الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء ٧٠] (ذلك) المشار إليه ما سبق من نعمة الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الأصناف الأربعة الذين أنعم الله عليهم نعمة في الدنيا والآخرة؛ لأن النعمة على هؤلاء الأصناف الأربعة نعمة متصلة من الدنيا إلى الآخرة، بخلاف إنعام الله على غيرهم من أشقياء عباد الله، فإنها نعمة في الدنيا، خسارة في الآخرة. ﴿ذَلِكَ﴾ إذن المشار إليه ما أنعم الله به على هؤلاء الأصناف، ﴿الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾: (الفضل) يحتمل أن تكون صفة أو عطف بيان لـ(ذا)، ويحتمل أن تكون خبر المبتدأ، ولو جاء ضمير الفصل لتعين أن تكون خبر المبتدأ. فالآن لنا في إعرابها وجهان: الوجه الأول أن تكون: (ذلك الفضل) كلمة واحدة، يعني الصفة والموصوف، و(من الله) جار ومجرور خبر المبتدأ، ويجوز أن تكون (ذا) مبتدأ و(الفضل) خبره، ويكون (من الله) حالًا في موضع نصب على الحال. ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾ يعني لا من غيره، فهم لم يكسبوا ما كسبوا من المنزلة العالية بأنفسهم، بل بفضل من الله عز وجل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي وَلَا إِلَى أَحَدٍ غَيْرِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ»[[أخرجه أبو داود (٥٠٩٠) من حديث أبي بكرة.]]. فالإنسان لا يكتسب الفضائل بنفسه، ولو وكل إلى نفسه لهان وذل وحرم، ولكن الفضل من الله عز وجل. ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ هذه صيغة بمعنى التعجب، وقيل في إعرابها: إن (كفى) فعل ماضٍ، والباء حرف جر زائد، ولفظ الجلالة فاعل، يعني: وكفى الله شهيدًا. وعلى هذا فتكون (عليمًا) منصوبة على الحال، أي حال كونه عليمًا. وصلة هذه الجملة بما قبلها بيان أن الله سبحانه وتعالى لم يعط الفضل لهؤلاء إلا عن علم، ليس هكذا جزافًا، بل الله أعلم حيث يجعل رسالته، وأعلم حيث يجعل الصلاح، وأعلم حيث يجعل العلم، وأعلم حيث يجعل الرشد، فهو سبحانه وتعالى يعلم المحل الذي هو أهل لهذا الفضل فيمنحه إياه، ويعلم من ليس بأهل فيحرمه. هذه وجه صلة الجملة بما قبلها. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: * أولًا: بيان نعمة الله عز وجل على هؤلاء الأصناف؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾، ووجهه أن الله تفضل عليهم. * ثانيًا: أن ما يحصل للإنسان من فضل فإنما هو من الله عز وجل، لا بحوله وقوته، ولهذا أهلك الله الذين قالوا: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨]؛ لأن الفضل بيد الله. * ومن فوائد هذه الآية: الحث على توجه الإنسان إلى ربه في سؤال مطلوبه، وجهه أنه إذا كان الفضل من الله فلا تسأل الفضل إلا ممن بيده الفضل. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان سعة علم الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾. * ومن فوائدها أيضًا: تفويض الأمر إلى الله، وأن الله تعالى إذا فضل أحدًا على أحد فاعلم أن ذلك عن علم، ليس عبثًا، ولهذا لما قال المكذبون: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾ [الأنعام ١٢٤] رد الله عليهم، قال لهم: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤] وأنتم لستم أهلًا للرسالة. * ومن فوائد هذه الآية، وهي فائدة بعيدة بعض الشيء: بيان أن جنس العرب أفضل بني آدم بعلم الله؛ وجهه أن محمدًا عليه الصلاة والسلام أشرف عباد الله، يعني أشرف البشر، وكان من العرب، فدل ذلك على أن الجنس العربي أفضل من الجنس غير العربي من بني آدم، وهذا شيء مشاهد، وتدل عليه أخلاقهم وآدابهم، وما حصل لهم من الفضل العظيم بنصرة هذا الدين. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه اقتضاء صراط المستقيم أوجهًا متعددة على أن جنس العرب أفضل من الجنس الآخر من البشر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب