الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾، فيه جملتان شرطيتان:
الأولى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ فـ (مَن) هنا شرطية، وفعل الشرط ﴿يُطِعِ﴾، وفيه إشكالان؛ الإشكال الأول: أين ذهبت عين الكلمة؟ والإشكال الثاني: كيف كانت مكسورة مع أن (مَن) تجزم؟
والجواب عن الإشكال الأول: أن عين الكلمة حذفت؛ لأن لامها كانت مجزومة وعينها ساكنة، وقد قال ابن مالك:
؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًا فَحَذْفَهُاسْتَحَقْ
فالياء ساكنة والعين ساكنة، فيُحذف حرف اللين: الياء، وأما كسر العين وهي مجزومة فمن أجل التقاء الساكنين، والأمثلة في هذا كثيرة مثل قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البينة ١]، فأين جواب الشرط في ﴿مَن يُطِعِ﴾؟ جوابه قوله: ﴿فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾.
الجملة الثانية: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾، الجملة الثانية فعل الشرط فيها (...)، وجملة الجواب جملة اسمية! ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ جملة اسمية! مثل (...)، جملة فعلية؛ لأن (ما) نافية و﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ فعل ماضٍ.
أما وجه اقتران الجواب بالفاء في الجملتين فلأنه لا يصح أن يكون الجواب شرطًا، وإذا كان الجواب لا يصح أن يكون شرطًا وجب اقترانه بالفاء، كما قاله ابن مالك في ألفيته:
؎وَاقْرُنْ بِـ (فَا) حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ∗∗∗ شَرْطًا لِـ (إِنْ) أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ
وقد ذُكِر ذلك في بيت من الشعر وهو؟
* طالب: (...)
* الشيخ:
؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّـــــــــةٌ وَبِجَــــــامِدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ و(أل) في الرسول للعهد الذهني، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن القرآن نزل في عهد رسالته، ويصح أن نقول: إنه عامٌّ يشمل كل رسول، وعلى هذا فتكون (أل) للعموم وليست للعهد، لكن يضعف هذا الاحتمال قوله: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾؛ لأن هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا فالمراد بالرسول محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتكون (أل) للعهد أيش؟ الذهني.
﴿فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ إذن طاعة الرسول طاعة لله عز وجل، فإذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمر فأطعناه فنحن قد أطعنا الله.
﴿وَمَنْ تَوَلَّى﴾ يعني: فلم يُطع الرسول ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾؛ لأن عليك البلاغ، وقد بلَّغت، وحفظُ الناس وأعمالهم إلى الله عز وجل.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة فوائد، منها: أن الأصل فيما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أنه شرع؛ لعموم قوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾، وينبني على ذلك أننا لو شككنا فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام أو قاله هل هو شرع أو نسيان؟ فنحمله على أنه شرع، ومن ذلك «أنه قرأ سورة الزلزلة في صلاة الفجر في الركعتين، قال الراوي: فلا أدري أنسي» -يعني- «أم كان على علم.»[[أخرجه أبو داود في سننه (٨١٦) من حديث معاذ بن عبد الله الجهني عن رجل من جهينة.]] فنقول: هذا الاحتمال وارد ولَّا غير وارد؟
* طلبة: وارد.
* الشيخ: لا، إذا قلنا: إن الأصل أن ما فعله فهو شرع يكون هذا الاحتمال غير وارد، وإن ورد عقلًا فهو ضعيف شرعًا، نقول: الأصل إن ما فعله فهو شرع ما هو نسيان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الاحتجاج بالسنة، وأنها كالقرآن في وجوب العمل بها، ولكن نحتاج في السنة إلى إثبات صحتها أو إلى إثبات نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نحتاج إلى هذا؛ لأن ما دامت لم تثبت فإنها ليست من كلام الرسول.
* ويستفاد من هذه الآية: جواز نسخ القرآن بالسنة، وجواز تخصيص القرآن بالسنة، أما الثاني فمحل اتفاق أن السنة تُخصِّص القرآن، وأما الأول فمختلَف فيه، فقيل: إنها -أي السنة- لا تنسخ القرآن من وجهين:
الوجه الأول: أن ثبوت القرآن قطعي؛ لأنه نُقل بالتواتر اللفظي والمعنوي، والسنة أيش؟ ليست كذلك.
الثاني: أن القرآن كلام الله منقول إلينا بالتواتر اللفظي والمعنوي، أما السنة فإن الرواة قد يتصرفون فيها فينقلونها بالمعنى وهذا كثير؛ لذلك قالوا: إن القرآن لا يُنسَخ بالسنة، والصواب: أن القرآن ينسخ بالسنة إذا ثبتت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ يعني فإن القرآن يُنْسَخ بالسنة، ولكن حتى الآن لم نجد دليلًا أو لم نجد مثالًا يسلم من المعارضة، لكن من حيث النظر نقول: إنه -أي نسخ القرآن بالسنة- ثابت.
* من فوائد هذه الآية: أن معصية الرسول معصية لله، تؤخذ بطريق المفهوم؛ لأنه إذا كانت طاعته طاعة لله فمعصيته معصية لله عز وجل.
* ومن فوائدها: إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وجهين؛ أولًا: وصفه بالرسول، وثانيًا: جعل طاعته كطاعة الله عز وجل.
وهنا مسألة: هل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجتهد؟ الجواب: نعم، وسنته نوعان: اجتهادية، ووحي؛ فمن الوحي حين سئل عن الشهادة فقال: «إِنَّهَا تُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ»[[أخرجه مسلم (١٨٨٥ / ١١٧) من حديث أبي قتادة، وابن أبي عاصم في الجهاد (٢٧٩) من حديث عبد الله بن عمرو، واللفظ له.]]، ثم أتاه جبريل فقال: «إِلَّا الدَّيْنَ». فإن قوله: «إِلَّا الدَّيْنَ» هذا بالوحي.
وأما ما يقوله عليه الصلاة والسلام دون أن ينسبه إلى الله فهو وحي باعتبار إقرار الله له كما نقول: إن النبي ﷺ إذا أقرَّ أحدًا على قول أو عمل صار هذا من سنته، وسنته: قول وفعل وإقرار.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تهديد من تولى وأعرض عن طاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ كأنه يقول: فنحن نحفظه، ونحفظ عليه أعماله، ودعنا معه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يُسْأَل عن إعراض أمته، وأن من أعرض من أمته فذنبه على نفسه؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات العظمة لله عز وجل، وذلك حين جاء بضمير الجمع في قوله: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾، وقد ذكر بعض العلماء أن النصارى يستدلون في مثل هذه الضمائر على تعدد الآلهة؛ لأنهم يقولون: هذه تفيد الجمع، فيقال: لا غرابة، لا غرابة أن يستدل النصارى بهذا المتشابه على باطلهم؛ لأن النصارى في قلوبهم زيغ، وقد قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ [آل عمران ٧].
والجواب على هذا سهل، هو أن نقول: ما لكم تشبثتم بهذه الآية المتشابهة وتركتم الآيات المحكمة البينة الظاهرة بأن الله إله واحد؟ كما في قوله: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة ١٦٣].
{"ayah":"مَّن یُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَیۡهِمۡ حَفِیظࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق