الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ [غافر ١٨] يوم القيامة، (أزف الرحيل: قرب). ﴿أَنْذِرْهُمْ﴾ الضمير فاعل يعود على من؟ على الرسول، والمفعول به الناس، يعني أنذر الناس هذا اليوم، وهذا العامل استوفى مفعولين: الهاء هي المفعول الأول، ويوم الآزفة المفعول الثاني. وقوله: ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ أي: اليوم الآزف، فهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، أي: أنذرهم اليوم القريب. وإن شئت فقل: الآزفة صفة لموصوف محذوف، والتقدير: يوم القيامة الآزفة. والآزفة بمعنى القريبة، قال الله تعالى: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ [النجم ٥٧، ٥٨]. وقال الشاعر: ؎أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ∗∗∗ لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قدِنْ أي: وكأن قد زالت. فالحاصل أن الأزف بمعنى القرب، فالآزفة: القريبة، وهو يوم القيامة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى ١٧]، فهي قريبة مهما طال الوقت، فهي قريبة لو تبقى الدنيا ملايين الملايين الملايين من السنين فهي قريبة، وإذا شئت أن يتبين لك ذلك فانظر ما تستقبله الآن، إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى المستقبل، المستقبل تنظر إليه نظر البعيد، فإذا به يأتي بسرعة كأنه برق خاطف، هكذا مستقبل الدنيا كلها قريب، فإن أدركته أدركته، وإن لم تدركه قامت قيامتك قبلها، فقيامتك قريبة وإن بقيت إلى القيامة الكبرى فهي أيضًا قريبة. إذن كل آتٍ قريب، وكل ماضٍ بعيد، الماضي ولو كان قبل وقتك بساعة بعيد؛ لأنه لا يمكن يرجع، والمستقبل قريب. إذن سُميت القيامة آزفة لقربها، ووجه قربها وإن كان بيننا وبينها ما لا يعلمه إلا الله من السنين فإن المستقبل مهما بعُد قريب. ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨]. ﴿إِذِ الْقُلُوبُ﴾ (إذ) بدل من يوم الآزفة، يعني أنذرهم يوم الآزفة، أنذرهم إذ القلوب لدى الحناجر، و(إذ) ظرف لما مضى من الزمان، وتأتي ظرفًا، وتأتي تعليلًا على حسب ما جاءت معانيها في اللغة العربية. وقوله: ﴿الْقُلُوبُ﴾ [غافر ١٨] (أل) هنا للاستغراق، أي: كل القلوب. وقوله: ﴿لَدَى﴾ [غافر ١٨] يقول: بمعنى (عند). قال المفسر: (﴿إِذِ الْقُلُوبُ﴾ ترتفع خوفًا ﴿لَدَى﴾ عند ﴿الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ ). قال الله تعالى: ﴿إِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ﴾ في عام الأحزاب ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب ١٠] وهذا شيء معلوم محسوس؛ أن الإنسان كلما اشتد به الخوف ارتفع قلبه وانكمش وازداد خفقانه، فيوم القيامة ترتفع القلوب حتى تصل إلى الحناجر، الحنجرة هذه ما بين الترقوتين. ﴿كَاظِمِينَ﴾ (ممتلئين غمًّا حال من القلوب، عوملت بالجمع بالياء والنون معاملة أصحابها) ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ القلوب كما تعلمون جماد، هي نفسها جماد، والجماد لا يجمع بالواو والنون؛ لأنه لا يجمع بالواو والنون إلا العاقل، علمًا كان أو وصفًا، وقد مر عليكم في شروط جمع المذكر السالم أن يكون علمًا أو وصفًا لعاقل، فهنا القلوب ليست عاقلة، القلوب جزء من البدن، ما هي عاقلة، فكيف توجيه الحال التي جاءت منها بجمع على صيغة جمع المذكر السالم؟ يقول المؤلف: لأن المراد بها أصحاب القلوب ﴿الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ والكاظم صاحبها، واضح؟ وهذا حق؛ أن كاظمين حق من القلوب باعتبار أصحابها. والكاظم يقول: الممتلئ غمًّا، لماذا يمتلئون غمًّا؟ لشدة الأهوال والمخافة، قلوب مرتفعة، أنفس ممتلئة غمًّا. ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨]. ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ (الظالمين) هم الكافرون هنا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤]، وليس المراد مطلق الظلم، بل المراد الظلم المطلق، وهو ظلم الكفر، فالظالمون في ذلك اليوم ليس لهم حميم. والحميم هو المحب كما قال المؤلف، وقيل: القريب؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء ١٠٠، ١٠١] أي: قريب، ولا نقول: ولا صديق محب؛ لأنه ما من صديق إلا وهو محب ولولا المحبة ما صادقك، وعلى هذا فنقول: إن الأولى أن تفسر الحميم بالقريب. والغالب أن الذي يحامي عنك ويدافع عنك ويشفع لك هو القريب، هذا الغالب. يقول: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨] شفيع بمعنى شافع، فهي فعيل بمعنى فاعل؛ كسميع بمعنى سامع. ومن هو الشافع؟ الشافع من شفعك، أي: صار معك حتى تكون بعد الفرد شفعة، ولهذا يقال: الشافع هو من توسط لك بجلب منفعة أو دفع مضرة، هذا هو الشافع. التوسط للغير بجلب الخير أو دفع الضير، هذا الشافع، التوسط، الشفاعة يعني، الشفاعة هي التوسط للغير لجلب الخير أو دفع الضير، هذا إذا أردت أن تأتي بها على سبيل السجع، تكون أريح، فهذا هو. ففي يوم القيامة ليس لهم شفيع، لا يشفع لهم أحد؛ لأن من شرط الشفاعة أن يكون الله راضيًا عن الشافع وعن المشفوع له. قال: ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨] قال: (لا مفهوم للوصف؛ إذ لا شفيع لهم أصلًا، لقوله تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ [الشعراء ١٠٠]، أو له مفهوم بناء على زعمهم أن لهم شفعاء أي: لو شفعوا فرضًا لم يقبلوا) الآية الكريمة: ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ كلمة يطاع جملة فعلية في محل جر صفة، لأيش؟ لشفيع، ولو حولناها لاسم فاعل لكان التقدير: ولا شفيع يطاع، فهل هذه الصفة، هل هي قيد بمعنى أن لهم شفيعًا لا يطاع، أو هي بيان للواقع، والمراد نفي الشفيع؟ ذكر المؤلف احتمالين: الأول: أن يكون المراد ليس لهم شفيع مطلقًا، واستدل لذلك بقوله تعالى عنهم: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ [الشعراء ١٠٠، ١٠١]. أو أن المعنى: لو قدر أن لهم شفعاء، فإن هؤلاء الشفعاء لا يطاعون، وهذا بناءً على قولهم: إن الذين يعبدون من دون الله يكونون شفعاء لهم، والآية تحتمل ما قال المؤلف. أما إذا قلنا بالأول، بالوجه الأول، وهو نفي الشفعاء مطلقًا، فالأمر ظاهر ما فيه إشكال. أما الثاني أن يقام لهم شفعاء، ولكن ترد شفاعتهم، فهذا من أجل التخجيل لهم، أن يخجلوا حيث تقام الشفعاء الذين يدعون أنهم شفعاء لهم، ثم ترد الشفاعة، هذا أبلغ في خجلهم وفي ردهم وعدم انتفاعهم بآلهتهم، والله أعلم. * طالب: (...). * الشيخ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج ٤٧]، وقال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة ٥] لكن يوم القيامة لم يرد فيه إلا خمسون ألف سنة: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج ٤] وفي الحديث الصحيح في قصة مانع الزكاة:« «فِي يَوْمٍ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ»[[أخرجه مسلم (٩٨٧ / ٢٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وعلى هذا فاليوم الذي عند ربنا كألف سنة ما ندري ما هذا اليوم، هو يوم مجهول لنا، أما: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة ٥]، فهذا لأن ما بين السماء والأرض خمس مئة سنة، فإذا كان ما بينهما خمس مئة سنة فإن صعود الأمر إلى الله ثم رجوعه يكون ألف سنة. فالأيام ثلاثة: يوم مقداره خمسون ألف سنة، وهذا يوم القيامة، ويوم عند الله لا نعلم ما هو مقداره ألف سنة، ويوم مقداره ألف سنة في تدبير الأمر من السماء إلى الأرض ثم عروجه إلى الله عز وجل. * طالب: (...) قلنا: الوجه الثاني في ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨] أن يقام ثم يرد، ما حال الشفيع الذي يقام ثم يرد، هل هو من تقبل شفاعته أو أنه هو مثله ؟ * الشيخ: لا، تمثل لهم أصنامهم حتى الذي يعبدون عيسى يمثل لهم عيسى عليه الصلاة والسلام. * طالب: (...). * الشيخ: هو لا يعارضه لأن يوم القيامة كما تعرف خمسون ألف سنة. * طالب: (...). * الشيخ: يفرغ منهم في نصف يوم. * الطالب: (...). * الشيخ: إي نعم، الساعة تطلق على الزمن القليل والكثير إلا إذا فصلت، مثل من جاء في الساعة الأولى من يوم الجمعة من جاء في الثانية من جاء في الثالثة. * طالب: قوله يا شيخ: (بالجمع بالياء والنون) الياء والنون تعود على أيش؟ الياء والنون قول المفسر؟ * الشيخ: ﴿كَاظِمِينَ﴾ [غافر ١٨] ما قال: إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة؛ لأنه لو جرى الوصف للقلوب لقال: إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ [النازعات ٨]، وأنا ذكرت لكم أنه لا يجمع جمع المذكر السالم بالواو والنون إلا العاقل. * طالب: كل آت قريب: (...)؟ * الشيخ: ما سمعنا بهذا إلا صباح هذا اليوم، الذي نسمع والذي يريده الناس إذا قال: كل آت قريب أن المستقبل قريب. * الطالب: (...). * الشيخ: (...) حتى واحد يوعدك، يقول: إن شاء الله أمر عليك بعد ستة أشهر، قال: بعيد رجال، قال: كل آت قريب، هذا الذي يستعمله الناس. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [غافر ١٩ - ٢٢]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ [غافر ١٨] ما معنى أنذرهم؟ * طالب: الإنذار هو التخويف. * الشيخ: نعم التخويف، وإن شئت فقل: الإعلام بتخويف، أن تخبرهم إخبارًا مقرونًا بالتخويف. طيب. * الشيخ: ما المراد بيوم الآزفة؟ * طالب: يوم القيامة. * الشيخ: ما معنى الآزفة؟ * الطالب: الآتية. * الشيخ: لا. * الطالب: القريبة. * الشيخ: القريبة طيب. قوله: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر ١٨] ما هي الحناجر؟ * طالب: الحناجر.. * طالب آخر: الحناجر هي: طرف في الحلق، ما بين الوجه والصدر. * الشيخ: الرقبة يعني؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: لا. * طالب: ما بين الترقوتين. * الشيخ: ما بين الترقوتين، نعم هذه الحناجر. ما معنى قوله: ﴿لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر ١٨]؟ * طالب: (...). * الشيخ: كيف ذلك؟ * الطالب: (...). * الشيخ: ترتفع القلوب إلى الحناجر من شدة الخوف. تكلم المؤلف رحمه الله عن كاظمين؟ * طالب: أنها حال من صاحب القلوب. * الشيخ: حال من القلوب؟ * الطالب: من صاحب القلوب. * الشيخ: وين أصحاب القلوب؟ * الطالب: (...) من جامد. * الشيخ: لا. * طالب: حال من القلوب باعتبار أصحابها. * الشيخ: حال من القلوب باعتبار أصحابها. لماذا اضطر إلى القول باعتبار أصحابها؟ * طالب: لأن أصحاب القلوب هم الذين يمتلئون غمًّا. * الشيخ: لا. * طالب: لأن جمع المذكر السالم لا يكون إلا للعاقل، والقلوب ليست عاقلة، فنقلت إلى أصحاب القلوب. * الشيخ: طيب صحيح. كاظمين ما يقال: القلوب كاظمين، يقال: الرجال كاظمين، أو ما أشبه ذلك، لكن لما كان المراد بالقلوب أصحابها، صح، مجيء الحال منها. ما معنى كاظمين؟ * طالب: ممتلئين. * الشيخ: ممتلئين غمًّا. ما معنى قوله: ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨]؟ * طالب: (...). * الشيخ: لكن ما معنى قوله: ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾؟ * الطالب: (...). * الشيخ: كلمة يطاع؟ * الطالب: (...). * الشيخ: لكن قوله: ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾، هل معناه أن هناك شفعاء لا يطاعون، أو ما المعنى؟ * الطالب: (...). * الشيخ: ما راجعت الظاهر. * طالب: أقول: فيها وجهان: إما أنها صفة كاشفة، يعني ليس هناك شفعاء، أو أنهم تمثل لهم أصنامهم ولكن لا تشفع لهم، وكذلك عيسى بن مريم عليه السلام كما ادعوا.. * الشيخ: يعني لا تطاع هذه الأصنام ولو شفعت طيب؛ وعلى هذا فتكون الصفة مقيدة ﴿وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨] أي: يشفع ولكن لا يطاع. لماذا لجأنا إلى هذا التأويل؟ * طالب: لجأنا إلى التأويل لورود الآية الثانية، الشفاعة وانتفاء الشفاعة. * الشيخ: ما هي الآية الثانية؟ * الطالب: قوله تعالى: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾ [الشعراء ١٠٠]. * الشيخ: نعم ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء ٢٨]، وهؤلاء لا يرتضيهم الله. * الشيخ: نرجع الآن إلى استنباط من الآية الفوائد، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ [غافر ١٨]. يستفاد من هذه الآية فوائد: * منها: وجوب الإنذار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقوله: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾، والأصل في الأمر الوجوب، لا سيما أن الرسول ﷺ مكلف بذلك. * ومن فوائدها: أنه ينبغي للداعية أن يكون مخوفًا أحيانًا ومبشرًا أحيانًا. أما البشارة أحيانًا ففي آيات كثيرة: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٢٣]، ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة ٢٥] وما أشبه ذلك. وأما الإنذار فكذلك في مثل هذه الآية، فالداعية ينبغي أن يكون منذرًا مبشرًا من أجل أن يحرك القلوب. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي في الإنذار أن يذكر الناس أحوال يوم القيامة وأهوالها؛ لقوله: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ﴾ [غافر ١٨]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآية قريبة؛ لقوله: ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ [غافر ١٨]، والقرب هنا يعني أن الوقت يمضي بسرعة حتى لا يشعر الإنسان إلا وقد قامت القيامة؛ إما قيامته هو وتسمى القيامة الصغرى أو القيامة العامة. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان هذا التمثيل العظيم في حال الناس ذلك اليوم ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر ١٨]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الحال عامة للمؤمنين وللكافرين، دليل ذلك عموم قوله: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ﴾ [غافر ١٨]، ثم قوله: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ [غافر ١٨]، فدل ذلك على أن الآية عامة، ولكن هل يلحق المؤمنين شر من ذلك اليوم؟ لا؛ لقول الله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ﴾ [الإنسان ١١]، ومجرد الغم والهم لا يلزم منه الشر والضرر. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن القلوب عند شدة الخوف ترتفع حتى تبلغ الحناجر، وهذا يشهد به الواقع، قال الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب ١٠]، والإنسان في نفسه أيضًا يحس أنه إذا خاف خوفًا شديدًا، وكأن قلبه قد علق في حنجرته. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الناس في ذلك اليوم مع شدة الخوف يمتلئون غمًّا؛ لقوله: ﴿كَاظِمِينَ﴾ [غافر ١٨]، والغم هو التحزن أو التهيؤ لما يستقبل، فالغم في المستقبل، والهم والحزن في الماضي. * ومن فوائد الآية الكريمة: تقطع الأسباب بالظالمين فلا يجدون حميمًا ولا شفيعًا؛ لقوله: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر ١٨] والمراد بالظالمين ما سبق، وهم الكافرون. فإن قال قائل: الظلم أعم من الكفر، فكيف فسرتم الظلم هنا بالكفر؟ قلنا: لأن الله تعالى قال: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤]، ولأن ما دون الكفر من المعاصي تمكن فيه الشفاعة، فإن الشفاعة ثابتة لأهل الكبائر من هذه الأمة. * ومن فوائد الآية الكريمة: تحذير هؤلاء الكفار من ذلك اليوم، فإنهم في الدنيا يجدون من يناصرهم ويواليهم ويساعدهم ويعاونهم، ولكن في الآخرة لا يجدون شيئًا من ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب