الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ ﴿آتُوا﴾ بمعنى أعطوا. و(أَتَوْا) بمعنى؟
* طلبة: جاؤوا.
* الشيخ: جاؤوا، وقوله: ﴿الْيَتَامَى﴾ مفعول أول، و﴿أَمْوَالَهُمْ﴾ مفعول ثانٍ، وهذا الفعل ﴿آتُوا﴾ ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر.
وقوله: ﴿الْيَتَامَى﴾ جمع يتيم، وهو مأخوذ من اليُتم وهو الانفراد، والمراد به اصطلاحًا: من مات أبوه وهو صغير لم يبلغ سواء كان ذكرًا أم أنثى، أما إذا بلغ فإنه يزول يُتْمه بحسب الاصطلاح والحكم الشرعي، ولهذا جاء في الحديث: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٨٧٣) من حديث علي بن أبي طالب.]] أي: بعد بلوغ؛ لأنه إذا بلغ استقل بنفسه.
وقوله: ﴿آتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ ﴿أَمْوَالَهُمْ﴾ يعني: التي لهم، سواء كانت عندكم بصفتكم أولياء أو كانت ليست عندكم ولكن أخذتموها بغير حق.
وقوله: ﴿آتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ يعني: لا تخونوا منها شيئًا، ولا تكتموا منها شيئًا، ولا تفسدوها، بل أعطوها كما كانت.
ولا يلزم من قوله: ﴿آتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ أن نعطيهم المال وهم أيتام؛ لأن اليتيم لا يُعطى ماله إلا إذا اختُبر، كما قال الله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، وهنا فرق بين دفع المال إليه وبين حفظ المال له حتى يؤتاه كاملًا، فالآية التي معنا المراد بها الأول أو الثاني؟
* طلبة: الثاني.
* طلبة: الأول.
* الشيخ: الظاهر ما تفهموا الأول والثاني، نسيتموه.
هل هناك فرق بين الإيتاء وبين الدفع؟
نقول: نعم، بينهما فرق؛ لأن الدفع معناه: لا تعطه المال حتى يبلغ ويرشد؛ ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾، وأما إيتاء المال فالمراد أن نحفظ المال لهم بحيث نعطيهم إياه كاملًا عند وجوب الدفع.
﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ يعني لا تأخذوا الطيب بدلا عن الخبيث . ﴿لَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ أي: لا تأخذوا الخبيث بدلًا عن الطيب. كيف لا نأخذ الخبيث بدلًا عن الطيب؟
المعنى: أننا لا نعطيهم الخبيث من أموالنا ونأخذ بدله طيبًا، هذا معنى الآية.
وقيل: معناها لا تأخذوا أموالهم تستغنوا بها عن الطيب؛ لأن الأموال حرام والحرام خبيث. ففيها وجهان:
الوجه الأول: ألا تأخذوا الطيب من أموالهم وتعطوهم الخبيث؛ مثاله: أن يكون لليتيم غنم سمينة جيدة، وعند وليه غنم هزيلة رديئة، فيأخذ من غنم اليتيم من الطيب ويعطيه الرديء، هذا حرام. أو يكون عنده بُرٌّ طيب نقي فيأخذه ويعطيه بُرًّا رديئًا مخلوطًا، وما أشبه ذلك، فالمعنى إذن: ﴿لَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ أي: لا تأخذوا الطيب وتعطوهم الخبيث، هذا واحد.
المعنى الثاني أو الوجه الثاني: لا تأخذوا من أموالهم شيئًا؛ لأن أموالهم حرام عليكم، والحرام خبيث، ويكون معنى الآية: لا تأخذوا أموالهم فتستغنوا بها عن الطيب الذي تكتسبونه بوجه حلال.
وكلا الأمرين محرم؛ يعني سواء أخذت ماله بدون أن تعطيه عنه شيئًا، أو أخذت ماله الطيب وأعطيته مالًا رديئًا، فكله حرام.
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ ﴿إِلَى﴾ قال العلماء إنها بمعنى (مع)؛ أي: لا تأكلوا أموالهم مع أموالكم. وقيل: بل (إلى) على بابها، ولكن ﴿تَأْكُلُوا﴾ ضمِّنت معنى (تضُمُّوا)؛ أي: لا تضُمُّوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوها، وهذا الأخير أصح؛ لأن تضمين الفعل معنى فعل آخر في القرآن كثير، وإتيان (إلى) بمعنى (مع) قليل، وحمل الآية على المعنى الكثير في القرآن أَوْلى من حملها على المعنى القليل، وهذه من قواعد التفسير: أن حمل الآية على المعنى الكثير في القرآن أَوْلى من حملها على المعنى القليل؛ لأنها إذا كانت هي الكثير في القرآن صارت هي اصطلاح القرآن وهي حقيقة القرآن.
﴿إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ﴾ الضمير يعود على الفعل السابق المكون من شيئين: تبديل الخبيث بالطيب، والثاني: أكل الأموال إلى أموالنا، ﴿إِنَّهُ﴾ أي: هذا الفعل، فالضمير يعود على الفعل المفهوم مما سبق.
﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ أي: كان عند الله ﴿حُوبًا﴾ أي: إثمًا أو ذنبًا، والكبير ضد الصغير؛ لأن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، فهذا من الذنب الكبير.
* في هذه الآية عدة فوائد:
* منها: بيان رحمة الله عز وجل حيث أوصى بهؤلاء اليتامى؛ لأن اليتيم محل الرحمة، فهو مكسور الخاطر، ليس له أب، وربما لا يكون له أم أيضًا، فلهذا أوصى الله بالعناية به وبماله.
* ومنها: وجوب حفظ أموال اليتامى، ما وجهه؟ لأنه يلزم من إيتائهم أموالهم أيش؟ يلزم منها الحفظ؛ إذ لو فرط وأهمل وضاعت الأموال لم يكن قد آتاهم أموالهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اليتيم يملك وملكه تام؛ لقوله أيش؟
* الطلبة: ﴿أَمْوَالَهُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿أَمْوَالَهُمْ﴾. ويتفرع على هذه الفائدة أن الزكاة واجبة عليهم؛ لأن الزكاة تبع للملك، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة ١٠٣]، وقال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه لليمن قال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ»[[أخرجه البخاري (١٣٩٥) من حديث ابن عباس.]]، فإذا ثبتت الملكية ثبت وجوب الزكاة، أفهمتم؟ طيب، وفي هذا ردٌّ على قول بعض أهل العلم رحمهم الله: إنها لا تجب الزكاة في أموال اليتامى؛ لأن اليتيم صغير غير مكلف. فنقول في الجواب عن هذا: إن الزكاة ليست تكليفًا محضًا، بل هي تكليف لحق الغير، وهم الفقراء، فهي شبيهة بالدَّيْن، ولهذا وجبت في أموال اليتامى والمجانين وإن كانوا غير مكلَّفين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اليتيم تجب النفقة في ماله على من تجب عليه نفقته، من أين تؤخذ؟ من إثبات المالية، والنفقة واجبة على كل غني لكل فقير، فإذا تمت شروط النفقة ولم يبق إلا البلوغ قلنا: إن البلوغ ليس بشرط؛ لأن الله أثبت المالية لليتامى، وإذا ثبتت المالية ترتب عليها ما يترتب على ذوي الأموال.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب أداء الأمانة؛ لقوله: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾.
* ومن فوائدها: إطلاق اسم (الخبيث) على الرديء، صح؟ على أحد الوجهين في تفسير الآية، وقد صرح الله عز وجل بأن الرديء يسمى خبيثًا فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة ٢٦٧] فسماه خبيثًا؛ أي: سمى الرديء خبيثًا؛ «وسمى النبي ﷺ البصل ونحوه خبيثًا»[[انظر مسند أحمد (١٧٧٤١).]] «وقال: إنه حلال»[[انظر مسند أحمد (٢٣٥٠٧).]]، مع إنه أطلق عليه وصف خبيث.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحريم ضم مال اليتيم إلى مال الولي إذا كان لقصد إتلافه، منين أخذها؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ أما إن ضم ماله إلى ماله لا لقصد الأكل والإتلاف ولكن لقصد الحفظ والتجارة فإن هذا لا بأس به، بل قد يتعين على الإنسان؛ فإذا ضم مال اليتيم إلى ماله لقصد الحفظ أو لقصد التجارة فإنه إحسان إليه ولا يدخل في النهي؛ لأن الله قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾، لم يقل: لا تخلطوها، ولهذا قال الله في سورة البقرة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة ٢٢٠]، لكن في حال ضم المال إلى المال لقصد الحفظ أو التكسب يجب أن يحتاط الإنسان في كتابة مال اليتيم الذي أدخله مع ماله، وتمام الاحتياط أن يُشهد على ذلك، فيقول مثلا: أدخلت كذا وكذا من مال اليتيم في ضمن مالي الذي اشتريت به الأرض، اشتريت به السيارات، وما أشبه ذلك مما يتكسب به.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العدوان على مال الأيتام بأخذ الطيب وإعطاء الخبيث أو أكل مالهم أيش؟ من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾.
فإن قال قائل: لماذا لم يقل عز وجل: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ﴾ ولم يقل: ﴿إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾؟ فالجواب: أقول لم يقل: ولا تأكلوا أموالهم ويطلق، لو قال: ولا تأكلوا أموالهم إنه كان حوبا كبيرا، لكفى، لكنه قال: ﴿أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ لأن ولي اليتيم قد يتستر، قد يتستر ويُدخل مال اليتيم في ماله، ومن يعلم عنه؟! فلهذا قال: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾، وعلى هذا فيكون هذا -أعني ﴿إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ - ليس قيدًا بحيث نقول: لو أكل ماله من غير أن يضمه إلى ماله فهو جائز، لا، لا نقول، بل نقول: هذا، إنما ذكر الله هذا لأن بعض الأولياء يتستر فيُدخل مال اليتيم في ماله ولا يعلم أحد به.
{"ayah":"وَءَاتُوا۟ ٱلۡیَتَـٰمَىٰۤ أَمۡوَ ٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلۡخَبِیثَ بِٱلطَّیِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ إِلَىٰۤ أَمۡوَ ٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبࣰا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق