الباحث القرآني
طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النساء ٤٤- ٤٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ الاستفهام هنا للتقرير؛ يعني: يقرر الله سبحانه وتعالى ذلك على وجه مشاهد مرئي يراه الرائي.
والخطاب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يحتمل أن يكون للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويحتمل أن يكون لكل من يتوجه الخطاب إليه؛ أي: ألم تر أيها المخاطب ﴿إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا﴾؟ أي: أعطوا نصيبًا، فـ ﴿أُوتُوا﴾ هنا تنصب مفعولين: المفعول الأول في هذا السياق هو الواو الذي هو نائب الفاعل، والمفعول الثاني هو قوله: ﴿نَصِيبًا﴾ والذي آتاهم نصيبًا من الكتاب هو الله عز وجل، وهذا النصيب من الكتاب هو التوراة والإنجيل، وعلى هذا فيشمل اليهود والنصارى لكن في اليهود أعظم؛ لأنهم هم الذين كانوا في المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾ ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾ أي: يطلبونها شراءً، ومن المعلوم أن المشتري طالب للسلعة جاد في طلبها حتى حصلها بالشراء، وهذا أبلغ مما لو قال: يسلكون الضلالة؛ لأن الشراء يُنْبِئ عن رغبة وطلب حتى يصل الإنسان إلى ما أراد، يشترون الضلالة بماذا؟ بالهدى كما قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ [البقرة ١٦].
وهل هذا الشراء شراء رابح؟ لا، هذا الشراء أخسر أنواع الشراء؛ ولهذا قال تعالى في سورة البقرة: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة ١٦].
﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾ هذا باعتبار ما يختارونه لأنفسهم، وهل شرهم قاصر؟ استمع ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ مع شرائهم للضلالة واختيارهم إياها وحرصهم عليها، يريدون أن ينقلوها أيضًا إلى غيرهم ﴿يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ أي: الطريق إلى الله عز وجل وهو دين الإسلام، وإذا كانت هذه إرادتَهم فسوف يسعون إلى حصول مرادهم بكل وسيلة؛ ولهذا نجد أن الكفار أعداء المسلمين يسعون إلى إضلال المسلمين بكل وسيلة، تارة بالانحلال الخلقي، وتارة بالدمار العسكري، وتارة بالأفكار السيئة الرديئة، هم يَرَوْنَ السلاح الذي هو أنكى فيستعملونه، ولا يبالون؛ يعني: لو أن الأمر أفضى إلى العدوان المسلح لفعلوا؛ لأنهم يريدون أن نضل السبيل.
فإن قال قائل: لماذا يريدون أن نضل السبيل؟ نقول: لأنهم ضلال، وكل إنسان يريد أن يكون الناس على شاكلته، هذا من وجه، من وجه آخر أنهم أولياء للشيطان، والشيطان قال لله عز وجل يخاطب الله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف ١٦، ١٧] وتأمل قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ﴾ ولم يقل: على صراطك، ولا في صراطك، حذف حرف الجر؛ ليشمل قعوده على الصراط حتى لا ندخل، وقعوده في الصراط حتى لا نتم السير، وهو كذلك هو يقعد لنا الصراط على الصراط خارجه حتى لا ندخل وفي الصراط داخله حتى لا نتم المسير، وهؤلاء هم أولياء الشيطان كما قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ [النساء ٧٦]، وإذا كانوا أوليائه فسوف يناصرونه على ما يريد من إضلال عباد الله.
﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ الله أعلم بأعدائكم منكم؛ لأننا نحن قد يخفى علينا العدو، وقد تخفى علينا تخطيطاته التي يريد بها أن يضلنا، ولكن الله تعالى له بالمرصاد.
ففي قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ تسلية لنا وتهديد لأعدائنا؛ لأنه إذا كان أعلم بأعدائنا فسوف يقينا شرهم إذا تولينا الله، وإن ولينا عن الله سلط علينا هؤلاء الأعداء.
﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا﴾ أي متولِّيًا للأمور، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ أي: مدافعًا وناصرًا.
* في هاتين الآيتين فوائد؛ أولًا: أن من الناس من يؤتى الكتاب ويرزق العلم، ولكنه لا ينتفع به؛ مثل هؤلاء أوتوا نصيبًا من الكتاب ومع ذلك لم ينتفعوا به؛ اشتروا الضلالة بالهدى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من لم ينتفع بعلمه فهو شبيه بهؤلاء، من آتاه الله علمًا فلم ينتفع به فهو شبيه بهؤلاء؛ ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى.[[انظر الفتاوى لابن تيمية (٢ / ١٤٢) من حديث سفيان بن عيينة.]] وهذا صحيح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنها شاهدة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (١ / ٢٢٣) من حديث أبي مالك الأشعري. ]] فكُتُبُ الله التي يَحْمِلُها الناس إما لهم وإما عليهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حب هؤلاء للضلالة والشر؛ لقوله: ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾.
* ومن فوائدها: الحذر من هؤلاء، وأنهم مهما عملوا معنا فإنهم لا يريدون لنا الخير إطلاقا؛ لقوله: ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ فهم قد يغدقون علينا من الأموال، ومن المصانع، ومن كل شيء، لكنهم ماذا يريدون أيش؟ يريدون إضلالنا، يريدون أن نضل السبيل، والغزو بالدنيا غزو بسلاح فَتَّاك؛ يعني: إغداق الدنيا على الإنسان ورفاهية الإنسان غزو بسلاح فتاك؛ لأن الإنسان كما قال الله تعالى عنه: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر ٢٠] فإذا أُغْدِقَ عليه المال الذي هو يحبه؛ فإن طبيعة الحال البشرية تقتضي أن يلين مع هذا الذي وفر عليه المال وأغدقه عليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على المسلمين بكونهم على السبيل؛ لأن قوله: ﴿أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ لولا أنهم على السبيل ما حاولوا أن يضلوهم؛ لأن الضال ضال فأي شيء يحاول أن يفعل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من هؤلاء اليهود أو النصارى أو غيرهم؛ لأنه إذا حذرنا الله ممن أوتوا نصيبًا من الكتاب فتحذيرنا ممن هم عُمْيٌ صُمٌّ بُكْمٌ من باب أولى.
* ومن فوائد الآية الثانية: إثبات علم الله؛ لقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: كمال علم الله..
* طالب: حيث جاء بها على صيغة التفضيل.
* الشيخ: نعم، حيث جيء بها على صيغة التفضيل ﴿أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تسلية المؤمنين وتقوية عزائمهم؛ لكونه أعلم بأعدائنا وأنه ناصر لنا وولي لنا.
* ومن فوائدها: تهديد المشركين وتحذيرهم؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ لأننا لو فرضنا -ولله المثل الأعلى- أن أباك قال لعدوك: أنا أعلم بك وبعداوتك. فسوف يخاف ويحذر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا بد للمسلمين من عدو، بل من أيش؟ أعداء، وكما أسلفنا تعليقًا على الكلمة: كل من كان غير مسلم على أي ملة كان فإنه عدو للمسلمين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على الله سبحانه وتعالى بالكفاية التامة في الولاية ويش بعد؟ والنصرة؛ لقوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ ﴿وَلِيًّا﴾ منصوبة على أنها تمييز، محول عن الفاعل؛ لأن الكافي هو ولاية الله ونصرته، فهي تمييز محول عن الفاعل، والباء في قوله: ﴿بِاللَّهِ﴾ قالوا: إنها زائدة، وأن الأصل: وكفى الله وليًّا، وكفى الله نصيرًا. (...).
* طالب: بارك الله فيك، ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾ ﴿أَعْلَمُ﴾ جاءت في عرض صفة تفضيل، والمعروف في اللغة أن التفضيل لا يكون إلا بين اثنين فيكف تخرَّج، وقد سبق -يا شيخ- أن بعض الناس يقول: إن (أعلم) بمعنى عالم؟
* الشيخ: بينا بطلان هذا، وقلنا: إن (أعلم) أبلغ من (عالم)؛ لأن (عالم) لا يمنع المشاركة أن يكون الله عالم، وفلان عالم، وفلان عالم.
* الطالب: ما فائدة هذا التأويل، لماذا صاروا إليه (...)؟
* الشيخ: ظنًّا منهم أنه إذا اشترك الخالق والمخلوق في العلم كان هذا دالًّا على المشابهة أو أنه على حد قول الشاعر:
؎أَلَمْ تَــــــــرَ أَنَّ السَّيْـــــــــفَيَنْقُـــــــــصُ قَــــــــدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا
ولكن هذا غلط، نقول: حتى حياة الله عز وجل وعلمه وسمعه وبصره بينها وبين ما للمخلوق من ذلك اشتراك في الأصل، اشتراك في الأصل، لكن الخالق أكمل من المخلوق في هذا.
* طالب: يجوز نفاضل يعني؟
* الشيخ: يجوز، بل إن الله قال: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩].
{"ayahs_start":44,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَـٰلَةَ وَیُرِیدُونَ أَن تَضِلُّوا۟ ٱلسَّبِیلَ","وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَاۤىِٕكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِیࣰّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِیرࣰا"],"ayah":"وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَاۤىِٕكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِیࣰّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











