الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء ٧ - ١٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ نبدأ أولًا بالإعراب: ﴿لِلرِّجَالِ﴾ خبر مقدم، و﴿نَصِيبٌ﴾ مبتدأ مؤخر، وكذلك ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، وقوله: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ﴾ هذه متعلقة بمحذوف صفة لـ﴿نَصِيبٌ﴾، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي: ذلك مما قل منه، وقوله: ﴿نَصِيبًا﴾ حال، حال من (ما) في قوله: ﴿مِمَّا قَلَّ﴾، و﴿مَفْرُوضًا﴾ صفة أو حال أخرى صفة لـ﴿نَصِيبٌ﴾ وهو أولى، ويجوز أن تكون حالًا أخرى، وهو مرجوح.
يقول الله عز وجل: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ﴿نَصِيبٌ﴾ أي: حظ، ولم يبينه هنا لكن بينه في آيات تأتي، والإجمال ثم التفصيل من البلاغة التامة؛ لأن الشيء إذا أجمل بقيت النفوس تتطلع إلى تفصيله، فيأتي التفصيل والنفوس متطلعة إليه، بخلاف ما لو جاء الشيء مفصلًا مباشرة، فإنه قد يرد على نفس ليست متشوقة إليه، فلا يلصق في الذهن ولا يصير له قوة في القبول، أعرفتم هذا؟ الإجمال أولًا ثم التفصيل ثانيًا من كمال البلاغة للوجه الذي ذكرناه لكم.
وقوله: ﴿الْوَالِدَانِ﴾ يعني: الأم والأب، أما الأم فظاهر أنها والدة، كما قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة ٢٣٣]، وأما الأب فكذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٣٠) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]]، والولد لا بد له من والد، وكذلك جاء في الحديث: «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ»[[أخرجه الترمذي (٢١٣٢) من حديث ابن عمر وابن عباس بنحوه.]]، فالوالد إذنْ يطلق على أيش؟ الأم والأب، أما الأم فظاهر، وأما الأب فللنصوص التي سمعتموها.
وقوله: ﴿وَالْأَقْرَبُونَ﴾ ولم يقل: والأقارب، (الأقرب) اسم تفضيل، وذلك لأن الميراث لا يتناول جميع الأقارب بل الأقرب فالأقرب، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٣٣)، ومسلم (١٦١٥ / ٢) من حديث ابن عباس.]].
وخمسة من الورثة لا يمكن أن يحجبوا وهم الذين يتصلون بالميت مباشرة، وهم: الأب، والأم، والابن، والبنت، وأحد الزوجين، هؤلاء لا يمكن أن يحجبوا؛ لأنهم يرثون من الميت مباشرة.
وكذلك قال: ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، وإنما نص على نصيب النساء بهذه الصيغة المساوية لنصيب الرجال تأكيدًا لحقهن، وإلا فمن المعلوم أن نصيب النساء دون نصيب الرجال ﴿وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء ١٧٦].
وكذلك قال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء ١١]، لكن جاء بهذه الصيغة تأكيدًا لنصيب النساء؛ لأنهم في الجاهلية في أحكامهم الجائرة لا يورثون النساء يقولون: إنما الميراث لمن حمل السلاح وخاض المعارك وهم الرجال، وأما النساء فلا حق لهن في الميراث.
ولا شك أن هذا حكم مبني على الجور، ولو نظرنا بادي الرأي لقلنا: إن النساء أحق بالميراث من الرجال؛ لأنهن أعجز وأضعف عن التكسب من الرجال، لكن حكم الله سبحانه وتعالى أحسن الأحكام؛ جعل لهن نصيبًا وللرجال نصيبًا، ولكن لكثرة المسؤولية على الرجال جعل للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ يعني: نصيب من القليل أو الكثير، يعني: سواء خلف الميت أموالًا كثيرة أم أموالًا قليلة، لو خلف درهمًا واحدًا كان للرجال نصيب وللنساء نصيب، ولو خلف ملايين الملايين كان للرجال نصيب وللنساء نصيب، لا يقال: إنه إذا قل المال فلا نصيب للنساء، أو إذا كثر المال فلا نصيب للنساء، بل نقول: لا فرق بين قليل وكثير.
وقوله: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ هذه الجملة ينبغي الوقوف عليها ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾؛ لأن ما بعدها ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ لا يتعلق بـ﴿كَثُرَ﴾ و﴿قَلَّ﴾، بل هو متعلق بمقدر، المعنى: جعل هذا نصيبًا مفروضًا، أو حال كونه نصيبًا مفروضًا، لكنه لا يتعلق بالفاعل في ﴿قَلَّ﴾ أو ﴿كَثُرَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿مَفْرُوضًا﴾ المراد أنه محتم وليس المراد أنه مقدَّر؛ لأن ميراث الأولاد إذا اجتمعوا بنين وبنات ليس مقدرًا، ليس بفريضة بل هو تعصيب، ولكن المراد بالفرض هنا أيش؟ الحتم، كما تقول: فرضت الصلوات الخمس، أي: حتمت وألزم بها.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: تقديم الرجال على النساء حتى في الأمر الذي يشتركون في الاستحقاق فيه، وجه الدلالة: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ﴾ ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ﴾.
وهذا هو المشروع والمعقول والفطري أن يكون الرجال هم المقدمين على النساء، وعكس ذلك من عكس الله قلوبهم من الكفرة والمبهورين بهم؛ حيث (...) النساء على الرجال فيقولون مثلًا: أيها الأخوات والإخوة، أيها السيدات والسادة، هذا خطأ عظيم؛ لأن الرجال مقدمون على النساء قوامون عليهن، ولكن ليس بعد الكفر ذنب، هؤلاء الكفار يرون أن النساء لعب، فيقدمونهن جلبًا لقلوبهن وتعطفًا عليهن ليعطفن عليهن؛ لأنهم كما وصفهم الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد ١٢] ليس لهم هم إلا الدنيا، فجاء قليل البصيرة ضعيف الدين فأخذه هذه الحقارة منهم والتهموها من غير أن يقدروا النتائج، وأنهم بذلك مخالفون لطريقة الشريعة وللفطر السليمة وللعقول الحكيمة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان أن الدين الإسلامي هو الذي انتصر للمرأة وأعطاها حقها بعد أن كانت مهضومة في الجاهلية، وجهه؟ ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾، ولكن الدين الإسلامي لم يعطِ المرأة أكثر من حقها، ولم ينزلها أكثر من منزلتها، بل أعطاها الحق اللائق بها، وهو معروف -والحمد لله- في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرجال والنساء المستحقين للميراث يستحقون منه، سواء كان المتروك خلف الميت كثيرًا أم قليلًا؛ لقوله: ﴿مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾.
* ومن فوائد الآية: التحذير مما يتهاون به بعض الناس اليوم، يموت الميت عن زوجته وبناته وله أبناء عم عصبة ليسوا في البيت، فتجد أهل الميت يأكلون من طعام البيت، وينتفعون بأجهزته -كالثلاجات وغيرها- دون أن يستأذنوا من لهم حق في الميراث، وهذا لا يجوز؛ لأنه إذا مات الميت فبدل أن يكون ماله له شخصيًّا صار موزعًا بين ورثته، كل وارث يستحق من هذا الميراث قلَّ المال أو كثر.
وهذه مسألة ينبغي لطلبة العلم أن ينبهوا العامة عليها؛ لأن العامة قد لا يفهمون وإلا فعندهم -ولله الحمد- ورع، عندهم ورع يردعهم عن هذا لكنهم لا يفهمون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا النصيب واجب؛ لقوله: ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾.
* ومن فوائدها: جواز حذف ما يعلم، من أين؟ من قوله: ﴿مَفْرُوضًا﴾، فمن الفارض؟ الله، لكن حذف وبني الوصف للمفعول للعلم به، فهو كقوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] والذي خلقه؟ الله عز وجل.
{"ayah":"لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق