الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [النساء ١٧٠]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ هنا الخطاب لعموم الناس، مع أن السورة مدنية، والغالب في السور المدنية أن يكون الخطاب فيها للمؤمنين؛ لأن القرآن نزل وسط أمة مؤمنة، لكن قد يأتي الخطاب بالعموم؛ لقرائن تحتفُّ به، وذلك أن الخطاب سوف ينتقل من هذا العموم إلى مخاطبة أهل الكتاب، وأهل الكتاب ليسوا من المؤمنين؛ ولهذا قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ﴾، الرسول هو محمد ﷺ؛ لأن (أل) هنا للعهد، أيّ العهود؟ الذهني؛ إذ لا رسول مع محمد ﷺ، نظير ذلك أن تقول: جاء الأمير، وليس في البلد إلا أمير واحد، كل ينصرف ذهنه إلى أيش؟ إلى هذا الأمير؛ أمير البلد، فـ (أل) للعهد الذهني، كذلك أيضًا: ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ﴾ هو محمد ﷺ. وقد ذكر العلماء أن العهود ثلاثة: عهد حضوري، وعهد ذِكْري، وعهد ذهني، فما تعيَّن بالذهن فـ (أل) فيه للعهد الذهني، وما تعيَّن بالذِّكر فـ (أل) فيه للعهد الذِّكْري، ومثاله قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل ١٥، ١٦] من؟ الرسول السابق. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح ٥، ٦] أي العسرين؟ العسر الثاني هو الأول، ولهذا قال ابن عباس: «لن يغلبَ عسْرٌ يسرَيْن»[[ينظر: بحر العلوم للسمرقندي (٣ / ٥٩٤)، والوسيط للواحدي (٤ / ٥١٧). ]]. وتكون للعهد الحضوريّ، كقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة ٣]، وكقوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر ١٦]، ولها ضابط، أعني (أل) التي للعهد الحضوريّ، وهي التي تأتي بعد اسم الإشارة، فإنها للعهد الحضوري؛ وذلك لأن اسم الإشارة يدل على القرب، فإذا قلت: هذا الرجل، فـ (أل) هنا للعهد الحضوري؛ لأن المشار إليه يكون قريبًا. قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ﴾، الباء هنا تكون للمصاحبة والتعدية، أي: مصاحبًا الحق، فما جاء به فهو حق، أو ﴿بِالْحَقِّ﴾ يعني أنه رسول من عند الله حقًّا، فالآية تحتمل هذا وهذا، وهل بينهما منافاة؟ ليس بينهما منافاة، وعلى هذا فنقول: إن المراد بها المعنيان جميعًا، أي إنه جاء بالحق لم يأت بالباطل، وإنه رسول الحق ليس بكاذب عليه الصلاة والسلام، والحقّ ضد الباطل، وأصله الثبوت؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ [يونس ٩٦] أي: ثبتت ولزمت، فالأصل أن هذه الكلمة تفيد معنى الثبوت، والحق ثابت والباطل زائل، كما قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء ١٨]. ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، (من) هنا للابتداء، أي أن الحق جاء من عند الله، وتأمل قوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾، حيث إن فيها إشارة إلى أنه يجب عليكم أن تقبلوا هذا الرسول؛ لأنه جاء من ربّكم الذي هو مالكُكم والمدبرُ لأمورِكم، فيجب عليكم أن تقبلوا ما جاء به هذا الرسول؛ لأنه من ربِّكم. ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ الفاء للتفريع؛ أي فيتفرع على ذلك وجوب الإيمان، آمنوا بمن؟ بالرسول وبما جاء به. وقوله: ﴿خَيْرًا لَكُمْ﴾ هذه منصوبة على أنها خبر (يكن) المحذوفة، والتقدير: فآمنوا يكن خيرًا لكم، خيرًا من أيش؟ خيرًا من الكفر، ولا شك أن الإيمان خير من الكفر؛ لأن الإيمان به سعادة الدنيا والآخرة، والكفر به خسارة الدنيا والآخرة؛ لقول الله تبارك وتعالى في الكفر: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ١٥]، وفي الإيمان: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل ٩٧]. ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾ أي: بالرسول ﷺ وبما جاء به، ﴿فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يعني فهو غني عنكم؛ لأن له ما في السماوات والأرض، ومن جملة ما يملكه من؟ هؤلاء الكافرون، من جملة ما يملكه هؤلاء الكافرون، إذن كأنه قال: إن تكفروا فإن الله غني عنكم؛ لأن له ما في السماوات والأرض. وقوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هنا يتكلم النحويون ويقولون لماذا عبر بـ (ما) التي يعبَّر بها عن غير العاقل، دون (من) التي يعبَّر بها عن العاقل؟ الجواب: قالوا: لأن غير العاقل أكثر من العاقل، وقد يقول قائل: إن في هذا نظرًا؛ لأن من جملة العقلاء الملائكة، لا شك في أنهم من جملة العقلاء، وهم عدد لا يحصيهم إلا الله؟ فيجيب هؤلاء ويقولون: الملائكة لهم أمكنة، كل واحد قد شغل مكانًا، والأمكنة التي في السماوات والأرض أكثر من الملائكة، وعلى هذا فيكون غير العاقل في السماوات والأرض أكثر، وهذا ليس ببعيد أن يقال: إنه غُلِّب غير العاقل لأنه؟ * طالب: غُلِّب ذلك؛ لأن غير العاقل هو الأكثر. * الشيخ: لأنه الأكثر. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، ختم الآية بالعلم والحكمة إشارة إلى أن كفر هؤلاء الذين كفروا بالرسول ﷺ كان عن علم من الله، وعن حكمة من الله؛ أما كونه عن علم فلأنه في ملكه، ولن يكون في ملكه ما لا يعلمه، وأما كونه عن حكمة فلأنه لا تقوم أحوال العباد ولا دين العباد إلا بهذا التقسيم؛ أن يكون بعضهم مؤمنًا وبعضهم كافرًا، لولا هذا الانقسام ما قام عَلَم الجهاد، ولا تميَّز المؤمن من الكافر، ولا صار للمؤمن مزية يتميز بها عن الكافر، ولا حصل للنار ملؤها، وقد تكفَّل الله لها بذلك، فمن حكمة الله أن يكون في الناس مؤمن وأيش؟ وكافر. * في هذه الآية الكريمة: بيان أن محمدًا ﷺ رسول من عند الله حقًّا؛ لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. * ومن فوائدها: عموم رسالة النبي ﷺ لجميع الناس؛ لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن يراد بالناس الخصوص، كما في قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣]؟ فالجواب: أن الأصل في العموم إرادة العموم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إلزام قبول ما جاء به الرسول عقلًا كما هو لازم شرعًا، وجه ذلك؟ قوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾، فإذا كان من ربنا وهو مالكنا وخالقنا والمتصرف فينا كما يشاء وجب علينا القبول. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حق. وهل يصح أن نقول بدل أن ما جاء به الرسول حق، أن كل ما يُنسب للرسول حق؟ * الطلبة: لا. * الشيخ: ليش؟ * الطلبة: لأنه يُنسب إليه غير قوله.. * الشيخ: لأن فيه أحاديث ضعيفة، وأحاديث موضوعة، لكن كل ما جاء به الرسول فهو حق. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الربوبية العامة؛ لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، بالإضافة إلى قوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وربوبية الله سبحانه وتعالى عامة وخاصة؛ فالعامة كقوله تعالى: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢]، والخاصة كقوله: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢]، وقوله: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر ٩٢، ٩٣]، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء ٦٥]، والأمثلة على هذا كثيرة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن إرسال الرسل من مقتضى الربوبية؛ لأنه تصرف في الخلق، وفعل من أفعال الله، وكل ما كان كذلك فهو داخل تحت مضمون أيش؟ الربوبية. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الإيمان بالحق ممن جاء به؛ لقوله: ﴿فَآمِنُوا﴾، بعد قوله: ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ﴾. وهل هذه قاعدة في كل من جاء بالحق؛ أنه يجب علينا أن نؤمن بما جاء به؟ الجواب: نعم، الحق يُقبل من أي إنسان، من كل من جاء به، إذا كان الذي جاء به ممن عُرِف بالباطل فهل يُقبل منه الحق؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم، ولذلك مثال في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [الأعراف ٢٨]، وسكت عن قولهم: ﴿وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا﴾ والسكوت عن أحد الشقين مع إنكار الآخر يدل على الإقرار بالثاني الذي لم يُنكَر. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإيمان كله خير؛ خير في الدنيا، وخير في الآخرة، حتى في المعيشة وإن كانت ضنكًا فهي عند المؤمن أيش؟ خير؛ لأن المؤمن كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٩٩ / ٦٤) من حديث صهيب الرومي.]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أمر الله تعالى عباده بالإيمان به، وإثابتهم على ذلك، ليس لافتقاره إليهم، بل هو غني عنهم؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النساء ١٧٠]. * ومن فوائد الآية الكريمة: عموم ملك الله؛ لقوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، فكل ما في السماوات والأرض فهو لله عز وجل. فإن قال قائل: أليس لنا أملاك يختص بها كل واحد منا؟ فالجواب: بلى، لكن ملكنا لما نملكه ليس على سبيل الإطلاق، ولهذا لا يحل لنا أن نفعل في أموالنا ما نشاء، بل لا نفعل بها إلا ما أذن الله لنا به، لو أراد الإنسان أن يحرق ماله، أله ذلك؟ لا، إذن الملك قاصر، فالملك المطلَق الشامل لله رب العالمين، وما يضاف إلينا ملكًا فإنه ملك قاصر مربوط بما أذن الله به. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجمع بالسماوات، وكم هي؟ * طالب: سبع سماوات. * الشيخ: سبع سماوات، مصرَّح بذلك في القرآن، أما الأرض فهي تأتي دائمًا في القرآن مفرَدة، لكن في السنة جاءت مجموعة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧) واللفظ له، من حديث سعيد بن زيد. ]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، هما: العليم، والحكيم؛ لقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، وقد مر علينا كثيرًا أن علم الله تعالى واسع شامل لكل شيء في السماء أو في الأرض، وإيماننا بذلك يوجب لنا أن نحذر من مخالفته، لماذا؟ لأننا إذا خالفناه فهو عالم بنا، وهو أبلغ من السميع البصير، السميع إذا آمنا بمقتضاه حَذِرْنا مما يُقال، والبصير إذا آمنا بمقتضاه حَذِرنا من أيش؟ * الطلبة: مما يُرَى. * الشيخ: مما يُرى، لكن العليم إذا آمنا به حَذِرنا مما يُقال، أو يُرى، أو يُفعل، أو يُترك؛ لأن الله تعالى عليم به، وأما الحكيم فهو مشتق من الحُكم والحكمة، فلله الحكم وله الحكمة البالغة. والحُكم نوعان: كوني، وشرعي، فما كُلِّف به العباد فهو حكم شرعي، وما انفرد به الله عز وجل فهو حكم كوني، ثم كل منهما لا يصدر إلا لحكمة، إذن فالحكمة كونية، وأيش؟ وشرعية، ثم الحكمة تكون على الصورة المعينة وعلى الغاية المرادة، ولهذا نقول: الحكمة غائية، وأيش؟ وصورية، أي: على الصورة المعينة حكمة، فإيجاب الواجب حكمة، والإثابة عليه حكمة؛ الأول صوري، والثاني غائي، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. * طالب: عفا الله عنك يا شيخ، (...) بقولنا بين المكي والمدني.. * الشيخ: نعم. * الطالب: (...) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾. * الشيخ: لا، هذا ضابط، وليس قاعدة. * الطالب: ربما يتخلف؟ * الشيخ: يتخلف، إي نعم، يتخلف في هذا وهذا. * طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، بالنسبة للأرضين، لو قال قائل: ما دام الطوابق في القرآن أنها سبعة أرضين وكذلك في السنة، إلا من باب العقاب، كأن الله عز وجل يعاقب، يضاعف العقاب سبع مرات؟ * الشيخ: إي نعم، نقول أولًا: القرآن أشار إلى ذلك، فقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، المماثلة في النوع والسعة والكِبَر غير ممكنة؛ لأن من المعروف أن السماء أعظم من الأرض بكثير، فلم يبق إلا العدد، هذا من جهة القرآن، من جهة السنة إذا لم يكن هناك سبع أرضين فإنه لا يمكن أن يعاقَب الإنسان على شيء ليس موجودًا، فلولا وجود سبع أرضين ما عوقب الإنسان عن ذلك، لكن كونه يعاقَب من سبع أرضين يدل على أن القرار ملك لصاحب الأرض العليا، كما أن الهواء -ومر علينا في الصُّلح- ملك له، ذكرتم أمس أن الهواء إلى السماء الدنيا، كلها لمالك الأرض، كذلك أيضًا إلى قعر الأرض، إلى الأرض السابعة ملك له، ولهذا لو أراد إنسان أن يحفر خندقًا من تحت بيت إنسان أو من تحت أرضه هل يملك هذا؟ * طالب: لا. * الشيخ: لا يملكه. * طالب: بعض أهل النحو يقولون: إن في قوله تعالى: ﴿فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ أن (أل) هنا للعهد الذِّكري؛ لأنه في أول الآية قال: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا﴾ ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾، ومعلوم أن فرعون لم يرسل إليه إلا موسى، فيكون الرسول في آخر الآية للعهد الذِّكْري؟ * الشيخ: الذِّكْري؟ * طالب: الذهني. * طالب: لعله يقصد الذهني. * الشيخ: نقول هكذا. * الطالب: الذهني؟ * الشيخ: لا، الذِّكْري. * طالب: شيخ بارك الله فيك، ضابط فاء التفريغ؟ * الشيخ: التفريع أن يكون ما بعدها فرعًا لما سبقها، يعني مُفَرَّع، إذا جاءت الفاء بعد ذكر إجمال، ثم جاء التفصيل فهي للتفريغ، أو التقسيم فهي للتفريع، وهذا يُعلم من السياق، ثم قد يكون هناك معنيان للكمة الواحدة، بمعنى أن تكون الفاء سببية، ومفرعة على ما قبلها. * طالب: شيخ، قوله تعالى: ﴿بِالْحَقِّ﴾ المتعلَّق به يا شيخ واحد أم على كلا التقديرين؟ * الشيخ: المتعلق إذا كان معناه أنه رسول حقًّا قد يكون على أنها حال من الرسول. * طالب: شيخ، شرح حديث «طُوِّقَ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»، مثلًا كيف شكل هذه الأرضين إذا كان معلوم لنا، إننا نعرف أن السماء واحدة فوقها الأخرى، ثم ما معنى «طُوِّقَ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»؟ * الشيخ: ما نعرف، الأرضين في قوله: «مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن العلماء اختلفوا فيها؛ هل هي متطابقة -يعني متلاصقة- ويكون الفاصل بينها أمرًا مجهولًا، أو أن بينها فجوات، وهذه الفجوات كما بين السماء والسماء، هذا التقدير الأخير ليس بصحيح؛ لأن مسافة الأرض الآن لو دارت عليها الطائرة لم تُنسَب ولا إلى السماء الدنيا، لكن يقال: هذه سبع أرضين، الله أعلم بكيفيتها؛ هل هي متلاصقة، أو بينها فاصل، ما ندري، علينا أن نؤمن، وهو شيء فوق طاقتنا. * الطالب: ما معنى قوله: «طُوِّقَ»؟ * الشيخ: يعني يكون طوقًا في عنقه يحمله يوم القيامة. * طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، لو قال قائل في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، إن (ما) هنا تُستعمل في العاقل أيضًا، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ [الكافرون ٣]، فلا إشكال في هذا، فهل يكون صحيحًا؟ * الشيخ: لا، استعمال (ما) في العاقل المعيَّن، أو إن شئت قل: العالِم؛ لأن كلمة (العاقل) بالنسبة لله ما يوصَف بها، هذا إذا كان المقصود تغليب الصفة، كقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣]، ولم يقل: من طاب؛ لأنه ليس المقصود تعيين المرأة، المقصود صفات المرأة. * طالب: أحسن الله إليك يا شيخنا، فيه أثر يُروَى عن ابن عباس أنه في كل أرض أُنَاس (...) يعني فيه أناس (...) هل يقال: فيه حكم الرفع، أم يقال: مما نقل عن بني إسرائيل؟ * الشيخ: أما على رأي من يرى أن ابن عباس ممن أخذ عن بني إسرائيل، فإنه لا يثبت له حكم الرفع، وأما على القول بأن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر الأخذ عن بني إسرائيل -كما مر علينا في صحيح البخاري- فإن هذا له حكم الرفع إذا صح عنه، نحتاج الآن إلى الواسطة بيننا وبين ابن عباس رضي الله عنه. * طالب: (...) يشمل الأعيان والأوصاف؟ * الشيخ: يمكن هذا، يشمل الأعيان والأوصاف، لكن إذا كان المقصود الأعيان دخل فيها الأوصاف. * طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في هذه الآية: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وفي بعضها: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ بينهما فرق؟ * الشيخ: الظاهر أن هذا من باب اختلاف التعبير والأسلوب، مثل ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد ١] و﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الحشر ١]، سورة (قد سمع) سورة فَصَلَت بين تسبيحين؛ الحديد يقول فيها: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وفي الحشر: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب