الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: (﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ هلاك) (ما) نافية، و﴿كَيْدُ﴾ مبتدأ أو نجعلها اسمها؟ ﴿كَيْدُ﴾ مبتدأ، ولا يصح أن يكون اسمها؛ لأن من شرط عمل (ما) عمل (ليس) ألا ينتقض النفي، قال ابن مالك: ؎.............................. ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ فإذا انتقض النفيُ فإنها لا تكون عاملة عمل (ما)، وفي القرآن الكريم كثير من هذا: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [المؤمنون ٢٤]، ولم يقل: ما هذا إلا بشرًا؛ لأنه انتقض النفي. إذن (ما) نافية، و﴿كَيْدُ﴾ مبتدأ؛ ﴿كَيْدُ الْكَافِرِينَ﴾، ما هو الكيد؟ الكيد والمكر والخداع وما أشبهها كلها كلمات متقاربة معناها التَّوَصُّل إلى الإيقاع بالخَصْمِ من حيث لا يَشْعر، يعني: يتوصل إلى الإيقاع بخصمه بأسبابٍ خَفِية لا يشعر بها الخصم؛ لأن الكائد والماكر والخادع لا يأتي بالشيء عَلنًا هكذا بل بأسباب خفية، فهي التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر؛ أي: بأسباب خفية. فالكفار لهم كيد عظيم يكيدون على الإسلام وليسوا يكيدون للإسلام؛ لأن هناك فرقًا بين الكيد على الشيء والكيد للشيء؛ قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ [يوسف ٧٦] ولم يقل: (على)، لكن الكيد بالعدو هذا يُسَمَّى كيدًا عليه. الكافرين لهم كيد على الرسل يكيدون كيدًا عظيمًا، ويفعلون كل سبب يدحضون به حجة الرسل، ولكن مهما عملوا فالله عز وجل يقول: ﴿إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ كيدهم في ضلال أي في هلاك وضياع، كما أن الضال لا يهتدي السبيل، كذلك كيد هؤلاء الكفار لا يوصلهم إلى المقصود. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بالحق إلى فرعون وهامان وقارون، وهذا يدل على أنه صَدَع به أمامهم. * ومن فوائدها: أن هؤلاء المكذبين عجزوا عن رد الحق الذي جاء به فلم يقابلوا الحجة بمثلها. * ومن فوائدها: أن هؤلاء الثلاثة لجؤوا إلى القتل والتهديد؛ قالوا: ﴿اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾. * ومن فوائدها: أن الذي يحمي الديار ويدافع عنها هم الرجال، وأن المرأة ليست بذاك الذي يدافع عن البلد أو يدفع العدو؛ دليل ذلك أن هؤلاء قالوا: ﴿اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾. * ومن فوائد هذه الآية: التعصب التام للكافرين؛ يعني أنهم متعصبون فهم يقولون: ﴿اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾؛ يعني: وغير المؤمنين من بني إسرائيل لا تقتلوهم، اقتلوا أبناء الذين آمنوا. * ومن فوائدها: أن الله تعالى قد يسلط أعدائه على المؤمنين امتحانًا وابتلاء، والواقع كذلك، وقد يكون الإنسان كلما اشتد إيمانه اشتد إيذاء أعداء الله له. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكفار يَكيدون للمؤمنين؛ لقوله: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: الحكم على هؤلاء الثلاثة بأنهم كفار؛ ولهذا لم يقل: (وما كيدهم)، بل أَظْهَر في موضع الإضمار إشارةً إلى أن هؤلاء كفار، وقد سبق لنا أن الإظهار في مقام الإضمار يستفاد منه فائدتان: الفائدة الأولى: الحكم على هؤلاء الذين حلَّ الظاهرُ محلَّ ضميرهم بهذا الوصف. والثاني: العموم والشمول. الثالث: إفادة التعليل. ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾. * من فوائد الآية الكريمة: البشرى التامة للمؤمنين بأن الكفار مهما كادوا فإن كيدَهم ضائع وهالك لن ينفعهم ولن يستفيدوا منه شيئًا، وإن استفادوا فإنما يستفيدون فائدة مؤقتة والعاقبة للمتقين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب