الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ﴾ وفي قراءة: ﴿أَنْ تُنْزِلَ﴾ [النساء: ١٥٣]. ومعناهما واحد.
والخطاب في قوله: ﴿يَسْأَلُكَ﴾ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من الخطابات الموجَّهة إليه على وجه الخصوص، ﴿يَسْأَلُكَ﴾ فلا يتناول أمته.
والخطاب الموجَّه للرسول عليه الصلاة والسلام إما أن يدل الدليل على أنه له وللأمة فهذا واضح يكون له وللأمة، وإما أن يدل الدليل على أنه خاصٌّ به فهذا أيضًا واضح على أنه خاص به، وإما أن لا يكون هناك قرينة تدل على هذا ولا على هذا فالأصل أنه له وأمته تبع له.
فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم ١، ٢] هنا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولهذا قال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ولم يقل: لك.
و﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ﴾ [الطلاق ١]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ [الطلاق ١] هذا يدل على أنه له وللأمة.
ومثل هذه الآية ﴿يَسْأَلُكَ﴾ له، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] له، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ [الأحزاب ٤٥] له، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] له.
﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ مَن أهل الكتاب؟ هم اليهود والنصارى، لكن اليهود في المدينة أكثر من النصارى بكثير، يوجد نصارى لا شك لكن اليهود أكثر، وسبب كثرتهم في المدينة أنهم قرؤوا في التوراة أنه يبعث نبيٌّ هو خاتم الأنبياء، وشريعته أكمل الشرائع، وأن مُهاجَرَهُ المدينةُ، فجاؤوا من فلسطين؛ لأن بني إسرائيل كان محلهم فلسطين، فجاؤوا من فلسطين إلى المدينة ينتظرون بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة ٨٩] يقولون للمشركين: سيبعث نبيٌّ ونكون أتباعًا له ونغلبهم ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة ٨٩]؛ فهذا هو السبب أنه وجد ثلاث قبائل من اليهود في المدينة.
فأهل الكتاب هنا من حيث الأصل يشمل اليهود والنصارى، لكن أكثر ما يكون في المدينة هم اليهود.
﴿أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ وهذا السؤال هل هو للتحدي أو لإقامة البينة كما يدعون أنه ليس برسول؛ لأن الكتب السابقة كانت تُنَزَّل من السماء لا سيما التوراة؛ لأن الله كتب لموسى في الألواح من كل شيء وأنزلها عليه؟
فكأنهم يقولون: إما أن تأتي بكتاب من السماء فنصدِّقك، وإما أن تكون كموسى ينزل عليك كتاب من السماء فتكون نبيًّا، فالآية تحتمل هذا وهذا.
أما قريش فقالوا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام ٨] فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا﴾ [الأنعام ٨] أي: بصورة الرجل، لأنه لا يمكن أن يكون ملك بصورة الملائكة ثم يخاطب البشر، لو أن الله أرسل ملكًا إلى البشر لجعله بصورة البشر.
﴿أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ يعني: فلا تعجب، لا تعجب أن يسألوك أن تنزل عليهم كتابًا من السماء ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ وعلى هذا فتكون فقد جملة معطوفة على مقدر دل عليه أيش؟ السياق، المعنى إذا سألوا هذا فلا تستغرب ولا تستكبر هذا السؤال؛ فقد سألوا موسى أكبر من ذلك.
ما الذي سألوه؟ قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ والعياذ بالله، وهؤلاء هم القوم السبعون الذين اختارهم موسى، اختار موسى قومه سبعين رجلًا لميقاته فجاؤوا لميقات الله وسمعوا الله عز وجل يكلم موسى، سمعوه بآذانهم يكلم موسى ومع ذلك لم يصدقوا قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ يعني: وإلَّا فلست بصادق، وهذا الذي نسمع ليس كلام الله.
ماذا حصل لهم؟ أخذتهم الصاعقة، ماتوا في آن واحد فأخذتهم الصاعقة، ولكن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن يُحْيِيَهم، و﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ﴾ [الأعراف ١٥٥] فأحياهم الله ثم صاروا في بني إسرائيل.
الحاصل أن هؤلاء قالوا قولًا أعظم مما طلبوا من الرسول، قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ يعني: نشوف بأعيننا، وهذا شيء مستحيل، مَن هم الذين يرون الله تعالى في الدنيا؟ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما يرون الله في الدنيا، كيف هؤلاء القوم العتاة المعاندين، فيقول عز وجل: ﴿فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ أي أنهم صعقوا فهلكوا.
﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ أي: بسبب ظلمهم، فالباء هنا للسببية، فما هو الظلم؟ أنهم اعتدوا في الدعاء قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ وهذا عدوان عظيم لا بالنسبة لموسى ولا بالنسبة للرب عز وجل فإن مثل هذا لا يمكن أبدًا، ومن دعا بما لا يمكن فقد اعتدى في الدعاء؛ ﴿فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ ما هو الظلم المراد هنا؟ قولهم ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾.
﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ ﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ فيه محذوف، المفعول الثاني محذوف؛ أي: إلهًا، يعني: ثم هذا الترتيب ذكر، يعني أضف إلى هذا الأمر المنكر منكرًا آخر وهو اتخاذهم العجل إلهًا.
ما هذا العجل هل هو عجل حيوان؟ لا، عجل جماد، استعاروا حليًا ثم صنعوه على هيكل ثور عجل، وجعلوا داخله مجوفًا، وجعلوا له ثقبًا في رأسه وفتحة في دبره، فيوجهونه إلى الريح مستدبرًا إياها فتدخل الريح في هذا المجوف من ثقب واسع وتخرج من ثقب ضيق وبطبيعة الحال سوف يكون لها صوت، له خوار كخوار الثور وقوم العجل هؤلاء ثيران، قال لهم السامري: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه ٨٨]؛ يعني: أن موسى ضل وضاع عن الإله؛ لأنه كان قد واعد ربه ثلاثين ليلة فأتمها الله عشرًا حتى صارت أربعين. قال: موسى ضاع، يدور على الإله، وهذا الإله، فاتخذوا هذا العجل الذي صنعوه بأيديهم اتخذوه إلهًا يعبدون، ونصحهم هارون وقال: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه ٩٠] فماذا كان الجواب؟
﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه ٩١] ونعرف أن موسى لم يضل إلهه وأن له إلهًا سوى هذا، وبقوا على عبادة العجل، وهذا أيضًا منكر عظيم حيث جعلوا مع الله إلهًا آخر صنعوه بأيديهم ثم صاروا كالصبيان، تدخل الريح مع الدبر وتخرج من الفم، ويظنون أن هذا خواره. طيب، وإذا كان خواره، إله يخور؟ أيش الفائدة منه؟ لكن هذا يدل على سفاهة عقولهم، وأنهم على حد كبير من السفه.
﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ يعني إلهًا ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ ﴿الْبَيِّنَاتُ﴾ يعني: الآيات البينات.
و﴿الْبَيِّنَاتُ﴾ يعني: الظاهرة التي ليس فيها إشكال؛ لأن موسى آتاه الله تسع آيات بينات، تسع آيات واضحة جلية يغني عنها آية واحدة، كان يلقي عصاه وهي عصًا معه جماد، عصا يَهُشُّ بها على غنمه ويتوكأ عليها وله فيها مآرب كالدفاع عن نفسه وما أشبه ذلك، فإذا ألقاها انقلبت في الحال ثعبانًا مبينًا، حية عظيمة، هذه من أعظم الآيات، ثم هي ليست حيةً وهميةً تخيُّليِّةً كما هو في صنيع السحرة بل هي حية حقيقية تتحرك وتأكل وتبلع بإذن الله عز وجل، ملؤوا الدنيا -أعني السحرة- ملؤوا الدنيا حبالًا وعصيًا، وصار يخيل إلى موسى أنها تسعى حتى أوجس في نفسه خيفة، فألقى هذه العصا وبدأت تلتهم هذه الحبال والعصي، وسبحان الله يعني بلحظة تذوب هذه الحبال والعصي ثم تبتلع أُخَر في لحظة يعني خلاف المعتاد، المعتاد أن الطعام يدخل الجوف ويبقى مدة ويتحول إلى دم ثم يخرج الفضلات، لكن هذه بإذن الله تبلع، والظاهر -والله أعلم- إنه يخرج على طول منصهرًا خالصًا، وهذا من آيات الله عز وجل، ومع ذلك جاءتهم البينات وشاهدوها ولكنهم اتخذوا العجل إلهًا.
﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾ نعم الرب ربنا عز وجل عفا الله عنهم، عفا الله عنهم؛ لأنهم أُمِرُوا بالتوبة ولكنها توبة شديدة، مَنَّ الله علينا -معشر هذه الأمة الإسلامية المحمدية- برفعها؛ أمروا أن يقتلوا أنفسهم، يقتلوا أنفسهم ما هو معناه أن كل واحد يقتل نفسه، لا، يقتل بعضهم بعضها.
لكن الأمة الواحدة كأنها نفس واحدة، أُلْقِيَت عليهم الظلمة وأخذوا الخناجر والسكاكين، وجعل الواحد منهم يقتل من واله، ولو كان أباه أو أمه، فلما علم الله منهم صدق الرجوع إلى الله وامتثال الأمر؛ لأن كون الإنسان يؤمر بأن يقتل قومه هذه من أشد ما يكون على النفوس.
فلما انقادوا وذلوا إلى هذا النوع من التوبة رفع الله عنهم ذلك وعفا عنهم.
﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٥٣] أعطيناه سلطانًا مبينًا، السلطان في كل موضع بحسبه؛ فسلطان الأنبياء هي آياتهم؛ لأنها حجة قوية يتسلطون بها على من أنكر.
فهذا السلطان الذي أوتي موسى، الحجج والبراهين الدالة حتى إن الله سبحانه وتعالى كتب لهم في التوراة من كل شيء ﴿مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف ١٤٥]، والعموم هنا لكل شيء أي: يحتاجه بنو إسرائيل كما في قوله: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية ١٦] أي: على عالم زمانهم ليسوا على كل العالمين حتى الأمة هذه.
فقوله في التوراة ﴿تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام ١٥٤] مما يحتاجه بنو إسرائيل في عهدهم، لكن هذا الكتاب المبين الذي قال الله فيه: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩] هذا يعم كل شيء؛ لأنه كتاب للأمة إلى يوم القيامة فلا بد أن يكون قد أتى بما تحتاجه الأمة إلى يوم القيامة.
﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٥٣] وقوله: ﴿مُبِينًا﴾ مِن (أبان)، ولكن هل هو (أبان) اللازم أو (أبان) المتعدي أم صالح لهما؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: الثالث، إي، طيب؛ لأن كلمة (أبان) رباعية تكون لازمة كما يقال: أبان الصبح، هذه لازمة يعني بان، وتكون متعدية كما تقول: أبان لي هذا الرجل ما أشكل علي، هذه متعدية ولَّا لازمة؟
* طلبة: متعدية.
* الشيخ: متعدية، فهل هذا السلطان الذي أوتيه موسى هل هو مبين مظهر للحق أو هو بين بنفسه؟ قلنا: كلاهما، وهذا مبنيٌّ على القول الراجح وهو جواز استعمال المشترك في معنيين، أتعرفون المشترك؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: ما تعدد معناه واتحد لفظه، ألم نبين مرة من المرات أن أقسامها -الألفاظ مع معانيها- أربعة، المشترك الآن هو ما تعدد معناه دون لفظه؛ لفظ واحد يصلح للمعنيين فأكثر مثل كلمة العين؛ العين تكون للعين الباصرة، وتكون للذهب يُسَمَّى عينًا، وتكون للشمس تسمى عينًا، وتكون للماء الجاري يُسَمَّى عينًا، هذا المشترك.
فهل يمكن أن يستعمل المشترك في جميع المعاني التي يصلح لها؟ نقول يمكن، لكن لا بد من قرينة ولا بد من أن لا يتنافى المعنيان؛ فقول الله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير ١٧] قال العلماء: ﴿عَسْعَسَ﴾ كلمة تصلح للإقبال والإدبار، أي: إذا أقبل أو إذا أدبر، هل يصح أن نقول: إن ﴿عَسْعَسَ﴾ هنا بمعنى أقبل وأدبر؟
* طالب: لا.
* طلبة: نعم.
* الشيخ: لا، يصح، يصح؛ لأنه لا يتنافيان، يقسم الله تعالى بالليل حين إقباله وذلك عند غروب الشمس، ويقسم بالليل حين إدباره وذلك عند طلوع الفجر أو طلوع الشمس.
إذن ﴿مُبِينًا﴾ هنا نقول: ما دامت صالحة للمتعدي واللازم فهي من المشترك، ويجوز أن نستعملها في المعنيين لعدم التنافي بينها.
نعود إلى الفوائد، نقول: * في هذه الآية دليل على تعنت بني إسرائيل، أو بعبارة أصح على تعنت أهل الكتاب، وإنما قلت: (أصح)؛ لأن هذا هو اللفظ المطابق للقرآن، وكلما أمكن أن تأتي باللفظ الذي هو لفظ القرآن والمطابق له فهو أولى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: دفاع الله تعالى عن الرسول عليه الصلاة السلام، لأنه سلّاه بقوله: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ وإلا فمن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا طلب منه أهل الكتاب أن ينزل عليهم كتابًا من السماء وهم أهل كتاب ولم يفعل من المعلوم أن هذا سيكون في قلبه حرج منه؛ لأن أهل الكتاب معروفون عند الجاهليين بأيش؟ بالعلم مما في أيديهم من الكتب، فإذا قالوا: أنزل علينا كتابًا من السماء، ولكنه لم يفعل لا بد أن يكون في قلبه شيء وأنه سوف يلحقه من الغم والهم ما يلحقه فدافع الله عنه وقال لا تتعجب لا تستكبر هذا السؤال فقد سألوا موسى أكبر منه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن بني إسرائيل كما آذوا موسى آذوا محمدًا عليه الصلاة والسلام؛ يعني أهل الكتاب، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب ٦٩] وأهل الكتاب آذوا الرسول محمدًا ﷺ، هَمُّوا بقتله كما في قصة بني النضير، وكذلك قتلوه في الواقع، أهدوا إليه في خيبر شاة فيها سم ولَاكَها ولكنه لَفَظَها إلا أنها أثرت في لهاته عليه الصلاة والسلام، أثرت فيها ألمًا حتى قال في مرضه: «مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي، وَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي»[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١٦٨٤) من حديث جابر بن عبد الله.]] ولهذا ذهب بعض التابعين وأظنه الزهري إلى أن محمدًا ﷺ من النبيين الذين قتلتهم بنو إسرائيل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن سؤال الإنسان أن يرى الله جهرة من أكبر العدوان؛ لقوله: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾، وهل يؤخذ منه أنه يمتنع في الدنيا أن يرى أحد ربه؟
نعم، الظاهر أنه يؤخذ منه؛ لأن الله قال: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ لأنه لو كان يمكن لكان سؤالهم ليس بذاك الشنيع، لكنه لا يمكن، لا يمكن أن يُرَى الله في الدنيا؛ ويدل لهذا أن موسى ﷺ قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١٤٣] لكن قوله: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ ليس كقول هؤلاء: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ بينهما فرق؛ سألوا موسى الرؤية شوقًا إلى الله عز وجل ومحبة لرؤيته -اللهم لا تحرمنا إياها- شوقا إلى الله ومحبة لرؤيته، لكن بنو إسرائيل قالوا ذلك تحدِّيًا وعنادًا واستكبارًا؛ قال الله له: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف ١٤٣] لا يمكن.
ثم ضرب الله له مثلًا فقال: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ [الأعراف ١٤٣] على ما هو عليه ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ [الأعراف ١٤٣] ماذا صار؟ ﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف ١٤٣] اندك مرة، صار كالرمل، ولم يهرب كما يتوقع الناس ﴿اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف ١٤٣] يعني وإن هرب فلن تراني؟ لا، كأن الجبل ما تمالك نفسه حتى انهد ولم يتمكن من الهرب، فجعله دكًا.
لما رأى موسى ما رأى هذا الأمر العظيم خر موسى صعقًا، أغمي عليه ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف ١٤٣] يعني: لم أسأل هذا إنكارًا أو جحدًا فأنا أول المؤمنين لكن أتوب إليك مما سألت؛ لأن هذا السؤال لا يجوز، ومحمد ﷺ هل رأى الله؟
* طالب: على قول.
* طالب آخر: لا.
* الشيخ: لا، لم ير الله على كل الأقوال؛ لأن النبي ﷺ سئل: هل رأيت ربك؟ قال: «رَأَيْتُ نُورًا»[[أخرجه مسلم (١٧٨ / ٢٩٢) من حديث أبي ذر.]] وفي رواية قال: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ»[[أخرجه مسلم (١٧٨ / ٢٩١) من حديث أبي ذر.]] يعني كيف أراه مع هذه الأنوار الحُجُب؟ حُجُب عظيمة من الأنوار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ» -أي بهائه وعظمته- «مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري.]] والمعنى: لأحرقت سبحات وجه كل شيء؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء، فما هذه العظمة، كيف يمكن لأحد في الدنيا أن يرى الله؟ لا يمكن.
فالرسول عليه الصلاة والسلام لم ير ربه على كل الأقوال؛ أولًا من قوله هو نفسه قال: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» وقال في لفظ آخر: «رَأَيْتُ نُورًا» يعني نورًا حجب الرؤية.
عائشة أنكرت ذلك وقالت: «من زعم أن محمد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧ / ٢٨٧) من حديث عائشة.]] هذا دليل.
ابن عباس يقول شيخ الإسلام: إنه لم يقل: إن محمدًا رأى ربه بعينه، ما قال هذا حتى نقول: إن قوله معارض لقول عائشة، وإنما الرؤية التي أثبت ابن عباس هي رؤية القلب التي قويت حتى صار كالمشاهد، وهذا الأقرب من ابن عباس؛ لأن ابن عباس أفقه من أن يظن أن محمدًا يرى الله عز وجل في الدنيا، والخلاصة أن هذه الآية فيها إشارة إلى أنه لا يمكن رؤية الله في الدنيا والآية الأخرى التي في سورة الأعراف صريحة.
* طالب: شيخ، ألم يره في المنام فإن يعني (...) الرؤيا مطلقة؟
* الشيخ: لا لا، في اليقظة، ننفيها الآن، نقول لكم: في اليقظة.
* طالب: بارك الله فيكم، ذكر بعض أهل العلم أن المؤمن ممكن أن يرى ربه بقدر إيمانه.
* الشيخ: في المنام؟
* الطالب: نعم، الرؤيا ليس في المنام، وإنما رؤية يقظة بقدر الإيمان؟
* الشيخ: أبدًا.
* الطالب: أي بقلبه (...)؟
* الشيخ: هذه ما تُسَمَّى رؤية عين، إحنا كلامنا على رؤية العين، وإلا فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٠) ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]] وحقيقة أن الإنسان أحيانًا يصل إلى درجة كأنما يشاهد الله عز وجل، لكن ليس هذا مرادنا، مرادنا أنه رؤية بالعين يقظة، هذا لا يمكن.
* طالب: كيف تسمي هذه رؤية، يا شيخ؟
* الشيخ: كما ذكرت لكن آنفًا أنه من قوة اليقين كأنه يشاهد، فهي رؤية من حيث اليقين؛ لأن الإنسان إذا رأى شيئًا تيقن، فإذا رآه بقلبه ووصل إلى هذا الحد صار كما قال الرسول: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٠) ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: ما اتضح لي الوجهان في قوله: ﴿أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء ١٥٣].
* الشيخ: إحنا قلنا: يحتمل أنهم قالوا ذلك تحدِّيًا، كما قال المشركون: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام ٨]، ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان ٣٢] تحدٍّ، ليس قصدهم أن يقيسوا رسالته برسالة موسى، بمعنى أنه في تلك الحال ليس على بالهم أن يكون كتابه كالتوراة، ويحتمل أن المعنى: أَنْزِل علينا كتابًا كما أُنْزِلَ على موسى حتى نعرِفَ أنك نبي.
* طالب: شيخ، ما تقول في قول بعض العلماء؛ يقولون: أخذ السامري التراب من أثر الرسول، ثم إذا صلح العجل يحط في فمه هذا التراب صار في هذا الوقت وقت الخوار صار حيًّا؟
* الشيخ: لا، أما أخذه هذا فنعم؛ لأن الله قال عنه: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه ٩٦]وأما أنه يجعله في فمه ثم يخور فلا.
* الطالب: صار في هذا الوقت حيًّا.
* الشيخ: لا لا، الصحيح ما ذكرنا أولًا.
* طالب: شيخ، (...) في المنام.
* الشيخ: (...) شيخ الإسلام؟
* طالب: شيخ الإسلام؟
* الشيخ: نعم، هذا مشهور عن شيخ الإسلام رحمه الله أنه يقول: إن المؤمن يرى الله عز وجل في المنام يراه بقدر عمله وإيمانه به وإتباعه للرسول، لكن في نفسي من هذا شيء، ويمكن أن يقال: إن الله يُري هذا الإنسان يُريه ملكًا أو ما أشبه ذلك على قدر اتباعه وتمسُّكه، ويُذْكَر أن الإمام أحمد أيضًا رأى ربه، فالله أعلم.
* طالب: شيخ، بالنسبة لأقوال ابن القيم هل هو الأقرب للصواب؟
* الشيخ: أيهم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هو ابن القيم، إحنا قلنا: بعض التابعين وأظنه الزهري.
* طالب: هل هو الأقرب إلى الصواب؟
* الشيخ: أما ظاهرًا فلم يتبين، لكن ما دام قال: «مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي، وَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي»[[أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (١٦٨٤) من حديث جابر بن عبد الله.]] يشير إلى هذا، لكن هو ما هو ظاهر أخذوا السكين أو الرمح فقتلوه.
* طالب: شيخ -عفا الله عنك- هل يؤخذ من الآية تحريم الاعتداء في الدعاء، وأنه يُعَد من كبائر الذنوب؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: هل يعد الإعتداء في الدعاء...؟
* الشيخ: الاعتداء في الدعاء -بارك الله فيك- أن يسأل الإنسان ما لا يمكن، وهو على حسب المسؤول، قد يكون من كبائر الذنوب وقد يكون من صغائرها، حسب المسؤول.
* * *
* طالب: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء ١٥٤ - ١٥٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: وهي قوله تعالى: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾.
أولًا: أخبرناكم القراءة فقالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ﴾ أن فيها قراءة أخرى وهي ﴿أَرْنَا اللَّهَ﴾ يعني بسكون الراء؛ لأن هذه أخف على اللسان وإلا فالمعنى واحد.
* فمن فوائدها: تعنُّت بني إسرائيل وعنادهم؛ حيث كانوا يسمعون كلام الله، ولكنهم قالوا لنبيهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة ٥٥].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذنب كلما عظم كان أسرع للعقوبة؛ لقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ﴾، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب؛ ولهذا أخذتهم الصاعقة في الحال فماتوا جميعًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى؛ حيث أهلكهم جميعًا وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، عند قيام الساعة ينفخ في الصور فيصعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله بلحظة واحدة، وينفخ فيه فيقوم الناس من قبورهم بلحظة واحدة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأسباب، وأن لها أثرًا في حصول المسببات؛ لقوله: ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ فإن الباء للسببية، وهذه المسألة ذكر بعض العلماء أن عليها من كتاب الله ألف دليل على إثبات الأسباب وتعليل الأحكام وبيان الحِكم.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا؛ لقوله: ﴿بِظُلْمِهِمْ﴾ وليس أخذ الله إياهم مجرد مشيئة، ولكن لأنهم هم الذين ظلموا أنفسهم كما قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة ٥٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان سفه بني إسرائيل، وأنهم مع عنادهم واستكبارهم أهل سفه، وذلك بعبادتهم العجل واتخاذهم إياه إلهًا؛ لقوله: ﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾.
* ومن فوائدها: أنهم اتخذوا ذلك عن علم، فليس لهم عذر؛ لقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ ومعلوم أن المذنب بعد العلم أشد من المذنب عن غير علم، بل إن المذنب عن غير علم لا أثر لذنبه على القول الراجح مطلقًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن ما جاءت به الرسل فهو حجة ظاهرة لا تخفى إلا على من أعمى الله قلبه؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان شمول عَفْو الله؛ حيث قال: ﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾.
* ومن فوائدها: عظمة الرب عز وجل؛ وذلك بعود الضمير إلى الله تعالى بصيغة الجمع؛ فإن قوله: ﴿فَعَفَوْنَا﴾ لا شك أنها للتعظيم وليست للتعدد كما زعم النصراني الخبيث، فإن النصراني يقول: الآلهة متعددة، وهذا موجود في القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [يس ١٢] ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر ٩] وما أشبه ذلك.
فيقال له: إن هذا للتعظيم، وأنت من الذين في قلوبهم زيغ تتبع المتشابه، وإلا فعندك آيات محكمات ظاهرات ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة ١٦٣]، ولكن هذا الذي في قلبه زيغ هو الذي يتبع المتشابه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى أعطى موسى حُجُجًا بينةً لا تخفى على أحد؛ لقوله: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٥٣]، هذا هو ظاهر الآية، وإن كان بعضهم قال: تَسَلُّطًا على بني إسرائيل. لكن الصواب ما ذكرنا ﴿سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ أي: بالحجج البينة الظاهرة، وقد مر علينا أن الله أتاه تسع آيات بينات.
ثم قال جل وعلا: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾.
* طالب: شيخ، مناسبة ختم الآية: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ مع ما قبلها؟
* الشيخ: مناسبتها ظاهرة؛ أن عبادة هؤلاء للعجل لم تكن عن خفاء، بل هي عن آيات بينات كقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾.
* طالب: لو كان هكذا كان اكتفى بها؟
* الشيخ: ما يوجد تكرار المعاني؟ كثير من القرآن مكرر في المعاني لتأكيدها.
* طالب: ذكرت تسع آيات بينات لموسى وما ذكرت (...) وما ذكرت العصا؟
* الشيخ: كيف؟ في القرآن، صريحة في القرآن ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء ١٠١]
* الطالب: منهم؟
* الشيخ: يعني ما هي؟
* الطالب: أي نعم.
* الشيخ: اقرأ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ [الأعراف ١٣٣]، اقرأها.
* الطالب: لا أحفظ.
* الشيخ: سبحان الله.
* طالب: قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ [الأعراف ١٣٣].
* الشيخ: هذه خمسة، بعدها؟ العصا، واليد، كم هذه؟
* طلبة: سبعة.
* الشيخ: سبعة، بعده ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف ١٣٠] كم هذه؟
* طلبة: تسعة.
* طالب: ثمانية.
* الشيخ: تسعة.
* طلبة: والبحر يا شيخ.
* الشيخ: لا، هذه الذي ذكره آيات صريحة، هذه الآيات سلطان بَيِّن حجة لكن ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ﴾ يعني أيش؟ الغرق، فأغرق الثمار قبل أن تخرج، ﴿وَالْجَرَادَ﴾ الجرادُ أَكَلَها بعد أن خرجت، ﴿وَالْقُمَّلَ﴾ أفسدها بعد أن خُزنَت. كذا؟
﴿وَالضَّفَادِعَ﴾ أفسدت الماء.
﴿وَالدَّمَ﴾ الصحيح أنه النزيف يخرج به أي بهذا النزيف فائدة الغذاء.
فانظر الآن سلسلة من حين ما بذروا إلى أن وصل إلى غذاء الجسم وهو الدم، وكلهم ابتلوا به، والعياذ بالله، الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
* طالب: أثابكم الله يا شيخ، قول الله عز وجل: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ هل يؤخذ من هذا -حفظكم الله- العذر بالجهل مطلقًا؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: حتى عباد القبور الذين..
* الشيخ: نعم، حتى عباد القبور، الصحيح أنه لا فرق وأن الدين كله واحد.
يقول الله عز وجل: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ﴾ ﴿رَفَعْنَا﴾ الضمير يعود للرب عز وجل لكنه جاء بصيغة الجمع تعظيمًا.
﴿فَوْقَهُمُ﴾ أي: فوق بني إسرائيل.
و(الطور): الجبل المعروف وهو جبل عظيم كبير رفعه الله تعالى حينما تقاعسوا عن تنفيذ الأوامر، فصار الجبل فوقهم كأنه ظُلَّة حتى ظنوا أنه واقع عليهم، وقيل لهم: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [البقرة ٦٣] فآمنوا إيمانَ إكراهٍ في الحقيقة؛ لأنهم هُدِّدُوا بماذا؟
* طالب: بالقتل.
* الشيخ: بالموت والهلاك، فإيمانهم إيمانَ اضطرارٍ -والعياذ بالله- ولهذا لما سجدوا قال المفسرون: لما سجدوا كانوا هكذا ينظرون إلى الجبل مائلًا. وإلى الآن يقولون: إن اليهود يسجدون على طرف الجباه، ما هو باستقامة، على طرف الجباه كأنما ينظرون إلى شيء يخافون أن يقع عليهم.
وقوله: ﴿بِمِيثَاقِهِمْ﴾ (...).
{"ayah":"یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَ ٰلِكَۚ وَءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق