الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى مبينًا نعمته على عباده: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [غافر ٦١] الله: مبتدأ، والذي: خبره، وجعل بمعنى: صَيَّر، ونصبت مفعولين، الأول: الليل، والثاني: لكم، والجعل هنا جَعْل قَدَرِي وليس جَعْلًا شرعيًّا، ﴿جَعَلَ لَكُمُ﴾ اللام هنا هل هي للتعدية أو للتعدية مع التعليل؟ الجواب: الثاني.
وقوله: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ اللام للتعليل، والسكون ضد الحركة وضد العمل، وهو شامل لسكون الجوارح وسكون القلب وسكون النفس، ولهذا يجد الإنسان إذا تَعِب ثم نام يجد أن نشاطه يستجد ويزداد، وقوله: ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ يعني: وجعل النهار مبصرًا، هذه معطوفة على الليل؛ أي: جعل النهار مبصرًا، وإسناد الإبصار إلى النهار؛ لأنه موضعه؛ أي: موضع إبصار الناس، ولهذا قال المفسر: (إسناد الإبصار إليه مجازي؛ لأنه يُبْصَر فيه)، فهو زمن الإبصار، النهار محل عمل وبصر.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ [غافر ٦١]، أكد الله تبارك وتعالى كونه ذا فضل على الناس بـ(إن) و(اللام)، و(ذو) بمعنى صاحب.
﴿لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ فضل: بمعنى إفضال، فالله سبحانه وتعالى هو المتفضل على العباد، ومنه –أي: من فضله- جعل الليل سكنًا والنهار مبصرًا.
وقوله: ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ عامة، تشمل المؤمن والكافر، وهذا هو الواقع؛ لأن الليل سكن للمؤمنين والكافرين، والنهار مُبْصِر للمؤمنين والكافرين.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر ٦١] يعني مع كون الله ذا فضل على الناس أكثرهم لا يشكر، والعياذ بالله، أكثرهم كافر، ولهذه الآية نظائر منها قوله تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف ١٠٣].
وجاءت السنة بمثل ذلك، حيث أخبر النبي ﷺ «أَنَّ اللَّهَ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ أَخْرِجْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ كُلُّهُمْ فِي النَّارِ»[[أخرج البخاري (٤٧٤١) عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي ﷺ: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف -أُراه قال- تسع مئة وتسعة وتسعين».]]، من الألف واحد ينجو.
والشكر: هو الاعتراف للمنعم بالنعمة بالقلب واللسان والجوارح، قال الشاعر:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَ
يعني: أنكم ملكتم مني ثلاثة بسبب نعمائكم: يدي ولساني والضمير المحجب.
أما الشكر بالقلب فهو أن تعترف بقلبك أن كل نعمة بك فإنها من الله كما قال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ٥٣]، وأفضل النعم نعم الدين، ثم العقل، ثم يتلوه النعم شيئًا فشيئًا بحسب حاجتها والضرورة إليها.
وأما بالجوراح؛ اليد أو الرجل أو السمع والبصر، فاستعمال هذه في طاعة الله، شكر الجوارح أن تستعملها في طاعة الله.
اللسان كذلك، شكر الله باللسان أن تعترف بلسانك بأن ما بك من نعمة فمن الله، وأن تحدث بنعمته عليك، لا فخرًا واختيالًا ولكن افتقارًا إلى الله عز وجل، واعترافًا بفضله سبحانه وتعالى لقوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١] ثم تستعمل هذا اللسان في طاعة المنعم، إذن صار الشكر في الحقيقة هو الدين كله القلب واللسان والجوارح.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر ٦١] ثم إن الشكر يتبعَّض، قد يشكر الإنسان ربه على نعمة من النعم دون النعم الأخرى، قد يُنعم الله عليه بالمال فيشكر، وينفق في سبيل الله، وينعم الله بالعلم (...)، وقد ينعم الله عليه بالعلم فينشر العلم، وبالمال فيبخل، فالشكر يتنوع كما أن الكفر يتنوع ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾.
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر ٦٢] هذه الجملة نريد أن نعربها، أولًا (ذا): لا شك أنها مبتدأ، واللام للبعد، و(الكاف) للخطاب، و(الميم) للجمع، (الله): هل نقول: إنها بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة أو أنها خبر؟ الظاهر الأول، (ربكم): خبر المبتدأ، و(خالق كل شيء): خبر آخر؛ لأن الخبر يتعدد، إذ إن الخبر وصف للمخبر عنه، وإذا كان وصفًا له فالأوصاف يجوز أن تتعدد، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٤ - ١٦] كم خبرًا عندنا؟ الغفور، الودود، ذو العرش، المجيد، فعال، خمسة أخبار، الخبر يتعدد؛ لأن الخبر وصف للمخبر عنه، فإذا قلت: زيد قائم، فمعناه أن وصفه القيام، والأوصاف يجوز أن تتعدد على موصوف واحد، إذن نقول: (خالق كل شيء) خبر ثانٍ.
﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر ٦٢] لا يشذ عن هذه الجملة شيء أبدًا، كلية عامة، خالق كل شيء من الأعيان والأوصاف والأحوال، كل شيء فالله خالقه، العبد مخلوق، أحوال العبد من مرض وصحة وعقل وجنون وما أشبه ذلك مخلوقة، أفعاله مخلوقة، كل شيء، فإنه مخلوق لله عز وجل لا يشذ عن هذه الجملة شيء أبدًا، حتى العجز والكيس وهو من الأوصاف، العجز يعني أن الإنسان يكون غير حازم، والكيس يكون حازمًا.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [غافر ٦٢] لما بَيَّن أنه خالق كل شيء وأنه لا خالق معه بناء على هذه الجملة الكلية، بين أنه لا إله إلا هو؛ أي: لا معبود حق إلا لله عز وجل، فكما أنه منفرد بالخلق فيجب أن يفرد بالعبادة.
(إله) بمعنى مألوه، وفعال تأتي بمعنى مفعول في اللغة العربية كثيرًا، ومنه: غراس، بناء، فراش، كتاب، لباس، وعُدَّ.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، إذا قال قائل: كيف تصح هذه الجملة مع قوله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الإسراء ٢٢]، وقوله: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ﴾ [هود ١٠١]، فأثبت آلهة دون الله؟
الجواب: تصح هذه العبارة إذا عرفنا الخبر المقدر، ما الخبر المقدر: حَقٌّ، لا إله حق إلا الله، نعم، دليل هذا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج ٦٢].
﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [غافر ٦٢] الاستفهام هنا للتعجب والإنكار، ﴿أَنَّى﴾ يعني: كيف، ﴿تُؤْفَكُونَ﴾ تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان.
ثم قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ﴾ [غافر ٦٣] هذا التركيب يأتي كثيرًا في القرآن الكريم، وقد مر علينا كيف نعربه، فقلنا: إن (الكاف) اسم بمعنى مثل، وهو مفعول مطلق للعامل بعده، أي: مثل ذلك الإفك يؤفك، والإفك بمعنى الصرف.
﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثل ذلك الإفك، وهو الإشراك بالله وعدم شكر النعم ﴿يُؤْفَكُ﴾ أي: مثل إفك هؤلاء إفك ﴿الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [غافر ٦٣]، وقوله: (الذين) إعرابها على أنها نائب فاعل.
﴿الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أي: كانوا ينكرون بآيات الله؛ أي: يكفرون، والجحد هنا بمعنى الكفر، بدليل أنه تعدى بالباء.
وقول المؤلف: (﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ معجزاته) هذا لا شك أنه خطأ، بل نقول آيات الله: دلالاته التي تدل على كماله عز وجل واستحقاقه للعبودية، فهي آيات وليست معجزات، ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: بالدلالات التي تدل على كماله وعلى استحقاقه بالعبودية وحده؛ وآيات الله سبحانه وتعالى نوعان:
كونية وشرعية، فالمخلوقات كلها كونية، آيات تدل على كماله:
؎وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ∗∗∗ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
فكل ما في الكون فإنه شاهد بكمال الله عز وجل وقدرته وعزته وسلطانه وغير ذلك، المهم أن جميع المخلوقات آيات كونية تدل على خالقها، وعلى حكمته ورحمته وغير ذلك من كمال صفاته.
وآيات شرعية: وهي ما جاءت به الرسل من أحكام عادلة وأخبار صادقة وقصص نافعة، هذه آيات شرعية، التكليفات والأوامر والنواهي كلها عادلة، الأخبار كلها صادقة، ما فيها شيء كذب، القصص كلها نافعة: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ [يوسف ٣].
﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [غافر ٦٣].
* في هذه الآيات فوائد: قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [غافر ٦١].
أولًا: كمال قدرة الله عز وجل بإيجاد الليل والنهار، فإن هذا من عظيم قدرته جل وعلا، هل يستطيع البشر إذا طلعت الشمس أن يردوها فتغرب؟ وإذا غابت أن يجروها فترجع؟ أبدًا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص ٧١، ٧٢]، فأقول: الليل والنهار الذي جعله الله للعباد لا يُمكن لأحد أن يغيره إطلاقًا، ثم إذا نظرنا أيضًا إلى هذا الليل والنهار وتعاقبه وولوج بعضه ببعض فهو آية أخرى، أحيانًا يزيد الليل، وأحيانًا يزيد النهار، من يستطيع أن يفعل ذلك إلا لله سبحانه وتعالى؟!
* ومن فوائد الآية الكريمة: تعليل أحكام الله القدرية كما هو ثابت في الأحكام الشرعية؛ يعني أن أحكام الله الكونية لا يمكن أن تكون إلا لحكمة، من أين تؤخذ؟ ﴿لِتَسْكُنُوا﴾، واللام قلت لكم إنها للتعليل، إذن جعل الله ذلك لنسكن.
ذكرنا أن أحكام الله الكونية معللة كأحكامه الشرعية، لكن هل يلزم من تعليلها أن نعلم بالعلة؟ لا يلزم، إن فتح الله علينا ما فتح من ذلك فهذا خير منه وفضل، وإن حُرِمنا ذلك بذنوبنا فنحن مخطئون، إنما على كل حال ما من شيء إلا وله حكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان منة الله سبحانه وتعالى بالليل والنهار، حيث جعل الليل سكنًا وجعل النهار مبصرًا، من: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ [غافر ٦١]، لولا هذا ما سكن الناس، ولذلك تجد الإنسان بطبيعته إذا جاء الليل أحب السكون، ولولا أن في وقت عصرنا هذا شاعت الأنوار وشاعت الأضواء وصار الليل كالنهار لوجدت لليل لذة عظيمة، ونحن أدركنا ذلك، تجد لذة ومحبة للسكون، وسكون قلب وسكون بدن وسكون نفس، ثم إذا طلع الفجر وإذا هو كالرطب يأتي بعد التمر، نفرح به، وجاء النهار جاء النهار، الآن ما كأن هناك ليلًا ولا نهارًا، ولذلك لا نجد اللذة التي كنا نعرفها من قبل، ولعل منكم من أدرك ذلك، على كل حال اخرجوا للبادية لكم أسبوعًا وابعدوا عن الأنوار تجدون هذا، على كل حال هذا من فضل الله عز وجل أن جعل لنا الليل للسكن والنهار للعمل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله ذو فضل على الناس عمومًا، تؤخذ؟
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ [غافر ٦١].
* الشيخ: ﴿عَلَى النَّاسِ﴾ ولّا: على المؤمنين؟ في آية أخرى: ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٥٢] فكيف نجمع بين التعميم والتخصيص؟ أن نقول: الفضل نوعان: عام وخاص، فالعام لجميع الناس، والخاص للمؤمنين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أكثر عباد الله لا يشكرون الله لقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر ٦١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من قياس الأحكام الشرعية بأعمال العباد؛ بمعنى أننا إذا قلنا لشخص: هذا حرام، قال: كل الناس يفعله، فيجعل المعيار أعمال الناس، وهذا خطأ، كل الناس يعمله ما هي حجة ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام ١١٦]، الحجة فيما قاله الله ورسوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩] سواء كانت الطائفة الأخرى أكثر من التي قبلها أو العكس، إذن لا يجوز أن نجعل أعمال الناس معيارًا للأحكام الشرعية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب شكر الله عز وجل، والإشارة إلى أن يكون هذا الشكر من جنس الفضل، الشكر يكون من جنس الفضل، فما شكر صاحب المال؟
* طالب: (...).
* الشيخ: شكره هو لربه كيف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أن ينفقه في سبيل الله.
ما شكر العلم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: صح، وبذله.
ما شكر من أعطاه الله شجاعة وقوة بدنية والجهاد قائم؟
* طالب: أن يجاهد في سبيل الله.
* الشيخ: أن يجاهد في سبيل الله، إذن الشكر من جنس النعم؛ لأن الله قال: ﴿لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر ٦١] الفضل.
* ومن فوائد الآية الكريمة الثانية: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [غافر ٦٢] إثبات ربوبية الله عز وجل على كل شيء، أنه رب كل شيء، لقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى وجوب طاعته وعبادته؛ لقوله: ﴿رَبُّكُمْ﴾، وإذا كان هو الرب فهو السيد، وإذا كان هو الرب فهو الذي له السلطان، وإذا كان هو الرب فهو الذي له الحق أن يُعبد، كل ما يُثبت الربوبية فهو دليل على وجوب الألوهية، ولهذا يستدل الله عز وجل على المشركين بكونهم يثبتون الربوبية وينكرون الألوهية، فكل من أثبت الربوبية لزمه أن يثبت الألوهية.
إذن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الإلوهية متضمن لتوحيد الربوبية، إذ لا يمكن لأحد أن يعبد الله إلا وهو يعلم أنه ربٌّ أهلٌ للعبادة.
ولهذا لو قال لك قائل: هل التوحيدان متلازمان؟ فقل: أما توحيد الربوبية فمستلزم لتوحيد الألوهية، وأما توحيد الألوهية فمتضمن لتوحيد الربوبية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات خلق الله عز وجل لكل شيء، لقوله: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر ٦٢]، فلو قال قائل: استثنى العقل نفسه فليس خالقًا لها، فهل يصح هذا القول؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لماذا؟ لأن نفسه لم تدخل أصلًا؛ لأن هناك فاعلًا ومفعولًا، والفاعل لا يمكن أن يدخل في المفعول حتى يُستثنى منه، فنحن نقول: إن الرب عز وجل لم يدخل في قوله: ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ أصلًا في هذه الآية؛ لأن الخلق أو إن شئت فقل: لأن المخلوق بائن من الخالق، فلا يمكن أن يدخل الخالق في المخلوق حتى نقول: استثنى العقل، والاستثناء إخراج الشيء من الشيء، وهنا لم يدخل أصلًا.
أقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، هل يصلح أن نقول: واستثنى العقل ذاته فليس خالقًا لها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه الآية، الله خالق كل شيء، هل نقول: إلا ذاته؟
نقول: لا، لماذا؟ لأن الأصل أنه لم يدخل هو في أنه خالق كل شيء؛ يعني ما دخل في المخلوق هو فاعل وغيره مفعول، فهو لم يدخل أصلًا حتى نقول: أخرجوا ما يستطيع العقل في هذا الباب.
استدل الجهمية والمعتزلة بأن كلام الله مخلوق؛ لأن كلام الله شيء فيكون داخلًا في العموم، نقول: إذن يلزمكم أن تقولوا: إن الله مخلوق؛ لأن الله شيء ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام ١٩]، إذن قولوا: إن الله مخلوق أيضًا، فإن قالوا: لا يمكن أن نقول؛ لأن الفاعل غير المفعول، قلنا: وصفات الفاعل كالفاعل، الصفات يُحذى بها حذو الذات، فإذا كان الرب عز وجل خالقًا وغيره مخلوق فصفاته أيضًا غير مخلوقة، فالقرآن ليس بمخلوق؛ لأنه كلام الله، وكلام الله من صفاته، وصفات الله كلها غير مخلوقة.
فإن قال قائل: إن الخلق ثابت للعبد، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون ١٤]، فأثبت أن هناك خالقين، وقال الرسول ﷺ في المصورين: «أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٥١)، ومسلم (٢١٠٨ / ٩٧) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]] فأثبت أنهم خالقون.
فالجواب: أن الخلق الثابت للباري عز وجل ليس كالخلق الذي أُثبت للمخلوق، خلق المخلوق للشيء تحويله من حال إلى حال، وليس إيجاده، فالنجار إذا صنع الخشبة بابًا هل يُقال إنه خلق الخشبة؟ حولها من خشبة إلى باب ولم يخلقها، حتى لو قلنا: إن صنعه هذا خلق فهو في الحقيقة بمعنى تغيير وتحويل وليس بمعنى الإيجاد، وقد تحدى الله عز وجل الأصنام التي تُعبد من دون الله والتي يُدَّعى أنها آلهة، قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: بناء توحيد الألوهية على توحيد الربوبية؛ لقوله بعد: ﴿اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [غافر ٦٥] أي: لا معبود إلا هو، أي: لا تعبدوا إلا إياه؛ لقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: إنكار التعجب على أولئك الذين صرفوا عن الحق مع وضوحه وبيانه لقوله: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [غافر ٦٢].
* ومن فوائد الآية الثالثة: أن المكذبين بآيات الله يصدر منهم ما يُقضى به العجب؛ لقوله: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [غافر ٦٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذنوب تحول بين الإنسان وبين رؤية الحق؛ لأن هؤلاء لما جحدوا بآيات الله صرفوا عنه، وهذا واقع، الذنوب تحول بين الإنسان وبين رؤية الحق، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المطففين ١٣]، هل أحد يمكن أن يقول هذا القرآن العظيم أساطير الأولين؟ يقول الله عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤] من الأعمال السيئة حتى رأوا هذا الحق المنير فجعلوه أساطير.
ولهذا يجب أن نعالج أنفسنا إذا رأينا أننا نقرأ القرآن وكأنه حروف تُتلى نرجو بركتها وثوابها، إذا لم تؤثر على القلب باللين والخشوع والرجوع إلى الله عز وجل فإن ذلك دليل على مرض القلب، وربما نقول على موت القلب، نسأل الله العافية، كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين بآياته المتبعين لمرضاته.
* الطالب: شيخ، هل ورد لفظ خلق بمعنى التصيير والتحويل في اللغة العربية؟
* الشيخ: إي نعم، منه: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت ١٧] يعني: تقولون الإفك.
* الطالب: في غير هذا في اللغة العربية، حتى نجابه بها..
* الشيخ: القرآن عربي.
* طالب: يُدَرِّسون قاعدة في المدارس: أن المادة لا تفنى ولا تُستحدث من عدم، فما رأيكم؟
* الشيخ: رأيي أن هذا كفر، اللي يعتقد مدلول هذا كفر، كل شيء فانٍ إلا وجه الله عز وجل: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨]، ومعنى هالك: قابل للهلاك، وقد يجعله الله مؤبدًّا كالجنة والنار، لكن الذي أوجد قادر على الإعدام، والإعدام أهون من الإيجاد، وقولهم أيضًا: لا تُستحدث، معناه أنهم حكموا بأنها أزلية أبدية، لا يقول هذا مؤمن، وهي بالمدارس دي؟!
* طلبة: (...).
* الشيخ: (...) تلميذ أعطوه في الاختبار: ما حكم فرقعة الأصابع في الصلاة؟ فقال التلميذ: قال المؤلف -رحمه الله تعالى: فصل يُكره في الصلاة التفاته ورفع بصره إلى السماء وفرقعة الأصابع وتشبيكها وإقعاؤه.. إلى أن ذكر الفصل كله، عشر (...)، ثم قال: خذ ما شئت ودع ما شئت؛ أنتم تريدون نروح نقرأ كتب الكيمياء كلها عشان ندور أن المادة لا تُستحدث ولا تفنى.
* طالب: الأمم الكافرة يستغلون سكون الليل وإبصار النهار أكثر من الأمة المسلمة..
* الشيخ: عجيب، كيف هذا؟
* الطالب: ينامون مبكرًا في التاسعة يكونون نائمين، وفي الصباح الباكر الرابعة أو الخامسة يكونوا صاحيين.
* الشيخ: سبحان الله، مع العلم أن هذا هو الشرع، «كان النبي ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعد العشاء»[[أخرج البخاري (٥٦٨) عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.]]؛ لأن النوم قبل العشاء ربما يستمر، ولأنه يقوم إلى صلاة العشاء بكسل؛ ولأن بعض الناس إذا نام ساعة أو نصف ساعة انطرد عنه النوم، وصار ما ينام كل الليل، ثلاث علل، لكن ليش يجيبون التلفزيونات هذه يخلونها إلى نصف الليل أو أكثر؟ أو يضحكون علينا؟ الله المستعان.
* طالب: يضحكون علينا.
* الشيخ: يضحكون علينا، الله المستعان.
* الطالب: ولكن سمعنا يا شيخ أنه إذا غربت الشمس يغلقون محلاتهم أيضًا في الخامسة، السادسة.
* الشيخ: عجيب؛ يعني بعد الغروب، الله أكبر، ما هو في وقتنا؟ يعني في أمريكا، في إنجلترا، في فرنسا، وأنتم تكونون الثانية في الليل.
* طالب: (...).
* الشيخ: هم كفار ما لهم أجر، لكن هم أقرب منا للحق في هذه المسألة، النوم المبكر أفضل.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["ٱللَّهُ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ لِتَسۡكُنُوا۟ فِیهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ","ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ","كَذَ ٰلِكَ یُؤۡفَكُ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"],"ayah":"كَذَ ٰلِكَ یُؤۡفَكُ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق