الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. ﴿بَشِّرِ﴾ الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن نجعله عامًّا لكل من يتوجّه الخطاب إليه سواء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أم غيره؛ والبشارة في الأصل هي الإخبار بما يسُرّ، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب ٤٥] فالتبشير الإخبار بما يسُرّ؛ فكيف قال: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وهل العذاب الأليم يسُرّ؟ لا، أجاب بعض العلماء بأن هذا من باب التهكُّم بهم، وهذا يقع كثيرًا في كلام الناس، إذا رأى إنسانًا متمردًا قال: أبشِر بالخيبة، أبشِر بالعقوبة، وما أشبه ذلك، ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٨، ٤٩]. فإن بعض العلماء قال المراد بقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ التهكّم. وبعضهم قال: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ في الدنيا، وهذا جزاؤك في الآخرة. أما الجواب الثاني فقالوا: إن البشارة هي الإخبار بما يتغيّر به الوجه من خير، أو شر، وسُميت بذلك؛ لأن البشرة تتغير، لكن إذا أُخبر الإنسان بما يسرّه استنار وجهه، وإذا أُخبر بما يسوؤه أظلم وجهه واكفهر. وعلى هذا فلا يكون في الآية إشكال هل قيل هذا على سبيل التهكم، أو على سبيل الحقيقة؟ بل يكون قيل على سبيل الحقيقة. وقوله: ﴿الْمُنَافِقِينَ﴾ يعني: الذين نافقوا بإظهار الإسلام، وإبطان الكفر؛ مأخوذ من (نافقاء اليربوع) أي: جحره؛ لأن اليربوع له جحر له باب مفتوح يحفر في الأرض خندقًا، ثم يجعل في آخر الجحر قشرة رقيقة؛ حتى إذا أُتي من باب الجحر سهل عليه أن يرفع هذه القشرة الرقيقة برأسه، ويخرج. هذا أصل النفاق، من نافقاء اليربوع. والنفاق لم يكن معروفًا قبل الإسلام، ولا في أول الإسلام؛ لأن أول الإسلام ليس هناك قوة للمسلمين يخافها الناس، لكن لما صار للمسلمين شوكة وقوي المسلمون، وذلك بعد انتصارهم في غزوة بدر في السنة الثانية بدأ النفاق يظهر. وقال المنافقون: إن أمره قد اشتد، وظهر فلا بد أن نداهنه، ولا بد أن نُظهر أننا معه حتى لا ينالنا بسوء؛ وحصل لهم ما أرادوا، فإن الرسول ﷺ لم ينلهم بسوء حتى إنه استؤذن في قتلهم فقال: «لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم (٢٥٨٤ / ٦٣) من حديث جابر بن عبد الله.]]. لكن هذا لا ينفعهم؛ إذن أول ما ظهر النفاق متى؟ حين قوي المسلمون بعد غزوة بدر. ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. ﴿بِأَنَّ﴾ متعلق بـ﴿بَشِّرِ﴾، و﴿عَذَابًا﴾ اسم (أن)، و﴿لَهُمْ﴾ خبرها مقدم. ﴿بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أي: مؤلما؛ فما هذا العذاب الأليم؟ سيأتي في آخر الآيات قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء ١٤٥]. * في هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي لنا أن نصارح المنافقين بأن نبشّرهم سواء بلفظ: أبشروا، أو بلفظ: اعلموا بأن لهم عذابًا أليمًا حتى يرتدعوا عن نفاقهم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنافقين مستحقّون للعذاب الأليم؛ لقوله: ﴿بِأَنَّ لَهُمْ﴾، و(اللام) هذه للاستحقاق. * ومن فوائد هذه الآية أيضًا: أن عذابهم مؤلم موجع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب