الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ﴾ [غافر ٢٣، ٢٤] الجملة هذه مؤكدة بعدة مؤكدات، ما هي؟ * طالب: لقد. * الشيخ: بـ(لقد)؟ ما يستقيم. بمؤكدات ثلاث؟ * طالب: بثلاثة مؤكدات. * الشيخ: ما هي؟ * الطالب: الواو. * الشيخ: الواو. هل الواو من المؤكدات؟ * الطالب: القسم. * الشيخ: عدلت عن الواو من المؤكدات؟ * الطالب: الواو واو القسم. * الشيخ: وين واو القسم؟ الواو هذه حرف عطف! * الطالب: واو القسم (...). * الشيخ: واللام. * الطالب: وقد. * الشيخ: وقد. الصيغة تأتي كثيرًا في القرآن ﴿لَقَدْ﴾ فيقال: إن هذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات (...) واللام وقعت في جوابه، وقد. ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ موسى هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل وأعظمهم وأشدهم، وهو من أشد الأنبياء وأقواهم، ويدلك على ذلك ما فعله قبل النبوة وما فعله بعد النبوة؛ فقبل النبوة مر برجل من قومه يخاصم رجلًا من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه، وهذا يدل على قوته وشدته، وبعد النبوة لما رجع ورأى أنهم أشركوا بالله غضب غضبًا شديدًا فألقى الألواح التي كتب الله بها التوراة، ألقاها، قال بعضهم: فتكسرت، ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه هارون وهو نبي من الأنبياء مشارك له في النبوة: ﴿أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾ [الأعراف ١٥٠]، فقال: ﴿يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه ٩٤]، ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف ١٥٤] هذا يدل على قوته وشدته عليه الصلاة والسلام، وهذا من الحكمة؛ لأنه أرسل إلى أعتى أهل الأرض وهو فرعون، ولهذا قابله بالقوة قال له: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء ١٠٢] وهذه قوة تدل على قوته عليه الصلاة والسلام. أرسله الله تعالى أيضًا إلى قوم عتاة وهم بنو إسرائيل؛ ولهذا لا يوجد شعب من الشعوب -فيما نعلم- مثل بني إسرائيل في العتو والنفور والاستكبار إلى حد أنه لما كُتِبَ عليهم القتال قالوا لموسى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾، وليتهم اقتصروا على ذلك، ﴿فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، سنقعد على الفرش ولا نتحرك، وأنت وربك اذهبا فقاتلا ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة ٢٤]؛ فلهذا كان من الحكمة أن يكون هذه الرسول على هذا النحو من الشدة لمناسبة مَنْ أُرْسِلَ إليهم من فرعون وبني إسرائيل. وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [غافر ٢٣] ﴿آيَاتِنَا﴾ جمع تدل على أن معه آيات متعددة وهو كذلك ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ﴾ [الإسراء ١٠١] إلى آخره، فهو أوتي آيات أعظمها وأشدها وأبينها حسًّا آيةُ العصا، فإنها من آيات الله الحسيِّة العجيبة الغريبة، عصا يهُشُّ بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، ويتوكأ عليها، إذا ألقاها صارت حيَّةً عظيمة تلقف كلما أمامها، وإذا حملها عادت عصا، وإذا ضرب بها الحجر تفجَّر ماءً، هذه العصا آيةٌ من آيات الله عز وجل؛ يعني: تأمل الآن، فكِّرٍ مدى كثرة العصي والحبال التي ألقاها السحرة؛ كثرتها وتنوعها، ثم ألقى هذا العصا فصار يلقف كل ما يأفكون، وأنا أتعجب أين البطن الذي يسع هذه الأشياء؟ لكن آيات الله تعالى تبهر العقول، وإلَّا فتقول: كيف حية بمقدار العصا تلقف كلما أفكوا من الحبال والعصي، فأين تذهب؟ نقول: لا تسأل أين تذهب، أنت صدِّقْ وآمنْ بهذا، وكيف تذهب إلى الله عز وجل، ولا مانع أن تكون هذه الأشياء إذا مضغتها صارت الشيء الكبير شيئًا صغيرًا. أرسل الله موسى بآياتنا وسلطان مبين؛ السلطان: كل ما يكون للإنسان به سلطة؛ أي حُجَّة وقوة، ويختلف باختلاف السياق، فالسلطانُ بالنسبةِ للأبِّ مع أولادِهِ في التأديبِ سلطانُ ضرب، والسلطان فيمن دُعُوا إلى الله عز وجل سلطانُ بيانٍ، والسلطانُ أيضًا فيمن جُودِل سلطانُ حجةٍ، وهو يختلف باختلاف المواضع، المهم أنه ما كان فيه سلطة على الغير فهو سلطانٌ. وقوله: ﴿مُبِينٍ﴾ يحتمل أن تكون مِنَ اللازمِ ويحتملُ أنْ تكونَ من المتعدي، وذلك أن (أبان) الرباعي يكون لازمًا ويكون متعديًّا، فتقول: أبنت له الحق، وتقول: أبان الصبحُ، أي: بان وظهر، فهي رباعية صالحة للتعدي واللزوم. فإن قال قائل: كيف يكون فعلًا واحدًا صالحًا للتعدي واللزوم؟ قلنا: نعم يصلح، اللغة العربية واسعة، (رجع) فعل ماض ثلاثي يكون لازمًا ويكون متعديًّا؛ ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ [المنافقون ٨] هذا لازم ولَّا متعدٍ؟ لازم. ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة ٨٣] هذا متعدٍّ، فلا مانع من أن يكون الفعلُ الواحد لازمًا في سياق متعديًّا في سياق آخر، ومن ذلك (أبان)، فهل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ معناها بَيِّن أو مبين مظهر للحق؟ ننظر أيهما أبلغ؛ البين في نفسه أو المبين لغيره؟ الثاني؛ لأن المبين لغيره لا بد أن يكون بَيِّنًا في نفسه، وعلى هذا فكلمة (مبين) من المتعدي تكون أشمل وأوسع معنى، وما كان أشمل وأوسع معنى فإنه يُؤْخَذُ به، ولا نقول: يُتْرَك الثاني، إذا أخذنا بالأشمل والأوسع لا نقول: إنه ترك الثاني، لماذا؟ لأن الثاني داخل في الأول. * في هذه الآية الكريمة فوائد منها: (...) رسالة موسى عليه الصلاة والسلام بالمؤكدات الثلاثة التي ذكرناها آنفًا؛ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ [غافر ٢٣]. * ومنها، من فوائد الآية: أن الله سبحانه وتعالى يُكَرِّر ذكرَ قصة موسى ويبسطُها تارة، ويختصرها تارة وينوِّعُها، فهي جمعت بين الكثرة والتنويع من حيث الأسلوب، والتنويع من حيث البسط والاختصار، فلماذا؟ لأن النبي ﷺ عاش في قوم مشركين أَوَّل الرسالة، وفي قوم يهود بعد الهجرة؛ ولهذا جاءت السور المكِّيَّة يُذْكَر فيها قصة موسى ببسط واختصار تارة؛ لأجل أن يتهيَّأ النبي ﷺ لمجادلة اليهود الذين ستكون الهجرة إلى بلدٍ هُم ساكنون فيه؛ ولهذا لا تجد قصة نبيٍّ (...) قصة موسى عليه الصلاة والسلام لا في تنوعها ولا في تكرارها ولا في أسلوبها. * من فوائد الآية الكريمة: فضيلة موسى صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بما أكرمه الله به من الرسالة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن موسى عليه السلام أُوتِيَ آياتٍ، وبيَّن الله تعالى في آياتٍ أخرى أنها تسع آيات. * ومن فوائدها أن موسى أوتي سلطانًا أي سلطة وقوة في إقامة الحجة وفي غير ذلك؛ لقوله: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. وإذا أردت أن تعرف شيئًا مِنْ سُلْطانه الذي آتاه الله فانظر إلى محاورته في سورة الشعراء مع فرعون حيث أَلْجَمه وأَلقمه حجرًا، وفي النهاية توَّعده بالقوة يقول فرعون: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩]، هذه كلمة إرهاب ﴿لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ أشدُّ إرهابًا مما لو قال: لأسجننك. كأنه يقول: عندي أناس سجناء كثيرون، وأنا قادر على سجنهم وسأجعلك من بينهم، فيكون هذا أشدَّ في الإرهاب مما لو قال: لأسجننك. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: ما أشرنا إليه في الآية التي قبلها أنه ما مِنْ رسول أُرْسِلَ إلا وأوتي آيات بينات تدل على صدقه، وهذا من حكمة الله ومن رحمة الله. * طالب: نبي الله هارون أُرْسِل مع موسى هل رسول ولَّا نبي؟ * الشيخ: لا، رسول، ألم يقولا لفرعون: إنا رسولا رب العالمين؟ * الطالب: «مَا مِنْ نَبِيٍّ قَدْ أَرْسَلُه اللَّهُ إِلَّا وَمَعَهُ مِنَ الْآيَاتِ مَا عَلَى مِثْلِهِ يُؤْمِنُ الْبَشَرُ» » ما معنى المثلية؟ * الشيخ: يعني: مثل الآيات اللي جاء بها الرسل. * الطالب: عددًا يعني؟ * الشيخ: عددًا أو كيفية. * الطالب: (...). * الشيخ: لا، «مَا عَلَى مِثْلِهِ يُؤْمِنُ الْبَشَرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٧٤)، ومسلم (١٥٢ / ٢٣٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أُعْطِي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة». ]] بحسب الذين أرسل إليهم؛ يعني معناه: إن الآيات التي يأتي بها الرسل يؤمن البشر على مثلها؛ يعني أنها آيات مُقْنِعَة. * طالب: قد يستخدم بعض علماء الجرح والتعديل إذا تكلموا في رجل يقولون: هذا الرجل كعصا موسى تلقف ما يأفكون، فبعض الإخوان يمزح بها يقول لآخر: أنت كعصا موسى تلقف ما يأفكون، فهل يصح المزاح بمثل هذه؟ * الشيخ: أنا أرى أنَّه حتى المحدثين الذين يقولون هذا -نسأل الله لهم العفو- لا ينبغي أن يقولوا هكذا؛ لأنه يُخْشَى أن تستعمل استهزاء، وإن كان المحدثون لا يريدون هذا إطلاقًا، فالأولى أن يقال: هذا الرجل مثلًا آية، وهذا الرجل واسع الاطلاع، هذا الرجل واسع العلم وما أشبه ذلك. * طالب: حقًّا يا شيخ، كذلك يقولون: فلان يملك عصا موسى السحرية. * الشيخ: هذا أيضًا لا يجوز، هذا أشد؛ لأن قوله: عصا موسى السحرية؛ يعني أن ما جاء به سحر، وهذا خطير. * طالب: ما هو الدليل أن الله يحاسب الناس في نصف يوم؟ * الشيخ: أولًا: أحاديث وردت في هذا، والثاني: قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤] والمقيل لا يكون إلا في نصف النهار. * طالب: (...) استفدنا من هذه الآية: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر ٢٢] ربط المسببات بالأسباب (...)؟ * الشيخ: الباء للسببيَّة. * طالب: شيخ -بارك الله فيكم- ما هو الفرق بين الأفعال اللازمة التي تتعدى بحرف الجر والتي لا تتعدى؟ * الشيخ: يقولون: ما تعدى بنفسه فهو متعدٍّ، وما لم يتعدَّ إلَّا بحرف جر فهو لازم؛ يعني: الذي ينصب المفعول به هو المتعدي، وبعضهم أيضًا قال: فيه علامة ثانية -هو له علامات منها هذه- ومنها: أنه يصح منه صَوْغُ اسمُ المفعولِ المتعدي، وهذاك لا يصح منه صوغ اسم المفعول إلا بمتعلِّق. * طالب: ما المقصود بالسلطان الذي أُرْسِل به موسى؟ * الشيخ: أما قلنا: قوة الحجة السلطان في كل موضع بحسبه؟ * طالب: بارك الله فيك، قوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ [طه ٦٩] يستفاد من هذه الآية عندما نقرأ: أن موسى عليه السلام ألقى العصا فهي أكلت كل الحيات وذكرتم أن الحية كلما ألقى السحرة (...) ممكن نقول: إن الأشياء تحللت؟ * الشيخ: لا. * الطالب: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ [الحج ٧٣] يقول العلماء: إذا أخذ شيئًا من طعام فإنه لن يستطيع أحد أن يأخذه منه؛ يعني الذباب عندما يأخذ شيئًا يتحلل. * الشيخ: لا، هو على كل حال إذا دخل في فمها لا بد أن يتحلل بسرعة، لكن على مرأى الناس يرونها تلقف تأكل. * الطالب: هي تأكل لكن يتحلل ما يستطيع.. * الشيخ: يمكن، ما ندري، نحن ذكرنا هذا، قلنا: يمكن هذا. * الطالب: قول الذين قالوا: (...) مثل قول القحطاني: ؎اللَّهُ صَيَّرَنِي عَصَا مُوسَى لَكُمْ ∗∗∗ حَتَّى تَلَقَّفَ إِفْكَكُمْ ثُعْبَانِي * الشيخ: هذا من باب المشابهة، من باب التشبيه، فرق بين هذه وبين ما ذكره الأخ، هذا يقول: كأنني عصا موسى يلقف حُجَجَكُم الضعيفة والباطلة. * الطالب: قول من يقول: إن المعجزات السابقة كانت معجزات حسية خارقة للعادة ثم حين تطور العقل البشري وبلغ أَوجَه في عهد النبي ﷺ أتى القرآن، ما رأيكم؟ * الشيخ: ربما نقول هكذا، صحيح، لكن الرسول ﷺ محمد أتى بمعجزات حسيَّة وأتى بمعجزات معنوية، له معجزات حسية عظيمة؛ انشقاق القمر معجزة، نبع الماء من بين أصابعه معجزة، فوران الماء من البئر التي نضب ماؤها لما مَجَّ فيها شيء من فمه، كذلك معجزات حسية، ما هو بعيد أن أكمل الناس عقولًا هم هذه الأمة كما أخبر الرسول أن الله أَكْمَلَ به الأخلاق. * الطالب: قول: هو كعصا موسى يلقف ما يأفكون؛ معروف أن المحدثين أحيانًا يطلقون عبارات ويريدون المعنى منها؛ كأنهم يقولون: يأخذ عن الكذابين والوضاعين. فاعترضت يا شيخ؛ قلتم: لا ينبغي، فما وجه عدم القول به؟ * الشيخ: إي نعم؛ لأنا نقول: إن عصا موسى عليه السلام صار آية لقف كل ما يأفكون، وهذا الرجل مهما كان لا يمكن أن (...). * الطالب: شيخ، ﴿فَيَنْظُرُوا﴾ أخذنا أن فاء السببية تنصب وهنا لم تنصب. * الشيخ: وين اللي ما نصبت؟ * الطالب: ﴿فَيَنْظُرُوا﴾. * الشيخ: ما نصبت؟! * الطالب: لا. * الشيخ: كيف ما نصبت؟! بماذا تُنْصَب الأفعال الخمسة؟ * الطالب: حذف النون. * الشيخ: حذف النون، وهل ﴿فَيَنْظُرُوا﴾..؟ * * * * الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر ٢٣ - ٢٥]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. ما هي الآيات التي أُرْسِلَ بها موسى؟ كم آية؟ * الطالب: تسع آيات. * الشيخ: تسع آيات. نعم. الباء في قوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ ما معناها؟ * الطالب: للمصاحبة. * الشيخ: للمصاحبة أو بيان لما أرسل به فتكون للتعدية. ما هي الحكمة من الآيات التي يعطيها اللهُ الرسل؟ * الطالب: لكي يُبَيِّن صدق هؤلاء الرسل فيؤمن على مثلها البشر. * الشيخ: تأييدًا للرسل، ورحمة بالمرسل إليهم. قوله: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ ما معنى قوله: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾؟ هل معناه أنه أرسله ليكون ملكًا على فرعون أم ماذا؟ * الطالب: السلطان حجة، و﴿مُبِينٍ﴾ ظاهر أو مُظْهِر. * الشيخ: أو كلاهما، وكل شيء للإنسان فيه سلطة يُسَمَّى سلطانًا سواء كان حجة أو علمًا أو سلاحًا أو غير ذلك. التسع الآيات التي أُرْسِل بها موسى عُدَّها علينا؟ * الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم: أولًا: العصا. ثانيًا: اليد؛ ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ [النمل ١٢]. ثالثًا: الجراد. * الشيخ: الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، كم هذه؟ * الطالب: هذه سبع. * طالب آخر: انفلاق البحر. * الشيخ: ثمان. * الطالب: نقص الثمرات. * الشيخ: السنين ونقص من الثمرات. طيب وبعضهم قال: ضَرْب الحَجْر بالعصا فيتفجر. * الطالب: (...). * الشيخ: فيه احتمال في الواقع، أما لبني إسرائيل فيدخل فَلْق البحر وكذلك انفجار الماء من الحجر، لكن هذه الثنتين ليس لآل فرعون. آل فرعون: السنين ونقص من الثمرات بالإضافة إلى السبع السابقة. قال: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ متعلق بـ﴿أَرْسَلْنَا﴾، وفرعون هو حاكم مصر الذي ملكها وسُلِّطَ على بني إسرائيل، فكان يُقَتِّل أبناءهم ويستحيي نسائهم، قيل: إنه كان يفعل ذلك من أجل أنه قال له بعض الكهنة: إنه سيكون في بني إسرائيل رجلٌ يكون زوال ملكُكِ على يده، هذا قول. وقول آخر: إنه فعل ذلك إذلالًا لهم وإهانة؛ لأنه إذا قُتِّلَ الرجال وبقيت النساء هلكت الأمة، وهذا القول أقوى؛ وذلك لأن القول الأول معتمده النقل عن بني إسرائيل، ومعلوم أن النقل عن بني إسرائيل لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب، والمعنى المعقول لكونه يُذَبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم هو إذلال هذا الشعب، وهو قلة بالنسبة للأقباط. قال: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ متعلق بـ﴿أَرْسَلْنَا﴾، وفرعون هو حاكم مصر الذي ملكها وسُلِّطَ على بني إسرائيل، فكان يُقَتِّل أبناءهم ويستحيي نساءهم، قيل: إنه كان يفعل ذلك من أجل أنه قال له بعض الكهنة: إنه سيكون في بني إسرائيل رجلٌ يكون زوال ملكُكِ على يده، هذا قول. وقول آخر: إنه فعل ذلك إذلالًا لهم وإهانة؛ لأنه إذا قُتِّلَ الرجال وبقيت النساء هلكت الأمة، وهذا القول أقوى؛ وذلك لأن القول الأول معتمده النقل عن بني إسرائيل، ومعلوم أن النقل عن بني إسرائيل لا يُصَدَّق ولا يُكَذَّب، والمعنى المعقول لكونه يُذَبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم: هو إذلال هذا الشعب وهو قلة بالنسبة للأقباط. ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ ﴿هَامَانَ﴾ وزير فرعون، ﴿وَقَارُونَ﴾ تاجر آل فرعون؛ لأن قارون كان غنيًّا غِنًى عظيمًا، حتى قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾ [القصص ٧٦] أي: من الذهب والفضة ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص ٧٦] تنوء يعني تثقل بهم، أي: تثقل العُصْبة أي: الطائفة من الناس الأقوياء، هذه مفاتيحه، إذن فالخزائن كثيرة وعظيمة. ﴿وَقَارُونَ فَقَالُوا﴾ الضمير يعود على الثلاثة فرعون وهامان وقارون ﴿فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ ﴿سَاحِرٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف قدره المفسر بقوله: (هو ساحر كذاب)، والساحر اسم فاعل من السحر وهو الذي يسحر الناس فيريهم الحقائق على غير ما هي عليه، وليس هو الذي يُغَيِّر الحقائق؛ لأنه لا يغير الحقائق إلا الخالق عز وجل، لكن يُرِي الناسَ الحقائقَ على غير ما هي عليه، مثل ما فعل السحرة سحرة آل فرعون حين أَلْقَوْا الحبالَ والعِصي فرآها الناس وكأنها حياتٍ تسعى، ثعابين وهي ليست كذلك، هؤلاء قالوا: إن موسى ساحر، كيف يلقي العصا فتكون حية؟! كيف يدخل يده فتخرج بيضاء من غير سوء؟! ليس هذا إلا سحر. ﴿كَذَّابٌ﴾ أي: كاذب فيما ادعى من الرسالة، فهو في آياته ساحر، وفي دَعْواه كاذب، ثم قال: ﴿كَذَّابٌ﴾ صيغة مبالغة أو نسبة، والفرق بين صيغة المبالغة والنسبة أن النسبة وصف ملازم، وصيغة المبالغة فعل حادث مُتَكَرِّر، أعرفتم؟ فكلمة (النجار) هذه نسبة، وقد تكون صيغة مبالغة لكثرة نجارته، وأما إذا قيل: فلان أَكَّال للطعام فهذا قد لا يكون نسبة، ولكن لكثرة أكله وُصِفَ بأنه أكال. ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ أرسله الله بالآيات، وقالوا ساحر كذاب: (﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ بالصدق ﴿مِنْ عِنْدِنَا﴾ ) من عند الله عز وجل وهو الوحي، حينما قال موسى عليه الصلاة والسلام لهم: إن الله هو ربكم وإن الله واحد وما أشبه ذلك مما جرت فيه المحاورة بينه وبين فرعون، وهذا مذكور في سورة الشعراء وفي سورة الإسراء وغيرها. لما جاءهم بالحق الذي عجزوا أن يقابلوه بالحجة الداحضة تَوَعَّد فرعونُ موسى فقال: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩]، وهذا وعيدٌ، شيء آخر: (﴿قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا﴾ [غافر ٢٥] استبقوا ﴿نِسَاءَهُمْ﴾ )، وعلى هذا فيكون القتل لأبناء بني إسرائيل واستحياء النساء يكون وقع مرتين، المرة الأولى قبل أن يبعث موسى، والمرة الثانية بعد أن بُعِثَ. ﴿قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ﴾ نساءهم لئلا يبقى لهم شوكة ولتزولَ هيبتهم؛ لأنه إذا لم يبق إلا النساء، فالنساء ضعيفات لا يدفعن عن أنفسهن ولا يدافعن عن حقوقهن، فيبقى موسى وقومُه على أسوأ حال. ﴿اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ﴾ إلى آخره. ونرجع لنأخذ الفوائد لئلا نبعد: قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. * في هذه الآية الكريمة: تأكيد رسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ويتفرع على هذه الفائدة إقامةُ الحجة على بني إسرائيل الذين كفروا واعْتَدَوْا مع أن الله قد أرسل إليهم هذا الرسول الكريم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى لا يُرْسِل رسولًا إلا بآية بينة تَدَلُّ على صدقه، وقد أَكَدَّ ذلك الحديث الثابت عن النبي ﷺ: «أَنَّ اللَّهَ مَا بَعَثَ نَبِيًّا إِلَّا آتَاهُ مِنَ الْآيَاتِ مَا يُؤْمِنُ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٧٤)، ومسلم (١٥٢ / ٢٣٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة». ]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآيات سلطانٌ وحُجة على مَنْ أُرْسلوا إليهم -أعني الرسل- بدليل قوله: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾، وعلى هذا فيكون عطف سلطان على آيات من باب عطف الشيء على نفسه لبيان فائدته وثمرته؛ فالآيات هي السلطان. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآيات لا بد أن تكون مبينة مُظْهِرة للحق؛ لقوله: ﴿وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾. ثم قال: ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ﴾ إلى آخره. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الزعماء يقومون مقامَ الأتباع؛ لأن الرسالة ليست إلى هؤلاء الثلاثة فقط، بل إلى آل فرعون كلهم، لكن الأسياد يقومون مقام الأتباع. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن العُتاة المعاندين للرسل تَتَنوَّع أسبابُ عِنَادهم ومعارضتهم للرسل؛ قد تكون السلطة، وقد تكون الوزارة، وقد يكون المال، وقد تكون القوة البدنية. ففي هذه الآية ثلاثة أسباب: الملك، والثاني الوزارة، والثالث المال. وفي عادٍ القوة البدنية قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]. * ومن فوائد الآية الكريمة: مكابرةُ المكذبين للرسل؛ حيث قالوا لهذا الرسول الكريم: إنه ساحر وإنه كذاب. * ومن فوائدها: أن ما قالوه في رَدِّ الدعوة مجرد دعوى؛ لأنه لم يُقيموا على دعواهم أيَّ دليل، مجرد قالوا: ساحر كذاب، وهذا يلجأ إليه الضعفاءُ العاجزون إذا عجزوا عن مُدافعة الحجة بالحجة ذهبوا إلى السبِّ والشتم وما أشبه ذلك. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الآيات التي تأتي بها الأنبياء يعجز عن مثلها عامة الناس؛ لقوله: ﴿سَاحِرٌ﴾، والساحر مَنْ يأتي بأمور تُعْجِز الناس. لكن الفرق بين الساحر وبين النبي أن النبي مُؤَيَّد من عند الله عز وجل لا بفعله هو؛ بمعنى أن الساحر هو الذي يعالج الشيء حتى يأتي بالمعجزة، أما النبي فإن الآيات تأتيه بدون أَيِّ عملٍ منه بل بإرادة الله عز وجل، فإذا قال إنسان: إذن ما الفرق بين الكرامة وآية النبي؟ قلنا: الفرق بينهما أن الكرامة تأتي لمتبع النبي، وأما الآية فتأتي للنبي نفسه؛ أي أن مَنْ آتاه الله الكرامة من الأولياء، ليس يقول: إنه رسول ولا إنه نبي، ولكن الله يؤتيه الكرامة تأييدًا له أو تأييدًا للإسلام، وفي ذلك أيضًا آية للنبي الذي يتبعه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب