الباحث القرآني
الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ﴾ [غافر ١ - ٤].
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ البسملة آية من كتاب الله عز وجل مستقلة، ليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، ولكن يؤتى بها في ابتداء السور إلا سورة واحدة وهي سورة براءة، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جعل فيها بسملة؛ ولهذا تركها الصحابة رضي الله عنهم بدون بسملة لعدم ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما ما قيل: إنها تُرِكَت بلا بسملة لأنها نزلت بالسيف فإنه قول باطل، ليس هذا هو السبب، والسيف إذا كان رحمة فإنه غنيمة، ومعلوم أن السيف على الكفار رحمة يُقْصَد به إعلاء كلمة الله عز وجل.
ثم البسملة -كما تشاهدون- جملة ليس فيها فعل ولا اسم فاعل، لكنها جار ومجرور، ومضاف ومضاف إليه، وصفة وموصوف.
الجار هو الباء، والمجرور اسم، والمضاف اسم، والمضاف إليه لفظ الجلالة، وموصوف وهو الله، وصفة وهو الرحمن الرحيم. فأين المتعلَّق لأنه لا بد لكل جار ومجرور أو ظرف لا بد له من متعلق كما قال الناظم ناظم الجمل:
؎لَا بُدَّ لِلْجَارِّ مِنَ التَّــــــعَلُّقِ ∗∗∗ بِفِعْلٍ أَوْ مَعْــــــــــــــــــــــــنَاهُنَحْـــــــــــــوُ مُــــــــــــــرْتَقِ؎وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ ∗∗∗ كَالبْا و(مِنْ) وَالْكَافِ أَيْضًاوَ(لَعَلْ)
فأين متعلق البسملة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؟ أحسن ما يقال: إن مُتعلَّقها فعل متأخر مناسب لما ابتُدئ بالبسملة من أجله، فنحن الآن نريد أن نقرأ نقول: المتعلق تقديره بسم الله أقرأ، نريد أن نتوضأ نقول: التقدير باسم الله أتوضأ، نريد أن نذبح نقول: التقدير باسم الله أذبح. وإنما قدرناه فعلًا لا اسم فاعل؛ لأن الأصل في العمل هو الفعل، وإنما قدَّرْناه متأخرًا لوجهين:
الوجه الأول: التَّيَمُّن بالبَداءة باسم الله.
والثاني: إفادة الحصر؛ لأنك إذا أخَّرتَ العامل وقدمتَ المعمول كان ذلك دليلًا على الحصر؛ إذ إن القاعدة المعروفة في البلاغة هي أن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر، وإنما قدَّرْناه مناسبًا لما ابتُدِئ به؛ لأنه أدل على المقصود، فمثلًا لو قلت: إن التقدير باسم الله أبتدئ، صح. لكن أبتدئ بأي شيء؟ فإذا قلنا: نقدِّره فعلًا خاصًّا مناسبًا لما ابتدئ به صار ذلك أدل على المقصود، ومعلوم أن ما كان أدل على المقصود كان أبين في المراد، هذا هو إعراب هذه البسملة.
أما معناها فإن (اسم) مفرد مضاف، وكل مفرد مضاف فإنه للعموم، أرأيتم قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨] فإن نعمة مفرد مضاف، لكن ليست نعمة واحدة؛ لأن النعمة الواحدة تُحْصَى، لكنها نعم كثيرة فتشمل كل ما أنعم الله به على العبد.
إذا كان المفرد المضاف يفيد العموم فما معنى قولنا: بسم الله الرحمن الرحيم؟ معناها بكل اسم من أسماء الله أفعل كذا وكذا، فتكون أنت الآن مستعينًا بكل اسم من أسماء الله على هذا الفعل الذي بَسْمَلْتَ من أجله.
وأما (اسم) فقيل: إنه مشتق من السمو وهو الارتفاع؛ وذلك لأن الاسم يَرفَعُ المُسمَّى ويُبَيِّنُه، وقيل: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، قال الله تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الفتح ٢٩] أي: علامتهم في وجوههم، وأيًّا كان فالاسم يُعيِّن مسماه ويميزه من غيره.
وأسماء الله سبحانه وتعالى -كما مر علينا في التوحيد- غير محصورة بعدد كما جاء في الحديث الصحيح: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» »[[أخرجه أحمد (٤٣١٨) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]]، وأما الله فهو علم على الذات المقدسة العليَّة وهو الله سبحانه وتعالى. قال النحويون: وهو أعرف المعارف. أعرف المعارف هذا العلم، وقد رتبوا المعارف كما تعرفون بأن أَعْرَفها الضمير ثم الأعلام، لكن هذا العلم هو أعرفها؛ إذ لا تحتمل المشاركة فيه، وغيره من المعارف يمكن المشاركة فيه.
وأما قوله: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فهو اسم من أسماء الله دال على الرحمة الواسعة؛ والرحيم اسم من أسماء لله دال على الرحمة التي تقع بالفعل، فالرحمن للوصف، والرحيم للفعل؛ يعني أنه رحمان يرحم، وبذلك تَبَيَّن فائدة الجمع بينهما، فإن فائدة الجمع بينهما هو الدلالة على أن رحمة الله واسعة وذلك في قوله: ﴿الرَّحْمَنِ﴾؛ لأن (فعلان) يدل على الامتلاء والسعة، كما تقول: شبعان وريان، وما أشبهها، وأما ﴿الرَّحِيمِ﴾ فهو باعتبار الفعل؛ أي: إيصال الرحمة إلى مَنْ قَدَّر الله أن يرحمه.
والبسملة لها أحكام؛ منها أنها تكون أحيانًا شرطًا في الحلِّ كالتسمية على الذبيحة، فإن التسمية على الذبيحة شرط لحلها حتى إنه لو تَرَك التسمية ولو نسيانًا لم تحلَّ الذبيحة، وقد تكون واجبة لا شرطًا كما في الوضوء عند بعض العلماء، فإن التسمية في الوضوء واجبة ولكنها ليست شرطًا للصحة؛ إذ لو تركها نسيانًا صح وضوؤه، وقد تكون مستحبة في كل أمر ذي شأن كما جاء في الحديث: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي شَأَنٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِاسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» » أو: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ»[[أخرجه الخطيب في الجامع (١٢١٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] يعني: ذي شأن مهم لا يُبدَأ فيه بباسم الله فهو أبتر، أي منزوع البركة؛ ولهذا كان النبي ﷺ يَبْتَدِئ بها في المكاتَبات إلى الملوك وغيرهم، وكذلك الأنبياء مِنْ قبله كما جاء في القرآن الكريم: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل ٣٠، ٣١].
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿حم﴾ [غافر ١] هذه كلمة مُكوَّنة من حرفين مهملين هجائيين الحاء والميم؛ ولهذا ننطق بها باسمهما لا بلفظهما، فلا نقول: حم، بل نقول: حاء ميم باسمهما، فهما إذن حرفان مهملان هجائيَّان يتركَّب منهما كلام الناس، فهل لهذين الحرفين معنى؟
يقول المؤلف: (الله أعلم بمراده به) يعني: ما ندري ماذا أراد؛ هل أراد إثبات معنى، أم لم يرد إثبات معنى؟ وهل أراد معنى معينًا أم ماذا؟ المهم أننا نفوِّض، فموقفنا من هذا التفويض كغيره من الحروف الهجائية التي ابْتُدِئت بها بعض السور.
ولكن مقتضى كون القرآن باللسان العربي أن نقول: إنهما حرفان هجائيان مهملان ليس لهما معنى؛ يعني نجزم بأنه لا معنى لهما، لأن القرآن نزل باللغة العربية، واللغة العربية لا تجعل للحروف الهجائية معنى، وهذا مروي عن مجاهد إمام المفسرين في زمنه زمن التابعين، وهو الحق؛ لأن الله تعالى قال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٣ - ١٩٥].
فإن قال قائل: يَرِد على هذا القول أن في القرآن ما ليس له معنى وليس له فائدة، وإنما هو حروف مُقَطَّعة ليس لها فائدة.
قلنا: الجواب عن هذا الإيراد أن الله سبحانه وتعالى تَكَلَّم بذلك لمغزى لا لمعنى؛ أي: لحكمة بالغة وهي أن هذا القرآن الذي أعجزكم أيها البلغاء من العرب لم يكن أتى بشيء جديد من حروف، بل أتى بالحروف التي تُرَكِّبون منها كلامكم ومع ذلك أعجزكم، عَجَزْتُم عن صفِّ الحروف حتى تكون مثل القرآن، فإذا كنتم عجزتم عن ذلك فعجزكم عن معنى هذه الكلمات من باب أولى، وهذا الذي ذكره الزمخشري في تفسيره وارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وذكره أيضًا إما ابتداء أو تقليدًا، المهم أن هذا هو الصواب عند المحققين؛ وهو أن الله تعالى أنزلها لتمام التحدي لهؤلاء البلغاء الذين عجزوا أن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل بعضه، وأَيَّدوا قولهم هذا بأن الله تعالى لم يبتدأ سورة بحروف هجائية إلا ذَكَر بعدها القرآن إلا نادرًا.
ثم قال الله عز وجل: (﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ [غافر ٢] القرآن) يعني المراد بالكتاب هنا القرآن، مع أن الكتاب اسم جنس يحتمل أن تكون فيه (أل) للجنس فيشمل كل كتاب، ولكن الظاهر ما ذهب إليه المؤلف؛ لأن المقصود بذلك تقرير كون هذا القرآن الذي نزل على المكذبين من عند الله عز وجل.
وقوله: (مبتدأ) يريد قوله: ﴿تَنْزِيلُ﴾ أي أنها مبتدأ، والمبتدأ يحتاج إلى خبر، والخبر قوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ ولهذا قال المفسر: (﴿مِنَ اللَّهِ﴾ خبره) تنزيل الكتاب من الله لا من غيره.
﴿الْعَزِيزِ﴾ قال: (في ملكه ﴿الْعَلِيمِ﴾ بخلقه) العزيز ذو العزة، وقد سبق أن عزة الله تنقسم إلى كم؟ ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع. وهو كذلك في كل موضع جاء العزيز فهذا هو معناه؛ أي أنه ذو عزة. والعزة ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع؛ أما عزة القدر فمعناها أنه ذو شرف وسيادة. وأما عزة القهر فمعناها أنه ذو غلبة وسلطان. وأما عزة الامتناع فمعناه أنه ذو امتناع عن كل نقص وعيب. وقد سبق الاستشهاد على هذه المعاني الثلاثة وبيان اشتقاقها؛ فيكون قول المؤلف: (﴿الْعَزِيزِ﴾ في مُلْكِه) فيه قصور؛ لأنه جعله بمعنى الغالب فقط، والصواب ما ذكرنا لكم.
﴿الْعَلِيمِ﴾ قال: (بخلقه) والعليم أي ذو العلم. وعلم الله سبحانه وتعالى ليس بمحدود لا أولًا ولا آخرًا ولا مقدارًا، علم الله تعالى واسع شامل لكل شيء. علم الله تعالى أَزَلِيٌّ أي: لم يَسْبِقْه جهل، علم الله تعالى أبدي أي: لا يلحقه نسيان، فصار علم الله تعالى واسعًا شاملًا زَمَنًا وكَيْفًا؛ أي: زَمَنًا أي: في المستقبل وفي الماضي، وكيفًا أي أنه شامل لكل ما من شأنه أن يُعْلَم.
(﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ [غافر ٣] للمؤمنين ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ لهم ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ للكافرين) قوله: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ الغَفْر هو الستر مع الوقاية، ومنه المِغْفَر ما يوضع على الرأس عند الحرب لاتقاء السهام، وكما ترون أن المِغْفَر ساتر فهو جامع بين السَّتْرِ والوقاية، والذنب المعصية، يقال: أَذْنَب الرجل إذا عَصَى، ومعنى غافر الذنب أي: ساتره المتجاوز عنه، وقول المؤلف: (للمؤمنين) فيه نظر واضح؛ لأن مغفرة الذنب شامل للمؤمنين وغير المؤمنين؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨] فهو غافر الذنب لكل من تاب إلى الله وسأل المغفرة.
﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ قابله معناها أن مَنْ تاب إلى الله قَبِل الله توبته، والتوب بمعنى الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته، وقال المؤلف: (لهم) لمن؟ (للمؤمنين) وهذا أيضًا ليس بصحيح، فالتوبة مقبولة من المؤمنين والكافرين، قال الله تبارك وتعالى عن المشركين: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة ١١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [النساء ١٧، ١٨] قال: ﴿يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ إذن لو تابوا قبل ذلك لقُبِلَت، فتبيَّن بهذا أن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من تخصيص ذلك بالمؤمنين يُعْتَبر قصورًا.
قال: (مصدر) أيهما قابل أو التوب؟ (قابل) اسم فاعل، إذن فالمصدر هو التوب.
(﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ للكافرين) المؤلف رحمه الله كأنه خص الغافر والقابل بالمؤمنين؛ لقوله: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾؛ لأن شِدَّة العقاب إنما هي للكافرين. ولكن في هذا نظرًا؛ لأن المقصود هنا ذكر صفة الله سبحانه وتعالى أنه جمع بين الفضل والعدل؛ بين الفضل في كونه غافر الذنب وقابل التوب، والعدل في كونه شديد العقاب، لأن شدة العقاب من الله عز وجل لِمَنِ استحقها عدل؛ إذ إن الله أخبرنا وبيَّن لنا أن مَنْ فعل كذا عاقبه بالعقوبة الشديدة، فإذا فعل الإنسان ما تُوُعِّد عليه بالعقوبة الشديدة فهو الذي اختار لنفسه هذا فتكون معاملة الله له به تكون عدلًا.
وقوله: (أي: مُشَدِّدِه) انتبهوا لهذا التفسير (أي: مُشَدِّدِه)، لماذا عَدَل عن ظاهر الآية التي تُفيد أنه نفسه شديد العقاب؟ نعم، لأنهم ينفون الصفات؛ الأشاعرة، والتشديد فعل بائن عن الله عز وجل. فلننظر الآن؛ على كلام المؤلف تكون شديد بمعنى مشدِّد، ولنا أن نطالب فنقول: هل (فعيل) تأتي بمعنى (مفعل)؟
الجواب: نعم، تأتي (فعيل) بمعنى (مفعل) كقول الشاعر:
؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ
السميع هنا بمعنى المسمع، الداعي الذي يسمعني يؤرقني فلا أنام وأصحابي هجوع نائمون، فمن حيث اللفظ لا اعتراض على المؤلف أي من حيث جعله (فعيل) بمعنى (مفعل) لا اعتراض عليه؛ لأن ذلك وارد في اللغة العربية، لكن من حيث المعنى فيه نظر؛ لأن ظاهر قوله: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ أنه هو نفسه عقابه شديد وهو كذلك، فإذا كان العقاب شديدًا لزم أن يكون الألم -ألم من عوقب- شديدًا أيضًا.
والعقاب مأخوذ من المعاقبة وهي المجازاة؛ وسميت المجازاة عقابًا لأنها تَعْقُب العمل، لكنها تُذْكَر غالبًا فيما يسوء لا فيما يسر.
﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (ذي) بمعنى صاحب، وهي مجرورة بالياء نيابة عن الكسرة؛ لأنها من الأسماء الخمسة، و﴿الطَّوْلِ﴾ يقول: (أي: الإنعام الواسع) هذا الطول؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء ٢٥] إلى آخره، فالطَّوْل هو الغنى الواسع، ومن تمام الغنى أن يكون مُنْعِمًا، والله سبحانه وتعالى مُنعِم واسع الغنى ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾.
قال: (وهو موصوف على الدوام بكلٍّ من هذه الصفات، فإضافة المشتق منها للتعريف كالأخيرة) عندنا فيه عدة صفات ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ﴾ كم هذه؟ هذه أربعة، الأخيرة غير مشتق فإن ﴿ذِي﴾ بمعنى صاحب غير مشتقة لكنها مؤولة بمشتق، أما ما قبلها شديد العقاب قابل التوب غافر الذنب فهي مشتقة، وجعل المؤلف رحمه الله هذه الصفات لا يُراد بها إثبات المعنى المشتق منه، ولكنها للتعريف فقط، ولا يخفى ما في هذا الكلام من القصور التام، كيف نجعل المشتق لمجرد التعريف؟ كيف نقول: غافر الذنب المراد بذلك التعريف بالله عز وجل لا أنه غافر ولا أن قابل ولا أنه شديد العقاب؟ فهو قاصر جدًّا، ولا يصح أن نُفَسِّر كلام الله تعالى بهذا الكلام، بل نقول: غافر مشتق من الغَفْر وهو صفة مقصودة، ليس المقصود بها التعريف، وكذلك نقول في قابل التوب، وفي شديد العقاب.
وقول المؤلف: (موصوف على الدوام بكل من هذه الصفات) قال ذلك هربًا من إثبات صفات الأفعال، لأنك إذا قلت: غافر بمعنى يغفر صارت صفة فِعْلٍ يتعلق بالمشيئة.
وعند الأشاعرة وغيرهم من المتكلمين يمتنع أن يوصف اللهُ تعالى بوصف هو فِعْل، لا يمكن، لماذا؟ قالوا: لأن الفعل يدل على الحدوث، والحدوث لا يكون في القديم، لا يكون الحدوث إلا بحادث، وقد سبق لنا بيان بطلان هذا القول، فالصواب إِذَن أن غافر وقابل صفتان من صفات الأفعال، وأما (شديد العقاب) فهي أيضًا صفة من صفات الأفعال لأن التقدير عقابه شديد، فهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي أن عقابه شديد فتكون كما سبق من الصفات الفعلية.
وأما ذي الطول فإذا قلنا: إن معناه ذي الغنى الواسع فهي من صفات الذات، وإذا قلنا: إنها بمعنى الإنعام الواسع فهي من صفات الأفعال.
(﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ المرجع) الجملة خبرية مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر فيها مُقَدَّم أو مؤخر؟ مقدم، وإذا قُدِّمَ الخبر أفاد التخصيص والحصر.
﴿إِلَيْهِ﴾ أي: إلى الله وحده ﴿الْمَصِيرُ﴾ المرجع، وهل المراد بقوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي المرجع في كل شيء، أو إليه المصير بعد الموت؟ الجواب إليه المصير في كل شيء، فإليه المرجع في الحُكْم بين الناس، إليه المرجع في تدبير الأمور، إليه المرجع بعد الموت، إليه المرجع في كل شيء ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد ٣].
* طالب: ذكرنا أن (شديد) صفة فعل.
* الشيخ: كيف صفة فعل؟
* الطالب: لأن المؤلف هرب من (...).
* الشيخ: لا هي صفةٌ لفعله، ما هي صفة فعل، صفة لفعل الله؛ يعني: نفس العقاب شديد، وهو جعلها مشدِّد شيئًا منفصلًا عن الله عز وجل.
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، ما نقول: إن الحروف المقطعة هذه في أوائل السور تدخل فيما قاله ابن عباس: إن القرآن أربعة أقسام، القسم الرابع أنه ما لا يعلمه إلا الله؟
* الشيخ: لا، هذه تدخل على رأي المؤلف، أما على القول الذي رجحنا فإنه معلوم أنه ليس لها معنى، يعني مما يدخل تحت علمنا أنه ليس لها معنى.
* طالب: قول المؤلف: مشدِّد (...).
* الشيخ: لا؛ لأن مشدد أي: جاعله شديدًا، فهي مثل القادر يعني تعود الصفة على مذهب الأشاعرة إلى القدرة وتعود على مذهب الماتريدية إلى الخلق، لأن الماتريدية يثبتون الخلق والتكوين بخلاف الأشاعرة.
* طالب: بالنسبة يا شيخ قوله: ﴿قَابِلِ التَّوْبِ﴾ (...).
* الشيخ: لا، هذه أوصاف، و﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ وصف، ولهذا جاءت باسم الفاعل، وجاء الغفور الذي هو اسمه على صيغة المبالغة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: سمعتم السؤال؟ يقول: كيف نجمع بين القول بأن أسماء الله تعالى لا تُحْصى وبين قول النبي ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٣٦)، ومسلم (٢٦٧٧ / ٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]؟
والجواب عن ذلك أن نقول.. الجواب عن ذلك ولَّا على ذلك؟ إذا كان السائل مستفهِمًا فقل: الجواب على ذلك. وإذا كان مُورِدًا أي مناقضًا فقل: الجواب عن ذلك؛ ولهذا يكون الجواب عن ذلك في مقام الرد على مَنْ اعترض عليك، والجواب على ذلك في جواب مَنِ استرشد، فالآن هل نقول بالنسبة لسؤال الأخ الجواب على ذلك أو عن ذلك؟ على ذلك إحسانًا للظن، وإلَّا لو جاء واحد يبغي يعترض قلنا: الجواب عن ذلك، أما الآن فنقول: الجواب على ذلك أن كلام النبي ﷺ ككلام الله لا يتناقض أبدًا، فإذا كان قد ثبت عنه أنه قال: «أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» » علمنا أن مِنْ أسماء الله ما لا يمكن الوصول إليه، ولا يمكن إدراكه؛ لأن ما استأثر الله به لا يمكن أن نعلمه، فحينئذ يتعين أن نقول: إن معنى قوله: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ» » أي: من أسمائه تسعة وتسعين مَنْ أحصاها دخل الجنة، فتكون جملة «مَنْ أَحْصَاهَا» » وصفًا لكلمة «اسْمًا» » وليست جملة مستقلة مستأنفة، تكون معنى «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» » موصوفة بأن مَنْ أحصاها دخل الجنة، وله أسماء أخرى لكن اختر منها تسعة وتسعين فإذا أحصيتها دخلتَ الجنة، وما معنى إحصائها هل معناها أن تقرأها لفظًا؟ لا، إحصاؤها هو معرفتها لفظًا ومعنى، والتعبد لله بمقتضاها، أي معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله تعالى بمقتضاها.
* طالب: شيخ، عقاب الله منه النار وكأنها هي التي وُصِفَت بالشدة، فكيف وصفنا بها الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: هو نفسه شديد العقاب، أنا مثلًا إذا قلت: فلان قوي الضرب، يعني ضربه هو الواقع منه قوي، العقاب الواقع منه شديد.
* الطالب: (...) الموصوف العقاب؟
* الشيخ: الموصوف الله عز وجل شدة عقابه هو، أما المعاقَب به فهذا شيء آخر، عندنا عقاب ومعاقَب به ومعاقب وارد عليه العقاب، فإذا عاقبتَ شخصًا بالضرب فهذا الضرب معاقَب به، وأما ضرب الضارب فهو وصفه الذي هو عقابه.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر ١ - ٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿حم﴾ إلى آخره البسملة جار ومجرور، ومضاف ومضاف إليه، وصفة وموصوف فأين مُتعلَّقه؟ يعني بأي شيء تعلقت.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، من جهة الإعراب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: متعلقة بفعل محذوف مؤخَّر مناسب للمقام، طيب الآن إذا كنتُ أريد أن أقرأ فكيف تقدر هذا المحذوف؟
* طالب: باسم الله أقرأ.
* الشيخ: باسم الله أقرأ، أحسنت، في القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق ١]، فأتى بـ(اقرأ)، الذين قدروا (أبتدئ) هل تقديرهم صحيح أو مرجوح؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأن الفعل المقدر لا بد أن يكون مناسبًا للمقام.
* الشيخ: ما هو لا بد، ما هو هذا.
* طالب: ليكون أنسب.
* الشيخ: ليكون أنسب بمعنى مناسب للمقام.
* طالب: تقديرهم صحيح، لكن الأولى أن يكون تقديرهم أدل.
* الشيخ: تمام، تقديرهم صحيح، لكن كون الفعل مناسبًا أدل على المقصود؛ لأنك إذا قلت: أبتدئ، بأي شيء؟ لكن إذا قدرتَه: أقرأ، أتوضأ، أغتسل، وما أشبه ذلك صار أدل على المقصود.
فيه أيضًا وجه آخر تبيَّن لنا، وهو أنك إذا قلت: باسم الله أبتدئ صارت البسملة على الابتداء فقط، إذا قلت: باسم الله أقرأ صارت البسملة على كل الفعل، وهذه فائدة أكبر بكثير من مناسبة التعيين، إذا قلت: باسم الله أبتدئ صارت البسملة على الابتداء فقط، إذا قلت: باسم الله أقرأ صارت البسملة على كل الفعل، وكذلك: إذا قلت: باسم الله أتوضأ صارت البسملة على كل الفعل من أوله إلى آخره، بخلاف ما إذا قلت: باسم الله أبتدئ فإن البسملة تكون على الابتداء فقط.
هل سورة غافر مكيَّة أو مدنية؟
* طالب: مكيَّة نستدل من سياق السورة نفسها (...).
* الشيخ: هي مكية، وكل السور المُبتدَأَة بحروف الهجاء مكيَّة إلا البقرة وآل عمران.
فما هو المكي والمدني؟
* طالب: المكي ما نزل بمكة.
* الشيخ: إذن ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة ٣] مكية وهي نزلت يوم عرفة؟
* طالب: (...) نزل قبل الهجرة.
* الشيخ: ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وما نزل بعدها فهو مدني، هذا هو أرجح الأقوال؛ أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وما نزل بعدها مدني حتى وإن نزل بمكة.
ما هو القول الراجح في الحروف الهجائية التي تُبْتَدَأ بها السور؟ ﴿حم﴾ ويش القول الراجح فيها؟
* طالب: قال المؤلف: (الله أعلم بمراده).
.. تمام قال المؤلف: (الله أعلم بمراده بها)، لكن ما قلنا نحن: إنه أرجح؟
* طالب: مقتضى اللغة أنهما حرفان هجائيان.
* الشيخ: وليس لهما معنى في حَدِّ ذاتهما.
ما وجه ترجيحنا لهذا القول؛ أن القرآن عربي نزل باللغة العربية، مقتضي الكلام العربي أن هذه الحروف بهذه السياق ليس لها معنى دلالي؛ أن القرآن نزل بلغة العرب، ولغة العرب تقتضي أن هذه الحروف ليس لها معنى؟ لكن ذكرنا أن لها مغزى، ما هو؟
* طالب: هو تحدي العرب بأن القرآن نزل وأُلِّف بنفس الحروف التي تتكلمون بها، ومع ذلك عجزوا عن الإتيان بمثله مما يدل على أنه من عند الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: تمام؛ ولهذا نجد أن كل سورة ابتُدِئت بهذه الحروف يُؤْتَى بعدها بذكر القرآن، تمام.
ما معنى قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر ٢]؟
* الطالب: هذا الكتاب القرآن نزل من عند الله عز وجل.
* الشيخ: إي نعم، تنزيله من الله لا من غيره.
اختيار لفظ ﴿الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أو اختيار هذين الاسمين على غيرهما من الأسماء في هذه السورة، يعني في سورة فُصِّلَت قال: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت ٢]، هنا قال: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: وفصلت مَكِّيَّة.
* طالب: لأن هذا مناسب من باب التغيير في القوة أحيانًا والرحمة أحيانًا.
* الشيخ: نخليها في الفوائد أحسن.
ما معنى قوله: ﴿ذِي الطَّوْل﴾؟
* طالب: ﴿ذِي الطَّوْل﴾ ذي بمعنى صاحب الغنى الواسع.
* الشيخ: الغنى الواسع، ويترتب عليه الإفضال والإحسان.
قوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي مصير هو؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مصير كل شيء، طيب، هل هناك شاهد لكون المصير هنا مصير كل شيء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: أن الله سبحانه وتعالى..
* الشيخ: لا، أنا ما أريد تعليلًا، أنا أريد شاهدا للآية على أن مصير كل شيء إلى الله.
* طالب: وإليه تصير الأمور.
* الشيخ: نفس الشيء.
* طالب: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود ١٢٣]، ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة ٢١٠].
نرجع الآن إلى فوائد هاتين الآيتين؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿حم﴾ [غافر ١].
* من فوائدها: أن القرآن الكريم حروف تكلم الله به بحروف، ففيه الرد على الأشاعرة ومَنْ سلك سبيلهم الذين يقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وإن الله لا يتكلم بحرف وصوت، لكن يخلق حروفًا وأصواتًا تُسْمَع تعبيرًا عما في نفسه، وحقيقة هذا القول نفي الكلام؛ لأن ما في النفس من المعلومات المرتبة ليست كلامًا ولكنها معلومات، علم، وليست كلامًا، مفهوم؟
والرد عليهم معلوم من كتب العقائد؛ منها أن القول إذا أُطْلِق فهو قول اللسان، وإذا أريد به قول النفس حُدِّد مثل: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨] ومثل: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: علو الله عز وجل؛ يؤخذ من قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ [غافر ٢] لأن النزول لا يكون إلا من أعلى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن كلام الله لا كلام غيره؛ لقوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ [غافر ٢] وذلك أن ما ذكر الله أنه نزله ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون أعيانًا قائمة بنفسها فهذه مخلوقة، أو تكون أوصافًا لا تقوم إلا بالغير فهذا غير مخلوق، عرفتم؟ مثال الذي أضاف الله إنزاله إلى نفسه وهو عين قائمة بنفسها قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد ٢٥] الحديد مخلوق ولَّا غير مخلوق؟ طيب ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر ٦] أعيان قائمة بنفسها مخلوقة، ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ [الأعراف ٢٦] مخلوق، إذن فما أضاف الله إنزاله إليه وهو عين قائمة بنفسه فهو مخلوق وإلَّا فهو غير مخلوق، القرآن هل هو عين قائمة بنفسها أو كلام لا يقوم إلا بالغير؟ الثاني، إذن هو غير مخلوق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وصف القرآن الكريم بالكتاب، فلماذا وُصِفَ بالكتاب؟
نقول: أولًا لأنه يُكْتَب فهو مكتوب بالمصاحف التي بأيدينا.
ثانيًا: أنه في صُحُفٍ بأيدي الملائكة: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ [عبس ١٢، ١٣].
ثالثًا: أنه مكتوب في اللوح المحفوظ: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج ٢١، ٢٢]؛ وعليه فكتاب بمعنى مكتوب، وحينئذ نسأل هل يأتي فعال بمعنى مفعول، نقول كثيرًا؛ كغراس بمعنى مغروس، وبناء بمعنى مبني، وفراش بمعنى مفروش، وما أشبهه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات ثلاثة أسماء من أسماء الله: الله، والعزيز، والعليم؛ ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [غافر ٢]، وإثبات ما دلت عليه هذه الأسماء من الصفات؛ فالله دلَّ على الألوهية، والعزيز على العزة، والعليم على العلم.
واعلم أن كل اسم من أسماء الله فإنه متضمن لصفة، وليس كل صفة يُشْتَق منها اسم؛ ولهذا قلنا: إن الصفات أوسع من الأسماء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذِكْر الأسماء المناسبة للمقام؛ يعني أن الله جل وعلا يذكر من أسمائه ما يناسب المقام، فهذه السورة تتحدث عن المكذبين للرسل وما جرى عليهم من الهلاك والانتقام. فما الذي يناسبه من الأسماء؟ العزة التي فيها الغلبة والأخذ؛ فلهذا جاءت هنا العزيز، وجاء العليم ليُفيد أنه لعزته أخذ هؤلاء المكذبين، ولعلمه أنزل الكتب وعلم كيف يأخذ هؤلاء المكذبين.
* ومن فوائد الآية الكريمة التي بعدها الآية الثانية: أن الله جل وعلا يغفر الذنوب جميعًا؛ لقوله: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾ [غافر ٣]، والذنب هنا مفرد محلى بـ(أل) فيكون عامًّا؛ لأن المفرد المحلى بـ(أل) يكون عامًّا؛ مثل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ٢] أي: إن كل إنسان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحث على فعل ما تكون به المغفرة؛ وجه ذلك أن الله لم يخبرنا بأنه غافر الذنب من أجل أن نعلم أنه غافر فقط، لكن من أجل أن نتعرض لمغفرته. فما هي الأسباب التي تكون بها المغفرة؟
الأسباب كثيرة؛ منها الاستغفار اللهم اغفر لي، ومنها أعمال صالحة يُكَفِّر الله بها الخطايا، ومنها إحسان إلى الخلق حتى أن الله عز وجل غَفَر لامرأة بَغِيٍّ بسقيها كلبًا عطشان، فأسباب المغفرة كثيرة، وغفر لرجل وجد شجرة في الطريق تؤذي الناس فأزالها فغفر الله له، المهم أن نتعرض لأسباب المغفرة؛ لأن ذلك مقتضى قوله: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يقبل التوبة من عباده، ولكن لا يُقْبَل الشيء حتى يكون جاريًا على مقتضى الشريعة؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري بنحوه (٢٦٩٧)، ومسلم واللفظ له (١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] فما هي التوبة الجارية على مقتضى الشريعة؟
التوبة الجارية على مقتضى الشريعة ما جمعت خمسة أمور وهي ما يُعْرَف بشروط التوبة:
الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة هو إخلاصه لله عز وجل، حب التقرب إليه والفرار من عقوبته، فلا يحمله على التوبة مراعاة الخلق ولا حصول الجاه والرئاسة وإنما يحمله الإخلاص لله.
الثاني: الندم على فعل المعصية؛ أن يشعر الإنسان بانفعال ندم وحسرة على ما وقع منه، فلا بد مِنْ نَدَمٍ؛ لأن الندم الذي يتبين به حقيقة رجوع الإنسان إلى الله وأن هذه المعصية أَثَّرت في نفسه فندم على ما جرى منه، لا يقال: إن الندم انفعال، والانفعال يأتي بغير الاختيار؛ كالغضب مثلًا، والحزن من الواقع، يقال: المراد بالندم هنا تحسُّر القلب فهو انفعال يقع من الإنسان ليس كالانفعال الذي يأتي سببه من الخارج هذا ربما لا يستطيع الإنسان أن يُغَيِّر ما وقع.
الشرط الثالث: التخلِّي عن المعصية والانفصال عنها، فإن تاب وهو مُصِرٌّ فإن توبته أشبه ما تكون بالاستهزاء. كيف يقول الذي يأكل لحم الخنزير: أستغفر الله تعالى وأسأل الله أن يجعل طعامي طيبًا؟! أيش هذا؟! يصلح هذا أو ما يصلح؟ وهو يأكل، هو يمضغ اللحمة جيدًا ويقول: أستغفر الله من أكل لحم الخنزير وأسأل الله أن يجعل طعامي طيبًا، هذا أشبه ما يكون بالمستهزئ.
لو أن رجلًا نهاك عن شيء ووجدك تعمل هذا الشيء وأنت تقول: أرجو منك أن تعذرني، وما أشبه ذلك، وهو يأكل، وقال له: لا تأكل. ويأكل. هذا الذي يخاطبه سوف يقول: إنك تستهزئ بي وتسخر بي، فلا توبة مع الإصرار، لا بد أن يتخلى عن الذنب.
إذا كان الذنب لله فالتخلِّي عنه سهل، لكن إذا كان الذنب لغير الله؛ يعني: أذنب في حقِّ غير الله فكيف يتخلى منه؟
نقول: إذا كان مالًا فالتخلي عنه بإيصاله إلى صاحبه بأي وسيلة كانت، فإن كان قد مات فإلى ورثته، فإن جَهِلَهم فإلى بيت المال، أو إذا كان بيت المال غير منتظم أو يخشى عليه أن يضيع فليتصدق به هو لصاحبه، كم مرحلة الآن؟ أربع؛ لصاحبه، لورثته، لبيت المال إن جهلهم، يتصدق به، وأيهما أولى بيت المال أو الصدقة؟ الغالب أن الصدقة أولى لا سيما في زماننا هذا حيث أن بيت المال قد لا يتصرف فيه ولي الأمر التصرف الذي يُرْضِي.
إذا كان عدوانًا على النفس، ما هو مال، فالتوبة منه أن يُمَكِّن صاحب الحق من الاقتصاص منه، فمثلًا إذا كان قد اعتدى على شخص بضرب فليذهب إليه ويقول: أنا اعتديت عليك بالضرب، اضربني كما ضربتك، كما فعل النبي ﷺ مع الرجل الذي ضربه النبي ﷺ حينما رآه متقدِّمًا في الصف فقال الرجل: أقدني يا رسول الله، فكشف النبي ﷺ عن بطنه ليُقيدَه[[أخرج البيهقي (١٦٠٢٠) عن سواد بن عمرو رضي الله عنه قال: أتيت النبي ﷺ، وأنا متخلق بخلوق، فلما رآني قال لي: «يا سواد بن عمرو، خَلوق ورس؟ أَوَلَمْ أنهَ عن الخلوق؟»، ونخسني بقضيب في يده في بطني فأوجعني، فقلت: يا رسول الله القصاصَ، قال: «القَصاصَ» فكشف لي عن بطنه فجعلت أقبله، ثم قلت: يا رسول الله! أَدَعُهُ شفاعة لي يوم القيامة.]]، فماذا فعل الرجل؟ قَبَّله، فهذا النبي ﷺ وهو أشرف الخلق وأحب الناس إلى أتباعه مَكَّن من الاقتصاص منه، هذا اثنان، المال والبدن.
إذا كان في العرض اعتديت على شخص بعرضه؛ يعني بأن اغتبته أو سَبَبْتَه، والفرق بين الغيبة والسب أن السب مواجهة والغيبة مع الغَيْبَة، فذكرك أخاك بما يكره إن كان غائبًا فهي غيبة، وإن كان حاضرًا فهو سب، التوبة من هذا أن تَسْتَحِلَّه، فهل لو قلت: سُبَّني كما سببتُك يصح أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن هذا جناية على نفسك، ولكن استحلَّه، هذا إذا كان سبًّا؛ لأنه قد علم بذلك، إذا كان غيبة فهل تستحله تذهب إليه وتقول: إني اغتبتك، فاعذرني، اسمح لي؟
الجواب: قال بعض العلماء: نعم، يجب أن تذهب إليه وتقول: أنا اغتبتك فاعذرني حلِّلْنِي. وقال بعض أهل العلم: لا يلزم استحلاله، بل يكفي أن تَسْتَغْفِر له كما جاء في الحديث وإن كان ضعيفًا: «كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ»[[أخرج البيهقي في الدعوات (٥٧٥) من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبتَه؛ تقول: اللهم اغفر لنا وله». قال البيهقي: في هذا الإسناد ضعف، والله أعلم.]] استغفر له وأثنِ عليه بما هو أهله في الأماكن التي اغتبتَه فيها، تكون الحسنات يذهبن السيئات. وهذا القول أصح؛ لأن هذا فيه البراءة وعدم التشويش؛ لأنه ربما لو تذهب إليه تقول: اغتبتك فحلِّلْني، مهما أتيتَ به من صيغة الغيبة قد لا يقتنع بها، إذا قلتَ: إني قلتُ فيكَ: إنك بخيل. قد يقول: إنك قلتَ: بخيل وجبان. أليس كذلك؟ ربما يقول له الشيطان هكذا، ويأبى أن يُحَلِّلَكَ، فإذا كان لم يعلم فاحمد الله على ذلك واستغفر له، وأثنِ عليه بما هو أهلُه في الأماكن التي كنتَ اغتبتَه فيها وبذلك تَسْلَم من الإثم، هذه صفة التخلي من الذنب إذا كان في حق غير الله.
هنا سؤال: بعض الناس يكون عليه حقٌّ ماليٌّ لشخص إما سرقه أو جحده أو ما أشبه ذلك، ثم يتوب هذا الفاعل ويذهب إلى صاحب الحق ويقول: خذ حقك فيأبى صاحب الحق، يأبى أن يأخذه، فماذا يصنع؟ وهذا يَرِدُ كثيرًا؛ يكون صاحب الحق قد حمل في نفسه على هذا الظالم الذي ظلمه ويأبى أن يَقْبَل، فماذا يصنع هل نقول: إنه حينئذ سقط حقُّه وصحَّت توبة المعتدي، ويبقى إن طلب حقه مرة أخرى أُعْطِيَ وإن لم يطلب فإن المعتدي برئ؟ نقول: ننزل هذه الحال على القواعد الشرعية، القواعد الشرعية تقتضي أن هذا الذي عليه الحق قد بَرِئ؛ لأن الله يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، وهذا ما يسعه، قَدَّم الحق لصاحبه وقال: خذ. قال: لا، لا آخذه، أنت اعتديت عليَّ بالأول ولا أقبل منك، هذا الذي أبى أن يقبل هو الذي أخطأ وجنى؛ لأنه ينبغي للإنسان إذا اعتذر إليه أخوه أن يَقْبَل عذرَه، لكن هذا هو الذي جنى الآن. فهذا الرجل نقول: أنت الآن برئت ذمتُك، خلِّ الدراهم عندك إن جاء يومًا من الدهر أعطها إياه، وإن مات فهل يلزمه أن يعطيه الورثة؟
الجواب: في هذا نظر، وذلك أن الرجل الذي اعتُدِيَ عليه لم يقبل هذا المال ولم يدخل في ملكه، فإذا كان لم يقبله ولم يدخل في ملكه فكيف ينتقل إلى الورثة، ومن شرط الإرث انتقال المال عن الموروث، وهذا الموروث لم يقبل هذا المال؟
وقد يقال: إن الأصل أنه ملكه فيلزم الرد إلى ورثته، وهذا الأخير أحوط لكن في وجوبه نظر؛ لأن الذي اعتدى وأراد أن يرد يقول: أنا أعطيت الرجل وأبى أن يتملكه، فكيف ينتقل إلى الورثة؟ ولكن نقول: الأحوط والأولى أن يَرُدَّه إلى الورثة ليسلم منه، لكن لو فُرِضَ أنه لا ورثة له أو أن ورثته مجهولون فإن هذا التائب قد أدى ما عليه. هذه ثلاثة شروط.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب أو ألا يعود إلى الذنب. الأول أو الثاني؟ الأول أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب، أو الشرط ألا يعود إلى الذنب؟
الأول؟ ما الفرق بينهما؟ الفرق بينهما أننا إذا قلنا: الشرط ألا يعود ثم عاد بطلت التوبة الأولى، وإذا قلنا: الشرط العزم على ألا يعود وقد عزم ألا يعود، ثم عاد فالتوبة الأولى تبقى صحيحة، وعليه أن يتوب توبة ثانية للذنب الجديد، وعلى كل حال فالشرط هو العزم ألا يعود في المستقبل، فإن عاد فعليه توبة أخرى، فتاب وعاد يتوب، عاد يتوب، فعاد يتوب.
فإن قال قائل: أليس قد ثَبَت في الصحيح أن الرسول ﷺ أخبر «أَنَّ رَجُلًا أَذْنَبَ فَتَابَ، ثُمَّ أَذْنَبَ فَتَابَ، ثُمَّ أَذْنَبَ فَتَابَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ»[[أخرج البخاري (٧٥٠٧) ومسلم واللفظ له (٢٧٥٨ / ٢٩) بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك».]]؟ فهل هذا يعني أن الإنسان إذا تكرر منه الذنب وهو يستغفر يُغْفَر له؟
الجواب: نعم مهما أذنب ثم استغفر يُغْفَر له.
لكن لو قال قائل: إن ظاهر الحديث «فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ» » يعني فليعصِ الله، قلنا: لا يستقيم هذا؛ لأنه يخالف الأدلة الكثيرة الدالة على أنه لا بد لكل ذنب من توبة إلا طائفة واحدة من هذه الأمة هم الذين لا يحتاجون إلى توبة من الذنب وهم أهل بدر، فإن الله اطلع إليهم وقال: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٩٠) ومسلم (٢٤٩٤ / ١٦١) من حديث عليٍّ رضي الله عنه.]].
الشرط الخامس: أن تكون التوبة في الوقت الذي تُقْبَل فيه التوبة، وهو أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل حضور الأجل، الأول عام لكل أحد، لا توبة لأحد إذا طلعت الشمس من مغربها؛ لقول النبي ﷺ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[[أخرجه أبو داود (٢٤٧٩) من حديث معاوية رضي الله عنه، ولفظه: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».]]، وهذا يؤيده قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام ١٥٨] والمراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها.
الثاني: أن تكون قبل حضور الأجل، فإذا حضر الأجل لم تنفع التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨]، هذا ليس لهم توبة، وتطبيق هذا عمليًّا أن فرعون لما أدركه الغرق قال: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس ٩٠] فقيل له: ﴿آلْآنَ﴾ تؤمن ﴿وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس ٩١، ٩٢] لا رحمة بك، ولكن ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾، وأما روحك فلا نجاة لها، وإنما نجاه الله ببدنه؛ لأنه قد أرعب بني إسرائيل ولا يكادون يصدقون بأنه هلك حتى يشاهدوه فيطمئنوا، فلهذا نجاه الله ببدنه ليشاهدوه.
هل يُشْتَرَط ألا يكون مُصرًا على ذنب آخر؟ يعني: لنفرض أنه تاب من شرب الخمر، لكنه باق على الزنا، والعياذ بالله، فهل تصح توبته من شرب الخمر؟
في هذا خلاف، فمن العلماء من يقول: لا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب آخر.
ومنهم من قال: بل تصح؛ لأن كل ذنب له جُرْمُه. ومنهم من قال: إذا كان الذنب الذي أصر عليه من جنس الذي تاب منه فإن التوبة لا تصح، كرجل تاب من الزنا لكنه يُطْلِق بصره في النظر المُحَرَّم؛ فإن توبته من الزنا لا تصح، أو رجل تاب من النظر المحرم، ولكنه لم يتب من المسِّ المحرم هذا أيضًا لا تُقْبَل توبته.
ومن العلماء من قال: تُقْبَل مطلقًا، إذا تاب من ذنب تاب الله عليه من هذا الذنب؛ لأن الله عز وجل حَكَمٌ عَدْل، ورحمته سبقت غضبه، وهذا الرجل عنده جنايات متعددة تاب من واحدة منها فليكن تائبًا. وهذا القول أصح، ولكن لا يُطْلَق على هذا التائب وصف التوبة المطلق؛ لأن توبته هذا مُقَيَّدة؛ يعني: لا يستحق وصف التائبين على الإطلاق، فلا يدخل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢]؛ لأن هذا الرجل لا يصدق عليه أنه تائب على وجه الإطلاق لكنه تائب من ذنب واقعٌ في ذنب آخر، وهذا القول هو الذي تجتمع فيه الأدلة؛ فيقال: استحقاق الوصف المطلق فيمن تاب من ذنب مع الإصرار على غيره لا يكون، وأما وصفه بتوبة مُقَيَّدة فهذا صحيح.
* طالب: (...) كالزنا.
* الشيخ: لا، الزنا ما يدخل في هذا. قل: كالسرقة.
* طالب: وقُطِعَت يدُه (...).
* الشيخ: إذا قُطِعَت يده فلا بد من رد المال إلى صاحبه، نقول: هذا بالنسبة لحق الله سقط في إقامة الحد عليه، لكن لا بد من أن يوصل المال إلى صاحبه.
* الطالب: طيب يا شيخ الزنا ما يشترك فيه..
* الشيخ: الواقع أن الزنا يشترك فيه الفاعل والمفعول به، حتى المفعول به يتلذذ ويجد شهوة، نعم إذا قلنا بالإكراه فهذا صحيح عدوان لا بد من استحلاله.
* الطالب: (...) حق الله؟
* الشيخ: حق الله نقيم عليه الحد، وحق العباد وهو الإكراه والعدوان عليه لا بد من استحلاله.
* طالب: القاعدة التي ذكرتها أن ما أنزل من الأعيان يكون (...) من غير الأعيان (...) طيب السكينة (...) الأعيان نفسها؟
* الشيخ: وصفٌ في الغير ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح ٤]، وصف في الغير، السكينة في قلوبهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: يسأل يقول: رجل سرق من شخص مالًا ثم ردَّه عليه وقال: هذه هدية هل يبرَأ منه؟
لا ما يبرأ، إذا كان رده على أنه هديه وهذا قبله على أنه هديه، وأن المهدي له عليه منة وأنه يحتاج إلى مكافأة فرق.
* طالب: (...).
* الشيخ: لو وضع ريالًا وقال: هذه هدية؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: لكان مخادعًا، ألف ريال يحط معها ريالًا ويقول: هذه هدية علشان ريال من ألف! لا لا بد، لكن الحمد لله يقول: والله أنا في حالة سفه حصل، وهذه تقع كثيرًا في حال الصغر وإلا عدد كبير ما هو سارق إن شاء الله، لكن وهو صغير يسرق من دكان ولَّا من صاحب له يأخذ قلمًا يأخذ ساعة، لا بد أن يوصله إليه ويقول: هذه حق لك عليَّ، ولكن لو قال مثلًا: هذه من إنسان تاب وقد سرقها منك، ولا قال: أنا ولا غيره، هل يصح أو لا؟ هذا يصح، والظاهر أنه ينبني عليه استحلال المجهول.
* طالب: في الدرس الماضي (...) المؤلف رحمه الله تعالى الله بالمشدد يعني يتهرب من إثبات الصفات الفعلية (...) قال هنا: (﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ الْإِنْعَام الْوَاسِع وهو موصوف على الدوام بكل من هذه الصفات) فهو أثبت الصفات هنا؟
* الشيخ: أي، لكن على أنها صفات ذاتية، ثم هو أيضًا المؤلف لاحظ شيئًا آخر من جهة النحو، وهو أن (غافر الذنب) و(قابل التوب) و(شديد العقاب) هذه صفات مضافة، وإضافتها ليست محضة، إضافتها إضافة لفظية، والإضافة اللفظية لا تقتضي التعريف، أعرفت؟
* الطالب: لكن سماها صفات.
* الشيخ: إي ما يخالف هي صفات، لكن ما هو قصده؟ شف عبارة المؤلف: (وهو موصوف على الدوام بكل من هذه الصفات) إذا كان موصوفًا بها الدوام ماذا تكون؟ صفات ذاتية، ثم يقول: (فإضافة المشتق منها للتعريف كالأخيرة) المشتق غافر وقابل وشديد، يقول: (للتعريف) يعني: أن إضافتها أفادت التعريف (كالأخيرة) ما هي الأخيرة؟ (ذي الطول) فإن هذه الإضافة أفادت التعريف لا شك؛ لأنها إضافة اسم جامد إلى معرفة فيكون معرفة.
انتبهوا، اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة إذا أضيفت فإنها لا تفيد التعريف، إضافتها لا تفيد التعريف، ويُسَمُّون هذه الإضافة إضافة لفظية، لا معنوية، وبعضهم يقول: محضة وغير محضة، أتى المؤلف بهذا الكلام؛ لأنه يُورد عليه مسألة، الله العزيز العليم هذه معارف ولَّا غير معارف؟ معارف.
إذا قلنا: (غافر) صفة لله، وقلنا: إن إضافتها لفظية ورد علينا إشكال؛ الإضافة اللفظية لا تقتضي التعريف فتكون الصفة نكرة وُصِفَ بها معرفة، ووصْفُ المعرفة بالنكرة غير جائز، أو لا؟ لا يجوز أن تقول: جاء زيد فاضل، لا يجوز، يجب أن تقول: جاء زيد الفاضل، فإذا كانت الإضافة في (غافر) و(قابل) و(شديد) لا تفيد التعريف وأعربناها على أنها صفة صار في هذا إشكال وهو أننا وصفنا معرفةً بنكرة وهذا غير جائز. أراد المؤلف أن يُصَحِّحَ الموضوع فقال: إن هذه الصفات لا يراد بها الحدوث وإنما هي صفات على الدوام، وإذا كانت الصفات على الدوام خرجت عن مشابَهة الفعل وصارت الإضافة للتعريف؛ لأجل أن يصح وصف اسم الجلالة أو لفظ الجلالة بهذه الصفات لما كانت إضافتها محضة معنوية.
لكن للمعربين قول آخر بل قول ثالث؛ القول الآخر يقولون: إن (غافر) و(قابل) و(شديد) بدل من الله، والبدل لا يُشتَرَط فيه موافقة المبدل منه، لكن القول بأنها بدل غير صحيح؛ لأن علامة البدل أن يَحِلَّ مَحَلَّ المُبْدَل منه وهذا لا يصح، هذا وصف زائد على الموصوف.
فيه رأي ثالث لإخواننا الكوفيين السهلين الْمُيَسِّرين يقولون: يجوز أن تُنْعَت المعرفة بمثل هذا التركيب، ولو كانت الإضافة لفظية غير محضة؛ يعني يقولون: ما أضيف إلى المعرفة ولو كانت الإضافة غير محضة يجوز أن يكون نعتًا للمعرفة اعتبارًا باللفظ؛ لأن لفظ (غافر الذنب) معرفة ولَّا نكرة؟ معرفة؛ لأنه أُضيفَ إلى معرفة، وإن كانت الإضافة عندهم غير حقيقية، وإنما هي لفظية، فالنحويين يقولون: لا يهم، لفظية أو معنوية، ما دام ظاهر اللفظ منسجم الصفة مع الموصوف فهذا يكفي، والقاعدة المُتَّبَعة عندنا فيما إذا ورد خلاف بين النحويين أن نتبع الأسهل اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام« أنه ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا»[[أخرج البخاري (٦٧٨٦)، ومسلم واللفظ له (٢٣٢٧) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خُيِّرَ رسولُ الله ﷺ بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه».]]، ونحن لا نأثم إذا اتبعنا الكوفيين في رأيهم؛ لأن ما هي مسائل شرعية.
طيب، على كل حال، على رأي الكوفيين لا حاجة إلى كلام المؤلف، نقول: الإضافة لفظية لكن صورتها أنها إضافة معنوية؛ لأنه أُضيف إلى معرفة فصَحَّ أن يُوصَف به المعرفة.
على كل حال هذا البحث لا يدركه الإنسان تمامًا إلا إذا عرف أن الإضافة نوعان: محضة معنوية، ولفظية غير محضة.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، تكلمنا بالأمس على شروط التوبة اذكرها بالإجمال؟
* الطالب: خمسة شروط: الشرط الأول الإخلاص، الشرط الثاني ترك الذنب والتخلي عنه، الشرط الثالث التخلي عن..
* الشيخ: لا.
* الطالب: العزم على..
* الشيخ: لا.
* طالب: أولًا الإخلاص، ثانيًا: الإقلاع..
* الشيخ: لا.
* طالب: الندم..
* الشيخ: الندم على ما فات من الذنب.
* طالب: الإقلاع عن المعصية والعزم على ألا يعود عليها وأن تكون في زمن التوبة (...) قبل الموت، وقبل إتيان شروط الساعة.
* الشيخ: أو قبل طلوع الشمس من مغربها، تمام.
إذا كانت التوبة من حق آدمي؟ ذكرنا أنه أقسام.
* الطالب: في المال أو البدن أو العِرض، إذا كان في المال فلا بد أن يوصل المال إليه أو إلى ورثته أو إلى بيت المال في حالة العجز، وإذا كان في البدن يمكنه منه.
* الشيخ: يمكنه من القصاص. وإذا كان في العرض؟
* الطالب: إن كان قد سبه مثلًا أمامه فممكن أن يستسمحه، وإن كان في غيبته فلعدم وجود الضغينة..
* الشيخ: إن كان في غيبته ففيه التفصيل، ما هو التفصيل؟
* الطالب: التفصيل إن كان هذا الأمر سيسبب في قلبه ضغينة أو..
* الشيخ: إذا كان في غيبته ففيه التفصيل، ما هو؟
* طالب: إن كان في غيبته؛ إن كان وصلت إليه..
* الشيخ: فإن كان قد بلغه..
* طالب: إن كان بلغه هذا يذهب إليه ويستحله، ويشترط أيضًا ألا يكون عندما يستسمحه ألا يثور عليه أو..
* الشيخ: لا.
* طالب: ذكر العلماء شيئين في هذا: الأمر الأول -كما ذكر إخواننا- أن يذهب إلى هذا الرجل..
* الشيخ: إذا علم بها، إذا كان قد بلغه أنه اغتابه فلا بد أن يذهب ويستحله هذه واحدة، وإن لم؟
* طالب: شيء آخر والذي رجحتموه -بارك الله فيكم- وهو ألا يخبره أنه قد اغتابه..
* الشيخ: لا.
* الطالب: ويستسمحه.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: إذا كان قد بلغه.. الآن تتكلمون على إذا كان قد بلغه.
* طالب: إذا كان قد بلغه يجب أن يستحله.
* الشيخ: يجب أن يستحله. طيب، وإذا لم يبلغه؟
أن يستغفر له ويمدحه في المواضع..
ففيه قولان للعلماء: القول الأول؟
* الطالب: أن يستغفر له ويمدحه في المواضع التي كان يسبه فيها. القول الثاني..
* الشيخ: أن يذهب إليه ويبلغه ويقول: حللني، والصحيح الأول.
هل يُشْتَرط لصحة التوبة ألا يُصِرَّ على ذنب آخر، بمعنى هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على آخر؟
* طالب: للعلماء في ذلك قولان: القول الأول: لا تصح، القول الثاني: أنها تصح ولكن لا يستحق التوبة المطلقة.
* الشيخ: وصف التوبة المطلقة. أيهما أصح؟
* الطالب: الثاني.
* الشيخ: الثاني أصح؛ أنها تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، لكنه لا يَصْدُق عليه وصف التائب على سبيل الإطلاق. نستمر الآن في استنباط الفوائد من الآية.
* الطالب: فيه قول ثالث.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: أن الذنب إذا كان من جنس الذنب..
* الشيخ: قول ثالث هذا، إي نعم. لكن صححنا أنه يصح مطلقًا..
* من فوائد الآية الكريمة ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾.. ذكرنا الحث على التوبة؟ طيب.
* من فوائدها: أن عقاب الله تعالى شديد؛ لقوله تعالى: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: الحذر من التعرض لعقابه، وقد قال الله عز وجل لنبيه: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر ٤٩، ٥٠]، وقال في آية أخرى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٩٨].
* ومن فوائد الآية التي بعدها ﴿ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر ٣]: بيان كمال غنى الله؛ لقوله: ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ أي: صاحبه، والطول هو الغنى كما شرحناه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: انفراد الله تعالى بالألوهية؛ لقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، وانفراد الله تعالى بالألوهية أحد أقسام التوحيد الثلاثة التي هي توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ويُسَمَّى توحيد العبادة فهو باعتبار العبد توحيد عبادة وباعتبار المعبود توحيد ألوهية.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان أنه لا معبود إلا الله، كذا؟ لا بد أن نُقَيِّد لا معبود حق إلا الله؛ لأن هناك ما يُعْبَد من دون الله وتُسَمَّى آلهة، وقد سماها الله تعالى آلهة ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [المؤمنون ١١٧]، ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [هود ١٠١] لكنها آلهة باطلة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المصير إلى الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب التحاكم إلى شريعة الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿إِلَيْهِ﴾ حيث قَدَّم الخبر وتقديم الخبر يفيد الحصر والاختصاص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الجمع بين الخوف والرجاء في السير إلى الله، وجه ذلك أن الإنسان إذا علم أن المصير إلى الله وأنه غافر الذنب وقابل التوب وشديد العقاب يرجو من وجه ويخاف من وجه آخر، ما دام المصير إلى مَنْ هذا وصفه فإنه لا شك أنه يرجوا تارة ويخاف أخرى، وأيهما يُغلِّب؟
قال بعض العلماء: يجب أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، لا يغلب الرجاء فيقع في الأمن مِنْ مكر الله، ولا يُغلِّب الخوف فيقع في القنوط من رحمة الله، بل يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا فأيهما غَلَب هَلَك صاحبُه.
وقال بعضهم: ينبغي أن يسير الإنسان إلى الله تعالى سير الطير جناحاه متساويان فإن مال أحد جناحيه جنح إلى الجانب الذي مال إليه.
وقال بعض العلماء: ينبغي في جانب الطاعة أن يُغَلِّب جانب الرجاء وأن الله تعالى يقبلها، وفي جانب المعصية أن يُغَلِّب جانب الخوف لئلا يقع فيها، فإذا هَمَّ بسيئة ذكر شدة العقاب فخاف فارتدع، وإذا عمل صالحًا ذكر الثواب والجزاء وقبول الله عز وجل فغَلَّب جانب الرجاء.
وقال بعض العلماء: ينبغي أن يُغَلِّب جانب الخوف في حال الصحة، وجانب الرجاء في حال المرض حتى يأتيه الموت وهو يحسن الظن بالله؛ لقول النبي ﷺ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ»[[أخرجه مسلم (٢٨٧٧ / ٨٢) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما.]].
فالأقوال إذن أربعة؛ أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا.
والثاني: أن يُغَلِّب جانب الرجاء في العمل الصالح وجانب الخوف إذا هَمَّ بالمعصية.
والثالث: أن يُغَلِّب جانب الرجاء في حال المرض وجانب الخوف في حال الصحة.
* طلبة: ثلاثة.
* الشيخ: ثلاثة. إي نعم، ما ذكرنا أربعة؟
طيب إذن، هذه أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، طيب هذه ثلاثة أقوال، والذي يظهر أن القول بأنه يغلِّب جانب الرجاء في حالة فعل الطاعة وجانب الخوف إذا هَمَّ بمعصية هو أقرب الأقوال، من أجل أن يردع نفسه إذا هَمَّ بمعصية خوفًا من الله، وأن يُؤَمِّل القبول من الله والثواب إذا فعل الطاعة فيُغَلِّب جانب الرجاء. ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الحث على التوكل على الله، كيف كانت دليلًا على الحث على التوكل على الله؟
* طالب: تفويض الأمر إلى الله.
* الشيخ: أنه لما كان المصير إلى الله كان ينبغي أن يتعلق الإنسان بربه لا بغيره، ما دام المصير إلى الله فتوكلْ على الله لا على غيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: اللجوء إلى الله تعالى عند الشدائد وعند طلب المحبوب، تؤخذ مِن؟ ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ فإذا اشتدت بك شدة فلا تلتفت إلى زيد أو عمرو، عليك بالله عز وجل، حتى الشدائد التي أسبابها خفية لا ينفعك إلا الله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت ٣٦].
{"ayahs_start":1,"ayahs":["حمۤ","تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ","غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِیدِ ٱلۡعِقَابِ ذِی ٱلطَّوۡلِۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ"],"ayah":"تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق