الباحث القرآني

ثم قال: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر ٦] ﴿كَذَلِكَ﴾: أي مثل ذلك الأمر وهو وقوع العقاب، ﴿حَقَّتْ﴾ وجبت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار. المفسر رحمه الله قال: (أي ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ [هود ١١٩] الآية) ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ ففسر كلمة الله بذلك، ولكنَّ في هذا نظرًا واضحًا لأن الله يقول: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر ٦] هذه الكلمة، الكلمة هي قوله: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ أي: حَقَّت كلمة ربك التي ثبتت أزلًا أن هؤلاء أصحاب النار. وقوله: ﴿حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: وجبت عليهم، والكلمة هي قوله: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾؛ ولهذا قال المفسر إنها: (بدل من كلمة) وإذا كانت بدلًا من كلمة كيف نقول: إن الكلمة هي قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾؟ إذا كانت هي البدل فابن مالك يقول: ؎التَّابِعُ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ بِلَا ∗∗∗ وَاسِطَةٍ هُوَ الْمُسَمَّى بَدَلَا (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة) هذا البدل، إذن فالمقصود بقوله: ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ هو قوله: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾؛ وإذا وجدت في القرآن أصحاب النار فالمراد بها أصحابها المخلَّدون؛ لأن الصحبة تقتضي الملازمة، ولا يمكن أن تكون أصحاب النار لمن تُوُعِّدُوا بدخول النار ثم يَخْرُجون منها، إنما تكون لمن هم أهل النار الذين هم أهلها وأصحابها. * في هذه الآية الكريمة من الفوائد: إثبات تقدير الله عز وجل الأشياء. * في هذا: إثبات أن الأشياء قد كُتِبَت من قبل؛ لقوله: ﴿حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾، وهذا لا ينافي إرسال الرسل ولا ينافي الأمر بما أمر به ولا النهي عما نهى الله عنه، لماذا؟ لأن الله تعالى أعطى الإنسان عقلًا ورشدًا وبصيرة يعرف كيف يتصرف، فإذا أُرْسِلت الرسل مع الفطرة الأولى ثم عاند فقد قامت عليه الحجة. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الكلام لله؛ لقوله: ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾. ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله تعالى يتكلم بكلام مسموع وبحرف يعني أنه يُسْمَع ويُفْهَم بحروفه مرتبة؛ فقوله جل وعلا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢] نعلم أن الهمزة قبل اللام واللام قبل الحاء والحاء قبل الميم والميم قبل الدال وهكذا، حروف مرتبة لم تأت جملة واحدة، وإذا كانت مرتبة لزم من ذلك الحدوث حدوث الكلمات؛ لأن ما بعد الأول واقع بعده فيكون بهذا دليل على حدوث كلام الله عز وجل، وليس المراد أصل الصفة لأن أصل الصفة أزلية لم تكن حادثة من قبل، فإن الله سبحانه وتعالى لم يزل بصفاته، لم يزل عليمًا، لم يزل متكلمًا، لم يزل سميعًا، لم يزل قديرًا، لكن الصفة قد تَحْدُث شيئًا فشيئًا باعتبار آحادها وأفرادها، أما ما كانت صفة معنوية فالحدوث ليس لها ولكن لمتعلَّقِها، فسمع الله عز وجل هل نقول: إنه حادث؟ لا، هو لم يزل، لكن الذي يحدث هو المسموع. الكلام يحدث نفس الكلام، نفس الكلام يحدث؛ لأنه نوع من الفعل، وعلى هذا فنقول: في الآية إثبات الكلام لله. ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بحرف مرتب وصوت مسموع. طيب، إذا قال قائل: لو قلت: إنه بحرف مرتب لزم أن يكون كلامه مشابهًا لكلام المخلوقين؟ فالجواب: لا يلزم؛ لأن الكلام لا يمكن أن يكون كلامًا إلا بهذا، لكن صوت الرب عز وجل الذي يُسْمَع ليس كأصوات المخلوقين؛ لأن الصوت هو صفته، لكن الحروف صفة الكلام الذي تَكَلَّم به، وهي لا يمكن أن يكون كلامًا إلا بترتيب بعضه بعد بعض. * ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وجهه ﴿رَبِّكَ﴾؛ حيث أضاف إليه الربوبية وهذه الربوبية خاصة؛ لأن ربوبية الله عز وجل نوعان: عامة، وخاصة؛ فالعامة الشاملة لكل شيء، والخاصة المختصة بما أُضِيفَت له. استمع إلى قوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢]، في هذه ربوبية عامة وربوبية خاصة. العامة رب العالمين. والخاصة رب موسى وهارون. ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ [النمل ٩١] الأول ﴿رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾ يعني مكة الذي حرمها ربوبية خاصة، ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ هذه عامة. إذن قوله: ﴿رَبِّكَ﴾ من باب الربوبية الخاصة، ولا شك أن أخص ربوبية تكون للمربوبين هي ربوبية الرسل ولا سيما أولي العزم منهم وهم خمسة: محمد، إبراهيم، موسى، عيسى، نوح، عليهم الصلاة والسلام. * ومن فوائد الآية الكريمة: خلود الذين كفروا في النار؛ لقوله: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾. وهل هذا الخلود أبدي أو إلى أمد؟ أبدي، جاء ذلك في آيات ثلاث في القرآن في سورة النساء وفي سورة الأحزاب وفي سورة الجن. * ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير مما يوجب غضب الله وسخطَه لئلا يكون الرجل قد حَقَّت عليه كلمةُ الله عز وجل؛ لأن قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل ذلك الذي حصل لهؤلاء المكذبين تحق كلمة الله عز وجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب