الباحث القرآني

ثم قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء ١٦٧] * طالب: صدق الله، الأحسن نقول: الملائكة ذو عقول أو ذات عقول؟ * الشيخ: ذات. يقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾. هذه الجملة كما ترون مؤكدة بمؤكدين: الأول: (إن)، والثاني: قد ضلوا. ﴿كَفَرُوا﴾ أي بالله، والكفر في الأصل الستر، ومنه الكُفُرَّى، وهو غلافة طلع النخل، هذا لأنه يستر ما في جوفه. وقوله: ﴿صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لها وجهان: الوجه الأول: أعرضوا عن سبيل الله، وعلى هذا تكون لازمة، أي تكون (صد) فعلًا لازمًا، والوجه الثاني: صدوا غيرهم، أي: حملوهم على الإعراض، وعلى هذا فتكون متعدية، والمفعول به محذوف، أي: وصدوا غيرهم عن سبيل الله، فالآية إذن محتملة للوجهين، وكلاهما لا يناقض الآخر، فتكون محمولة عليهما جميعًا. والكفار لا شك أنهم صادون بأنفسهم صادون لغيرهم، إن كانوا من دعاة الكفر فصدهم واضح، وإن لم يكونوا من دعاة الكفر فإن الناس يقتدون بهم، فيصدون عن سبيل الله كما صد هؤلاء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]. إذن صد الكفار لغيرهم يكون بالقول ويكون بالفعل، متى يكون بالقول؟ * طالب: إذا كانوا دعاة. * الشيخ: إذا كانوا دعاة إلى الكفر، كلما رأوا شخصًا يريد الهداية ذهبوا إليه يصدونه، ويكون بالفعل إذا كانوا يفعلون، ولكنهم لا يدعون الناس إلا أن الناس إذا رأوهم اقتدوا بهم، ولا سيما إذا كانوا من أشراف الناس ووجهائهم، فإن الناس عادة يتبعون القوم. وقوله: ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ السبيل بمعنى الطريق، وأضافه الله إليه لأنه تبارك وتعالى هو الذي شرعه لعباده، فأضيف إليه. واعلم أن السبيل والطريق والصراط تارة يضاف إلى الله، وتارة إلى غير الله، فيضاف إلى الله باعتبار أن الله هو الذي شرع للعباد، ويضاف إلى غيره باعتبار السالكين، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ [النساء ١١٥]، فأضاف السبيل إلى المؤمنين، وهنا أضافه إلى الله، يضاف إلى الله لأنه هو الذي شرعه، ولأنه يوصل إلى الله، فمن سلكه وصل إلى الله عز وجل، كما تقول: سبيل مكة من هنا؛ لأنك إذا سلكته أوصلك إليها. ﴿قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾: ﴿ضَلُّوا﴾ الضلال بمعنى التيه، أي: تاهوا عن الحق، ﴿ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله، ووصف بأنه بعيد لأن هذا الضلال -والعياذ بالله- ضلال عن شيء بيِّن، فإن الحق منار وعلم يهتدي به كل ضال، فإذا ضل عنه أناس كان ضلالهم بعيدًا لقوة الدليل. * طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ما بدا من قوة شيخ الإسلام رحمه الله في إنكار من قال: إن الدين أصول وفروع، فإن شيخ الإسلام يعني يرى (...) فليس مثلًا إثبات علو الله كترك مثلًا السواك عند الوضوء يخالف يعني بعض هذا باطل؟ * الشيخ: لا، الشيخ رحمه الله يقول: إنه تقسيمه إلى أصول وفروع بمعنى أن هذا أصول وهذه فروع، هذا الغلط، يعني يقول: كل الأحكام العملية فروع والأحكام العقدية أصول، هذا ما هو بصحيح؛ لأن من الأحكام العملية ما هو من أصل الأصول. * طالب: كيف ننفك من هذا. * الشيخ: كأركان الإسلام الخمسة مثلًا، ننفك بأن نقول: الدين الإسلامي بعضه أعلى من بعض وأوكد من بعض وأعظم من بعض، فليس ترك سنة من سنن الصلاة كترك واجب بها، وليس ترك راتبة للصلاة كترك الصلاة، هذا اللي نقول. * الطالب: إذا كان المقابل يفهم هذا؟ * الشيخ: ويش يفهم؟ * الطالب: يفهم أن ما قال قسم الدين مثلًا إلى عقائد وإلى أعمال يقول: أصول الدين وفروع مثلًا؟ * الشيخ: لا، نقول: هو عقائد وأعمال، ونقول أيضًا: العقائد والأعمال درجات، شيء من العقائد إذا أنكرته فإنه يكون خطيرًا جدًّا، وشيء آخر دون هذا. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء ١٦٧ - ١٧٠]. * الشيخ: في هذه الآية الكريمة يخبر الله عز وجل -وهو خبره هو الصادق- خبرًا مؤكدًا بـ(إن) أن الذين جمعوا بين هذين الوصفين قد ضلوا ضلالًا بعيدًا، وهو الكفر والصدّ عن سبيل الله. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تأكيد الخبر، ولو كان ابتدائيًّا إذا دعت الحاجة إليه، وقد قال علماء البلاغة: إن الأصل في الخبر أن يلقى غير مؤكد، فتقول: محمد مجتهد. ويحسن توكيده عند تردد المخاطب، ويجب توكيده عند إنكار المخاطب، فمثلا إذا قلنا: محمد قائم، نخاطب رجلا ساذجًا، لا يعرف عنه شيئًا، فهذا لا يحتاج إلى توكيد، وذلك لأن المخاطب سوف يقبل الخبر، وإذا كنا نخاطب شخصًا مترددًا فهنا يحسن أن نؤكده حتى يرتفع عنه التردد، وإذا كنا نخاطب منكِرًا أو في حكم المنكر فإننا نؤكده وجوبًا، وتتعدد أداة التوكيد بحسب قوة الإنكار، فهنا أكد الله الخبر مع أن الخبر يلقى إلى خالي الذهن، فيقال: لأهمية الموضوع؛ لأن الموضوع إذا كان ذا أهمية فإن من المستحسن أن يؤكد. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من آمن واستقام على سبيل الله ودعا الناس إليها فهو على الهدى. نعرف ذلك من أي شيء؟ * طالب: من المقابل. * الشيخ: من المقابل والضدّ، فإنه إذا ثبت الحكم لشيء ثبت نقيضه لضده. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الضلال ينقسم إلى ضلال قريب وضلال بعيد، وهكذا أيضًا المعاصي تنقسم إلى كبائر وصغائر، كما هو معروف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب