الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء ٦٩]، (مَن) هذه شرطية، والفعل بعدها مجزوم بها، ودليل الجزم حذف الياء، وأصل (يُطع): (يطيع). فإذا قال قائل: لماذا حُذفت الياء؟ قلنا: لأنه لما جُزم الفعل صار ساكنًا، والياء ساكنة، والقاعدة أنه إذا اجتمع ساكنان فإن كان الأول حرفًا صحيحًا كُسر، وإن كان حرف علة حُذف. وفي هذا يقول ابن مالك: * طالب: ؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًا فَحَذْفَــــــهُاسْتَحَــــــــقْ * الشيخ: صحيح، (إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق، وإن يكن لينا) يعني: حرف علة (فحذفه استحق) يعني: احذفه. هنا نقول: حذفت الياء لأنها حرف لين وبعدها ساكن، فوجب حذفها. فإن قال قائل: ما بعدها ليس بساكن، بل هو مكسور ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ﴾؟ فالجواب: أن هذه الكسرة عارضة لالتقاء الساكنين. أين الجواب؛ جواب (مَن)؟ جملة ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾. وهنا نسأل: لماذا اقترنت الفاء في الجواب؟ * طالب: هذه الفاء عوض عن الفعل. * الشيخ: رابطة للجواب. فلماذا اقترن جواب الشرط بالفاء؟ * طالب: لأنه لم يكن جواب.. * الشيخ: لا، جواب. * الطالب: جواب الشرط. * طالب: لأن جواب الشرط جملة اسمية. * الشيخ: لأن جواب الشرط جملة اسمية، وإذا كان جملة اسمية فإنه يجب اقترانه بالفاء. * طالب: ؎اسْمِيَّـــــــــــــــــــــةٌطَلَبِيَّـــــــــــــةٌ وَبِجَامِــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَلَنْ وَقَدْوَبِالتَّنْفِيـــــــــسِ * الشيخ: سبعة مواضع إذا وقعت جوابًا للشرط اقترنت بالفاء. قوله: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ فيها قراءتان: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ بالياء، و﴿مِنَ النَّبِيئِينَ﴾ بالهمزة. و(مِن) هذه بيانية، فما هو المبهم الذي بُين بـ(من)؟ * طالب: ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾. * الشيخ: اسم موصول، اسم الموصول مبهم فيحتاج إلى بيان، وصلته لا تبينه. ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾، ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى؟ * طالب: ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى. * الشيخ: يعني المشار إليه ما هو؟ * طالب: المشار إليهم: الصديقين والشهداء والصالحين. * الشيخ: بس، و(النبيين) خارجين؟! لماذا قال: ﴿رَفِيقًا﴾ مع أن المشار إليه جمع؟ * طالب: تمييز. * الشيخ: (رفيقًا) تمييز؟ والتمييز لا بد أن يكون مفردًا، هو الآن رفيق مفرد وجمعه رفقاء؟ * طالب: لأنه على وزن (فعيل). * الشيخ: وإذا كان على وزن فعيل؟ * طالب: (...). * الشيخ: يعني معناه إذا قلنا: قتيل فهو بمعنى قتلى؟ * طالب: اللفظ مفرد، ولكن يريد به الجمع: الرفقاء. * الشيخ: نعم، يقول العلماء: إن (رفيق) مفرد صالح للجمع والمفرد، يعني: صالح لهذا وهذا، فتقول: هؤلاء رفيق هؤلاء الجماعة، أو رفقاء هؤلاء الجماعة، كـ(الجُنُب) مثلًا، كلمة (جُنُب) لفظها مفرد ولكنها صالحة للجمع، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة ٦]، ومثل الفُلك مفرد لكنه صالح للجمع، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس ٢٢]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ [لقمان ٣١]، وأمثال هذا كثير. ويعجبني كلمة قالها ابن عقيل رحمه الله، وهو من الفقهاء، قال: إن الأحدب الذي حدبته كالراكع ينوي الركوع كفلك في العربية؛ صالح للمفرد والجمع، وهكذا الانحناء من الرجل الأحدب صالح لأن يكون طبيعيًّا أو يكون شرعيًّا راكعًا. وهذا يجُرنا إلى قصة الكسائي مع أبي يوسف، كان الكسائي يقول: إن الإنسان إذا أتقن علمًا إتقانًا قويًّا جيدًا فهِم ما سواه من العلوم وإن لم يدرسها. هكذا قال، وكان ذلك بحضرة الرشيد، فقال له أبو يوسف، وأبو يوسف فقيه، قال له: ما تقول فيما إذا سها الرجل في سجود السهو؟ قال الكسائي: أقول: لا يسجد للسهو ذاك. قال: وهل عندك شيء من نحوك يدل على هذا؟ قال: نعم، عندي أن المصغر لا يصغر. فهذه ما أدري هل مصنوعة أو حقيقة. على كل حال إن الإنسان إذا ربط العلوم بعضها ببعض ينتفع، يكون عنده قدرة على التأليف؛ تأليف الفكر، ولهذا تجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرن الأشياء التي تظنها بعيدة بعضها من بعض، ولكنها قريبة، يجمعها أصل واحد. نعود إلى معنى الآية، يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [النساء ٦٩] الطاعة هي: موافقة الأمر تركًا للمنهي وفعلًا للمأمور. ولهذا نقول: إن من ترك المعصية يُعتبر مطيعًا، ومن فعل الواجب فهو مطيع، ولهذا قيل في الطاعة: هي: موافقة الأمر أو موافقة المطاع. وقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ ولم يقل: (ثم الرسول)؛ لأن أمر الرسول من شرع الله، وكما تعلمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشرع لا بأس أن يقرن مع الله بالواو؛ لأن ما جاء به فهو من شرع الله، بخلاف الأمور الكونية فإنه لا يجوز أن يقرن مع الله إلا مقرونًا بـ(ثُم). ومن ذلك -أي من فروع هذه القاعدة- قول القائل: (الله ورسوله أعلم) في الأمور الشرعية. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة ٥٩]، ولم يقل: ثم رسوله؛ لأن هذا إيتاء شرعي، فهو من الشرع، أما الأمور القدرية فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك فيها شيئًا، فلهذا لما قال له الرجل: ما شاء الله وشئت قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟»[[أخرجه أحمد في مسنده (1839)، والبخاري في الأدب المفرد (783) من حديث ابن عباس بلفظ: جعلت لله ندًا.]]. وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ﴾ [النساء ٦٩] (أولئك) إشارة إلى جمع، مع أن الذي قبلها مفرد، لكن قالوا: إن (مَن) و(مَا) وأمثالهما صالحة للجمع والمفرد، فهي باعتبار لفظها مفرد، وباعتبار معناها جمع، فيصح أن يعود الضمير إليها أو الإشارة إليها باعتبار اللفظ وباعتبار المعنى. وقد جمع الله تعالى بين ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ [الطلاق ١١]، فراعى في الأول اللفظ، وفي الثاني المعنى، وفي الثالث اللفظ أيضًا. وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ أتى باسم الإشارة إشارة إلى علو مرتبتهم، ولم يقل: (فهؤلاء)، للتنبيه على علو المرتبة. وقوله: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي نعمة الدين والدنيا، وهي النعمة الخاصة، وليُعلم أن نعمة الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: نعمة عامة، ونعمة خاصة. النعمة العامة تكون للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمستقيم والفاسد، هذه العامة، ومنها إدرار الرزق على الناس من مطر ونبات ورخاء وأمن، هذه من النعم العامة. الثانية: النعمة الخاصة، وهي النعمة التي تكون في الدين والدنيا، وهذه خاصة بمن؟ بالمؤمنين، وهم أصناف أربعة كما قال الله تعالى هنا: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾، والنبيون هنا تشمل الرسل؛ لأن كل رسول فهو نبي، فإذا قيل: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ دخل فيهم بالأولى الرسل، ولا شك في هذا. و﴿النَّبِيِّينَ﴾ قيل: إنهم مَن أوحي إليهم بشرع ولم يؤمروا بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وهذا هو المشهور عند أهل العلم. وقيل: النبي من أوحي إليه أن يَتَعبد بشريعة من قبله، أو يأتي بما يُكملها، فلا بد من سبق رسول عليه. ولكن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور؛ وهو أن النبي يُوحى إليه بالشرع، ولكنه لا يكلف ويُلزم بتبليغه. ومن هؤلاء -أي من النبيين الذين لم يُرسلوا- آدم؛ فإن آدم نبي مُكلم، لكنه ليس برسول؛ لأنه هو أول البشر، فليس هناك أمة حتى يكون رسولًا لها، ولأن الناس الذي خرجوا منه ومن حواء كانوا قليلين، لم تفتنهم الدنيا، وكانوا ينظرون إلى أبيهم فيتعبدون بعبادته، فلما انتشر الناس وكثروا أرسل الله الرسل. ولهذا قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ [البقرة ٢١٣] وهذا يدل على أن الناس قبل هذا لم يبعث فيهم أنبياء مبشرين ومنذرين، وإنما هم أنبياء يتعبدون لله وتتبعهم الأمة. وهو مأخوذ من النبأ، وهو الخبر، وقيل: من النَّبوة؛ وهي الرفعة. أما على الأول فظاهر؛ لأن النبي مخبِر ومُخبَر، وعلى هذا يكون لفظ ﴿النَّبِيِّينَ﴾ بالهمز (النبيئين): فعيل بمعنى مفعول وفاعل، فهو مُنبأ وكذلك منبئ، وأما على الياء فتحتمل أن تكون من النبأ، ولكنها حذفت الهمزة تخفيفًا أو من النَّبوة، وهي الرفعة؛ لعلو منزلة الأنبياء، ولا شك أن الأنبياء هم أعلى طبقات عباد الله الصالحين. ﴿الصِّدِّيقِينَ﴾. * طالب: رضي الله عنك، جاء عن الرسول ﷺ أن الرسل يوم القيامة يفزعون دون العرش، في الدرس الليلة أن البعث (...) أن الله سبحانه وتعالى يقول لآدم (...). * الشيخ: ما فيه خلاف، أقول: ليس فيه خلاف حتى يحتاج إلى شرح. * طالب: لأنهم يفزعون للرسل. * * * * طالب: يقول مثلًا المريض: ماذا أتى به هنا؟ المسألة بالعكس. * الشيخ: لا، هذه تختلف، قد يقول المريض: أيش اللي جابوا لي؟ هذا يمكن جاسوس ولا بلا، وقد لا يقول هذا، قد يفرح إذا عاده، مثل هذا الرجل، وربما ينشط، لا هو عيادة من عرفت ومن لم تعرف، لا سيما إذا دخلت إلى غرفة فيها ناس تعرفهم وناس لا تعرفهم ليس من المروءة أن تسأل عن هؤلاء ولا تسأل عن حال الآخرين. * طالب: رضي الله عنك، يؤخذ من قوله ﷺ أن الإنسان يتحرى (...)؟ * الشيخ: إي نعم، هذا يؤخذ منه أن الإنسان إذا كان يعلم أن هذا الشخص مسرف على نفسه ويعوده من أجل إنقاذه من النار هذا طيب. * طالب: بارك الله فيك، الأخ –بارك الله فيه- نسب الحديث «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»[[أخرجه البخاري (٣٤٦١) من حديث عبد الله بن عمرو.]] إلى البخاري، فما صحة الحديث؟ * الشيخ: هذا صحيح «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي..». * طالب: «وحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ»[[أخرجه البخاري (3662) من حديث أبي هريرة.]]. * الشيخ: نعم، كله صحيح، لكن ليس التحديث يعني التصديق؛ لأن الرسول أمرنا بالتوقف فيما حدثوا به ما لم يشهد شرعنا به، ولهذا قال العلماء: إن أخبار بني إسرائيل تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم شهد شرعنا بصحته، وقسم شهد شرعنا ببطلانه، وقسم لم يشهد شرعنا فيه بشيء، فالثالث متوقف فيه. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (٧٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (٧٢) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [النساء ٦٩ - ٧٣]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾. سَبق الكلام على أول هذه الآية وأظن ما قبلها أخذنا فوائدها. قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ (أل) في (الرسول) هل هي للحقيقة أو للعهد؟ * طالب: للعهد. * الشيخ: للعهد. إذا كانت للعهد فمن المراد به؟ * طالب: (...) ﷺ. الشيخ: أي الرسل؟ المراد به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. هل فيها احتمال آخر؟ * طالب: احتمال أن يكون المراد لجميع الرسل. * الشيخ: يعني الجنس، المراد الجنس، يعني ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ الذي أرسله، سواء كان محمدًا أم غيره، وهذا أقرب العموم. قوله: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ (من) هذه لبيان؟ أين المبهم الذي بينته؟ الذي هو ﴿مَعَ الَّذِينَ﴾. قال الله تعالى: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ يدخل في النبيين هنا الرسل؛ لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، فقوله: ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ يشمل الرسل، وهم أفضل من الأنبياء، وهذا هو المتفق عليه بين علماء المسلمين، وأما غلاة الصوفية فقالوا: إن الولي أفضل من النبي، والنبي أفضل من الرسول، قالوا: لأن الولي له الولاية والقُرب، والنبي له الإخبار مع البعد، والرسول خادم، وأنشدوا على ذلك: ؎مَقَـــــــــــــــــامُ النُّبُــــــــــــــوَّةِفِي بَــــــــــرْزَخٍ ∗∗∗ فُوَيْقَ الرَّسُــــــــولِ وَدُونَالْوَلِي شوف العبارة السيئة: مقام النبوة في برزخ؛ فويق الرسول ودون الولي، إذن الولي بعيد فوقهم وبعيد عنهم، ثم يليه مع البُعد من؟ يلي الولي النبي، ثم الرسول، وليس بين النبي والرسول على زعمهم فرق إلا قليلًا. ولا شك أن هذا ضلال بين والعياذ بالله؛ لأننا نقول: كل رسول نبي، وكل نبي ولي، فأشرف أولياء الله الرسل والأنبياء، لا شك، أشرف الأولياء النبيون وأشرف النبيين الرسل. فكلامهم باطل. ثم من يعنون بالأولياء؟ يعنون بالأولياء رؤوس الطواغيت أولياءهم، الذين هم أولياء الشيطان، الذين يريدون منهم أن يعبدوهم، وأن يجعلوهم معصومين من كل ذنب ومن كل خطأ. أما الصديقون فالصديق هو الذي صدق بالحق وقال بالصدق، بينه قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر ٣٣]، فالصديق هو الذي قال بالصدق وصدق بالحق. وأفضل الصديقين هو أبو بكر رضي الله عنه؛ لأن هذه الأمة أفضل الأمم، وأبو بكر أفضل هذه الأمة، فيكون أفضل الصديقين هو أبو بكر رضي الله عنه. ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ الشهداء جمع شهيد، واختلف العلماء فيهم؛ فقيل: إن المراد بالشهداء أهل العلم؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران ١٨]، وقيل: المراد بالشهداء الذين قتلوا في سبيل الله؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران ١٦٩]. والصحيح أن الآية عامة؛ لأن العلماء شهداء، استشهدهم الله سبحانه وتعالى على الخلق، فهم يشهدون بالحق ويشهدون على الخلق. من أعلم الناس بصدق الرسل وبشريعة الرسل؟ العلماء، فيشهدون بالحق الذي جاءت به الرسل ويشهدون على الخلق أن الرسل بلغوه. ثم نقول أيضًا: هذه الأمة شهداء على الناس عمومًا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣]، ووجه ذلك أن هذه الأمة تشهد على أن الرسل جاءوا أقوامهم بالبينات، وأن مِن هؤلاء الأقوام من كفر ومنهم من آمن؛ لأنه ليس بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسول، فالرسل كلهم قد سبق وقد قص الله علينا من أنبائهم. وقوله: ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ هؤلاء أدنى مرتبة ممن قبلهم، لكن من كان قبلهم فهو من الصالحين لا شك، فهو من باب عطف العام على الخاص، فليس كل صالح يكون صديقًا، وليس كل صالح يكون شهيدًا، وليس كل صالح يكون نبيًّا أو رسولًا، لكن كل نبي وكل صديق وكل شهيد فهو صالح، قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النحل ١٢٢]. إذن الصلاح وصف عام، فيكون عطفه على ما سبق من باب عطف العام على الخاص، لكن فمن هو الصالح؟ الصالح ضد الفاسد، فهو المطيع لله؛ لأن الفاسد هو العاصي لله كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف ٥٦]، قال العلماء: أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي؛ فإن المعاصي سبب للفساد في الأرض. ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]. وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم ٤١]. وعلى هذا فالصالح هو المطيع لله. وعبّر بعضهم عن ذلك بقوله: الصالح من قام بحق الله وحق العباد. وهذا بمعنى الأول؛ لأن المطيع لله لا بد أن يكون قائمًا بحق الله وحق العباد. قال الله تعالى: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (حسُن) فعل ماضٍ لكنه مُشرب معنى التعجب، فهو بمعنى قول: ما أحسن هؤلاء الرفقاء. وقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ المشار إليه هم هؤلاء الأصناف الأربعة، و(رفيقًا) قيل: إنها بمعنى الرفقاء، وإنها اسم يستوي فيه الجمع والواحد، وقيل: إن (رفيقًا) تمييز لـ (حسن)؛ لأنها بمعنى التعجب، ولكن الأول أصح، أي حسُن هؤلاء رفقاء، وأن رفيق صالحة للواحد والجمع، والرفيق والمرافق، والمرافق هو الذي ترتفق به أُنسًا ومعونة وانشراحًا وما أشبه ذلك، ولهذا لا يقال: (رفيق) إلا لمن رافقك وزاملك إما في عمل وإما في سفر وإما في غير ذلك. ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾. * طالب: شيخ، السياق يا شيخ ألا يعين أن الرسول هو محمد ﷺ؟ * الشيخ: نعم. * الطالب: (...). * الشيخ: كيف ذلك؟ * الطالب: من أول الآيات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء ٥٩] حدد (...) أن الرسول محمد ﷺ، ثم ختمها الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾. * الشيخ: لا شك أن سياق الآيات التي قبلها كلها في الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لا مانع من أن تأتي آية عامة فيكون الرسول دخل ضمنًا، الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم دخل ضمنًا. * طالب: في قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ﴾ وقوله: ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ أن كل من أطاع الله ورسوله فهو من الصالحين، فهل نقول: إن (مع) هنا بمعنى (من)؟ * الشيخ: لا؛ لأن من سوى هذه الصفات الأربعة هم المنافقون والكفار. * طالب: معهم. * الشيخ: معهم، ولهذا قد يحشر الإنسان مع الكافرين وإن كان فيه شيء من الطاعة؛ تعنيفًا له، وقد يحشر مع المؤمنين وإن كان فيه شيء من المعصية إذا عفا الله عنه. * طالب: هل طلاب العلم يحشرون مع الشهداء؟ * الشيخ: نعم، في طريقهم إلى أن يكونوا شهداء. * طالب: لو ماتوا على ذلك؟ * الشيخ: لو ماتوا على ذلك، فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء ١٠٠]. يُكمَّل له أجر ما نوى. * طالب: شيخ، هل الصالحين أرفع أم المصلحون؟ * الشيخ: نعم، كل مصلح فهو صالح، والصالح الذي لا يصلح فيه نقص في صلاحه؛ لأنه من كمال الصلاح الإصلاح، ولهذا قال: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ ولم يذكر أنهم أمروا بالمعروف، قال: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف ١٧٠]. * طالب: المصلحون أعظم من الصالحين يا شيخ؟ * الشيخ: المصلح نعم من كمال الصلاح الإصلاح، وقد يكون الإنسان صالحًا لكنه لا يهتم بصلاح غيره، فلا يكون مصلحًا، وحينئذٍ نقول: هو صالح ناقص الصلاح. * طالب: يا شيخ، لماذا لم يقل: المصلحون في الآية. * الشيخ: ما نقول، الله قال هكذا. * الطالب: يعني الترتيب يا شيخ هذا. * الشيخ: أقول: الله قال هكذا، ما نقدر نغير القرآن. * الطالب: لا، قصدي يا شيخ الترتيب هذا على الأفضلية؟ * الشيخ: على الأفضلية. * طالب: (...). * الشيخ: لا، هو إخبار يراد به الحث، يعني هل ترغب أن تكون مع هؤلاء وفي صحبتهم؟ الجواب: نعم، إذن أطع الله ورسله. * طالب: (...). * الشيخ: يعني أن تقول: إذا أطاع الله ورسوله فهو لا يخرج عن هذه الأصناف، كذا تقول؟ طيب، هو معهم، قد أقول مثلًا: إن هذا الرجل مع المؤمنين وهو مؤمن. * طالب: بعض الناس يطلقون لفظ الشهادة على من قتل في معركة أو دفاعه عن قضية معينة، أو بالتعذيب، فهل هذا صحيح؟ * الشيخ: أما من قتل في المعركة وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهذا شهيد لا شك، وأما من قاتل لقضية معينة لا لتكون كلمة الله هي العليا فليس في سبيل الله، ولا يكون شهيدًا، ولا يحل أن يسميه شهيدًا، بل حتى الذي يقتل في المعركة لا يقال: إنه شهيد كما بوب على ذلك البخاري رحمه الله فقال: (باب لا يقال: فلان شهيد)، وكما نهى عن ذلك عمر، قال: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: فُلَانٌ شَهِيدٌ وَفُلَانٌ شَهِيدٌ، وَمَا يُدْرِيكُمْ –يعني- لَعَلَّهُ غَلَّ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَهُو شَهِيدٌ»[[أخرجه النسائي (٣٣٤٩) من حديث عمر بن الخطاب.]]. * طالب: (...). * الشيخ: ذكرنا هذا، قلنا: هذه الأمة أيضًا شهيدة على الأمم السابقة، وكذلك الأمة شهيد بعضها على بعض، ولهذا كان القول الراجح أن من شهدت له الأمة واتفقت على الثناء عليه فإنه يُشهَد له بالجنة. * طالب: العمليات الفدائية الآن التي (...) في بعض البلدان، هل نقول للذي قتل فيها: شهيد؟ * الشيخ: أليس قتل نفسه؟ * طالب: بس ما يؤخذ يا شيخ من الحديث أن صاحب التمرة الذي دخل المعركة وقاتل حتى قتل.. * الشيخ: لا، هذا ما قتل نفسه، الذي ألقى التمر وقاتل ما قتل نفسه؛ لأنه يدافع وهو يريد أن يقتل الأعداء، لكن هذا دخل انتحاريًّا، دخول انتحار. * طالب: (...). * الشيخ: ما يجوز أبدًا، هذا قاتل نفسه، لا يجوز إلا في حال واحدة معينة، وهي ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: إذا كان للإسلام في ذلك مصلحة كبيرة، واستدل بقصة «الغلام مع الملك الذي أراد الملك أن يقتله فصار يرسله مرة إلى الجبال لِيُرَدَّى فيها، ومرة إلى البحر ليغرق فيه، ولكنه يرجع سالمًا، فقال للملك: إنْ كنتَ تريد أنْ تقتلَني فاجمَعِ الناسَ وخُذْ سهمًا مِن كِنانتي ثم ارْمِني به وقلْ: باسمِ ربِّ هذا الغُلامِ؛ فإنَّك سوف تَقْتُلُنِي. ففعلَ الملِكُ وجمعَ الناسَ وأخذَ سهمًا من كِنانتِه فرماهُ به وقال: بِاسْمِ ربِّ هذا الغُلام، فأدركه فقتله»[[أخرجه مسلم (٣٠٠٥ / ٧٣) من حديث صهيب.]]، ماذا حصل؟ صار هؤلاء الجمع كلهم يقولون: الرب رب الغلام يعني وليس أنت. فهذه مصلحة عظيمة يمكن أن يقال: الإنسان لا بأس أنه يفديها بنفسه. * * * * طالب: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (٧٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء ٦٩ - ٧١]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾. ذكر الله ثلاث فوائد لمن فعل ما يوعظ به، فما هي؟ * طالب: أن يرجح سلامة الدنيا والآخرة (....) الأجر العظيم، الهداية. * الشيخ: طيب، هل يستفاد من الآية أن من فعل ما يوعظ به ازداد علمه؟ * طالب: نعم. * الشيخ: من أين؟ * طالب: من قوله: ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء ٦٧، ٦٨]. * الشيخ: أجرًا، نعم، ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ قولان أيهما؟ * طلبة: الثاني. * الشيخ: الثاني، نعم. ماذا يستفاد من الإضافة في قوله: ﴿مِنْ لَدُنَّا﴾؟ * طالب: التكثير والتعظيم. * الشيخ: التكثير والتعظيم. وجهه؟ * طالب: بأن الله عز وجل أضاف الأجر والثواب له سبحانه وتعالى، ولم يبين أجره في هذه الآية، على أنه أجر عظيم. * الشيخ: لكن ما وجهه؟ * طالب: بأن الله عز وجل أضافه لنفسه ولم يضفه لرسول الله، لأن الله عظيم لما أضاف الأمر إليه فصار الأجر عظيمًا؛ لأن المضاف .. الشيخ: يعني عطية الكريم كثيرة والعظيم عظيمة. هل له نظير من السنة؟ دعاء علمه الرسول عليه الصلاة والسلام بعض أصحابه؟ * طالب: الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه؛ يقول في آخر صلاته: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨).]]. الشيخ: في صلاته، ما هو في آخرها: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ»، تمام. قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾، مَن المراد بالرسول هنا: هل هو العموم أو رسول معهود؟ * طالب: النبي صلى الله عليه وآله وسلم. * الشيخ: يعني: رسول معهود، الرسول يعني محمدًا؟ أو الرسول يراد به الجنس فيشمل جميع الرسل؟ * طالب: يشمل جميع الرسل. * الشيخ: أنت. * طالب: السياق يدل على أنه خاص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم. * الشيخ: نعم. * طالب: يا شيخ، لو قلنا بالعموم لكان أولى. * الشيخ: لأنها إذا قلنا بالعموم لا يفسد به السياق. أين ذكر الرسل؟ الآية ليس فيها إلا ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾؟ * طالب: لأن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا. * الشيخ: إذا النبيون تشمل. * طالب: تشمل النبيين والرسل. * الشيخ: تمام. الضابط في تعريف الصديق؟ * طالب: الصديق هو من صدق في قوله وصدق ما قيل له، الصادق والمصدوق المصدق لغيره والصادق في قوله. * الشيخ: الصادق في قوله. * طالب: والمصدق لغيره. * الشيخ: إي نعم. * طالب: هو الذي صدق بالحق وقال به. * الشيخ: نعم، فيه آية في القرآن تدل على هذا؟ * طالب: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر ٣٣]. * الشيخ: المعية هنا في قوله: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟ * طالب: في الآخرة، يحشرون في زمرتهم. * الشيخ: وفي الدنيا؟ * طالب: ما يلزم أنه يكون معهم في الدنيا. * الشيخ: يعني إذن أنت لست مع الرسول؟ * طالب: أساسًا لا، بالذات لا. * الشيخ: حتى عمر وأبو بكر بالذات لا؟ * طالب: معهم في الدنيا والآخرة، تشمل الأمرين يا شيخ؛ لأن طاعة الرسول ﷺ يكون في زمرة الرسول ﷺ في الحياة؛ لأنه لو اتبع سنة الرسول ﷺ تأمر بطاعته. * الشيخ: يعني معية الآخرة واضحة يحشر معه، في الدنيا لأن كل من اعتنق طريق شخص فهو معه في الواقع، ولهذا يطلق الآل على من؟ على الأتباع، يسمَّون آلًا لشخص، وهم أتباع يمكن ليس بينه وبينهم نسب. * الشيخ: أخذنا الفوائد الآن؟ * طلبة: لا. * الشيخ: من أين؟ * طلبة: ﴿وَمَنْ يُطِعِ﴾. * الشيخ: طيب، باسم الله. * ومن فوائد الآية: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾. الحث على طاعة الله ورسوله، وجه ذلك ذكر الثواب؛ لأن ذكر الثواب على فعل الشيء يعني الترغيب فيه والحث عليه. * ومن فوائدها: أن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طاعة لله، وجه ذلك أن من أطاع الرسول استحق الثناء كالذي أطاع الله. * ومن فوائدها: جواز عطف الرسول على الرب عز وجل بالواو في الطاعة، وكذلك في المعصية؛ لأن أمر الرسول من أمر الله؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾، ولهذا نقول: ما يتعلق بالشرع فإنه لا حرج أن يعطف الإنسان الرسول على الرب عز وجل بالواو؛ لأن شرع الرسول هو شرع الله، انظر إلى هذه الآية ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء ١٤]، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة ٥٩] وهذا إتيان شرعي، أما في الأمور الكونية فإنه لا أحد يشارك الله تعالى في ربوبيته، فلا بد أن يكون مذكورًا بحرف العطف الدال على الترتيب، ولهذا لما قال رجل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ما شاء الله وشئت، قال: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»[[أخرجه أحمد في المسند (١٨٣٩) من حديث ابن عباس بلفظ «أجعلتني والله عدلا».]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذين أنعم الله عليهم أربعة أصناف: النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون، وهذه الآية تفسر آية الفاتحة ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧] فالذين أنعم الله عليهم هم هؤلاء الأصناف الأربعة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي أفضل من الصديق، والصديق أفضل من الشهيد، والشهيد أفضل من الصالح؛ لأن الترتيب هنا ترتيب من الأعلى إلى من؟ إلى الأدنى. * ومن فوائد هذه الآية: إبطال ما ادعاه الفلاسفة من الصوفية وغيرهم بأن الولي أفضل من النبي، والنبي أفضل من الرسول، وقد شرحنا هذه المسألة وبيَّنَّا أن كل نبي فهو ولي، وكل رسول فهو نبي، وعلى هذا فالرسول نبي ولي، وليس كل ولي نبيًّا ولا رسولًا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على هؤلاء الأصناف الأربعة -جعلني الله وإياكم منهم- حيث قال عز وجل: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرفقاء يختلفون، منهم رفقاء خير ومنهم رفقاء شر؛ لقوله هنا: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾، وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رفقاء السوء وقال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ السَّوْءِ كَنَافِخِ الْكِيرِ؛ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى الأشعري.]] أتعرفون ما الكير؟ * طالب: الحداد ينفخ فيه. * الشيخ: في الفم؟ * طالب: يستعمله الحداد في الحديد. * الشيخ: صحيح يستعمله الحداد، لكن كيف هو وما مادته؟ * طالب: هذا الكير يصنع من جلد. * الشيخ: جلد. * الطالب: يكون من جلد الحيوان، ويكون مغلقًا إلا الفتحة أو الثقب اللي يكون يخرج منه الهواء، وفيه ثقب آخر يأخذ منه الهواء، فعندما يضغط هكذا العامل يأخذ الهواء ويطرده إلى الأمام وأمامه النار، فالكير هذا ينفخ النار حتى يذيب الحديد، هذا الكير القديم، أما الحديث فلا علم لي. * الشيخ: القديم كما ذكر جلد يكون طرفه الذي يدخل على محل النار يكون دقيقًا، وأعلاه يكون واسعًا، وفي أعلاه خشبتان ينفتحان، إذا جلبه فتحه تعبأ الهواء ثم يضمه هكذا ثم يضغط عليه، إذا ضغط وإذا هو مملوء هواء أين يذهب الهواء؟ * طلبة: النار. * الشيخ: يذهب إلى النار، فتجد النار مشتدة اللهب. نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة، بخلاف الجليس الصالح؛ فهو كحامل المسك؛ إما أن يبيعك وإما أن يحذيك، يعني يعطيك بلا ثمن، وإما أن تجد منه رائحة طيبة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب