الباحث القرآني

ثم بيّن من صفاتهم ما ذكره بقوله: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذه من علامات النفاق، أن الإنسان يتولّى الكفار دون المؤمنين؛ لأنه يجد المؤمنين ضعفاء ليس لهم شوكة، والكفار أقوياء لهم الشوكة، والسلطة فيتخذهم أولياء؛ يُواليهم، يُناصرهم، يُداهنهم، ولو على حساب الدين كما يُوجد الآن من بعض الناس بالنسبة لموالاة الكفّار من دون المؤمنين، بل تجده سيفًا مسلولًا على المسلمين، وتجده على الكفار ماءً باردًا؛ يواليهم، ويناصرهم، هذا من صفات المنافقين. ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أولياء في أي شيء؟ في التولّي في جميع الأمور؛ أولياء في المحبة، أولياء في النصرة والمساعدة، ولو بالقول، أولياء في تقويم اقتصادهم، أولياء في مداهنتهم، وعدم التعرّض لهم وما هم عليه؛ المهم أن طرق الولاية كثيرة. وقوله: ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أتت (مِن) الدالة على بُعد الصلة بينه وبين المؤمنين كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت ٥] فهو أبلغ من قوله: وبيننا وبينك حجاب؛ هذه أيضًا ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تدل على بُعد الصلة بين المؤمنين والمنافقين. قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ أي: أيطلبون عند الكافرين العزة؛ يعني الغلبة، والقوة، والقهر. وهذا هو الذي يحصل من بعض من يتولّى الكفار، يطلبون منهم العزة؛ أن يعتزوا بهم؛ فأبطل الله هذا الابتغاء بقوله: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ ما هي العزة عند الكفار، وهذا كقوله تعالى عن المنافقين أنفسهم: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون ٨]. وهذا حق لكن من الأعز؟ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وهنا لم يقل: والله الأعز، ورسوله، والمؤمنون؛ لأنه لو قال: والله أعز، لأثبت لهم عزة؛ ولكنه قال: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ بصيغة تقتضي الحصر بتقديم الخبر؛ لأجل أن يتبين أن المنافقين لا عزة لهم، وكيف يكون لهم عزة؛ وهم يتقون، ويداهنون، ويخادعون؟ ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ كلمة ﴿جَمِيعًا﴾ حال من العزة، وهي تدل على أن هناك أنواعًا من العزة؛ وهكذا قال العلماء: إن العزة ثلاثة أنواع: عِزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع؛ فالله تعالى وحده هو القاهر لكل شيء، الغالب لكل شيء، والله وحدَه هو ذو القدر العظيم الذي لا يماثله شيء، والله وحده هو الذي يمتنع عليه كل نقص وكل عيب؛ ولهذا قال: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾. * في هذه الآية من الفوائد: بيان صفة قبيحة من صفات المنافقين وهي؟ * طالب: أنهم يوالون الكافرين من دون المؤمنين. * الشيخ: صحيح؛ موالاة الكافرين من دون المؤمنين، إذن كل من والى الكافرين من دون المؤمنين؛ ففيه نفاق. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن من ابتغى العِزة من دون الله، فهو ذليل؛ لقوله: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ﴾ فإن هذا استفهام إنكار. * ومن فوائدها: أن العزة لله وحده؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ فهو العزيز؛ الذي يُعز من يشاء، ويذل من يشاء. * ومن فوائدها: أنه ينبغي للإنسان أن يقطع العلائق عن الخلائق، وأن يُعلّق قلبه بمن؟ بالله عز وجل، يبتغي منه العزة، يبتغي منه النصر، يبتغي منه دفع البلاء، يبتغي منه تسهيل الأمور، وهكذا علِّق قلبك بربك. ثم قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا﴾ [النساء ١٤٠]. * طالب: شيخ، فهمت هذا ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (من) صلة هذا يدل على بعد (...)؟ * الشيخ: نعم، إذا قلت: ﴿مِنْ دُونِ﴾ صار هناك مسافة أوجدتها كلمة ﴿مِنْ﴾ يعني: كأن هناك مسافة بينهم وبين المؤمنين؛ لو قال: ﴿دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كان فيه احتمال إنه يكون قريبًا من المؤمنين؛ فهي تدل على بُعد المسافة. وقد ضربت لكم مثلًا بآية أوضح من هذا، وهي: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت ٥] ما قال: بيننا وبينك حجاب؛ لأنه لو قال: بيننا وبينك حجاب؛ لكان من المحتمل أنه ليس بينهما إلا الحجاب فقط، لكن ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ﴾ معناه: أن هناك مسافة قبل أن نصل إلى الحجاب بيننا وبين هؤلاء. * طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في التفسير بين العذاب الأليم والموجع؟ * الشيخ: بين العذاب الأليم، وأيش؟ * الطالب: الأليم والموجع؟ * الشيخ: إي نعم، هو أليم بمعنى: موجع. * الطالب: نفس المعنى؟ * الشيخ: إي، نفس المعنى. * طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، إذا قال لنا قائل: متى يكفر من والَى أعداء الله عز وجل؟ * الشيخ: يكفّر من والاهم من ناصرهم على المسلمين، أو أحب انتصارهم على المسلمين، أو انتصار الباطل على الحق. أما مجرّد الولاية بالعهد أو الولاية بالمعاملة؛ فهذه لا تخرجه من الإسلام، وقد لا تكون مذمومة فضلًا عن كونها مخرجة من الإسلام. * طالب: الذي يحزن لمصائبهم ومآسيهم؟ * الشيخ: لا شك أن هذه ولاية، لكن عن مسألة الكفر، الكفر صعب، لكن لا شك أن هذه ولاية؛ لكن ربما يأسف الإنسان لمصائبهم؛ لأنه يرى أنها تضره؛ إذ قد يكون علاقة الناس بهذه الدولة أقوى من علاقتهم بالدولة الأخرى وأنفع، والله عز وجل قال: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم ٤، ٥] انتصار الروم على الفرس. * طالب: أحسن الله إليك، بعض العلماء قال: يعني البشارة هنا بمعنى: التهكم، وما معنى التهكم؟ * الشيخ: أيهم. * الطالب: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ﴾؟ * الشيخ: البشارة، التهكم؛ يعني: يسخر به، حيث جعل الشيء المؤلم كأنه شيء مطلوب محبوب. * طالب: شيخ، بارك الله فيك، هل هناك فرق بين الموالاة والمداهنة، وهل هناك نوع من المداهنة يجوز؟ * الشيخ: الموالاة -كما قلنا-: أن يناصرهم، ويساعدهم، ويتولاهم يكون من أوليائهم. والمداهنة: أن يسكت عن باطلهم؛ لكن ما بينه وبينهم صلة في الموالاة. والمداهنة؛ حرام، والموالاة أشد، لكن المداراة لا بأس بها إذا دعت الحاجة إليها. * طالب: بارك الله فيكم يا شيخ، قلتم: إنه ينبغي لنا أن نصارح المنافقين بالبشارة بالعذاب مع أن النفاق أمر قلبي، فكيف يتم ذلك؟ * الشيخ: لا، له علامة، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد ٣٠]. * طالب: دافع الموالاة هو غلبة الكافر على المسلم؟ * الشيخ: يعني؟ * الطالب: يعني بأن يكون هو القوي؛ فيواليه ليتقي شره، فمن أي نوع من أنواع اللي فاتت؟ * الشيخ: لا، ما هو موالاة هذا، قد تكون هذه مداهنة، أو مداراة أيضًا، ربما تكون مداراة؛ أليس يجوز لنا أن نعطي من زكاتنا -فريضة الإسلام- أن نعطي منها الكافر اتقاء شره؟ * طالب: بلى. * طالب آخر: شيخ، بارك الله فيكم بعض المسلمين يضع أمواله في بنوك الكفار، هل هذه موالاة؟ * الشيخ: إذا وضعها لحاجة لا بأس؛ لحاجته هو، ما قصده مصلحة هؤلاء، قصده مصلحة نفسه. * الطالب: معلوم يا شيخ أنهم يستفيدون؟ * الشيخ: وهو يستفيد أيضًا، يستفيد بحفظها. * طالب: شيخ، حفظك الله، ما معنى النفاق الأكبر والأصغر؟ * الشيخ: إي، النفاق الأكبر هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر؛ يعني: أنه كافر لم يؤمن بالله، ولا رسوله، لكن يتظاهر أمام الناس بأنه مؤمن، وأما النفاق الأصغر فهو ما دون ذلك؛ وهو النفاق اللي يسموه النفاق العملي. * طالب: لكن يبقى المنافق النفاق الأصغر. * الشيخ: لا، المراد هنا بالآية النفاق الأكبر. * الطالب: لا، هل يبقى المنافق نفاقًا أصغر يبقى مؤمنًا؟ * الشيخ: إي نعم، يبقى مؤمنًا، يجتمع فيه خصلة إيمان وخصلة نفاق.. * الطالب: (...). * الشيخ: ذكرته لك إذا أبطن الكفر، وأظهر الإسلام؛ فهذا نفاق أكبر. وإذا كان لم يُبطن الكفر مثل: أبطن الغدر، إذا عاهد غدر؛ هذا نفاق أصغر لا يخرجه من الملّة. * طالب: شيخ، بارك الله، فيكم، هل ثبت في السيرة؛ يعني سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يبشر المنافقين بالعذاب الأليم، أو كان عمومًا يعني عمومات؟ * الشيخ: هنا قاعدة ينبغي لنا أن نفهمها: إذا وردت النصوص لفظية فالأصل وقوعها عمليًّا، هذا الأصل؛ أما إذا قلنا: النصوص اللفظية لا يُعمل بها إلا إذا علمنا أنه معمول بها، هذه قاعدة خطيرة، وفاسدة. بعض الناس يقول: النصوص اللفظية لا يُعمل بها إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا بها. ونحن نقول: الأصل في النصوص اللفظية أنه معمول بها؛ فهنا لا نحتاج أن نقول: أثبتوا لنا أن الرسول كان يبشرهم؟ الأصل أنه لما قيل له: بَشِّر بَشَّر. * الطالب: يعني الأصل أنه عمل به؟ * الشيخ: نعم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب