الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ هذا كالأول جملة استئنافيةٌ تبيِّن كمال قدرة الله عز وجل، ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي: يجعل الحياة في الميت والموتَ في الحي، ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وحده أو مع غيره؟ وحده، لا أحد يحيي ويميت، ولهذا قال إبراهيم للذي حاجه في ربه، ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨]، فلا يمكن أن يحيي أحد ميتًا ولا أن يميت حيًّا. فإن قيل: أليس عيسى ابن مريم يحيي الموتى؟ قلنا: بلى، ولكن بإذن الله، بنفس الآية ﴿وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٤٩]. فإن قيل: أليس الرجل يقتل الآخر وهو حي فيموت؟ قلنا: بلى، لكن ما فعله هو سبب الموت وليس هو الإماتة، وكثيرًا ما تقطَعُ أوداج الإنسان ويشق بطنه، ثم يبقى حيًّا ويحيى، فالحاصل -يا جماعة- أن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل. (﴿فَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ أراد إيجاد شيء ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ) ﴿أَمْرًا﴾ هنا بمعنى شأنًا؛ أي: فهو واحد الأمور وليس واحد الأوامر، أي: إذا قضى شأنًا من الشؤون وقدَّره فإنه لا يعجزه أن يوجده. بماذا يوجده؟ بالكلمة؛ كُنْ فيكون ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ولهذا يوصف عيسى بأنه كلمة الله؛ أي: كان بكلمته، فالحاصل أنه إذا قضى أمرًا وقدَّره قال له: كنْ، فيكون. وهل المراد الموجودات أو المعدومات أو الكل؟ الكل، حتى لو أراد إعدام شيء قال له: كنْ، فينعدم، فقول المؤلف: (إيجاد شيء) لو زادها: (أو إعدامه) لكان خيرًا؛ لأنه إذا قضى أمرًا من إيجاد أو إعدام قال له: كنْ، فيكون. غيرُ الله عز وجل، لو أردت أن تهدم بيتًا تبقى أيامًا وأنت تهدمه، لكن الله إذا أراد أن يهدم هذا البيت أو القرية كلها بكاملها ماذا؟ يقول: كنْ، فيكون؛ تنهدم، تكون هباء. فإذن نقول: إذا قضى أمرًا بإيجاد شيء أو إعدامه فإنما يقول له: كنْ، فيكون، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر ٤٩]، كل شيء بقدر؛ الصغير والكبير، المتعلق بأفعاله وأفعال عباده، كل شيء خلقه فهو بقدر، ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾ [القمر ٥٠] ويتأخر المأمور؟ * طالب: لا. * الشيخ: أيش هو؟ ﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾، لمح البصر ليس شيء أسرع منه، واحد بدون تكرار، ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ الفاء للتعقيب. وقال تعالى في بعث الناس: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، سبحان الله ما أعظم قدرة الله! كلمة واحدة بها تكون الأشياء كلها كما أراد الله عز وجل، انتبهوا للنقطة الأخيرة: تكون كما أراد الله، وإن كان هذا المأمور لا يعلم به، لكن لا بد أن يكون كما أراد الله، لما قال القلم: «رَبِّ مَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه أبو داود (٤٧٠٠)، والترمذي (٢١٥٥) من حديث عبادة بن الصامت.]]، وماذا فعل؟ كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة مع أنه لا يعلم، لكن أُمِرَ فلا بد أن يمتثل. ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١] ما فيه إكراه، طوعٌ. إذن نقول: ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا﴾؛ أي: بإيجاد شيء أو إعدام شيء، ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُُنْ فَيَكُونُُ﴾ الفاء في قوله: ﴿فَإِنَّمَا﴾ رابطة لجواب (إذا)، وهي تدل على التعقيب. وقوله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ بدون تأخير؟ * طلبة: بدون تأخير. * الشيخ: بدون تأخير؛ لأن الفاء هذه للتعقيب. قال: (بضم النون وفتحها بتقدير أنَّ) إذن فيها قراءتان: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾، ﴿كُنْ فَيَكُونَ﴾ ؛ فعلى القراءة الأولى تكون الفاء للاستئناف، وعلى الثانية تكون الفاء فاء السببية التي ينتصب بعدها الفعل، وهي معروفة في علم النحو. قال: (بتقدير أنَّ؛ أي: يوجد عقب الإرادة التي هي معنى القول المذكور) اللهم اعف عن هذا المؤلف، يقول: (عقب الإرادة التي هي بمعنى القول المذكور) يريد أن ينفي بذلك القول؛ يعني أن قوله: ﴿إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ﴾ إنما يريد أن يقول؛ لأنه -عفا الله عنه- يريد أن ينفي قول الله عز وجل، فإن مذهبه مذهب الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام هو المعنى القائم بالنفس، وليس شيئًا يُسْمَع، وليس توجيهًا يُصَدَّر إلى الموجَّه إليه، مع أن الآية صريحة: ﴿إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ﴾ قولٌ صريحٌ مُصدَّرٌ، ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾. يكون معنى: ﴿يَقُولُ لَهُ﴾ -على كلامه- أي: يريد أن يكون فكان، ولا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، نسأل الله تعالى أن يعفو عمَّن حرفه بحسن نية، والمؤلف لا نعتقد فيه -إن شاء الله- إلا الخير، لكنه أخطأ في هذا، والصواب أنه يقول: قولًا مسموعًا يسمعه الموجَّه إليه، فيمتثل أمر الله عز وجل. * في هذه الآية الكريمة: بيان أن الله تعالى هو الذي يحيي ويميت، وهذا من تمام ربوبيته. * ومن فوائدها: أن الإحياء والإماتة ليست بصعبة عليه؛ لقوله: ﴿فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. * ومن فوائدها: الرد على منكري البعث الذين قالوا: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]. وجهه؟ أنه إذا قضى البعث ماذا يقول؟ كُنْ، فيكون، ولهذا قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾ [يس ٧٧ - ٨٠] إلى أن قال: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]. ولنأتي على بيان الأدلة الدالة على قُدرة الله عز وجل على إحياء الموتى في هذه الآيات، لقد ذكر الله تعالى ثمانية أوجه على قدرته على إحياء الموتى: الوجه الأول: قوله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. وجه الدلالة؟ * طالب: لأن الذي أحياها أول مرة هو الذي يستطيع أن يحييها مرة أخرى. * الشيخ: أحسنت، لأن الذي قدر على إنشائها أول مرة قادر على إعادتها؛ لأن الإعادة أهون ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]. الدليل الثاني: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾. وجه الدلالة؟ * طالب: يستلزم القدرة؛ يعني قادر على أن يحيي. * طالب آخر: الذي يخلق المخلوقات عالم بما خلق. * الشيخ: كيف يخلقها، يعني هو لا يخفى عليه الخلق، فإذا كان لا يخفى عليه الخلق فما الذي يعجزه؟ هو على كل شيء قدير. ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾. وجه دلالة هذه الجملة على قدرة الله على إحياء الموتى؟ * طالب: الله هو الذي خقلنا، فلا يعجزه أن يجعل من الشجر الأخضر نارًا. * الشيخ: لا، الذي جعل من الشجر الأخضر نارًا قادر على أن يعيدنا. وجه الدلالة؟ * الطالب: الله عز وجل خلق الشجر أصله وهو أخضر، فلما حوَّله من الخضار إلى نار.. * الشيخ: صار حطبًا يوقد. * الطالب: نعم. * الشيخ: لا، غلط. * طالب: لما كان أول خلقه للشجر كان حيًّا، فلما مات الشجر أحياه مرة أخرى بأن يستفيد منه. * الشيخ: هذا كلامه. * طالب: ما دام سبحانه وتعالى صير الشجر الأخضر وهو ضد النار -أي: لا يشتعل- هو قادر على أن يُحْيِيَ. * الشيخ: إي، فيه شجر معروف في الحجاز إذا ضربته بالقدح هكذا اشتعل نارًا، فخرجت النار من ضدها، فالذي أخرج الضد من ضده قادر على أن يحييَ الموتى، الشجر الأخضر فيه الرطوبة والبرودة، والنار فيها اليبوسة والحرارة، فيخرِجُ هذه المادة الحارة اليابسة من مادة رطبةٍ باردةٍ، وهذا من تمام القدرة. وقوله: ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ هذا للتأكيد؛ تأكيد أنه خرج هذا وأوقدتموه. ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى﴾ [يس ٨١]. وجه الدلالة؟ * طالب: أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إعادة إحياء.. * الشيخ: يقدر على إعادة إحياء أو على إحياء الموتى؟ * الطالب: إحياء الموتى. * الشيخ: طيب، وجه الدلالة؟ * الطالب: كذلك كما أنه خلق السماوات والأرض على عظمتهما، فخلق الإنسان من باب أولى، أو إعادته. * الشيخ: أحسنت، لأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، فالقادر على الأكبر قادر على ما دونه. ﴿وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾. * طالب: (...). * الشيخ: طيب، فإذا كان الخلاق العليم فهو قادر على أن يخلق كل شيء، ومنه إعادة الموتى، هذا دليل خامس. ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]. وجه الدلالة؟ * طالب: أن ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق الشرط فتعم كل شيء. * الشيخ: نعم، فتعم كل شيء حتى إحياء الموتى. ﴿أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ لا يحتاج إلى أعوان ولا تردد. ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يس ٨٣]. هذه الجملة وجه الدلالة منها؟ * طالب: ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ نكرة في سياق النفي، فبيده ملكوت. * الشيخ: ما هي نفي. * الطالب: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من عموم (كل)، فإنه إذا كان مالكًا لكل شيء فالبعث يدخل ضمن العموم. * طالب آخر: وجه آخر: ﴿فَسُبْحَانَ﴾ تنزيه الله عن النقائص، ومنها العجز عن الإحياء. * الشيخ: طيب، هذان وجهان. * طالب: وجه ثالث: أن كون الله تعالى مالك كل شيء فهو خالق كل شيء، فخالق الشيء مالك له. * الشيخ: العموم. ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ هذا الثامن. * طالب: فيه وجه الدلالة أنهم يرمون أنهم يموتون وينتهون كما يرون (...)، فالله سبحانه تعالى أثبت أنهم سيرجعون إليه، ولا يرجعون إلا بإعادة، الإحياء. * الشيخ: نبغي أوضح من هذا. * طالب: لأنه لا يمكن أن يرجع إلا إذا (...). * الشيخ: طيب، وغير هذا، اختلف اللفظ. * طالب: يرجعهم الذي خلقهم. * الشيخ: كيف يرجعهم الذي خلقهم؟ * الطالب: القادر على إرجاعهم قادر على إحيائهم. * الشيخ: القادر على إرجاعهم، ما يصح، ما يستقيم، نقول: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ لولا هذا الرجوع لكان الخلق عبثًا، فكوننا لا بد أن نرجع إلى الله إذن لا بد من إحياء، وإلا لكانت الحياة كلها عبثًا. فانظر إلى تقرير الله عز وجل الإحياء بعد الموت؛ لأنه ينبني عليه العمل، لو أن أحدًا لا يؤمن بيوم الحساب لم يعمل، يعمل لأي شيء؟ ما دام ليس فيه إلا الحياة الدنيا نموت ونحيا فلأي شيء نعمل؟! إذن الإنسان يعمل للدنيا؛ ينهب ويسرق ويزني ويشرب الخمر، ويعمل كل شيء؛ لأنه ليس وراء هذه الدنيا شيء، فلا يمكن أن نستقيم إلا بالإيمان باليوم الآخر، ولهذا تجدون الله عز وجل يقرن الإيمان باليوم الآخر بالإيمان به في مواضع كثيرة، ربما لو أحصيناها لوجدناها أكثر من الإيمان به وبرسله؛ لأن الإيمان باليوم الآخر عليه أساس العمل، ونحن لولا أننا نعتقد ونؤمن بأن أعمالنا أمامنا يوم القيامة ما حرصنا على العمل الصالح؛ لأنه يذهب هباء، فلهذا الإيمان باليوم الآخر من أعظم الباعث على الاستقامة، أما من لا يؤمن بالله -والعياذ بالله- ولا بالبعث فهذا سيكون عمله كله هباء. طيب، وقفنا على قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ﴾. * طالب: هل الله سبحانه وتعالى يقول للشيء: كنْ، يعني هذه الكلمة (...)؟ * الشيخ: هل هذه من الأمور الغيبية أو الأمور الحسية؟ * الطالب: الغيبية. * الشيخ: طيب من الأمور السمعية أو العقلية؟ * الطالب: السمعية. * الشيخ: إذن نقف على ما جاء به السمع ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾، الله أعلم. * طالب: شيخ، بالسنة لبعض الذين يعتقدون في المشايخ وكذا، يقولون: إن الشيخ ينفع ويضر ولكن بإذن الله تعالى، نريد ردًّا حاسمًا عليهم؛ لأنه تشكل هذه المسألة، يقولون: هم ينفعون ويضرون لكن بإذن الله وبإرادة الله؟ * الشيخ: نقول: أين الدليل على أن الله أذن لهم؟ * الطالب: يقولون: الدليل الحس. * الشيخ: ما هو الحس؟ * الطالب: كثرة حصول هذا الشيء. * الشيخ: طيب كثرة حصول هذا الشيء؛ إما أن يكون شيئًا يدركه كل إنسان، فلا ميزة للمشايخ، مثل الدعاء؛ يدعو فيستجيب الله، وإما أن يكون شيئًا لا يدركه الإنسان، فهو من الشياطين، الشياطين تخدم هؤلاء الشيوخ؛ لأنهم يضلون عن سبيل الله، والشيطان لا يريد منا إلَّا أن يوقع بيننا العداوة والبغضاء ويصدنا عن ذكر الله، فنقول هذا، وإلا لا شك أنهم يغرون العوام، يقولون: تعالَ، تبغي أخلي حمارك حصانًا، ثم يدعو الله عز وجل ظاهرًا، والشيطان يحول هذا الحمار إلى حصان بالرؤية، وإلا حقيقة اللي يروح شوي لصار الحصان حمارًا، يعني نوع من السحر ونوع من التمويه، وهم يأكلون أموال الناس بالباطل. أنا سمعت من بعض الجهات في أفريقيا، المشايخ يقولون: إنه قد رُفِعَ عنا التكليف، ما حاجة نصوم ولا نصلي ولا نزكي ولا شيء، ورُفِعَ عنا كل المحرمات، ولهذا يكون الواحد منهم مثل التيس يتزوج خمسين امرأة أو أكثر بعقد نكاح أيش؟ * طالب: باطل. * الشيخ: لا، شرعي عنده، هو ولي مرفوع عنه التكاليف، ويقول: هذه التكاليف ما هي إلا وسائل حتى تصل إلى الغاية؛ إذا وصلت للغاية خلاص بطلت التكاليف، كالرجل يتأهب للسفر ويركب السيارة، أو يأخذ عصا الجمل، فإذا وصل إلى البلد رماها، نسأل الله العافية، والشياطين تخدمه. حتى ذكر شيخ الإسلام أن بعض الناس يقول: إني رأيتك أنت في عرفة -أنت يا ابن تيمية- وهو في الشام ما حج، قال: هذا الشيطان يتمثل بي، ويقول: أنا ابن تيمية، ويقول: اللي يبغي ويقول: هذا حلال، وهذا حرام، إي نعم. * طالب: الخلاق من أسماء الله. * الشيخ: إي نعم. * الطالب: والخالق؟ * الشيخ: والخالق من أسماء الله، مثل: الغفور، وغافر الذنب، والغفار. * الطالب: (...) من يقول: سبحان من أمره بين الكاف والنون؟ * الشيخ: ما هو بصحيح هذا، من أمره بعد الكاف والنون، (كنْ)، هو يكون بعد الكاف والنون ولا بينهن؟ بعد الكاف والنون؛ يعني أمرٌ هنا بمعنى مأمور، فإن كان الأمر الذي هو فعله -يعني أمره- فهو قبل الكاف والنون، وإن كان الأمر الذي هو مأموره فهو بعد الكاف والنون. * الطالب: جائز؟ * الشيخ: لا، ما هو جائز، جائز وهو ما هو بصحيح؟ * الطالب: بعد؟ * الشيخ: إي، بعد، أو تقول: أما أمره بالكاف والنون، أو لا تقول هذه كلها.. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (٧٤) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [غافر ٦٩ - ٧٧]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، نبتدئ دراستنا في حلقات الصيف لهذا العام ١٤١٦، في هذا اليوم السبت العاشر من شهر صفر من هذا العام، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح. وإني أقول لكم: إن العلم يحتاج إلى مكابدة وإلى مصابرة وإلى دأبٍ، وكلما عوَّد الإنسان نفسه على ذلك اعتاده وصار أمرًا سهلًا عليه، أما إذا ركن إلى الكسل والدعة والسكون فإنه يصعب عليه جدًّا أن يكون مجتهدًا؛ لأن النفس وما تعودت، والإنسان في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله في إعداد العدة؛ لأن الله تعالى جعل الجهاد في سبيل الله والعلم عديلين، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾؛ يعني: لا يمكن أن يخرجوا جميعًا في الجهاد، ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾؛ يعني: وقعدت طائفة، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة ١٢٢] ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ الفاعل هم الفرقة الباقية، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. بل قال بعض العلماء: إن طلب العلم أوكد من الجهاد في سبيل الله؛ لأن طلب العلم ينبني عليه الجهاد، والعلم لا ينبني على الجهاد، بل إن المجاهد لا يمكن أن يجاهد على الوجه الصحيح إلا بطلب العلم، فلهذا كان أوكد. إذن فبقاء الإنسان يُطالع ويراجع ويذاكر ويحفظ في العلم الشرعي هو كالمجاهد في سبيل الله سواء بسواء. ولو سئلنا: أيهما أفضل الجهاد في سبيل الله أو طلب العلم؟ قلنا: لا يمكن أن نفضِّل أحدهما على الآخر على الإطلاق، فمن الناس من نقول له: طلب العلم في حقك أفضل. ومن الناس من نقول: الجهاد في حقك أفضل، ولهذا تجدون أجوبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التفاضل بين الأعمال أنه يخاطب كل إنسان بما تقتضيه حاله. وبهذا ينفك الإشكال الذي يرد على النفس، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث: أفضل الأعمال كذا وكذا، وفي بعضها: أفضل الأعمال كذا وكذا، فيقال: إن هذا الاختلاف هو على حسب حال المخاطَب. نقول: بعض الناس طلب العلم أفضل في حقه، وبعض الناس الجهاد في حقه أفضل، فمن كان وعاءً للعلم حفاظًا فاهمًا مُكابدًا للعلم، فهذا طلب العلم في حقه أفضل؛ لأنه ينتج أكثر. في التفاضل بين الأعمال أنه يُخاطَب كلَّ إنسان بما تقتضيه حاله، وبهذا ينفكُّ الإشكال الذي يَرِدُ على النفس حيث يقول الرسول ﷺ في بعض الأحاديث: (أفضل الأعمال كذا وكذا)، وفي بعضها: (أفضل الأعمال كذا وكذا)، فيقال: إن هذا الاختلاف هو على حسب حال المخاطب. نقول: بعض الناس طلب العلم أفضل في حقه، وبعض الناس الجهاد في حقه أفضل؛ فمن كان وعاء للعلم حفَّاظًا فاهمًا مكابدًا للعلم فهذا طلب العلم في حقه أفضل؛ لأنه يُنتِج أكثرَ وينفع المسلمين أكثر. ومن كان على غيرِ هذه الحال، قليل الحفظ قليل الفهم، ولكنه شجاع قوي بطل فهنا الجهاد في حقه أفضل، ولكلٍّ درجات مما عملوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب