الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ أي: ما مِن أهل الكتاب أحدٌ إلا ليؤمننَّ به.
و(إِنْ) تأتي في اللغة العربية على وجوه متنوعة:
تأتي نافية كما في هذه الآية، وأمثلتها كثيرة، وغالبُ ما تأتي نافيةً إذا أتت بعدها (إلا) مثل: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة ١١٠]، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص ٧]، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام ٢٥]، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء ١٣٧]، فـ(إنْ) تكون هنا نافية.
وتأتي مخفَّفة من الثقيلة؛ مثل: إنْ زيدٌ لَقائمٌ، فهي مخفَّفة من الثقيلة.
وتأتي شرطية؛ مثل: إن قام زيدٌ قام عمرو.
وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ المراد بهم اليهود والنصارى، وقوله: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ هذه مستثنى من محذوف، والتقدير: وإن من أهل الكتاب أحدٌ إلا ليؤمننَّ به، وعلى هذا فقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ خبر لمبتدأ محذوف دلَّ عليه السياق، وتقدير خبر المحذوف؟
* طالب: أحدٌ.
* الشيخ: أحدٌ.
وقوله: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ نجد الفعل هنا مفتوحًا ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ مع أننا لا نشاهد أداة نصب؟
* طالب: لاتصاله بنون التوكيد.
* الشيخ: يعني هو مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد.
وقوله: ﴿بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ ﴿بِهِ﴾ أي: بعيسى عليه الصلاة والسلام، ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ الضمير يعود على عيسى، وقيل: يعود على الرجل من أهل الكتاب؛ يعني أنه ما من أحدٍ من أهل الكتاب إلا إذا حضره الموت آمن بعيسى، أو المعنى: ما من أحدٍ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى إلا آمن بعيسى، وكِلا المعنيين صحيح، والثاني أظهر: أن الضمير يعود إلى عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأن عيسى سوف ينزل في آخر الزمان، وسوف يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، حتى الجزية لا يقبلها.
وقوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ هذه ظرفٌ عامله ﴿يَكُونُ﴾؛ المعنى: أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يكون شهيدًا عليهم يوم القيامة.
معنى الآية الكريمة: أنه لا يوجد أحدٌ من أهل الكتاب إلا آمن بعيسى قبل أن يموت عيسى، وعلى هذا التقدير يكون المعنى: ما من أحدٍ من أهل الكتاب أدرك عيسى إلا آمن به قبل أن يموت. وعلى القول الثاني أن الضمير يعود على الواحد من أهل الكتاب يكون أنه ما من إنسان من أهل الكتاب يحضره الموت إلا أيش؟ إلا آمن بعيسى، حتى اليهود الذين كانوا ينكرون رسالته يؤمنون به.
وقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ هم اليهود والنصارى، وسُمُّوا بذلك لأن لهم كُتُبًا حيَّة وإنْ كانت محرَّفة، وهي التوراةُ عند اليهود والإنجيلُ عند النصارى، ولهذا سُمُّوا أهل الكتاب، ولا يُعلم كتاب بقي إلى بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام مما جاءت به الرسل إلا التوراة والإنجيل. قيل: إن المجوس لهم كتاب أُنزِل أو لهم شُبهة، ولكن الصحيح خلاف ذلك، أنه لا يوجد كتاب بقي إلى بعثة الرسول إلا التوراة والإنجيل.
وقوله: ﴿لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ﴾ أي: إيمان قبول وإذعان، ليس مجرد التصديق؛ لأن مجرد التصديق لا يسمَّى إيمانًا، ولهذا لا يُحكم بإيمان أبي طالب مع أنه مصدِّق، بل لا بد من قبولِ ما آمن به الإنسانُ والإذعانِ له.
وقوله: ﴿قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أي: قبل موت عيسى أو موت الإنسان، وذلك حين يرى الحقَّ، إذا رأى الكتابيُّ الحقَّ سواء كان ذلك بنزول الموت أو كان ذلك بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه يَقبل، ولكن هذا الإيمان يكون كالإيمان الاضطراري؛ لأنهم لما كانوا في اختيارهم لم يؤمنوا بعيسى بل كفروا به.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ وذلك مذكور في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة ١١٦، ١١٧]، فيوم القيامة سيشهد عيسى بن مريم على قومه أنه لم يقُل لهم إلا ما أمره الله به أن اعبدوا الله ربي وربكم.
* في هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة:
* منها: أن الكتابيَّ قد يؤمن إيمانَ اضطرارٍ إما عند موته أو إذا نزل عيسى، ولكن هل ينفع هذا الإيمان؟
النصوص تدل على أن الإيمان الاضطراري لا ينفع، وأن الإيمان إذا حضر الأجَلُ لا ينفع؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨]، ولكن الإيمان الاضطراري في غير هذه الحال قد يرسخ في قلب المرء؛ فقد يؤمن أولًا خوفًا من السيف ثم يرسخ الإيمان في قلبه ويثبت ويكون إيمانًا حقيقيًّا يُثاب عليه وينجو به من النار.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الموت للبشر كلهم، حتى الأنبياء يموتون؛ قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران ١٨٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء ٣٤].
* طالب: شيخ، قلنا: إن عيسى رُفِع حيًّا، فما الجواب عن قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران ٥٥]؟
* الشيخ: الجواب على هذا أن قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ فيه أقوال:
الأول: أن المراد بالوفاة النوم.
(...) قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام ٦٠] والمعنى أن الله تعالى عندما أراد أن يرفعه ألقى عليه النوم حتى لا ينزعج بهذا الرفع.
والقول الثاني: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أي: قابضك، كما يقال: تَوفَّى فلانٌ حقَّه؛ أي: استوفاه وقبضه.
والقول الثالث: أن الآية ليست على الترتيب الذِّكْري، وأن المعنى: إني رافعك إليَّ ومتوفيك، فيكون الترتيب هنا من باب الترتيب الذِّكْري لا المعنوي.
وهذه كلها أجوبة صحيحة، وأظهرها الأول: أن المراد وفاة النوم، وأن الله تعالى ألقى عليه النوم حتى يكون عند رفعه غير منزعج ولا متأثر.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الموت ثابت للرسل عليهم الصلاة والسلام ومَن دونهم من باب أَوْلى، وقد ذكرنا الأدلة على هذا.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات القيامة؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾، وقد بيَّنَّا فيما سبق لماذا سُمِّي هذا اليوم يوم القيامة، ويبيِّنه لنا؟
* طالب: لأن الناس يقومون إلى الحشر.
* الشيخ: لقيام الناس من قبورهم لله عز وجل، دليله؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين ٦].
* الشيخ: نعم. والثاني؟
* طالب: يقوم الأشهاد.
* الشيخ: تُقام الأشهاد. دليله؟
* الطالب: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١].
* الشيخ: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]. ثالثًا؟
* طالب: أنه يوم يُقام فيه العدل.
* الشيخ: نعم؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء ٤٧].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يشهدون على أممهم؛ لقوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾، وهذا عامٌّ في كل الرسل؛ لقوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء ٤٠].
وهل يكون العلماء الذين هم ورثة الأنبياء هل يكونون شهداء؟
الجواب: نعم؛ فإن العلماء يشهدون على الأمم ببلوغ الرسالة إليهم، ويشهدون للرسل بأنهم بلَّغوا، ولهذا كان العلماء ورثة الأنبياء.
* ويمكن أن نقول: ومن فوائد هذه الآية: أن الناس يوم القيامة يتكلمون ويُستشهَدون ويُناجَوْن، أو لا يمكن؟
يمكن؛ لأن الله يقول: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أجابه ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾.
{"ayah":"وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق