الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ﴾ هذه مبتدأ مسبوق بأداة الحصر وهي ﴿إِنَّمَا﴾، وخبر المبتدأ قوله: ﴿عَلَى اللَّهِ﴾ أو قوله: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ يحتمل هذا أو هذا.
وقوله: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ﴾ ﴿السُّوءَ﴾ يعني: العمل السيئ كالمنكرات، فعل المحظورات أو ترك الواجبات، ولكنه قيدها بقوله: ﴿بِجَهَالَةٍ﴾، والمراد بالجهالة هنا السفاهة وليست الجهل؛ لأن فاعل السوء بجهل معذور لا ذنب عليه؛ لقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، ولكن المراد بالجهالة هنا السفاهة، ومنه قول الشاعر الأول:
؎أَلَا لَا يَجْــــهَـــــلَـــنْ أَحَـــــدٌعَـــــلَــــيْـــــنَـــا ∗∗∗ فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ يعني: ثم إذا عملوا السوء بجهالة تابوا إلى الله من قريب، والقريب هنا ما كان قبل الموت، فإذا تابوا قبل الموت تاب الله عليهم، ولكن سيأتينا في الفوائد أنه تجب التوبة فورًا، ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ ﴿يَتُوبُونَ﴾ بمعنى يرجعون إلى الله وذلك بترك ما قاموا به من السوء أو فعل ما تركوه من الواجب.
﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ هذه الجملة باعتبار ما قبلها تأكيد؛ لأن هذا الحكم مفهوم من قوله: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾، ولكنه أكد ما التزم به عز وجل على نفسه بقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾، وأشار إليهم بـ(أولئك) مع أنهم باعتبار الحديث عنهم في محل القرب، والقريب يشار إليه بأيش؟ بـ(هؤلاء)، لكن هنا قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ أشار إليهم بإشارة البعيد إشارة إلى علو منزلتهم بالتوبة.
﴿يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أي: ذا علم وحُكم وحِكمة، فالعلم إدراك الشيء على ما هو عليه، وهذا التعريف يخرج الجهلين جميعًا: الجهل البسيط والجهل المركب؛ لأن الجهل البسيط ليس فيه إدراك مطلقًا، والجهل المركب فيه إدراك الشيء على غير ما هو عليه، فالعلم إدراك الشيء على ما هو عليه..
* طالب: إدراكًا جازمًا.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: إدراكًا جازمًا.
* الشيخ: معروف؛ لأن الذي ما جزم ما أدرك.
بالنسبة لعلم الله عز وجل علم كامل شامل، كامل أي: أنه لم يسبق بجهل ولم يلحق بنسيان، قال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون حين قال: ﴿مَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه ٥١، ٥٢] ﴿لَا يَضِلُّ﴾ لا يجهل، ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ ما علم.
وهو كذلك شامل، قال الله تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق ١٢]، وقد بين الله تعالى علمه في كتابه أحيانًا بالإجمال والعموم، وأحيانًا بالتفصيل، ففي قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام ٥٩] فهذا تفصيل، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان ٣٤]، والله يعلم ذلك أيضًا فيه شيء من التفصيل، وأما الإجمال فكثير في القرآن.
والعلم أشمل من القدرة وأوسع؛ لأنه يتعلق بكل شيء حتى في الممتنع، بخلاف القدرة فإنها شاملة لكل شيء، لكن ما كان مستحيلًا فليس بشيء بالنسبة للقدرة، أما العلم فيشمل حتى المستحيل، ألم تروا إلى قول الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء ٢٢]، وقوله: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون ٩١]، فإن تعدد الآلهة ممتنع مستحيل ومع ذلك أخبر الله أنه لو كان لكانت نتيجته كذا وكذا.
وقوله: ﴿حَكِيمًا﴾ مشتق من الحُكم والحِكمة، فهو حاكم ومحكم، حاكم إذا جعلناه مشتقًا من الحُكم، ومُحِكم إذا جعلناه مشتقًا من الحِكمة.
* طالب: قصة ماعز توبته، (...) طلب الرسول من الصحابة أن يتركوه، يقول: معنى ذلك أن لا يرجموه حتى يأتي ثم يكلمه، وإلا سيقيم عليه الحد، يعني يقول: اتركوه حتى يأتيني وأسمع منه ما يريد ويقيم عليه الحد، وإلا يكون ما فائدة (...) ما قال: لو تابت؟
* الشيخ: لا، في هذا نظر؛ لأن الرسول ما قال: هلا تركتموه يأتي إلي فيتوب، قال: «يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ» يعني: تركتموه بلا حد وهو يصلح حاله في المستقبل، فالتوبة الأولى توبة لإقامة الحد؛ ولهذا «قال: أريد أن تطهرني»، والتوبة الثانية بإصلاح الحال.
* طالب: والآية يا شيخ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة ٣٤]؟
* الشيخ: هذا في قُطَّاع الطريق الذين ثبتت جريمتهم ببينة؛ لأن قطاع الطريق عملهم متعدٍّ.
* طالب: يا شيخ، قلنا في عتق الرقبة في آية القصاص -أي القتل-: إنها مؤمنة، وقلنا: إن هذا أيضًا يعم جميع الأشياء، مثلها هذه؟
* الشيخ: لا، ما دام دل الدليل على الاستثناء نأخذ به، ولَّا هذا هو الأصل.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك، الذي عليه الآن أكثر العلماء أن الثيب نسخ حكم الجلد لها وبقي حد الرجم.
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: وقد جاء في صحيح البخاري «عن علي رضي الله عنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، ولما سئل قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله»[[أخرجه البخاري (6812)، وأحمد (1185) واللفظ له، من حديث علي.]] ، وعلي له سنة متبعة يا شيخ، فهل نفعل كما فعل علي؟
* الشيخ: علي له سنة متبعة، ولكنها بعد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، عرفت؟ فلهذا في كلامه نظر رضي الله عنه.
طالب: حتى يقول أيضًا (...) المخزومية لما قالوا: نريد.. ما قال: لو تابت..
* الشيخ: لا، في هذا نظر؛ لأن الرسول ما قال: هلا تركتموه يأتي إلي فيتوب، قال: «يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤١٩)، وأحمد (٢١٨٩٠) من حديث نعيم بن هزال.]]، يعني تركتموه بلا حد وهو يُصلح حاله في المستقبل، فالتوبة الأولى توبة لإقامة الحد، هو ولهذا قال: أريد أن تطهرني، والتوبة الثانية بإصلاح الحال.
* طالب: والآية يا شيخ ﴿قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة ٣٤]؟
* الشيخ: هذا في قُطّاع الطريق الذين ثبتت جريمتهم ببينة؛ لأن قُطّاع الطريق عملهم متعد.
* طالب: شيخ، نحن قلنا في (...) عتق الرقبة بآية القصاص القتل: إنها مؤمنة، وقلنا: إن هذا أيضًا هم جميعًا مثلهم؟
* الشيخ: لا، ما دام دل الدليل على الاستثناء نأخذ به، ولَّا هذا هو الأصل.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، الذي عليه الآن أكثر العلماء أن الثيب نُسِخ حكم الجلد لها وبقي حكم الرجم.
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: وقد جاء في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه «جلد شُراحة الهمْدَانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فلما سُئل قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسوله»[[أخرجه البخاري (٦٨١٢) من حديث علي.]]، وعليّ له سنة متبعة، فهل نفعل مثلما فعل علي؟
* الشيخ: علي له سنة متبعة، ولكنها بعد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، عرفت؟ فلهذا في كلامه نظر رضي الله عنه؛ لأن لنا أن نقول: ورجمناها بكتاب الله، فإن عمر صرّح وهو على المنبر بأن «الرجم ثابت بكتاب الله، آية من آيات الله قرأناها، يقول: قرأناها وحفظناها ووعيناها وطبقناها، يقول: رجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٨٢٩)، ومسلم (١٦٩١ / ١٥) من حديث عمر بن الخطاب.]]، فالصحيح أن هذا من باب الاجتهاد من علي رضي الله عنه لكنه اجتهاد خالفه النص.
* طالب: شيخ، (إنما) تقتضي الحصر فين ما وردت؟
* الشيخ: نعم هكذا قال العلماء، إي نعم.
* الطالب: قول ابن عباس: «إنما الربا في النسيئة»[[أخرجه مسلم (١٥٩٤ / ٩٩)، والحاكم في المستدرك (٢٣١٣) واللفظ له.]].
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: ولكن ربا الفضل؟
* الشيخ: هو ما رأى إلا هذا، ولهذا هو يرى ربا الفضل جائزًا، يراه جائزًا، حتى حدثه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فرجع.
* طالب: شيخ، ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود ١٢]، هذا حصل..
* الشيخ: بس هذا حصل نسبي، يعني حصل عندهم نوعان: إضافي نسبي وحقيقي، يعني: ما أنت بالنسبة لعلم الغيب والنفع والضر إلا نذير.
* طالب: أحسن الله إليك، لو قلنا: إن الذي يقر بالزنا ثم يتوب تُقبل توبته بعد القدرة عليه، لكن لو فتحت الباب للمجرمين فإذا علموا ذلك ثم قُدِر عليهم ثم يتوبون قبل أن يقام عليهم الحد؟
* الشيخ: لا، هذه أهون إشكالًا ممن قالوا له الرجوع عن إقراره، الآن المشهور من المذهب وهو اللي عليه عمل القضاة، أنه متى رجع عن إقراره وجب الكف عنه حتى في أثناء الحد، حتى لو أنه أقرّ إقرارًا واضحًا مفصلًا، قال إنه زنى بامرأة اسمها فلانة في هذه الحجرة في الليلة الفلانية، وأنه أولًا أتى بشاهي وحليب وانبسط هو وإياها، لو كل شيء فصّل وحكم عليه القاضي بأن يُرجم أو يُجلد، وفي أثناء ذلك قال: أبدًا، أنا راجع عن إقراري، يقولون: خلاص روّح، لكن هذا في الحقيقة هذا هو الذي قال شيخ الإسلام رحمه الله، قال: لو أننا قبِلنا رجوع الْمُقِر عما يوجب الحد ما ثبت حد في الدنيا، كل إنسان يقدر يرجع، لا سيما في الوقت الحاضر إن الناس ما عندهم ذمم.
* طالب: ألا يُعَزَّر يا شيخ.
* الشيخ: لا، يُرفع عنه الحد برده.
* طالب: (...).
* الشيخ: قول ضعيف هذا، ضعيف جدًّا.
* طالب: يعني نقيم عليه الحد يا شيخ حتى لو تاب وقال: أنا..؟
* الشيخ: لا لا إذا تاب نتركه، اللي تاب يتعرف أنه رجل صادق، لكن إذا رجع عن إقراره هذا يلعب، رجل يجي يكلف القاضي، ويكتب إقراره ويشتهر أو ما يشتهر (...).
* طالب: إذا وجدت قرينة يا شيخ؟
* الشيخ: كيف قرينة وهو مقر؟
* الطالب: قرينة قوية تقتضي ..
* الشيخ: هذا معناه أن الرجل عقله مختل.
* طالب: شيخ، قلنا: إن قوله تعالى: ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٥] ليس من باب الناسخ، ثم قلنا يا شيخ: هل يصح قولنا أن للسجن المؤبد أصلًا في الشرع، قلنا: هذا أحسن من قولنا أنه معمول به في الشرع، فكيف نقول هذا وقد نُسِخ في الفوائد، يعني كيف هذا؟
* الشيخ: إي، معنى رُفِع أي حُفِظ.
* الطالب: ليس النسخ.
* الشيخ: لا لا، ما هو بنفس المصطلح عليه.
* طالب: القائلين بأن القرآن قديم ليس بحادث ألا يستدلون بقوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء ٢]..
* الشيخ: بلى بلى، لكن ماذا يقولون؟ يؤوّلون، يقولون: محدث الإنزال.
* طالب: (...).
* الشيخ: مشكل، باب المجاز هذا فتح علينا أبوابًا كثيرة.
(...) سبق لنا أن الله سبحانه وتعالى التزم بنفسه أن يتوب، فمن الذي التزم الله أن يتوب عليه؟
* طالب: ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ [النساء ١٧].
* الشيخ: أحسنت، ذكرنا أن التوبة نوعان؟
* طالب: توبة قبل التوبة وتُكمل.
* الشيخ: نعم، ما الدليل؟
* طالب: إي نعم، ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾.
* الشيخ: هذا قبول التوبة، نعم.
* طالب: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾.
* الشيخ: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة ١١٨]، ما معنى قوله: ﴿السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾؟
* الطالب: نعم يا شيخ، أي بغير علم.
* الشيخ: أي بغير علم.
* طالب: بسفاهة.
* الشيخ: بسفاهة، لماذا نحمله على السفاهة دون الجهل الذي هو ضد العلم؟
* طالب: لأن الذي يعمل السوء وهو جهال له ليس عليه ذنب.
* الشيخ: أحسنت؛ لأن من عمل سوءًا بجهل فلا ذنب عليه أصلًا، هل لديك دليل أو شاهد على أن الجهل يأتي بمعنى السفاهة من كلام العرب، شاهد من كلام العرب ما هو دليل.
* طالب: قول الشاعر:
؎أَلَا لَا يَجْـــهَـــــلَـــــنْ أَحَــــــدٌعَـــــلَــــيْـــــنَـــــا ∗∗∗ فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
* الشيخ: نعم أحسنت، ما المراد بقوله: ﴿مِنْ قَرِيبٍ﴾؟
* الطالب: من قريب يدل على قصر الوقت، القريب ما يستدل به على (...).
* الشيخ: يعني قبل الموت؟ ختم الله الآية بقوله: ﴿عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ مع أن المتوقع أن يقول: توابًا رحيمًا، فما هي الحكمة؟
* طالب: لأنه عليم بكل ما وقع من التوبة ومن فعل السيئات.
* الشيخ: إي، بس العلم والحكمة هل تناسب التوبة؟ التوبة قلنا: ربما ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة ١١٨].
* الطالب: والتواب الرحيم مضى قبل هذه.
* الشيخ: وين؟
* الطالب: هو قبل هذا.
* الشيخ: وين؟ ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا﴾ [النساء ١٦]؟
* الطالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾.
* الشيخ: إي، هذه في مسألة خاصة.
* طالب: بيان أن الله عز وجل يعلم من يستحق التوبة ممن لا يستحقها، ويضعها في محلها.
* الشيخ: ويضعها في محلها، تمام؛ لأنه سيأتي حال لا تُقبل فيها التوبة، فناسب أن يبين أن توبته على هؤلاء مبنية على علم وحكمة.
* طالب: هذا ما ذكرته يا شيخ.
* الشيخ: الآن ذكرته، إن كنت لم أذكره من قبل فالآن ذكرته، وإن كنت ذكرته ونسيتَه فنشكو إلى الله نسيانك.
نحن نتكلم دائمًا على الحكيم ونقول: إنه مأخوذ من الحُكم والحكمة، فكم أنواع أحكام الله؟
* طالب: حكم كوني وشرعي.
* الشيخ: حكم كوني وشرعي، هاتِ مثالًا على الحكم الكوني؟
* الطالب: الحكم الكوني كخلق السماوات والأرض.
* الشيخ: لا، يعني آية فيها لفظ حكم يراد به الحكم الكوني؟
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يوسف ٨٠].
* الشيخ: نعم، ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾، هذا حكم كوني، ونريد مثالًا على الحكم الشرعي؟
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء ١١].
* الشيخ: لا، هذا عام، يعني مثال يخص الحكم الشرعي؟
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة ١٠].
* الشيخ: حين ذكر أحكامًا في النساء اللاتي يأتين من الكفار مؤمنات، في سورة الممتحنة، أحسنت، وذكرنا أيضًا أنه مأخوذ من الحكمة أو من الإحكام وهو إتقان الشيء، وأن الحكمة نوعان؟
* طالب: غائية وصورية.
* الشيخ: ما معنى الأول؟
* الطالب: الغائية تعني بكون المراد من هذا الشيء هو هذه (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: والصورية كون هذا الشيء وُضِع على هذه الصورة.
* الشيخ: تمام، يعني وضع الشيء على ما هو عليه هذا حكمة، وكون الغاية منه كذا وكذا هذا أيضًا حكمة أخرى، تمام، تكلمنا على الآية هذه فوائدها أظن، طيب.
* من فوائد الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾: بيان فضل الله عز وجل على عباده بإيجابه التوبة على نفسه ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أن لله أن يوجب على نفسه ما شاء، وليس للعباد أن يوجبوا عليه شيئًا؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٣]، لكن له أن يوجب على نفسه ما شاء، وله أن يحرّم على نفسه ما شاء، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر الغفاري. ]]، هذا حرم على نفسه الظلم، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام ٥٤]، هذا إلزام وفرض، ومنه هذه الآية ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل عامل للسوء فإنما يعمله بجهالة وسفه، والسفه ضد الرشد، فمن عمل سيئًا فقد فُقِد منه الرشد.
* ومن فوائدها: أن الرشد يختلف باختلاف مواضعه، فالرشد في المال إحسان التصرف فيه، والرشد في الولاية معرفة ما يجب لها للولاية، إن كانت ولاية سلطان وإمارة فلها رشد معين، وإن كانت ولاية نكاح فالرشد في الولي أن يعرف الكفؤ؛ كفؤ المرأة ومصالح النكاح، وإن كان الرشد في معاملة الناس فكذلك أيضًا له رشد يخصه، ويجمع هذا كله إحسانُ التصرف، إحسان التصرف فيما يتصرف فيه هذا هو الرشد، وضده إساءة التصرف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على المبادرة بالتوبة؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾، بل وجوب المبادرة بالتوبة، ووجهه أن المراد بالقرب هنا الموت، والموت ليس معلومًا وقته، وإذا كان كذلك كانت المبادرة بالتوبة أيش؟ واجبة؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، وهو كذلك، الواجب المبادرة بالتوبة، ولأن الإنسان إذا أصر على المعصية فإنه يقسو قلبه وتكون هذه الصغيرة ولو من صغائر الذنوب تكون كبيرة، ولهذا ذكر بعض العلماء أن التهاون بالمعصيّ والاستمرار على المعصية الصغيرة يجعلها كبيرة، فإذا فعل الإنسان صغيرة تهاونًا بالله وبأوامر الله صارت كبيرة لما قام بقلبه من أيش؟ التهاون بها.
بل وقال: وإذا فعل الكبيرة مع شدة تعظيمه لله عز وجل وخوفه منه وخجله منه لكن سوّلت له نفسه أن يفعلها فإن ذلك يجعلها صغيرة، والرجل الذي كان يُضرب في الخمر لما لعنه أحد الصحابة قال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ»[[أخرجه البخاري (٦٧٨٠) من حديث عمر بن الخطاب.]].
فالإنسان العاصي قد يقوم بقلبه من هيبة الله وإجلاله وتعظيمه ما يجعله عند فعل المعصية خجِلًا من الله، مستحيًا منه، فتنقلب الكبيرة صغيرة بما قارنها من خوف الله وتعظيمه وإجلاله؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والعكس بالعكس، قد يتهاون الإنسان بأمر الله ويعصي الله معصية صغيرة لكنه متهاون غير مبالٍ بعظمة الله، فهذا تكون هذه الصغيرة كبيرة؛ لما قام بقلبه من التهاون في حق الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: قبول الله للتوبة إذا تاب الإنسان من قريب؛ لقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: (...) لله والحكم أيضًا، المفهومة من قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
وقد بيّنّا في التفسير أن علم الله تعالى واسع شامل لكل صغير وكبير وقريب وبعيد، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران ٥].
* ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين لله، وهما أيش؟ العليم والحكيم.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیبࣲ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق