الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ إلى آخره [النساء: ١٧٤، ١٧٥].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ الخطاب هنا بـ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ لإفادة أن رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامة، لا تختص بقوم دون قوم؛ فالناس كلهم مخاطبون بشريعة النبي ﷺ حتى اليهود والنصارى مخاطَبون بذلك.
وقوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ﴾ الجملة هنا مؤكدة بكم مؤكد؟ مؤكد واحد، وهي (قد)، وقوله: ﴿بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ البرهان هو الدليل، والمراد به الآيات التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأعظم آية جاء بها الرسول آية النبي ﷺ؛ وهي القرآن الكريم الذي بقي آية للرسول إلى أن يأذن الله تعالى بخراب العالم.
وقوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ الربوبية هنا ربوبية بالمعنى الأخص؛ لأن كونه عز وجل يمن علينا بالآيات البينات القاطعة لا شك أن هذا من مقتضى الربوبية الخاصة فهو سبحانه وتعالى رب الجميع، لكن هناك ربوبية خاصة يمن الله بها على من يشاء من عباده.
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا﴾ يعني به القرآن، والنور ضد الظلمة، وهل هو نور معنوي أو حسي؟ هو نور معنوي لا شك؛ لأنه به يستنير القلب والوجه والقبر والبعث؛ فالقرآن كله نور، لكنه يحتاج إلى تأمّل وتدبّر لمعانيه وعمل به.
﴿نُورًا مُبِينًا﴾ كلمة (مبين) ذكرنا -فيما سبق- أنها تصلح أن تكون بمعنى أيش؟ بَيّن، وبمعنى مُظهر؛ وذلك لأنها مشتقة من (أبان)، وأبان تصلح متعدية ولازمة فتقول: أبان لي الطريق، وحينئذٍ تكون أيش؟ أبان لي الطريق، متعدية، وتقول: أبان الفجر، بمعنى (طلع)، هذه لازمة، وعلى هذا فكلمة ﴿مُبِينًا﴾ يصح أن تفسّرها بأنه مبين لغيره، وبأنه بَيّن في نفسه، وهل يتنافى المعنيان؟
الجواب: لا، وقد مر علينا القاعدة المهمة الأصيلة؛ أنه متى كانت النصوص من القرآن والسنة تحتمل معنيين لا مرجّح لأحدهما على الآخر، ولا منافاة بينهما وجب حمْل النص على المعنيين جميعًا.
* في هذه الآية الكريمة فوائد منها: أن القرآن الكريم نازِل لجميع الخلق؛ لقوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ويترتب على هذا عموم رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على من لم يعرف اللغة العربية أن يتعلّمها ليتوصل إلى الاستفادة من القرآن؛ لقوله: ﴿بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. ومن المعلوم أنك لو تلوته على رجل أعجمي فكما قال تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ١٩٨، ١٩٩] لأنهم لا يعرفونه، ولا يتذوقّون طعمه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الربوبية، وأن إرسال الرسل وإنزال الكتب من مقتضى أيش؟ ربوبيته؛ لقوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن القرآن الكريم نور، ولكن -يا إخواني- لا يتذوق ذلك، أو لا يشاهد ذلك إلا من جمع بين أمرين: الأول: التدبر، والثاني: التذكر؛ دليل هذا قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ لأي غرض؟
* طالب: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.
* الشيخ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ هذه واحدة، ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩]، فمن تدبر الآيات، وسلم من الهوى، وسلم من تحريف الأدلة، واتعظ بما فيها فإنه سيجد نورًا عظيمًا في قلبه ويُكشف له من العلوم ما لا يُكشف لغيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن الكريم فيه بيان كل شيء؛ لأن النور لا بد أن تستبين به الأشياء كالنهار إذا طلع بانت به الأشياء، وكالحجرة إذا أسرجتها فإنها لا بد أن يبين بها ما كان خافيًا، فالقرآن تبيان لكل شيء، ولكن قد يخفى البيان؛ إما لقلة الإيمان، وإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما لسوء القصد، وإلا فإن القرآن بين ونور لكل أحد، لكن قد يكون عند الإنسان ضعف إيمان؛ بمعنى أنه لا يثق أن القرآن فيه تبيان كل شيء، أو يكون قاصر العلم، ليس عنده أداة يتمكن بها من استنباط الأحكام من الأدلة، ومن ثَمَّ صِرنا محتاجين إلى تعلّم أصول الفقه، وإما أن يكون من قصور الفهم، يكون إنسان عنده علم وعنده تدبّر، لكن ما يفهم، والناس يختلفون في هذا اختلافًا عظيمًا؛ تجد بعض الناس يستطيع أن يستنبط من الآية أو الحديث فوائد كثيرة لا يستنبط غيره من ذلك إلا قليلًا بالنسبة له، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولهذا لما سُئلَ عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: هل خصَّكمُ النبيُّ ﷺ بشيءٍ؟ -يعني وأوصى إليكم- «قال: لا والذي فَلَقَ الحبةَ وبرَأَ النسمةَ إلا فهْمًا يُؤتيه اللهُ أحدًا في كتابه » -شوف إلا فهمًا يؤتيه الله أحدًا في كتابه- «وما في هذه الصحيفةِ؟» -قالوا: ما الذي فيها؟- «قال: العَقْلُ، وفِكَاكُ الأسيرِ، وألا يُقتلَ مسلمٌ بكافرٍ»[[أخرجه البخاري (٦٩٠٣) من حديث علي بن أبي طالب. ]].
فالشاهد من هذا الأثر قوله: فهمًا يؤتيه الله من يشاء، وأنت إذا تأملت كلام العلماء -رحمهم الله- وجدت الفرق العظيم بينهم في الفهم؛ تجد مثلًا هذا العالم يشرح حديثًا، ثم يستنبط منه عشرين فائدة، وآخر يشرحه ولا يستنبط إلا خمس أو أربع فوائد، وكذلك في الآيات.
الرابع: سوء القصد، يكون الإنسان عنده علم واطلاع وفهم، لكن قصده سيئ، يُطالع الكتاب ويطالع السنة من أجل أن ينتصر لقوله وإن كان يعلم أنه باطل، نسأل الله العافية، وهذا سيئ القصد، هذا يحرم الوصول إلى المقصود.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَكُم بُرۡهَـٰنࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ نُورࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق