الباحث القرآني

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [غافر ١٠] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ﴾ والنداء هو الكلام من بعيد، والمناجاة الكلام من قريب، ولم يبين الله تعالى مَن يناديهم لكن المفسر قال: (مِنْ قِبَل الملائكة) وذلك عند دخولهم النار، وهم يمقتون أنفسهم في ذلك الوقت أكبر مقت، والمقت هو أشد البغض، فهم في ذلك الوقت عند دخولهم النار يبغضون أنفسهم بغضًا شديدًا حيث لم يتوصلوا إلى النجاة منها، فيُنادَون فيقال لهم: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ اللام هنا لام الابتداء وتدخل على المبتدأ توكيدًا. وقوله: (﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾ إياكم) هذا أحد الوجهين في الآية، وعلى هذا فيكون المقت مضافًا إلى فاعله لا إلى مفعوله؛ يعني لبغض الله إياكم أشد من بغضكم أنفسكم. وقيل: إنه مضاف إلى مفعوله لا إلى فاعله، وعلى هذا يكون المعنى: لمقتكم الله حين تُدْعَون إلى الإيمان أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم؛ أي: أنهم كرهوا ما دُعُوا إليه في الدنيا من محبة الله وأبدلوا ذلك بأشد البغض، وهذا المعنى أقرب مما مشى عليه المفسر رحمه الله تعالى (لمقت الله إياكم)، وعلى ما رجحنا يكون المعنى لمقتكم الله فهو مضاف إلى مفعوله. متى مقتوا الله؟ ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ﴾ وعلى هذا فيكون قوله: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ﴾ متعلقًا بقوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾؛ أي: أنكم حينما دُعوتم إلى الإيمان كرهتم ذلك ولم تقتنعوا به بل أبغضتموه أشد البغض. وقوله: ﴿أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ متى مَقَتُوا أنفسهم؟ حين قيل لهم: ادخلوا نار جهنم فأبغضوا أنفسهم. وقوله: ﴿مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ (مقت) هنا مصدر مضاف إلى أيش؟ ﴿مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ (مقت) هنا مضاف إلى فاعلها أو مفعولها؟ * طالب: إلى فاعلها. * الشيخ: إلى فاعلها؛ لا، ما هو على قول المؤلف، قول المؤلف في قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ﴾، لكن ﴿مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ هذا مصدر مصاف إلى فاعله؛ يعني: إنهم هم مقتوا أنفسهم، و(أنفس) مفعول (مقت). وقوله: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ تُدْعَون في الدنيا إلى الإيمان، وأَبْهَم الداعي؛ لأن دعوتهم إلى الإيمان تكون من الرسل، وتكون من ورثة الرسل وهم العلماء، فالداعي لهم إلى الإيمان في الدنيا ليس واحدًا، بل الرسل يدعونهم، وورثة الرسل وهم العلماء يدعونهم كذلك. ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ الإيمان بمن؟ أي: بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه، هذا هو الإيمان كما فَسَّره النبي ﷺ حين سأله جبريل قال: «أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠) ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند مسلم (٨ / ١) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا واللفظ له.]].. إلى آخره. ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ والمراد بالإيمان هنا -كما ذكرت لكم- هو الإيمان بالأركان الستة، وكذلك الانقياد اللازم من الإيمان بهذه الأركان الستة، ولهذا هم دُعوا إلى الإيمان الذي في القلوب، ودعوا إلى الاستسلام أيضًا وهو أعمال الجوارح، وكفروا بذلك كله، ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾. * من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان أن الكافرين يُوَبَّخُون يوم القيامة توبيخًا يزيدهم ألَمًا إلى ألمهم؛ لقوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، ومن فوائد ذلك أنهم تبين لهم ما هم عليه من الضلال والكفر حين رأوا العقاب، وجهه أنهم مقتوا أنفسهم في ذلك الوقت حين رأوا العذاب، وهذا يدل على أنهم تبين لهم الضلال في ذلك اليوم. * ومن فوائد الآية الكريمة على ما مشى عليه المؤلف: إثبات المقت لله؛ أي أن الله يمقت أي يبغض، هذا على ما مشى عليه المؤلف من أن مَقْت مضافة إلى الفاعل. وإذا قلنا بالقول الراجح لم يكن في الآية دليل على أن الله يَمْقُت، لكن الدلالة على أن الله يمقت وأن له مقتًا من أدلة أخرى مثل قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف ٣] والمقت أشد البغض، والبغض هو من الصفات الفعلية التي تتعلق بمشيئته وإرادته. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يَكْرَهُ نفسَه. ومتى يكون ذلك؟ إذا رأى مِنْ تصرفه ما يسوؤه فإنه يكره نفسه ويقول: هذا من النفس الأمارة بالسوء. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحجة قد قامت على هؤلاء المكذبين المعذبين؛ لقوله: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾. وهل الدعوة دعوة بإفهام أو دعوة بمجرد البلاغ؟ الأول دعوة بإفهام؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم ٤] فلا بد من فهم الحجة، ولكن إذا بلغت الإنسان فالواجب عليه أن يبحث عن الفهم فإن لم يفعل كان مُقَصِّرًا. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء كفروا عن عناد، من أين تؤخذ؟ لأنهم دُعُوا فكفروا وهذا كفرُ عنادٍ، والعياذ بالله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب