الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾، ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ هذه جمعت بين الإيمان والتوكّل، آمنوا به واعتصموا به، ولم يلجؤوا لأحد سواه، بل جعلوه هو حمايتهم عز وجل، وبه عصمتهم لا يعتصمون بأحد سوى الله، ولا يعتمدون ولا يتوكّلون إلا على الله. ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ السين في قوله: ﴿سَيُدْخِلُهُمْ﴾ تفيد شيئين؛ الأول: التحقيق، والثاني: القرب، أما التحقيق فظاهر، وأما القرب فما أقرب الآخرة من الدنيا، ما بين الإنسان وبين الآخرة إلا أن تخرج روحه من جسده، ثم يكون في عالم الآخرة، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية: يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمانُ بكل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت. وقوله: ﴿فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ﴾ كلمة ﴿رَحْمَةٍ﴾ يصح أن تكون صفة لله، ويصح أن تكون مخلوقة لله، فأيهما المراد هنا؟ * طالب: المخلوقة. * الشيخ: الرحمة المخلوقة، نعم؛ لأن الرحمة الصفة لا يمكن أن يدخل الناس فيها، لكن الرحمة المخلوقة هي التي يمكن أن يدخل الناس فيها، ولهذا قال: ﴿فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ﴾. و(من) هنا ليست للتبعيض، ولكنها للابتداء أي: رحمة كائنة منه. ﴿وَفَضْلٍ﴾ أي: زائد على الرحمة، أو على الأصح: زائد على ما يستحقونه من الثواب والأجور. ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ فذكر الله تعالى للذين آمنوا بالله واعتصموا به، ذكر ثمرتين عظيمتين: الثمرة الأولى: أن يدخلهم الله في الرحمة والفضل، والثانية: أن يهديهم إليه صراطًا مستقيمًا أي: يدلهم، وهذا يدل على أن الإيمان والاعتصام بالله سبب لزيادة العلم، وهو واضح، ودلّت عليه نصوص أخرى مثل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد ١٧]، ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر ٣١]. وقوله: ﴿صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ فيها قراءتان: الأولى بالسين، والثانية بالصاد؛ لأن السين والصاد تتناوبان لقرب مخرجيهما. وقوله: ﴿صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ الصراط هو الطريق أيش؟ الواسع السهل، وأصل ذلك من قولهم: زرط اللقمة إذا ابتلعها بسرعة، وسرطها وصرطها، كلها معناها واحد. وقوله: ﴿مُسْتَقِيمًا﴾ ضد المعوج، والاعوجاج تارة يكون اعوجاجًا طلوعًا ونزولًا، وتارة يكون اعوجاجًا يمينًا وشمالًا، صراط الله عز وجل مستقيم ليس به يمين ولا شمال، وليس به طلوع ولا نزول؛ لأنه سهل. * طالب: الفرق بين يستنكف ويستكبر، ممكن يكون إذا اجتمعا يكون الاستنكاف بالقلب والاستكبار بالفعل، والأصل أنهما بمعنى واحد؟ * الشيخ: لا، لكنهما متلازمان، كل إنسان يستنكف فإنه سيستكبر، كل إنسان مستكبر فهو مستنكف، لكن عند الاجتماع يكون الاستنكاف بالقلب والاستكبار بالجوارح. * طالب: (...). * الشيخ: من هذه الآية يعني إن القرآن أفضل من غيره، وجه ذلك؟ * طالب: وجه ذلك أنه وصف الكتب السماوية (...)، ووصف القرآن بالإضافة إلى مبين (...). * الشيخ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قد يقال: المراد بالناس بعد شريعة محمد هم أمة محمد الذين وُجهت لهم الدعوة. * طالب: قالوا: لا بد من الذكر قبل الإضمار ﴿فَسَيَحْشُرُهُمْ﴾ قلنا: أي جميع الناس، ولم يسبقهم، لم يسبق المسيح والملك. * الشيخ: ما هو قلنا: العموم يستفاد من التفصيل فيما بعد؟ على كل حال إحنا ذكرنا هذا، قلنا: أولًا: اللي غير المسيح والملائكة ما ذُكِروا، لا الكفار ولا المؤمنون، لكن ذكرنا أن التفصيل فيما بعد يدل على ذلك. * طالب: بارك الله فيك، في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، قلنا: لا يدخل في ذلك مؤمن، فإن الله عز وجل قد يغفر لهم. * الشيخ: نعم، العاصي. * الطالب: إي نعم، المؤمن العاصي، وأخذنا في شرح رياض الصالحين بعد صلاة العصر أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء ٤٨] قد يدخل في ذلك الشرك العملي. * الشيخ: لا، الشرك الأصغر. * الطالب: الشرك الأصغر، (...) الجمع؟ * الشيخ: نقول: لقد يدخل، ولكن ما هو كالجلي. * طالب: شيخ، وجه إنكار بعض السلف لقول القائل: في مستقر رحمتك، مع أن الرحمة منها ما هي رحمة مخلوقة، والرحمة التامة لا تكون على العبد إلا بدخوله الجنة؟ * الشيخ: لا وجه لهذا، اللهم إلا إذا كان وقتهم وزمانهم فيه بدعة تقتضي أن الإنسان يتجنب هذا اللفظ. * الطالب: ورد عن بعض التابعين هذا. * الشيخ: أقول: لا وجه له؛ لأن الجنة مستقر. * الطالب: لا بأس بقولها إذن؟ * الشيخ: لا بأس بقولها. ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤]. * طالب: قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ قلنا: إن (أما) للتفصيل، ما هو القسم الثاني؟ * الشيخ: هو هنا محذوف طُوي ذكره، ويمكن أن يُطوى الذكر في مقام التقسيم؛ لأنه يفهم من الضد. * طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ﴾ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ﴾ الفاء من حيث الإعراب؟ * الشيخ: رابط الجواب، واقعة في جواب (أما). * الطالب: لكن يا شيخ سبق وأن قلنا إن الفاء ما تلزم إلا في مواضع معينة؟ * الشيخ: هذه في (إن) الشرطية العاملة، هذه ما تعمل. * الطالب: (...). * الشيخ: ما تعمل هذه، لكن لا بد من جوابها من الفاء ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ١٠]. * الطالب: إذن يا شيخ الروابط اللي ذكرت في (إن) فقط؟ * الشيخ: إي نعم. * طالب: شيخ، أحسن الله إليك، ما مدى صحة قول القائل: أن مذهب أهل السنة في المؤمنين يوم القيامة العصاة -يعني العصاة- أن منهم من يدخل الجنة ابتداء من غير عذاب، ومنهم من يدخل النار يقينًا، فلا بد من طائفة تدخل النار، ومنهم من يُؤخر العذاب مستقر مثلًا، لكن جعل قسمًا يدخل النار يقينًا. * الشيخ: ما فيه أحد يدخل النار يقينًا أبدًا، من أهل المعاصي؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]. * الطالب: يقول (...) لا، على سبيل التأييد، وإنما هي في (...). * الشيخ: من أين؟ من أين أخذنا هذا والآية الصريحة؟ * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النساء ١٧٦]. * الشيخ: قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ ما المراد بالنور المبين؟ * طالب: القرآن. * الشيخ: القرآن. وما معنى (مبين)؟ * طالب: لها معنيان؛ المعنى الأول: بيِّنٌ في نفسه، وهذا إذا حملناه على أنه اسم فاعل، والمعنى الثاني: أنه يبين أي دال على الطريق إذا حملناه على أنه اسم مفعول. * الشيخ: كيف؟ * الطالب: إحنا قلنا: مبين تأتي بمعنى (فاعِل)، وبمعنى (مفْعول). * الشيخ: خطأ. * طالب: قلنا: لها معنيان: بيِّن، ومبين، بيِّن في نفسه على أن (بيِّن) مشتقة من (أبان)، وهذا الفعل.. * الشيخ: من (بان). * الطالب: من (بان) يأتي ملازمًا، ويأتي متعديًا. * الشيخ: يعني (بيِّن) من (بان)، و(مبين) من (أبان)؟ لكن لها معنيان؛ المعنى الأول؟ * الطالب: أنه بيِّن في نفسه، وأنه بيِّن (...). * طالب: كلاهما من (أبان) يا شيخ. * الشيخ: كلاهما من (أبان)، لكن (بيِّن) من (بان)، أما الآية التي معنا (مبين)، فهي من (أبان)، ومن (بان)، لا، من (أبان) اللازم والمتعدي. ما الجمع بين قوله: ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ وقوله: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ والخطاب للرسول ﷺ؟ * طالب: الخطاب إلى الرسول ﷺ بالإفراد؛ لأنه نزل من الله عز وجل على النبي ﷺ و﴿إِلَيْكُمْ﴾ يعني أنه نزل شرعًا عامًّا لكل المؤمنين. * الشيخ: يعني باعتباره أنه نزل على الرسول ﷺ وحيًا فهو أُنزل إليه، وباعتباره نزل إلينا هداية ودلالة فهو مُنزل إلينا. يقول عز وجل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ إلى آخره. * في هذه الآية فوائد؛ منها: فضيلة الإيمان بالله والتوكّل عليه، ووجه ذلك أنه وعدهم بأنه يدخلهم في رحمة منه. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من آمن واعتصم بالله فإنه سوف ينال الرحمة العاجلة والآجلة؛ لقوله: ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ﴾ والسين تدل على القرب، وبيّنا وجه ذلك في التفسير، وأن أنعم الناس بالًا وأشدهم انشراحًا للصدور هم المؤمنون المعتصمون بالله. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرحمة تُطلق على الصفة من صفات الله، وعلى ما كان من آثارها، وهذه الآية هل هي من إطلاق الصفة ولّا من إطلاق آثار الصفة؟ * طالب: من آثار الصفة. * الشيخ: من إطلاق آثار الصفة، وجه ذلك؟ * الطالب: وجه ذلك أنها ليست صفة لله. * الشيخ: ماذا تقول؟ رحمة هنا هل هي رحمة الله أو الرحمة التي من آثاره، من آثار رحمته؟ * طالب: رحمة الله. * الشيخ: رحمة الله نفسها، خطأ. * الطالب: من آثار رحمته. * الشيخ: لماذا لم تكن الرحمة التي هي صفته؟ * الطالب: لأنه قال: ﴿سَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ﴾. فإذا كانت رحمة الله عز وجل التي هي صفته لم يكن أن يدخلهم فيها. * الشيخ: إي نعم، توافقون على هذا التعليل؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: طيب، هل هناك دليل على أن الرحمة تطلق على ما كان من آثار الرحمة؟ * طالب: نعم، ما ثبت في الحديث من قول الله تعالى للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠) ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٥) من حديث أبي هريرة. ]]. * الشيخ: ما ثبت في الصحيح من قول الله تعالى للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ». * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان فضل الله عز وجل على هؤلاء الذين آمنوا بالله واعتصموا به؛ لقوله: ﴿وَفَضْلٍ﴾. * ومن فوائدها: أن مَنْ آمن بالله واعتصم به فإن إيمانه واعتصامه سبب للهداية؛ لقوله: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾. * ومن فوائدها: أن الصراط الهادي إلى الله عز وجل مستقيم لا اعوجاج فيه؟ * طالب: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾. * الشيخ: مستقيمًا، لا اعوجاج فيه. وهل الاستقامة هنا استقامة الدنيا فقط أو الدنيا والآخرة؟ الجواب: العموم، فدين الله تعالى مستقيم دنيا وأخرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب