الباحث القرآني

الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (٥٣) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [غافر ٥٣ - ٥٦]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ هذه الجملة ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ مُؤَكَّدة بثلاثة مؤكدات: الأول: القسم الذي دلت عليه اللام، والثاني: اللام، والثالث: قد. وهذه الصيغة تأتي في القرآن كثيرًا. وقوله: ﴿آتَيْنَا﴾ بمعنى أعطينا، يقال: أتينا، ويقال: آتينا، أتينا بمعنى: جئنا، وآتينا بمعنى: أعطينا، وهي تنصب المفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، المفعول الأول هنا: موسى، والثاني: الهدى. موسى هو ابن عمران أحد أولي العزم الخمسة؛ وهم: محمد، وإبراهيم، وموسى، ونوح، وعيسى. وقوله: ﴿الْهُدَى﴾ أي: ما به الهدى، وهذا يشمل الهدى الذي أوتيه حتى اهتدى، والهدى الذي يهتدي به الناس، فيكون موسى عليه الصلاة والسلام هاديًا مهديًّا. قال المفسر: (التوراة والمعجزات) أما التوراة فظاهر أنه هدى؛ لأنها كتاب شرعيٌّ فيه الهدى، وأما المعجزات والصواب أن يقال: البينات أو الآيات فإنها هدى لأنه يهتدي بها الناس؛ إذ أن الناس إذا رأوا الآيات اهتدوا. ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ ﴿أَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: جعلناهم وارثين، ويقول المؤلف: (أي: من بعد موسى) ويمكن أن نقول: أورثناه من بعد موسى ومن بعد فرعون، فيكون الله تعالى أورث بني إسرائيل الكتاب من بعد نبيهم ومن بعد فرعون كما قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ٥٩]. (﴿الْكِتَابَ﴾ التوراة) وسُمِّيَت كتابًا؛ لأنها مكتوبة، وعلى هذا فيكون كتاب بمعنى مكتوب، وهذه الصيغة -أعني (فِعَالًا)- تأتي في اللغة العربية بمعنى مفعول في مواضع كثيرة مثل: بِناء بمعنى مبني، وغِراس بمعنى مغروس، وفِراش بمعنى مفروش، وهَلُمَّ جَرًّا. ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (٥٣) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [غافر ٥٣، ٥٤] ﴿هُدًى﴾ يحتمل أن تكون -كما قال المفسر- مصدرًا بمعنى الحال، أن تكون مصدرًا بمعنى اسم الفاعل منصوبًا على الحال، حيث قَدَّرَها بقوله: (هاديًا)، ويحتمل أن تكون مفعولًا من أجله، أي: من أجل الهدى، أي: من أجل اهتداء الناس. (﴿هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ تذكرة لأصحاب العقول) فهي هدى وهي تذكرة، هدى يهتدي بها الناس، وتذكرة يتذكر بها، ولكن لا يتذكر بها إلا أولي الألباب، فأولوا الألباب يعني أصحاب العقول، وسُمِّيَ العقل لُبًّا بمنزلة اللب من الحب؛ لأنه هو المقصود وهو روح الإنسان. وقوله: ﴿وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ اجمعها إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران ١٩٠] يتبين لك أن الذين ينتفعون بالآيات الكونية كخلق السماوات والأرض والآيات الشرعية هم أصحاب العقول؛ لأنهم ينظرون ويتفكرون ويَقِيسون الأشياء حتى يهتدوا. * في هذه الآية من الفوائد: مِنَّة الله سبحانه وتعالى على موسى ﷺ حيث آتاه الهدى، وهذه أعظم مِنَّة يَمُنُّ الله تعالى بها على العبد؛ أن يعطيَه الهدى يهتدي به بنفسه ويهدي به غيره. * ومنها: تأكيد رسالة موسى من قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾، وعلى هذا فيجب علينا أن نؤمن بأن موسى رسول الله ﷺ لكن إلى من؟ إلى قومه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.]] لكن نؤمن بأنه رسول حقًّا، وأنه جاء بالهدى والنور. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: مِنَّة الله على بني إسرائيل حيث قال: ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾. ولكن هل هؤلاء الذين أُورِثُوا الكتابَ هل قاموا به؟ الجواب: لا. ما قاموا به، بل كانوا عُتاة ظلمة، بل حتى في عهد نبيهم ما قاموا به، لَمَّا قال لهم: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة ٢١] ماذا قالوا؟ قالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة ٢٢] إلى أن قالوا: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ [المائدة ٢٤]، أما نحن ﴿إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة ٢٤] مع أنه وعدهم بها قال: الأرض ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة ٢١]، لكنهم كَذَّبوا الخبر واستكبروا عن الأمر، فهم -أعني بني إسرائيل ولا سيما اليهود منهم- أخبث أهل الأرض وأعتى أهل الكفر، لم يشكروا نعمة الله عليهم بهذه النعمة. أما هذه الأمة فقال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر ٣٢] وهم هذه الأمة ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر ٣٢]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التوراة مكتوبة؛ لقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ كيف كتابتها؟ اقرأ قول الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف ١٤٥]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن التوراة ذكرى ولكن ليس لكل أحد، بل لمن؟ لأولي الألباب. * ومن فوائدها: أنه لا يَتَذَكَّر بالآيات الشرعية إلا أولي الألباب وكذلك الآيات الكونية. * ومن فوائد الآية: الثناء على العقل؛ لأن أهله هم أهل التَّذَكُّر الذين ينتفعون بما سمعوا. والمراد بالعقل هنا هل هو عقل الإدراك أو هو عقل الرُّشْد؟ الثاني عقل الرشد، أما عقل الإدراك فهو الذي يُناطُ به التَّكْلِيف الذي تجدونه في كتب الفقهاء: من شروط الطهارة العقل. هذا عقل أيش؟ الإدراك الذي يُناط به التكليف، أما عقل الرشد الذي به الاهتداء فَقَلَّ مَنْ يَحْصُل عليه. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل مَنْ لم يتذكر بآيات الله فإنه ليس ذا عقل. فإن قال قائل: يَرِدُ عليكم أَنَّا نجد في أئمة الكفر مَنْ هو على جانبٍ كبير من الدهاء والذكاء. فالجواب: أن هناك فرقًا بين العقل والذكاء؛ لأنَّ العقل يَعْقِلُ صاحبه عما يضره، ولهذا سُمِّي عقلًا بمنزلة العِقال للبعير، لكن الذكاء ليس كذلك، الذكاء غريزة أو كَسْب يجعله الله تعالى في الإنسان وربما يكون بعض الحيوانات أذكى من الإنسان، أليس كذلك؟ الغراب أذكى من ابن آدم الذي قتل أخاه؛ لأنه علَّمه كيف يواري سوءة أخيه. في الحيوانات ما هو أذكى من بني آدم، النملة هذه التي تشاهدون من أذكى الحيوانات، إذا كان في أيام الحبوب حفرت لها جحورًا وأودعت فيها هذه الحبوب، ولكنها لا تودع الحب على ما هو عليه تأكل رأس الحبة لئلا تَنْبُت؛ لأنها تعرف أنه إن بقيت الحبة على ما هي عليه نبتت وخرَّبت على نفسها. من الدهاء والذكاء؟ فالجواب: أن هناك فرقًا بين العقل والذكاء؛ لأنَّ العقل يَعْقِلُ صاحبه عما يضره، ولهذا سُمِّي عقلًا بمنزلة العِقال للبعير، لكن الذكاء ليس كذلك، الذكاء غريزة أو كَسْب يجعله الله تعالى في الإنسان، وربما يكون بعض الحيوانات أذكى من الإنسان، أليس كذلك؟ الغراب أذكى من ابن آدم الذي قتل أخاه؛ لأنه علَّمه كيف يواري سَوْأَة أخيه. في الحيوانات ما هو أذكى من بني آدم، النملة هذه التي تشاهدون من أذكى الحيوانات، إذا كان في أيام الحبوب حَفَرَتْ لها جحورًا، وأودعت فيها هذه الحبوب، ولكنها لا تُودِع الحب على ما هو عليه، تأكل رأس الحبة لئلا تَنْبُت؛ لأنها تعرف أنه إن بقيت الحبة على ما هي عليه نبتت، وخرَّبت على نفسها، فتأكل رأسها حتى لا تنبت، فإذا قدَّر الله عز وجل ونزل المطر، وخافت أن يُعفِّن ويفسد؛ أخرجته إلى الشمس حتى ييبس ويجف ثم دخلته. وأشياء تذكر عن بعض الحيوانات غريبة! إذن الذكاء شيء والعقل شيء آخر، وكم من ذكي قاده الذكاء إلى النار والعياذ بالله، وهذا شيء مشاهَد، الذكاء إذا لم يكن مقترنًا بعقل وإيمان فالغالب أن صاحبه يضل يهلك، وكم من أناس كانوا أذكياء، وتوقع فيهم بعض العلماء أن هؤلاء سوف ينحرفون؛ فصار الأمر كذلك. إذن لا يرد علينا أننا نجد من أئمة الكفر من هو على جانب كبير من الذكاء والدهاء؛ لأن الذكاء شيء والعقل شيء آخر. قال العلماء: ولذلك لا يجوز أن تقول: إن الله عاقل؛ لأن العقل يحجز صاحبه عما يضره، والرب عز وجل لا يمكن أن يضره شيء، ولا يمكن أن ينقصه شيء. ومن ثم ذهب بعض النحويين إلى التعبير بقولهم: (مَنْ) للعالم، و(ما) لغير العالم. قال: ما يمكن يكون للعاقل ليش؟ لأنها تأتي عائدة إلى الله عز وجل، فقل: (مَنْ) للعالم، و(ما) لغير العالم. وعلى كل حال قد يُناقَش في هذه المسألة، لكني أنا قلت لكم هذا؛ لتعلموا أنه لا يجوز أن يُوصَف الله بأنه عاقل. صح؟ لماذا؟ العقل ما يحجز صاحبه عما يضره، والله عز وجل لا يضره شيء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب