ورسُلَه فيمضي حياته الأخرى كلها في العذاب، وهذا عدل، ثم إن هذا الذي عُذِّب أبدًا قد قيل له في الدنيا، وبُيِّن له أن جزاءه العذابُ الأبديُّ، فلماذا يُقدِم على شيء يعرف أن هذا جزاؤه؟! وحينئذ لا ظلم ولا عذر للكافرين، فالمهم أن قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ يراد به الخلودُ الأبَدَيُّ ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [غافر ٧٦]، هذه الجملة جملة إنشائية يُراد بها الذم، ويقابل هذا في المدح ﴿نِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ ﴿فَبِئْسَ﴾ هنا فعل إنشائي يُراد به الذم، والمعنى أن هذه الدار دارٌ كلُّها ذمٌّ كلها بلاء، ولهذا وصفت بأنها ﴿بِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾.
* طالب: حديث: «نِيَّةُ الْكَافِرِ»[[لم نقف عليه بهذا اللفظ، وورد بلفظ «نِيَّة الفاجر شر من عمله» أخرجه القضاعي في مسنده (١٤٨) من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، وابن عبد البر في التمهيد (٢ / ٢٥٦) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.]]..
* الشيخ: أولًا: هذا ليس حديثًا صحيحًا عن الرسول.
وثانيًا: مرادُ قائلِه أنَّ الإنسانَ يدرك بنيته ما لا يدرك بعمله، هذا المعنى، فالإنسان المريض الذي يتمنى أنَّه صحيح يقوم بما أوجب الله عليه هذا أدرك بالنية ما لم يُدْرِكْ بالعمل، وكذلك أيضًا الإنسان إذا نوى الشر وهو عاجز عنه يُعاقَب معاقبة الفاعل، لكن بالنية، دليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في الرجل الفقير الذي ليس عنده مال، وكان هناك رجل آخر: لو أن لي مالَ فلانٍ لعملْتُ فيه عمل فلان فقال النبيُّ ﷺ: «فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ» »[[أخرج الترمذي (٢٣٢٥) وابن ماجه -واللفظ له- (٤٢٢٨) بسنديهما عن أبي كبشة الأنماري رضي الله أن النبي ﷺ قال: «مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالًا وعلمًا، فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علمًا، ولم يؤته مالًا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل»، قال رسول الله ﷺ: «فهما في الأجر سواء، ورجلٌ آتاه الله مالًا، ولم يؤْتِه علمًا، فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علمًا، ولا مالًا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا، عملت فيه مثل الذي يعمل»، قال رسول الله ﷺ: «فهُما في الوزر سواء».]].
* الطالب: شيخ، بارك الله فيكم، حصرْنا أبوابَ جهنَّم بسبعةٍ للآية مع أنه مر معنا في أسماء الله عز وجل «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا»، » وكذلك في أبواب الجنة الثمانية قلنا: إنه لا يدل على الحصر، ما وجه الحصر في هذه الآية؟
* الشيخ: هذا يسأل يقول: إنكم قلتم: إن العدد لا مفهوم له في قوله ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧ / ٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] قلتم: هذا العدد لا يدل على الحصر، وأن لله أسماء أخرى، فلماذا نقول بالحصر أو بإفادة العدد الحصر في أبواب جهنم وأبواب الجنة؟
الجواب أن نقول: أما الأول وهو قوله: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» » فإنما قلنا: إنها ليست للحصر بدليل، فما هو الدليل؟ حديث عبد الله بن مسعود حديث الغَمِّ قال: «أَسْاَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»[[أخرجه أحمد (٤٣١٨) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]] وإذا كان الله مستأثِرًا بعلم الغيب عنده فإنه لا يمكن للإنسان أن يدركه؛ لأن الله استأثر به، فمن ثَمَّ قلنا: إن العدد لا مفهوم له في قوله: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا»، وأن المعنى أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسمًا مَنْ أحصاها دخل الجنة.
* الطالب: قلنا: إن القول بأن النار ليست مؤبدة مخالف لصريح القرآن، فإن قال هذا القائل: إن هذا وعيد، وإخلاف الوعيد جائز؟
* الشيخ: نقول: هذا لا يمكن؛ لأننا لا نقول: إخلاف الوعيد جائز إلا في أمر ضروري لا بد منه مثل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ [النساء ٩٣] هذه بعض الأجوبة التي أُجيبَ عن هذه الآية بها؛ أن هذا وعيد وإخلاف الوعيد كرم وهو ثناء ومدح للمخلِف، لكن هذا الجواب في الواقع جواب يهز ليس جوابًا راسخًا؛ لأننا نقول: إن الله لا يخلف الميعاد؛ أي: ما وعد به من عقوبة أو كرامة، وأما الآية ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾ في آية القتل يُحْمل الخلود على المعنى الثاني وهو المُكثُ الطويل، وبهذا ليس هناك تناقض.
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ﴾ [غافر ٧٧ - ٨١].
* الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قول الله تبارك وتعالى في أهل النار يقال لهم: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [غافر ٧٦] ما هو المراد بهذا الأمر؟
* طالب: المراد به الأمر بدخول النار، أي: أمر الله به.
* الشيخ: إي، لكن ما المراد به؟
* الطالب: المراد به يوم القيامة، والإهانة.
* الشيخ: الإهانة؟! وقولُه تعالى في أهل الجنة: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾ [الحجر ٤٦] ما المراد بالأمر؟
* الطالب: (...).
الإكرام، طيب. نأخذ من هذا أن الكلمات يختلف معناها باختلاف السياق، وهذه فائدة عظيمة لطالب العلم أن الكلماتِ يختلف معناها باختلاف السياق، فكم كلمة كان لها معنى في سياق، ولها معنى آخر في سياق آخر.
هل أهل النار يخلدون فيها أبدًا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم أبدًا. عندك دليل في هذا؟
* الطالب: ورد في ثلاث آيات تدل على التأبيد.
* الشيخ: أحسنت، اتل علينا منها واحدة.
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥].
* الشيخ: أحسنت، هذه في سورة الأحزاب.
* الطالب: الثاني: ﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾.
* الشيخ: والثاني ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩] هذا في أي سورة؟
* الطالب: هذا في سورة النساء.
* الطالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
* الشيخ: في أي سورة هذه؟
* الطالب: الجنّ.
* الشيخ: في سورة الجن، أحسنت.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [غافر ٧٧] (اصبر): الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ [غافر ٧٤].
* يُستفادُ منها: أن الله تعالى يُضِلُّ الكافرَ لكفره، وجه الدَّلالة أن الحكم إذا عُلِّق على وصف كان ذلك الوصف علَّة له، فالذي عُلِّق على الكفر هنا الإضلالُ، إذن الكفرُ سببٌ للإضلال، ويؤيد هذا قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥].
يتفرَّع على ذلك أن الضالَّ إذا ضلَّ فإنه هو السبب في ضلاله؛ لأن الله تعالى لو عَلِم فيه خيرًا لأسمعه، ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، وهذه الآية تعني أن الله أعلم حيث تكون الرسالة في شخص معين، وكذلك حيث يكونُ أثرُ الرسالة في شخص معين، وأثر الرسالة الهداية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الردُّ على القدرية؛ ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾، وجه ذلك؟
* طالب: لأن هذا الضالَّ هو سبب الضلال لنفسه، فله إرادة تثبت هذا له.
* الشيخ: هم يقولون هكذا، القدرية يؤيدون ذلك أن للإنسان إرادة مستقلة.
* طالب: القدرية يقولون: إنَّ أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ولا علاقة لله بها.
* الطالب: لكن الآية تدل أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يضلهم.
* الشيخ: نعم، فيكون في ذلك رد على القدرية.
ينبغي بهذه المناسبة -وإن لم يكن الدرس درس عقيدة- أن نقول: إن الناس انقسموا في هذا الباب إلى طرفين ووسط، أي في أفعال العباد:
فمنهم من يقول: أفعال العباد مخلوقة لله، والعبد مجبور عليها، وليس له إرادة؛ لأن الله خالق كل شيء، وإذا كان الله هو الخالق فالإنسان ليس له تدبير.
ومنهم من قال بالعكس: إن الإنسان فاعل باختياره، وليس لله علاقة به، هذان طرفان.
ومنهم من قال: إن الإنسان فاعل باختياره، لكن فعله مقرون بمشيئة الله، وهذا هو الوسط.
واعلموا أن أسبابَ الضلال في مثل هذه الأمور أنَّ من الناس من ينظر إلى النصوص من زاوية واحدة؛ بمعنى أنه يأخذ نصًّا ويدع نصًّا، فالجبرية رَأَوْا عموم مشيئة الله وعموم خلق الله؛ وأن الإنسان فقير إلى الله وما أشبه ذلك، فقالوا: إذن الإنسان ليس له إرادة ولا اختيار، وفعله على وجه الإجبار.
والقدرية رَأَوْا أن الإنسان يفعل ولا يُحِسُّ أن أحدًا مكرِه له، والله تعالى قد أضاف الفعل إليه، فقال: ﴿أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [الحج ٤١] فهو مستقل بعمله، ليس لله فيه علاقة، فأخذوا من جانب وتركوا جانبًا آخر، وهكذا جميع خلاف العلماء، إذا رأيت العلماء مختلفين على طرفين ووسط، فاعلم أن الطرفين كل واحد منهما أخذ بجانب من الأدلة وترك جانبًا آخر.
ثم قال عز وجل: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [غافر ٧٥] إلى آخره.
* في هذه الآية الكريمة: إثبات الأسباب يؤخذ من قوله: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ﴾؛ لأن الباء هنا للسببية.
واعلم أيضًا أن الناس اختلفوا في الأسباب على ثلاثة أقوال: طرفان ووسط.
طرفٌ من الناس أثبتَ الأسبابَ وأنها فاعِلَة بنفسها؛ يعني أنه إذا وُجِد السبب لزم وجود المسبب ولا بد.
وطائفة أخرى أنكرت تأثيرَ الأسباب وقالوا: الأسباب لا تؤثر؛ لأنك لو جعلت هذا متأثِّرًا بسبب لأثبتَّ لله شريكًا في الإيجاد، وهذا شرك، إذن هنا طرفان:
طرف يثبت الأسباب، وأنها مؤثرة بنفسها بمعنى أنه متى وُجِدَ السبب لزم وجود المسبب فالسبب مُؤَثِّر بذاته.
وطائفة أخرى تقول: لا تأثير للأسباب؛ لأنك لو جعلت للأسباب تأثيرًا أشركتَ مع الله حيث جعلتَ موجدًا مع الله عز وجل.
الطائفة الثالثة: قالت الأسباب مؤثِّرة لا شك، لكن لا بنفسها لكن بما أودع الله فيها من القُوى التي صارت بها مُؤَثِّرة، هي بنفسها غير مؤثرة، لكن الله تعالى أودع فيها قوى تؤثِّر، ولو شاء الله تعالى لسلب تلك القوى فلم تُؤَثِّر، وهذا قول وسط، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الذي يوافق السَّمع والعقل.
أضرب لك مثلًا: رجلٌ رمى زجاجة بحجرٍ فانكسرت؛ مثبتو الأسباب يقولون: الذي كسرها الحجر بذاته.
ونافو الأسبابِ يقولون: الحجر لم يكسر الزجاجة، لكن انكسرت الزجاجة عِنْد رميها بالحجر، وليس بالحجر، وإنما الحجر أمارة فقط، أمارة حصل الشيء عندها، وكذلك بقية الأسباب.
والوسط يقولون: الحجر كسر الزجاجة فهو السبب بما جعل الله تعالى في الحجر مِنْ قوة، وبما جعل في الزجاجة من قابليَّة تقبل الانكسارَ، وهذا هو الحق.
ألقينا في النار ورقًا فاحترق؛ مثبتو الأسباب الذين يقولون: إن الأسباب تؤثر بنفسها يقولون: النار أحرقت الورقة ولا بد، ونافو الأسباب يقولون: إن النار لم تُحْرِقِ الورقة، ولكن احترقت الورقة عند إلقائها في النار لا بالنار، والوسط يقولون: احترقت الورقةُ بالنَّار بما جعل الله تعالى في النار من قوةِ الإحراق، وبما جعل في الورق من قابليَّةِ ذلك؛ ولهذا يوجد الآن مواد تضادُّ النار، تُلْقَى في النَّار ولا تحترق؛ لأنَّ هناك مانعًا يمنع من تأثير السبب، وهذا القول هو الراجح.
ألم تروا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أُلْقِيَ في النار العظيمة التي لم يستطع مُلْقُوه أن يقربوا منها حتى ألقوه في المنجنيق ورَمَوْه فيها رميًا، لم يحترق مع أن النَّار سبب للإحراق، لكن الله قال لها: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء ٦٩]، فكانت بردًا وسلامًا عليه.
قال العلماء: لو قال الله تعالى: كوني بردًا، ولم يقلْ: سلامًا لكانت بردًا مُهْلِكة، لكن الله قال: ﴿بَرْدًا وَسَلَامًا﴾، فكانت بردًا وسلامًا، وكأنه لم يكن في نار.
إذن نقول: الأصح من أقوال العلماء في تأثير الأسباب: أنها مؤثرة لا لذاتها، ولكن بما جعل الله تعالى فيها من القوى المؤثرة في المحلات القابلة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الفرح بغير الحقِّ سبب للعذاب والإضلال من أين يؤخذ؟ ﴿تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [غافر ٧٥].
* ومن فوائدها: أن الفرح بالحقِّ محمود؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ: «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ»[[أخرجه أحمد (١١٤)، والنسائي واللفظ له (٩١٨١) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]]، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨]، فالفرح بالحق محمود، والفرح بغير الحق مذموم، والفرح بما ليس حقًّا ولا باطلًا ليس محمودًا ولا مذمومًا؛ لأنه من اللغو، ولكن عباد الرحمن إذا مروا باللغو مروا كرامًا.
ثم اعلم أن الفرح يكون طبيعيًّا، الإنسان إذا أتاه ما يسرُّه لا بد أن يفرح، ينفعل بدون إرادة، ومعلوم أنَّ هذا لا يُؤاخَذُ به الإنسان إلا إذا كانت طبيعته منحرفة بحيث يفرح بالسوء دون الخير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأسباب تتوارد بمعنى أنه قد يَرِدُ على الشيء سببان؛ تؤخذ من قوله: ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ [غافر ٧٥]، والمرح أشد الفرح.
وهكذا الأسباب الشرعيَّة تتوارد بمعنى أنه قد يكون في الإنسانِ سببان؛ واحد منهما يوجِب الحكم، فإذا اجتمعا صار كل واحد يقوِّي الآخر؛ فإن اختلف موجِبُ السببان، فهل نقول: إننا نأخذ بأحدِ السببين دون الآخر، أو نأخذ بالسببين ونعمل بموجَبِهما؟ الثاني، ما لم يكن أحدُهما أقوى فيندرج به الأصغر.
إذا اجتمع سببان واختلف موجَبُهما أخذنا بموجب كل منهما ما لم يكن أحدهما أقوى فيؤخذ بالأقوى.
مثال ذلك: ابن عم هو زوج ماتت امرأتُه، هنا اجتمع في حقِّ هذا الزَّوجِ جهةُ فرضٍ وجهةُ تعصيبٍ، فهل يرث بالفرض أو بالتعصيب أو بهما؟ بهما، فنقول: هذا الزوج له النصف فرضًا، والباقي تعصيبًا، فهنا ورث بالفرض وبالتعصيب.
رجل مَلَكَ أَمَةً، ثم تزوَّجها، فهل يصح هذا الزواج ليملك بُضْعَها أو لا يصح؟
لا يصح؛ لأنَّ الملكَ أقوى؛ ولهذا لا يصح للسيد أن يعقد النكاح على أمته لكن يستمتع بها بملك اليمين.
المهم أنَّا أخذنا من الآية الكريمة: أنه قد يجتمع سببان؛ رجل بال وتغوَّط هنا سببان موجبان للوضوء، هل نأخذ بكل واحد منها؟ هنا لم يختلف الموجب؛ لأنَّ الموجب هو الوضوء فلا يختلف، لكن يَقْوَى الموجب بتعدُّد الموجب، لكن لما لم يختلف لا نقول: يأخذ بهما جميعًا؛ لأن لا فائدة من ذلك.
إذن إذا اجتمع موجبان، فإن اتَّحد موجبهما أخذنا بواحدٍ وكفى، وإن اختلف الموجَب أخذنا بهما، ما لم يكن أحدهما أقوى، فيُؤخذ بالأقوى ويُترَك الأضعف.
يقول: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [غافر ٧٦] * يستفاد منها: إهانة الكفار وهو عذاب قلبي؛ لأنَّ العذاب القلبي قد يكون أشد من العذاب البدني.
* من فوائد الآية الكريمة: أن لجهنم أبوابًا؛ لقوله: ﴿أَبْوَابَ﴾، وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [الحجر ٤٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: خلود أهل النار فيها؛ لقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾، والصواب الذي لا شك فيه أن الخلود مُؤَبَّدٌ بالآيات الثلاث التي سُقناها قبل قليل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثناء القدح على نار جهنم؛ لقوله: ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من التكبر؛ لقوله: ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ»[[أخرجه أبو داود (٤٠٩١) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]]، فالكبر -والعياذ بالله- سبب لدخول النار.
لكن قد يكون سببًا لدخولها مع الخلود، وقد يكون سببًا لدخولها للتطهير فقط، فإن كان هذا التكبر تكبرًا عن الحق وردًّا له فهذا سبب لدخول النار على التأبيد.
وإن كان التكبُّر دون ذلك؛ مثل أن يتكبر على الخلق مع القيام بحق الخالق، أو يتكبر عن بعض الأشياء، ولا أظن أحدًا يتكبر عن أمرٍ من أمر الله إلَّا وهو كافر كفرًا مطلقًا؛ لأنَّ إبليس تكبَّر عن شيء واحد وكفر وهو السجود، لكن مَنْ تكبَّر على الخلق دون الحق، فهذا لا يُخَلَّد في النار، يعاقَب بمثل ما فعل من ذنب.
وأحبُّ من طالب العلم أن يكون قويًّا في استنباط الأحكام من الأدلة؛ لأنَّ القادر على استنباط الأحكام من الأدلة يحصُل على علمٍ كثير من أدلَّةٍ قليلة، كم من إنسان يستنبط من آية واحدة عشرين فائدة، ويأتي إنسان آخر لا يستنبط إلا خمس فوائد مثلًا، الأول حصل على ثلاثة أضعاف ما حصل عليه الثاني، وذلك بالاستنباط.
ولكن هنا مسألة: لا تُفْرِط في الاستنباط؛ لأنك إن أفرطت فيه حمَّلْتَ النصوص ما لا تحتمل، فكن وسطًا، وإذا دار الأمر بين أن يكون الحكم مستنبطًا من آية أو حديث أو لا يكون، فما هي السلامة؟
إن قلْتَ: ألَّا يكون، قال لك الآخر: السلامة أن يكون، حتى لا نبطل دلالة النص.
لكن نقول: الأوَّل أرجح؛ لأنك إذا لم تتيقنْ أن الآيةَ دلت عليه وسكتَّ فقد سلمت، لأنك ما نفيت، انتبه، السكوت درجة بين النفي والإثبات، فأنت إذا سكتَّ لم تكن قلت على الله بغير حق، لكن إذا أثبتَّ في النص ما لا يدل عليه فقد قلت على الله بغير حق.
إذن فالسلامة فيما إذا شككت هل النص دلَّ على هذا أو لا فالسلامة أيش؟ أن تسكت، ولكن لا تنفي، فقد يكون دالا عليه في نفس الأمر ولكن فهمك لم يدركه.
* طالب: في الآية الأولى قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾، قلنا: إن ﴿ادْخُلُوا﴾ جاءت هنا بمعنى الإهانة، وفي الآية الأخرى للإكرام، هل في هذا رَدٌّ على من قال بالمجاز في القرآن، لأن نقول: لا مجاز، إنما الكلمة يُحْمَل معناها في كل سياق بحسب المعنى؟
* الشيخ: هذا يقول: إذا قلنا: ادخلوا تأتي للإهانة وتأتي للإكرام أفلا يكون فيها رَدٌّ على من قال: إن القرآن فيه مجاز؟ وذلك لأننا نقول: كل كلمة في موضعها فهي حقيقة فيه؟
الجواب: نعم، ربما يكون في ذلك دلالة على نفي المجاز؛ ولهذا كان الصواب ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا مجاز في اللغة ولا في القرآن، وأنتم تعرفون أن العلماء اختلفوا في هذا على أقوال:
فمنهم من قال: لا مجاز، لا في القرآن ولا غيره.
ومنهم من قال: لا مجاز في القرآن ويجوز في اللغة.
ومنهم من قال: المجاز في القرآن واللغة.
ومنهم من قال: كل الكلام مجاز، وأظن هذا رأي ابنُ جِنِّي أن جميع الكلام كله مجاز، حتى إذا قال: ضربت زيدًا، قال: هذا مجاز، قلت خيًرا، قال: خير هذا مجاز، وهكذا، لكن الراجح أن لا مجاز؛ وذلك لأن الذي يُعَيِّن معنى الكلمة هو السياق والقرائن.
ولهذا ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ القرينة تدلُّ على أن الأمر للإهانة، ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾ [الحجر ٤٦] القرينة تدل على أنه للإكرام.
* طالب: أحسن الله إليك، قلنا: الفرح بالحق ممدوح، فما ضابط الحق؟
* الشيخ: إذا فعل الإنسان خيرًا، هذا حق، فإذا فرح بذلك فهو حق، إذا فرح بالمطر فهذا حق، إذا فرح بأن الله أيَّده بشيء فهذا حق؛ ولهذا فرح ابن عباس رضي الله عنهما حين أفتى الرجل بالتمتع في الحج فرأى في منامه -أي: الرجل- أن رجلًا يقول له: عمرةٌ متقبَّلة وحج مبرور، فأخبر بذلك ابن عباس ففرح بهذا وقال: انتظر حتى نعطيك من العطاء أو كلمة نحوها.
* طالب: شيخ -بارك الله فيكم- فَرَحُ قارون الذي ذُمَّ عليه هل هو بالبغي، أو بالمال الذي أوتيه؟
* الشيخ: فَرحٌ بكلا الأمرين.
* الطالب: يعني: الفرح بالمال هذا ليس مذمومًا؟
* الشيخ: لا، قد يكون مذمومًا، وقد يكون ممدوحًا، إذا فَرِحَ بالمال ليستعين به على حقٍّ؛ يعني إنسان يريد أن يشتري كتبًا وليس عنده مال، فرزقه الله المال يفرح ليشتري الكتب، لكن إنسان يريد أن يشتري آلة لهو، وليس عنده مال، فرزقه الله مالًا، فاشترى به آلة لهو، فالفرح هنا مذموم.
* الطالب: فرح الإنسان هل يثاب عليه؟
* الشيخ: أي نعم؛ لأنه يدل على حُسْنِ نيَّةٍ وقصد، إذا فرح بالحق فإنه يثاب على ذلك؛ لأنه يدل على أنه مريد للحق.
* الطالب: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر ٧٥ - ٧٧].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انتهينا على الكلام عن الفوائد حتى قوله تعالى: ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾.
وذكرنا أن النار مثوى الكافرين، وأن الجنة مثوى المؤمنين، وأن ذلك هو المثوى الأخير، ونبهنا سابقًا على ما يطلِقُه بعض الناس الآن: إذا مات الميت قالوا: إنه انتقل إلى مثواه الأخير، وقلنا: إن هذا لو صدر عن عالم بما يقول، مريدًا لما يقول كان ذلك كفرًا، ذكرنا أن الإنسان الذي يُطْلِقُ هذا الكلام إذا كان عالمًا به مريدًا له كان هذا كفرًا؛ لأن مضمونه إنكار البعث؛ إذ إننا إذا جعلنا المثوى الأخير هو القبور فمقتضاه أن لا بعث، وهذه خطيرة وهي متلقاة من غير المسلمين، إما من ملاحدة لا يؤمنون بالبعث، وإما جهال لا يدرون ما يقولون، على كل حال يجب صرفُ النَّظَرِ عنها وألا يُعَبَّر بها، وأن يقال: انتقلَ إلى القبور، وسيُبعَث يوم القيامة أو لا يقال: سيُبْعَث، المهم ألا يكون دالًّا على أن هذا هو آخر مرحلة لبني آدم.
{"ayahs_start":73,"ayahs":["ثُمَّ قِیلَ لَهُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ","مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُوا۟ ضَلُّوا۟ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُوا۟ مِن قَبۡلُ شَیۡـࣰٔاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","ذَ ٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ","ٱدۡخُلُوۤا۟ أَبۡوَ ٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِینَ"],"ayah":"ذَ ٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











