الباحث القرآني

ولما ذكر الله سبحانه وتعالى حال أهل النار -أعاذني الله وإياكم منهم- قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ والقرآن مثاني تثنّى فيه المعاني، إذا ذكر فيه أهل النار ذكر فيه أهل الجنة، وإذا ذكرت النار ذكرت الجنة، وإذا ذكر الحق ذكر الباطل، وهكذا، وهذا هو أحد المعاني في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر ٢٣]. يقول عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ومثل هذا التركيب موجود في القرآن بكثرة، يقدّم الله الإيمان على العمل الصالح؛ لأن العمل الصالح مبنيّ على الإيمان، فعمل بلا إيمان لا فائدة منه، فالمنافقون يعملون، يذكرون الله، ويصلون، ويتصدقون، لكن ليس عندهم إيمان فلا ينفعهم، ولهذا يقدم الله عز وجل الإيمان على العمل الصالح؛ لأن العمل الصالح أيش؟ مبنيّ عليه. فما هو الإيمان الذي يكثر ذكره في القرآن؟ الإيمان فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) بهذا اللفظ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]] . فالذين آمنوا بهذه الأصول ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ عملوا الصالحات، قال بعض المعربين، بل بعض النحويين أيضًا: إن ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ صفة لموصوف، والتقدير: الأعمال الصالحات، لماذا؟ قال: لأن الصالح وصف، والوصف لا يُفعل، وإنما الذي يُفعل هو الموصوف، هكذا قالوا، وعندي أنه لا حاجة لذلك ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ما دام الأمر معلومًا فلا حاجة أن نُقدّر ونقول: إن ﴿عَمِلُوا﴾ مُسلّط على ﴿الصَّالِحَاتِ﴾. فما هي الأعمال الصالحة؟ الأعمال الصالحة ما كانت خالصة لله صوابًا في شريعة الله؛ يعني ما كان خالصًا صوابًا كما قاله الفضيل بن عياض[[انظر جامع المسائل لابن تيمية (٤ / ٢٢٩).]] ما كان خالصًا صوابًا؛ يعني ما جمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن عمل عملًا أشرك به مع الله غيره ولو يسير رياء كان عمله غير صالح، ومن أخلص لله، لكن على غير شريعة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان عمله غير صالح. يقول: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ السين هنا للتنفيس، وأنتم ترون الآن أن أصحاب النار قيل فيهم: ﴿سَوْفَ نُصْلِيهِمْ﴾، وأن أصحاب الجنة قيل فيهم: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾، فهل هذا من باب اختلاف التعبير وأن معنى الحرفين واحد؟ قال ابن هشام: كذلك معنى الحرفين واحد. وقيل: بل معناهما مختلف، وأن السين تدل على القرب، وسوف تدل على المهلة، وهذا هو المعروف وهو الأصح، فإذا قيل: كذلك، فلماذا جاء الوعيد بالنسبة لأهل النار بـ(سوف)، ولأهل الجنة بالسين؟ الجواب على ذلك: أن أهل النار يفسح لهم لعلهم يتوبون، يتوبون إلى الله فيرجعون وحينئذٍ لا يكونون من أهل النار، أما أهل الجنة فإنهم يدخلون الجنة، ولكن ما هي جنة الآخرة؛ جنة الدنيا قبل جنة الآخرة ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٢٢]. ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧] ولا أحد أطيب حياة من حياة المؤمنين أبدًا؛ قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك الذين تمت لهم الدنيا على ما يريدون، لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف. قاتلونا مقاتلة، يريدون أن ينالوه ولكن لا يحصل لهم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما يصنع أعدائي بي -لما حُبس- إن جنتي في صدري، إن جنتي في صدري؟ وربما يدل على أن أهل الجنة منعّمون أتم نعيم، قوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان ٥٦] إذا جعلنا الاستثناء متصلًا صار المعنى أن الموتة الأولى التي ماتوها فيها الدنيا ذاقوها والنعيم مستمر من الدنيا إلى الآخرة، ولكن أكثر العلماء يقولون: ﴿إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ أن الاستثناء هنا منقطع، وأن التقدير: لكن الموتة الأولى. على كل حال نقول: إنما قال: (سوف) في أهل النار ليمد لهم في الأجل لعلهم يرجعون فأراهم العذاب وكأنه بعيد، لكن أهل الجنة أراهم النعيم كأنه قريب حتى ينشطوا على العمل، وأيضًا نقول: هم في الحقيقة في جنة، أهل السعادة في سعادة حتى في الدنيا، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٩٩ / ٦٤) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.]] فكل أمره خير، كل أمره خير إن أصابته الضراء صبر مع الله عز وجل وصبر لله، وانشرح صدره، وكما قالت رابعة العدوية لما أصابها جرح في أصبعها، أظنه انقطع الأصبع؛ قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. فالمؤمن في الحقيقة حتى وإن أُصيب بالمصائب يوفّق للصبر، ويثيبه الله عز وجل على ذلك ولا كأنه أصيب، وإن أصابته السراء شكر فزيد في النعمة ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم ٧]. يقول: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ المراد بالجنات هنا ما أعده الله عز وجل من الدار الآخرة لهؤلاء المؤمنين، ولا يحسن هنا أن نقول: الجنات جمع (جنة)؛ وهي البستان الكثير الأشجار؛ لأن هذا ينقّص من شأن الجنة؛ إذ لا ينصرف إلا إلى بساتيننا هنا في الدنيا مرة تيبس، ومرة تخضر، ومرة تفسدها الرياح، ومرة تستقيم، لكن إذا قلت: الجنات جمع (جنة)، وهي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للمتقين فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حينئذٍ يبتهج القلب ويُسرّ. وقوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ كيف تجري من تحتها؟ أليس النهر لا يجري إلا من تحت؟ وإن قلت: ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ يعني تحت الأرض في جوف الأرض مشكل؟ قال العلماء: المراد من تحتها أي: تحت أشجارها وقصورها، أنهار مطردة؛ تحت الأشجار وتحت القصور فهي من تحتها، وهذه الأنهار أصنافها أربعة كما قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد ١٥] هذه أربعة، أربعة أنهر، أو أربعة أنواع من الأنهار في الجنة. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾ حال، حال فأين صاحبها؟ الضمير في قوله: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾ أي: ضمير الهاء. وقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ بيّن أن هذا الخلود أبديّ، فقال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أبد الآبدين، لا منتهى لها. فإذا قال قائل: كيف يعيش الإنسان وهو يرى أنه باقٍ دائمًا في هذا؟ نقول: نعم؛ لأنه كل ساعة تتجدد له لذة ونعيم ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة ٢٥] في الدنيا ننتظر الموت حتى نرتحل عن هذه الدنيا، لكن في الآخرة لا تنتظر الموت، أنت دائمًا في سرور ونعيم ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ٦٢] فهم في نعيم دائم نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. ﴿لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ ﴿لَهُمْ﴾ أي: للذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴿فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾. ﴿أَزْوَاجٌ﴾ جمع (زوج)، وهي الأنثى، ويطلق على الرجل أيضًا، يقال: زوج فلانة، ويقال: زوج فلان، زوج فلان صح؟ * الطلبة: صح. * الشيخ: يعني؟ * طلبة: زوجته. * الشيخ: يعني زوجته، لكن في الفرائض يجب أن تأتي بالتاء، وفي غير الفرائض لا تأتي بالتاء؛ لأن الإتيان بالتاء لغة رديئة أو قليلة. ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾ من أي شيء؟ مطهّرة طهارة حسيّة، ومطهرة طهارة معنوية؛ فالطهارة الحسية مطهرة من البول، والغائط، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، والصفرة، والكدرة، والعرق، والرائحة المنتنة، وغير ذلك من كل ما يستحب إزالته والتنزّه عنه هي مطهّرة منه، ومطهرة أيضًا طهارة معنوية؛ وذلك بأنها خالية من كل خلق سيئ، لا غضب، ولا تكرّب للزوج، ولا كراهة ولا عصيان، ولا اكفهرارًا في وجهه، فهي مطهّرة من كل خلق رزيل، ومن كل أذى وقذر، فالطهارة إذن حسية ومعنوية. اشتكت النساء وقالت: الرجال لهم أزواج مطهّرة، فما بالنا نحن؟ ماذا نقول لهن؟ نقول لهن: أنتن لكن أزواج مطهرون، إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبًا، ولا يكون جاره إلا الطيب، وأنتم في الآخرة كل واحدة منكن لا تريد إلا زوجها ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الرحمن ٥٦] كل واحدة قاصرة طرفها على زوجها ومتنعمة به، وأنتن خير من سواكن فلا تجزعن، ولكن لما كان الزوج هو الطالب غالبًا صار هو الذي يقال: لك زوجة فيها كذا وفيها كذا، أما الزوجة فلا تكون طالبة إلا نادرًا. قال: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ الظل معروف هو ما فاءت عنه الشمس، وإن شئت فقل: هو ما لم تحله الشمس سواء كان فيئًا أم ظلًّا من أول النهار، وأما الظليل فهو المؤدي معناه تمامًا؛ لأن من الظل ما ليس بظليل، لو جلست تحت ظل جدار في أيام الصيف فأنت في ظل، لكن هل هو ظليل؟ * طالب: لا. * الشيخ: لماذا؟ لأن وهف الحر يأتيك، لكن الجنة ظل ظليل. * طالب: شيخ، بالنسبة للزوجة لها زوجان، فكيف يا شيخ؟ * الشيخ: يقول: زوجة من أهل الجنة لها زوجان في الدنيا، فهل تختار الأخير أو الأول، أو من يعاملها معاملة حسنة؟ الثالث، تختار من يعاملها معاملة حسنة؛ لأنه أحسن أخلاقًا من الثاني. * طالب: والتي تموت ليس لها زوج؟ * الشيخ: يسّر الله لها. * طالب: شيخ، يعاملها معاملة حسنة؛ حديث أسماء رضي الله عنها بنت أبي بكر ومعاوية (...). * * * * طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء ٥٨، ٥٩]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ﴾ إلى آخره. * في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: أن الإيمان لا يتم استحقاق دخول الجنة به إلا إذا قُرن بالعمل الصالح؛ لقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ولهذا يقرن الله سبحانه وتعالى بينهما كثيرًا، فمن آمن وقال: إنه مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لكن لا يعمل صالحًا فإن الجنة غير مضمونة له، ولكن من الأعمال ما نعلم أنه لن يدخل الجنة إذا تركها مثل: الصلاة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن العمل لا ينفع إلا إذا كان صالحًا، والصالح ما تضمن شيئين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن شئت فقل: الإخلاص لله، واتباع شريعته ليكون هذا أعم؛ إذ إن المعنى الأول قد يتوهم واهم أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن المراد أعم من هذا، حتى الذين عملوا الصالحات حين كانت شرائعهم قائمة يدخلون في هذه الآية وغيرها. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى وعدهم هذا الوعد المؤكد بالسين ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ﴾. * ومن فوائدها: أن الله تعالى عظّم نفسه؛ لأنه أهل للتعظيم في قوله: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ﴾. وقد التبس على النصراني مثل هذا التعبير الذي يأتي من قِبل الله إذا كان بهذه الصيغة فظن أن الإله متعدد، ولكن هذا من فهمه السيئ واتباعه للمتشابه، فإن ذكر الواحد بصيغة الجمع تعظيمًا أمر معروف في كل لغة، والوحدانية مفهومة ومعلومة بالضرورة من الأديان وبالفطر السليمة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان ما في الجنة من النعيم؛ لقوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. * ومن فوائدها: أن الجنة أنواع، وليست نوعًا واحدًا، يؤخذ ذلك من أي شيء؟ من صيغة الجمع ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. * ومن فوائدها: أن أهل الجنة مخلدون فيها أبدًا؛ لقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، وقد أجمع أهل الملة على أن نعيم الجنة دائم أبدًا، وكذلك جمهور أهل السنة على أن عذاب أهل النار دائم أبدًا. * ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على الأزواج في الجنة سواء كنّ من أهل هذه الدنيا أو من الحور؛ لقوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾. ثم هنا سؤال: ﴿لَهُمْ﴾ جمع و﴿أَزْوَاجٌ﴾ جمع، فهل يقابل الجمع بالجمع على وجه الإفراد، أو الجمع بالجمع على وجه الجمع؟ بمعنى: هل لكل واحد زوجة فقط؟ فنقول مثلًا: لهم أزواج، لو فرضنا عشرة قلنا: لكم أزواج، هل المعنى أن لهؤلاء العشرة عشر زوجات فقط؟ أو لكل واحد عشر؟ مثل هذا يختلف فيه العلماء، هل يقابل كل فرد بفرد أو يقابل كل فرد بالجميع؟ فمن العلماء من قال: يقابل كل فرد بفرد، ومنهم من قال: يقابل الجميع لكل فرد، لو قلت مثلًا: أمامي رجال. لو قلت: لكم عشرة دراهم، هل المعنى أن العشرة تُوزّع بينهم، أو المعنى لكل واحد عشرة؟ على الخلاف؛ فهنا ﴿لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ﴾ هل المعنى لكل واحد أزواج؟ أو المعنى لكل واحد زوجة واحدة، لكن الأزواج هنا قُوبلت للجمع في قوله: ﴿لَهُمْ﴾؟ يقال: إن السنة دلت على أن الواحد له أزواج متعددة سواء من أهل الدنيا أو ممن خلق الله في الجنة وهن الحور. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على هؤلاء الأزواج، وأنهن مطهّرات من كل عيب حسي أو معنوي. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجنة ليس فيها حَرّ، وإنما هي ظل ظليل لقوله تعالى: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾. * وجملة الآية فيها: الحث على الإيمان والعمل الصالح؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما ساق بيان نعيمهم حثًّا على أن نعمل العمل الموصل إلى ذلك. وهل يستفاد من هذه الآية أن أهل الجنة ينعّمون في الدنيا وفي الآخرة؟ لقوله: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾ لأن السين تدل على القرب؟ الجواب: ذكرنا ذلك في التفسير، وأن أصحاب الجنة هم في الجنة في الدنيا وفي الآخرة؛ لأنه لا أحد أطيب عيشًا ممن آمن وعمل صالحًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب