الباحث القرآني
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر ٣٢] رضي الله عن هذا الرجل، خَوَّفهم أولًا بالعقوبة الدنيوية حين قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾، ثم خَوَّفَهم من العقوبة الأخروية فقال: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ قال: (بحذف الياء وإثباتها) ﴿التَّنَادِي﴾ هذا إثباتها، ﴿التَّنَادِ﴾ هذا حذفها؛ أما إثباتها فعلى الأصل، وأما حذفها فللتخفيف، والياء دائمًا تُحْذَف للتخفيف، قراءة، أي نعم، والياء دائمًا تحذف دائمًا للتخفيف، مثل قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ [الأنبياء ٣٧] ويش أصلها؟ (تستعجلوني)، وليست النون هنا نون الرفع؛ لأنها مكسورة، فهي نون الوقاية وحُذِفَت الياء تخفيفًا.
طيب ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ كلمة ﴿يَوْمَ﴾ هنا هل هي ظرف منصوبة على الظرفية والتقدير: إني أخاف عليكم العذاب يوم التناد، أو إن الفعل مُسَلَّطٌ عليها فهي مفعول به؟ الثاني؛ لقوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور ٣٧] فجعل الخوف مُسَلَّطًا على يوم؛ لأن يوم تصلح أن تكون مفعولًا فيه، وأن تكون مفعولا به، وأن تكون مبتدأ، وأن تكون خبر مبتدأ، تتصرف.
يقول: (﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ بحذف الياء وإثباتها أي: يوم القيامة) هذا هو المراد به، وأنا أشرت في كلامي على قواعد في التفسير أن هناك تفسيرًا لفظيًّا، والثاني: معنوي؛ اللفظي يُفَسِّر اللفظي، والمعنوي يُفَسِّر المراد، فهنا ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ تفسيرها اللفظي أي: يوم يتنادى الناس بعضهم مع بعض. والمراد بها يوم القيامة، فإذا قلنا: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ أي: يوم القيامة فهذا ليس تفسيرًا لفظيًّا، بل هو تفسير معنوي للمراد بالآية.
يقول: (﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ أي: يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس، والنداء بالسعادة لأهلها، والشقاوة لأهلها وغير ذلك) التنادي يوم القيامة يكثر، ينادي الله الناس، والناس ينادي بعضهم بعضًا، وأهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل الجنة ينادون أهل النار، والتنادي الحاصل يوم القيامة ليس كالتنادي الحاصل في الدنيا؛ لأنه بأصوات مزعجة، وحزينة إذا كان أهل النار ينادون أهل الجنة وما أشبه ذلك، فهذا اليوم ذَكَّر هذا المؤمن قومه به ليحذروا من عذاب يوم القيامة.
ثم بَيَّن ذلك بقوله: (﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ عن موقف الحساب إلى النار ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: من عذابه ﴿مِنْ عَاصِمٍ﴾ مانع ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ ) وَصَفَ هذا اليوم بأوصاف:
أولُا: أنه يوم التناد، ينادي الناس بعضهم بعضًا، والله تعالى يناديهم أيضًا، ويتنادون بنداءات قد يكون بعضها مجهولًا لنا الآن.
الوصف الثاني: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾، ﴿يَوْمَ﴾ هذه بدل من قوله: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ أو عطف بيان، ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ ﴿مُدْبِرِينَ﴾ هذه حال، حال مؤكدة لعاملها أو لصاحبها؟ لعاملها؛ لأن التولي هو الإدبار، وعلى هذا فهي حال مُؤَكِّدة لعاملها،؛ يعني: تولون يوم القيامة حال كونكم مدبرين، يولون إلى أي شيء؟ إلى النار، والعياذ بالله ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم ٨٥، ٨٦]، فهم والعياذ بالله يولون مدبرين.
قال: ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ الجملة هذه جملة خبرية مبدوءة بـ (ما) النافية، والمبتدأ فيها قوله: ﴿مِنْ عَاصِمٍ﴾، لكن دخلت عليه (مِنْ) الزائدة للتوكيد، وتقدير الكلام لولا من ما لكم من الله عاصم، وهنا نسأل هل هي تميمية أو حجازية؟ تتفق فيها اللغتان؛ لأنها لا تكون حجازية إلا بالترتيب كما قال ابن مالك:
؎........................ ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ
وهنا لا ترتيب؛ لأن الخبر مقدم، وعلى هذا فنقول: (ما) هنا اتفقت فيها اللغتان التميمية والحجازية.
﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي: من مانع ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ هذه الجملة قد تُشْكِل كيف خَتَمَ بها الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن مقتضى الحال أن يقول: وأسأل الله لكم الهداية؟
فيقال: هل قوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ هل هي من كلام الرجل أو من كلام الله؟ لا بد أن نبحث قَبْلَ كل شيء، هل هي من كلام الله عز وجل ليبين أن هؤلاء القوم مع قوة الدعوة لم يستفيدوا أو هي من كلام المؤمن؟ إن كانت من كلام الله فلا إشكال، ليس فيه إلا أنها حالت بين الكلام أوله وآخره، وهذا لا يضر؛ لأن الجملة الاعتراضية تأتي كثيرًا، وإن كانت من كلام الرجل فهنا محل الإشكال، ونُرْجِئ الأمر عنكم إلى غد إن شاء الله، يكون الجواب منكم غدًا، والله أعلم.
* طالب: (...) يأتيه في أول الدعوة الضغط عليه أو ما أشبه ذلك (...) ويحاكم العقل، كيف الإنسان يعرف أن النتائج تكون طيبة (...)؟
* الشيخ: هو لا شك أن الدعوة إلى الله برفق أقرب إلى النتائج الطيبة من العنف؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»[[أخرجه البخاري (٦٩٢٧) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] وكذلك قال: «إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي بِالرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ»[[أخرجه مسلم (٢٥٩٣ / ٧٧) من حديث عائشة رضي الله عنها. ]] هذا واضح؛ يعني: لو لم يكن إلا أنا استعملنا ما هو أولى وما يحبه الله عز وجل لكفى، ونحن نشاهد الآن أن النتائج الطيبة في الدعوة برفق.
وهناك وقائع كثيرة؛ يقال: إن أحد مشائخ الدعوة من آل الشيخ جاء إليه رجال الحسبة يشكون عاملًا، ما هو عامل أجنبي، كان بالأول الناس يسنون الإبل ويسنون على البقر ويسنون على الحمير، ويسمون الذي يسوق السانية يسمونه عاملًا، ويكون معه عادة عصا طويلة من عسب النخل جيدة، لأنه يريد أن يسوق إبلًا أو بقرًا أو حُمُرًا؛ فجاءه قوم من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عند غروب الشمس وهو يغني، عند غروب الشمس الناس يسبحون ويهللون وهذا يغني بأعلى صوته لأي شيء؟ لأن هذا يوجب أن تُهَمْلِج الدواب، تسرع، الدابة تطرب للغناء كما قال الرسول: «رِفْقًا بِالْقَوَارِيرِ»[[أخرج البخاري (٦١٤٩) ومسلم (٢٣٢٣ / ٧٠) من حديث أنس رضي الله عنها، ولفظه: «ويحَكَ يا أَنْجَشَةُ، رويدك سوقًا بالقوارير».]] فتكلموا عليه، الناس يُسَبِّحون ويحمدون ويهللون في هذا الوقت وأنت رفعت صوت الشيطان. قال: ويش تقولون؟ قالوا: هذا اللي نقول. المسوقة هذه اللي تسمونها المسوقة عصا (...) أخذ بهم ضربًا، قال: أنا أسوق إبلي لأروي زرعي، وأنتم تقولون: ترفع صوت الشيطان، راحوا؛ لأنه هو قوي وكبير الجسم ونشيط، تَوَلَّوْا عنه وجاؤوا للشيخ وقالوا: يا شيخ، هذا الرجل الفلاني فعل كذا وكذا. قال: أنتم ويش قلتم له؟ قالوا: (...) الناس يسبحون ويهللون وأنت تغني، فقام على واحد منا بالمسوقة، قال: طيب، الظاهر أن الخطأ منكم أنتم، لكن خلوا الرفق بالأول، اليوم الثاني ذهب الشيخ العالم هذا عند غروب الشمس وجاء وإذا الرجل على حاله يغني ويسوق الإبل، وضع مشلحه على العصا على نخلة هناك وتوضأ، وقد أذن بعد ما فرغ من الوضوء، فجاء إلى الرجل وذاك يغني، الظاهر ما أدري أجاب المؤذن أو ما أجاب، المهم قال له: يا ابن الحلال، ألا أدلك على شيء أحسن من هذا؟ الآن أَذَّن لو رحت وصليت وبعدين ترجع أنزل الله لك البركة، والصلاة سبب للرزق ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ [طه ١٣٢] المهم كلمه بهدوء، قال: الله يعافيك، الله يجزيك خيرًا، جاءني أمس ناس ثيران، أنا أفعل مثل ما أفعل اليوم، وقاموا يتكلمون علي، وقالوا: هذا صوت الشيطان، والله عجزت أن أملك نفسي وضربت واحدا منهم، لكن جزاك الله عني خيرًا، ذهب الشيخ يصلي، ويوم صلى وانتهى، والرجل قد لحقه لكن فاتته ركعة، تركه ما قال شيء، في اليوم الثاني راح يتوضأ عند غروب الشمس ولم يقل له شيئًا أبدًا، وجده في اليوم الثاني يصلي ولم يفته شيء، سبحان الله! المهم أن الرفق كله خير، وهذا شيء مجرب، لكن أحيانًا الإنسان للغيرة التي عنده يثور يعجز أن يملك نفسه، نقول: هَدِّئ؛ لأنك أنت مثل الطبيب الذي يريد أن يشق الجرح، فلا بد أن تكون بهدوء وعلى الوجه الذي يحصل به المطلوب.
* الطالب: أعوذ بالله من الشطيان الرجيم: ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾ [غافر ٣٢ - ٣٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ وقبل أن ندخل في تفسير الجديد نسأل عما سبق:
قوله تبارك وتعالى عن مؤمن آل فرعون: ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ ما معنى مثل دأب؟
* الطالب: مثل جزاء قوم نوح وعاد وثمود.
* الشيخ: يعني مثل جزائهم، وليس مثل دأبهم.
* الطالب: على تقدير مضاف (...).
* الشيخ: إذن هو من التعبير بالعمل عن الجزاء.
هل هذا كثير في القرآن أن يُعَبِّر عن الجزاء بالعمل؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما الحكمة منه؟
* الطالب: لأن المقصود الجزاء (...) الجزاء لكي يكون أبلغ في الزجر حيث يكون العمل مذكر والجزاء مذكور.
* طالب آخر: الجزاء من جنس العمل.
* الشيخ: ليبين أن الجزاء من جنس العمل سواء في الخير أو في الشر.
قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ هل في الآية ما يدل على انتفاء الظلم عن الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وكيف ذلك والآية لم يقل: وما الله يظلم، قال: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا﴾؟
* طالب: أن الله ما أراد الظلم (...).
* الشيخ: أنا أسألك الآن هل فيها دليل على نفي الظلم عن الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف ذلك والآية تقول: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا﴾؟
* طالب: أنه ذكر في الحديث..
* الشيخ: دعنا من الحديث، نريد من الآية نفسها؟
* طالب: لأن نفي الإرادة (...).
* الشيخ: صحيح؛ لأن نفي الإرادة يستلزم نفي الوقوع من باب أولى.
نفي إرادة الظلم نفي للظلم، ما الذي نستفيده من نَفْيِ الظلم وهي صفة سلبية والسلب عدم؟
* طالب: السلب عدم هذا في صفات المخلوقين أما في صفات الله سبحانه وتعالى فالسلب يراد به إثبات كمال ضده.
* الشيخ: يعني: لا يوجد السلب المحض..
* الطالب: في صفات الله.
* الشيخ: إذن ما الذي يتضمنه نفي إرادة الظلم هنا؟
* الطالب: كمال العدل لله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: أحسنت -بارك الله فيك- طيب، قوله تعالى: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾؟
* طالب: يوم القيامة.
* الشيخ: المراد به يوم القيامة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: وما معنى التناد؟
* الطالب: مناداة أصحاب النار.
* الشيخ: يعني التنادي بين الناس، ومنه؟
* الطالب: مناداة أصحاب النار يوم القيامة..
* الشيخ: لأصحاب؟
* الطالب: الجنة.
* الشيخ: طيب، ما الفرق بين التحذير الأول والثاني؟ ﴿مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ﴾ ثم قال: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾؟
* طالب: حذرهم بالعذاب الدنيوي وبالعذاب الأخروي.
* الشيخ: أحسنت، الأول عقوبة دنيوية، والثاني عقوبة أخروية.
نأخذ الفوائد إن شاء الله:
من فوائد الآية ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غافر ٣٢].
* من فوائد الآية: أن هذا المحذر كان مؤمنا باليوم الآخر.
* ومن فوائدها: أن ما يحدث في اليوم الآخر كان معلومًا للناس من قبل أن ينزل القرآن؛ لقوله: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾؛ وذلك لأن هذا أمر لا بد منه، أي: لا بد أن يعلم العباد ما يحدث في اليوم الآخر ليكونوا على بصيرة من أمرهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن يوم القيامة له أحوال؛ فقد قال الله تعالى في سورة طه: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه ١٠٨] وهنا يذكر أنه يوم تنادٍ، والنداء هو الصوت الرفيع، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذه الآية وبين قوله: ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ [طه ١٠٨] هو أن يوم القيامة له أحوال؛ لأن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، فلا بد أن تتغير أحوال الناس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: نصح هذا الرجل لقومه؛ حيث يناديه بهذا النداء اللطيف ﴿يَا قَوْمِ﴾.
ثم قال الله تبارك وتعالى: مُكَمِّلًا لما ذكره هذا المُحَذِّر: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر ٣٣] هذه معروف إعرابها أنها بدل مما سبق،* ففيها: إثبات أن آل فرعون يولون مدبرين يوم القيامة إذا لم يؤمنوا، وقد بين الله في آية أخرى أنهم يعرضون على النار غُدُوًّا وعَشِيًّا، وأنهم يوم القيامة يقال لهم: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، فهم والعياذ بالله سيولون مدبرين معذبين في نار جهنم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا أحد يَعْصِم من عذاب الله؛ لقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾، وهذا كقول نوح لابنه لما ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود ٤٣] قال: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود ٤٣].
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر ٣٣] (من) هذه شرطية، وفعل الشرط (يضلل)، وحُرِّكَ بالكسر لالتقاء الساكنين، وجواب الشرط جملة: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ وقُرِنَ بالفاء؛ لأنه لا يصلح أن يكون فعلًا للشرط، وكل جواب لا يصلح أن يكون فعلًا للشرط فإنه يجب أن يَقْتَرِنَ بالفاء، كما قال ابن مالك:
؎وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِـ(إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ
وذكروا له ستة ضوابط مجموعة في قوله:
؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ ∗∗∗ وَبِـ(مَا) وَ(قَدْ) وَبِـ(لَنْ)وَبِالتَّنْفِيسِ
فهذه الجمل الستُّ إذا وقعت جوابًا للشرط فإنه يجب أن يقترن بالفاء، وهنا الجملة؟ مُصَدَّرة بـ(ما)، وإن شئت فقل: إنها جملة اسمية، ولا مانع أن يوجد سببان لحكم واحد.
وقوله: ﴿مِنْ هَادٍ﴾ أصلها:من هادي، بالياء وحُذِفَت الياء للتخفيف.
يقول الله عز وجل: إن من يضلل الله أي: من كتب الله إضلاله فإنه لا أحد يهديه؛ لأن الذي يهدي ويضل هو الله، بيده الأمر كله، ولكن ليُعْلَم أنه لا يهدي أحدًا إلا لحكمة ولا يضل أحدًا إلا لحكمة، فمن كان أهلًا للهداية هداه، ومن كان أهلًا للإضلال أضله والعياذ بالله، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى لا يحرم فضله مَنْ أراده، إنما يحرم فضله مَنْ لم يُرِدْه، ودليل هذا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥] فجعل إزاغة الله لقلوبهم مُتَرَتِّبًا على زيغهم، أما مَنْ أراد الهدى بِجِدٍّ فإن الله سبحانه وتعالى يُيَسِّرُه له ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧]؛ إذن قوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ مقيد بماذا؟ بمن فعل ما يقتضي إضلاله؛ لأن الله لا يضل أحدًا إلا لحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يجب على الإنسان إذا أراد أن يسأل الهداية أَلَّا يسألها إِلَّا مِنَ الله الذي بيده الإضلال والهداية؛ فلا تسألْ الهدايةَ من غيره، اسألها من الله عز وجل، فيستفاد منها تفويض الأمر إلى الله تبارك وتعالى.
{"ayah":"وَیَـٰقَوۡمِ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ یَوۡمَ ٱلتَّنَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











