الباحث القرآني

ثم قال الله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ [النساء ٥٥] ﴿مِنْهُمْ﴾ الضمير يعود على آل إبراهيم؛ يعني ليس كل آل إبراهيم تقبّلوا هذا الكتاب وهذه الحكمة وهذا الملك ﴿مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ و(مِن) هنا للتبعيض، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ فقسمهم الله تعالى إلى قسمين، والتبعيض قد يأتي بالحرف الدال عليه في كلا القسمين، وقد يأتي في أحدهما، ويحذف من القسم الثاني مثل قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود ١٠٥] المعنى: فمنهم شقي ومنهم سعيد؛ لأنه لا يمكن أن يكون شقيًّا وسعيدًا في آنٍ واحد، ولكنها حذفت من القسم أو القسيم الثاني، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ وقبله، وآمن بالكتاب والحكمة، وشكر النعمة على الملك ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ صدّ عنه فلم يؤمن به، ولم يشكر الله على هذه النعمة والملك العظيم. وقوله: ﴿مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ ﴿صَدَّ﴾ هذه تستعمل لازمة ومتعدية، فاللازمة بمعنى أنه صد عنه بنفسه، والمتعدية أنه صد غيره عنه، وكلا الوصفين ثابتان لهؤلاء، فهم صادون عنه بأنفسهم، وهم صادون غيرهم عنه، حتى إن بني إسرائيل يدعون أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام ليس نبيًّا، ولكنه ملك واسع الملك قويّ الملك قوي السلطان، وليس بنبي وكذلك داود، يرون أنه ليس بنبي، ولكنه ملك، والصواب أنهم من الرسل والأنبياء، ولكن الله تعالى أعطى سليمان ذلك الملك العظيم. ثم قال: ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ يعني ما أعظم السعير الذي يحصل لهؤلاء بجهنم! و﴿كَفَى﴾ سبق لنا أنها تتعدى بالباء، ولكنهم يقولون: إن الباء زائدة لفظًا؛ يعني من حيث الإعراب، وأما من جهة المعنى فلها فائدة وهي تعدية (كفى) إلى المعمول، ويقولون: إن الباء حرف جر زائد، وأن جهنم في هذه الآية هي الفاعل؛ أي: كفت، وأن ﴿سَعِيرًا﴾ أيش؟ * طلبة: تمييز. * الشيخ: تمييز، والسعير بمعنى (المسعَّر) أو بمعنى (الساعِر)، وكلاهما يدل على الإحراق العظيم. * في هذه الآية الكريمة من الفوائد: أن الناس ينقسمون فيما يعطيهم الله تعالى من نعم الدين والدنيا إلى قسمين: قسم يؤمن، وقسم يكفر، وهذا هو سنة الله كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن ٢]، ولو شاء الله تعالى لجعل الناس أمة واحدة، ولكن من رحمته أن جعلهم يتفرّقون حتى يعلم الله الصادق من الكاذب، وحتى يقوم عَلَم الجهاد، وحتى يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى يعرف المؤمن قدر نعمة الله عليه بالإيمان، وحتى يجتهد المؤمن أن يثبته الله عز وجل حتى لا يكون مثل هؤلاء، والحاصل أن الله سبحانه وتعالى جعل الناس إلى قسمين لحِكم عظيمة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذين لم يؤمنوا به أعرضوا عنه وصدوا الناس عنه أيضًا؛ لقوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ وقد ذكرنا أنها تستعمل لازمة ومتعدية، وأنها في هذه الآية صالحة على الوجهين. * ومن فوائد الآية الكريمة: تعظيم إحراق النار؛ لقوله: ﴿وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾. * ومن فوائدها: أن من صد عن ما آتاه الله من الكتاب والحكمة فإنه يكون من حطب جهنم والعياذ بالله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب