الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾: يسألونك الإفتاء، والإفتاء هو الإخبار عن حكم شرعي، هذا الإفتاء، وهو تبيين للحكم وليس إلزامًا به، وبهذا يفرَّق بين القضاء وبين الإفتاء، القضاء: تبيين الحكم الشرعي والإلزام به؛ لأن القاضي يقول للخصمين: الحق معك يا فلان، وهذا تبيين للحق، فاقضِه لخصمك، هذا أيش؟ هذا الإلزام، المفتي لا يستطيع أن يُلْزِم حتى لو أفتى، لكن هل يجب أن يُلتَزَم بما يفتِي به؟ فيه تفصيل؛ قال العلماء رحمهم الله: إذا سأل المستفتي عالِمًا مطمئنًّا لقوله.. وبهذا يفرق بين القضاء وبين الإفتاء، القضاء تبيين الحكم الشرعي والإلزام به؛ لأن القاضي يقول للخصمين: الحق معك يا فلان -وهذا تبيين للحق- فاقضه لخصمك، هذا أيش؟ هذا الإلزام، المفتي لا يستطيع أن يلزم حتى لو أفتى، لكن هل يجب أن يُلْتَزَمَ بما يفتي به؟ لا، فيه التفصيل. قال العلماء رحمهم الله: إذا سأل المستفتي عالمًا مطمئنًا لقوله، معتقدًا أن قوله الحق فإنه يلزمه العمل به ولا يستفتي غيره؛ لأن الله قال: ﴿اسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل ٤٣]، والفائدة من سؤالهم الأخذ بما يقولون، وإلَّا لكان ذلك عبثًا، نعم، لو أنك -هذه الحقيقة من الفوائد لكن كيف فاتت علينا- نعم لو أنك استفتيت عالمًا في قرية ليس عندك أحد في نظرك أعلم منه، وفي نيتك أنك إذا وصلت إلى المدينة التي يكثر فيها العلماء سألت، في هذه الحالة أنت ملتزم بفتوى هذا العالم التزاما مقيدًا أو موقتًا، فلك أن تسأل إذا وصلت إلى الموارد العذبة. ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء ١٢٧]، الله أكبر، المستفتَى رسول الله والمفتِي هو الله؛ لأن ما يفتي به رسول الله هو ما يفتي به الله عز وجل، ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، ولم يبين الله عز وجل الاستفتاء على أي شيء يقع، هل المراد ﴿يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ في تزويجهن في التزوج منهن، في تمكينهن من البيع، الشراء، في أي شيء، لكن الآية نزلت لسبب معلوم، وهو أنه يشكل عليه أن يكون عند الرجل أمرأة يتيمة، من عمه أو ما أشبه ذلك، فيظلمها، ويحجزها لنفسه، أو يحجزها لابنه أو ما أشبه ذلك، فيظلمها، فأشكل عليهم هذا الأمر فسألوا الرسول ﷺ، ماذا نعمل، فأفتاهم الله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ يعني يفتيكم فيهن، يعني القرآن يفتي لأنه كلام من؟ كلام الله عز وجل، والواو هنا عاطفة لكنها ليست عطف مغايرة، وذلك لأن الكتاب هو الطريق الذي نتوصل به إلى معرفة فتوى الله سبحانه وتعالى، إذ إن الله ليس يتكلم ويفتي لكنه يتكلم بالقرآن فتكمن به الفتوى، فالعطف هنا ليس مغايرة تامة؛ لأن ما في الكتاب هو الوثيقة التي تدلنا على فتوى الله عز وجل. ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ المراد بـ﴿الْكِتَابِ﴾ هنا القرآن، و(أل) فيه للعهد الذهني، ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء ١٢٧]، اليتيمة عنده لا يؤتيها ما كُتِب لها، لا يعطيها ما كُتِب لها، يأتي الخاطب الكفء أي الذي يجب أن يُعطى، ولكنه يملك فلا يؤتيهن ما كتب لهن، يمنع محابة لنفسه؛ لأنه يرغب أن ينكحها، وهنا قال: ﴿تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾، فأي الحرفين نقدر أَ(في) أم (عن)؟ * طلبة: (في). * الشيخ: ترغبون في نكاحهن أو عن نكاحهن؟ * طلبة: (في). * الشيخ: نقول: الآية محتملة وهذا من بلاغة القرآن وإيجاز القرآن؛ لأنه قد يكون راغبا عنها فلا يريدها، لكنه لا يريد أن تكون لغيره، وقد يكون راغبا فيها فلا يريد أن تكون لغيره، فتكون الآية شاملة للأمرين جميعا. ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ [النساء ١٢٧]، يعني: ويفتيكم الله، ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء ١٢٧] في المستضعفين من الولدان، ما حالهم وما شأنهم؟ وهل يأثمون بترك الهجرة مثلا؟ وهل يجوز ظلمهم؟ فكل ما يتعلق بشأنهم أفتى الله به وبينه. قال: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء ١٢٧]، هذه الآية الظاهر أن التقدير فيها: وأوجب عليكم أن تقوموا لليتامى بالقسط، واليتامى جمع يتيم، وهو الذي مات أبوه قبل بلوغه، أي قبل بلوغ الوالد أو الولد؟ * طلبة: الولد. * الشيخ: ما هو الوالد؟ * طلبة: الولد. * الشيخ: لماذا لا يكون الوالد؟ * طلبة: (...). * الشيخ: نعم، بإتيان الولد له يدل على بلوغه ولا بد، إذن قول العلماء: هو من مات أبوه قبل بلوغه، لا شك أن الضمير يعود على الولد. ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ القسط هو العدل، من قَسَطَ يَقْسِط قَسْطًا والاسم القِسْط، والمراد به العدل، وأما الإقساط فالمراد الجور، المراد به الجور، ولهذا إذا كانت من الثلاثية لها معنى، وإن كانت من الرباعية لها معنى آخر، فأقسط أي جَارَ، وقَسَطَ عَدَل، نعم أخطأنا، أَقْسَط عَدَل، وقَسَط جار، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة ٤٢]، وقال: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن ١٥] ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾، أي بالعدل، بالعدل في كل شيء حتى في مخالطتكم إياهم في الطعام؛ لأن الصحابة تورعوا عن مخالطة اليتامى في الطعام فأباح الله لهم ذلك، عرفتم، فيكون هذا في كل شأن اليتامى ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ (ما) هنا شرطية أو موصولة؟ * طالب: شرطية. * الشيخ: شرطية، بدليل قرن جوابها بالفاء. وقوله: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا﴾؛ أي ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ يشمل أي خير، سواء كان متعديا أو لازمًا، وسواء كان خيرًا ماليًّا أو خيرا علميًّا أو بدنيًّا أو أي خير، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ هذه جملة الجواب، واقترنت بالفاء لأن الجملة اسمية، وكلما كان جواب الشرط جملة اسمية وجب قرنه بالفاء، ولكنها قد تحذف قليلا على حد قول الشاعر: ؎مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا ∗∗∗ ........................ والأصل: فَالله يشكرها، فإن قال إنسان: إن الفاء سقطت هنا للضرورة، قلنا: لا ضرورة؛ لأن البيت لو قيل فيه: (من يفعل الحسناتْ فالله يشكرها) سَكَّنَ التاء، لم يكن ضرورة، وعلى كل حال فقد تحذف الفاء في جواب الشرط لكنها نادرة. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾، عليمًا حين يُفعَل أو قبل أن يُفْعَل؟ * طلبة: فيها الاثنان، يا شيخ. * الشيخ: قبل وبعد؛ لأن علم الله تعالى سابق على المعلوم، بخلاف الخلق، فإنه مقارن للمخلوق، طيب، إذا قلنا: إنه شامل العلم فما الجواب عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد ٣١]، ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾؛ لأن (حتى) هنا للتعليل، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يعني: نختبرنكم، لنعلم الصابرين، ما هو الجواب؟ * طالب: عِلْمُ الله قسمان (...). * الشيخ: يعني علم الله قسمان؛ علم سابق على الفعل، وعلم لاحق، فالمعنى: حتى نعلم علما يكون به الشيء ظاهرًا فنعلمه بعد وقوعه هذا وجه، وجه آخر أن المراد به العلم الذي يترتب عليه الجزاء، ولهذا قال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ﴾، والعلم الذي يترتب عليه الجزاء لا يكون إلا بعد الفعل، أليس كذلك؟ وهذا الوجه أوضح وأرجح، ويفهمه كل إنسان، أن نقول: إن علم الله نوعان: عِلْم بأن الشيء سيقع، وهذا سابق، وعِلْم بأنه وقع وهذا هو الذي يترتب عليه الجزاء. وقوله: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾، لم يقل: فإن الله يجازيكم، كما هو المتوقع، يقال: إن ذكر العلم فيه فائدة، وهو أنه لا يُضيع لكم أي خير كان؛ لأن علم الله محيط به، فيكون هذا المعلوم ثابتا لكم، ومن المعلوم من آيات أخرى كثيرة أن الله تعالى يقول: ﴿مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨]. * طالب: أحسن الله، إليكم قلت: يلزم المستفتي العمل بالفتوى إذا اطمئن القلب للعالم، وإن كثيرًا من الناس لا يطمئنون إلى أهل الصلاح، ولا سيما في بلاد القبوريين، وتطمئن قلوبهم إلى أهل البدع والأهواء، فهل هؤلاء لا يُلزمون بفتوى أهل الصلاح؟ * الشيخ: هؤلاء -بارك الله فيك- استَفْتَوا جُهَّالًا، وكلامنا على من استفتى عالمًا، أما من استفتى جاهلًا فهؤلاء الكفار يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف ٢٢]، ولا يقبلون الحق، وأظن قلنا: من استفتى عالمًا، (...) ولَّا لا؟ * طلبة: نعم. * طالب: قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران ١٠٩]، شيخ، في السماوات بعض الفلكيين وبعض العلماء قسم السماوات إلى أقسام، وجاء بأماكن من غير تدليل.. * الشيخ: أيش؟ * الطالب: جاء بأماكن من غير تدليل، فيقول: مثلًا الغلاف الجوي في السماء الأولى، والشمس في الثانية، والقمر ثالثة، هكذا، فهذا هل يرد عليه ويكذبون، ويقال: هذا كفر وزعم خاوٍ؟ * الشيخ: ما فيه شك، وهذه الطبقات اللي هم يقولون: كلها تابعة للأرض، لكنها لا شك تختلف بحسب قربها من الأرض وبعدها منها. * طالب: قول الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا﴾ [النساء ١٢٥]، من أسلم، وهو الإخلاص لله جل وعلا ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ قلنا: يا شيخ، بالمتابعة، ألا يكون مفهوم الآية الكريمة أن ممن لم يفز أو لم يتبع النبي ﷺ متابعة ألا يكون -يا شيخ- ممن لم يحسن دينًا؟ * الشيخ: الكلام هنا على أن المسلمين جمعوا بين الإخلاص والمتابعة، والمتابعة قد تكون تامة وقد تكون ناقصة، فيكون الحسن الذي للمتابع بحسب متابعته. * طالب: شيخ أحسن الله إليكم، في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى﴾ الواو عاطفة؟ * الشيخ: لا، الظاهر أنها معطوفة على شيء مقدر، يعني: وأمركم أن تقوموا لليتامى بالقسط. * طالب: أحسن الله إليك، في شرح قوله تعالى: ﴿بِالْقِسْطِ﴾، قلنا: القسط هو العدل، من قسط يقسط، وأخيرًا قلنا: من (أَقْسط)؟ * الشيخ: نعم، لا من (أَقْسط يُقسط)، هذا الصواب. * طالب: أحسن الله إليك، إن قال لنا قائل: أليس التفضيل بين الفاضل والمفضول..؟ * الشيخ: أليس أيش؟ * الطالب: التفضيل (أحسن).. * الشيخ: أليس أيش؟ * الطالب: فعل التفضيل (أحسن) بين الفاضل والمفضول، فلو قال لنا قائل: هذه الآية نفهم أن الذي لم يسلم وجهه لله وهو محسن، يقولون: أيضًا فيه فضل. * الشيخ: فيه خير. * الطالب: فيه خير، فهل هذا صحيح يا شيخ؟ * الشيخ: هل يلزم هذا؟ أليس الله تعالى يقول: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان ٢٤]، وأين الخيرية في مستقبل أهل النار؟ * الطالب: ليس فيه خير. * الشيخ: أبلغ من هذا ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩]، فأتى باسم التفضيل ثم طلب المعادلة. * طالب: قول الله تبارك وتعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾، شيخ الكافر يبتلى بالخير، والمؤمن يبتلى بالشر؟ * الشيخ: لا، بل حتى المؤمن يبتلى بالخير ويبتلى بالشر، قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥] * الطالب: أقول: أبغي أنزل التفسير على هذا.. * الشيخ: أيهم، الابتلاء بالخير كما قال سليمان: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠]، والابتلاء بالشر هو أن الله يبتلي الإنسان بالشر ليعلم هل يصبر أو لا يصبر. * طالب: شيخ، حديث سعيد: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧) واللفظ له من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. ]]، أقول: قد يقول قائل فيه دلالة غير ظاهرة؛ لأن سبع أرضين هنا قد قال النبي ﷺ: «سَبْع أَرَضِينَ» لتعظيم المنذر ضبط الذال؟ * الشيخ: أيش؟ * الطالب: لتعظيم المنذر؟ * الشيخ: لتعظيم أيش؟ * طالب: المنذر. * الشيخ: إي، الأصل خلافه. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء ١٢٧]. * الشيخ: الحمد لله رب العالمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ ما هو الاستفتاء؟ * طالب: الاستفتاء؟ * الشيخ: ما هو الاستفتاء؟ * طالب: هو طلب الفتوى. * الشيخ: طلب الفتوى، وما هي الفتوى؟ * الطالب: الإخبار عن حكم.. * الشيخ: شرعي، دون؟ دون الإلزام به؛ لأن الإلزام إلى القضاء، هل يصح أن نخبر عن الله بأنه مفتٍ؟ * طالب: نعم. * الشيخ: نعم، الدليل؟ * الطالب: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ﴾. * الشيخ: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، وكذلك ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء ١٧٦]. قوله: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ (ما) معطوفة على أيش؟ على لفظ الجلالة ولّا جملة؟ * الطالب: على لفظ الجلالة. * الشيخ: على لفظ الجلالة، من عنده وفاق أو خلاف في هذا؟ ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾؟ الجواب: أنها الجملة معطوفة على الجملة الأولى، فـ﴿مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ (ما) مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره: وما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم فيهن، ولا يصح أن يكون معطوفا على لفظ الجلالة؛ لأن الجملة الأولى استكملت ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، فيكون ما بعدها جملة معطوفة على جملة، عرفتم؟ قوله: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ هذه الإضافة من باب إضافة.. * طالب: إضافة.. * الشيخ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾. * الطالب: إضافة بيان. * الشيخ: نعم؟ * الطالب: إضافة بيان. * الشيخ: إضافة بياني؟! * الطالب: كما هو عينه. * الشيخ: إي، لكن من باب إضافة أيش؟ * الطالب: يعنى الإضافة البياينة، تسمى إضافة البيان. * الشيخ: من إضافة الشيء إلى جزئه أو إلى كله أو إلى مباينه؟ * الطالب: لا، إلى نفسه. * الشيخ: إلى نفسه؟ إذن كيف يكون لنفسه؟ * الطالب: يتامى هي النساء.. * الشيخ: من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. ما المراد بقوله: ﴿اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن﴾؟ * طالب: المهر. * الشيخ: نعم، وكان بعضهم يبخس اليتيمة التي تكون تحت ولايته فلا يعطيها ما كُتب لها. قوله: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ بماذا نقدر الحرف المحذوف؟ * طالب: يحتمل أن يكون (عن) ويحتمل أن يكون (في). * الشيخ: نعم هل يختلف المعنى؟ * الطالب: إن كانت (عن) فهو ما يريد أن ينكحها، ولكنه يأخذها إما حسدًا أو يأخذها غيرة. * الشيخ: طيب. * الطالب: وإن كان (في) فيكون يريدها لنفسه ولكنه يبخسها حقها من المهر. * الشيخ: فلا يعطيها المهر الواجب، تمام. قوله: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ معطوفة على أيش؟ * طالب: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ معطوفة على ﴿يُفْتِيكُمْ﴾، ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ يعني والمستضعفين من الولدان معطوف على النساء. * الشيخ: يستقيم المعنى؟ ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾؟ * الطالب: ممكن يكون مفعولًا، والفعل محذوف. * الشيخ: من يعرف؟ * طالب: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾. * الشيخ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾؛ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء، وما يتلى عليكم في الكتاب في المستضعفين من الولدان، نعم، ويجوز لكن على بعد أن يكون معطوفا على الضمير في قوله: ﴿فِيهِنَّ﴾، أي: وفي المستضعفين من الولدان. قوله: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ معطوف على أيش؟ * طالب: معطوف على ﴿يُفْتِيكُمْ﴾. * الشيخ: يفتيكم (أن تقوموا)؟ * الطالب: معطوفة على فعل محذوف؛ توجب عليكم.. * الشيخ: يعني أنَّ (أنْ) مصدرية، والعامل فيها محذوف، أي: ويأمركم أن تقوموا لليتامى بالقسط، فيكون هذا من باب عطف الجملة على الجملة. ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾، لماذا وقعت الفاء في خبر المبتدأ ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾؟ * طالب: قلنا: إنها شرطية. * الشيخ: على أن (ما) شرطية، وإذا جعلناها موصولة؟ * الطالب: حذف.. * الشيخ: أيش؟ * الطالب: تحذف الفاء. * الشيخ: لا، ما يمكن يحذف، قرآن هذا، إذا جعلناها موصولة فكيف وقعت الفاء في خبر المبتدأ؟ * الطالب: اسم موصول يشبه (...). * الشيخ: اسم الموصول يشبه اسم الشرط في العموم، فأعطي حكمه من بعض الوجوه، ما هو من كل وجه فيرتبط خبره بالفاء. * من فوائد هذه الآية الكريمة: حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الأحكام الشرعية؛ لقوله: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ﴾، ولكن يجب أن نعلم أن استفتاء الصحابة لرسول الله ﷺ استفتاء متطلب للحكم ليقوم به ويعمل به، ولهذا إذا علموا بالأحكام عملوا بها، بخلاف بعض الناس اليوم يستفتي لينظر ما عند العالم، ثم إن شاء عمل به وإن شاء استفتى عالمًا آخر، وهذا الأخير يعتبر متلاعبًا بدين الله عز وجل؛ لأنك إذا استفتيت عالمًا فإنك قد جعلته الواسطة بينك وبين الله، وجعلت ما يفتيك به هو الطريق إلى الله عز وجل، فإذا كنت إن جاز لك واتبع هواك أخذت بفتواه وإلا طلبت غيره، فهذا هو الذي يتبع هواه، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من تتبع الرخص صار فاسقًا. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: اعتناء الصحابة بشأن النساء، بل اعتناء الله عز وجل فوق ذلك بشأنهن، لقوله: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾، فالمستفتِي الصحابة، والمفتي هو الله عز وجل، والواسطة بين المفتي والمستفتِي مَن؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على عناية الشرع بالنساء، وبناء على هذا نعلم أن كل ما شرعه الشرع من أحكام النساء فإنه في مصلحتهن، حتى وإن ظن السفهاء والأغبياء أنه هضم لحقهن وظلم فإنهم خاطئون. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الرجوع إلى ما في كتاب الله عز وجل، وأن ما في الكتاب من الفتوى صادر من عند الله، لقوله: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾، وهو كذلك؛ لأن الكتاب مرسوم من الله عز وجل، هو الذي تكلم به، وأنزله على محمد ﷺ، وأمره أن يبلغه الناس، وهو نفسه تبارك وتعالى تكفل ببيانه ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة ١٨، ١٩]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: العناية بيتامى النساء، في الأول العناية بالنساء عمومًا، وهذا أخص، العناية بيتامى النساء؛ لأن يتيمة النساء اجتمع في حقها الضعف من حيث الجنس؛ لأن جنس النساء أضعف من الرجال، والضعف من حيث فقد العائل وهو مَن؟ * طلبة: هو الأب. * الشيخ: الأب، فلهذا أوصى الله بها بعناية. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جبروت أهل الجاهلية، حيث سلطوا جام ظلمهم على هؤلاء اليتامى من النساء، بحيث لا يؤتونهن ما كتب لهن ويتحكمون فيهن أيضًا وفي مصيرهن، لقوله: ﴿اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن مهر المرأة مفروض لها؛ لقوله: ﴿مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ﴾ [النساء ٤]، وعلى هذا فصاحب المهر هو المرأة، وليس ولي المرأة، ولو كان أباها، المهر إليها، تقديره عددًا وتعيينه جنسا، ولها أن تبرئ منه إذا كانت عاقلة رشيدة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجوز للإنسان أن يتزوج مَوْلِيَّتَه ؛ لأن هؤلاء اليتامى تحت ولاية هؤلاء الذين يرغبون أن ينكحوهن، وهو أحق الناس بتزويجها، فإذا أراد أن يتزوجها فهل نقول: إنه لا يجوز لأنه ولي يعامل نفسه لنفسه، كما لا يجوز للوكيل أن يشتري من ماله لموكله أو من مال موكله له؟ الجواب: لا، بمعنى أنه يجوز لولي اليتيمة إذا كانت تحل له أن يتزوجها، لكن عليه تقوى الله ألا يظلمها ولا يهضمها، ولكن كيف يعقد النكاح إذا كان هو الولي؟ يأتي بشاهدين، ويقول: أشهدكم أني زوجت نفسي ابنة عم بالولاية الشرعية، يقول: قبلت، ولًَّا ما يحتاج؟ ما يحتاج يقول: وأني قبلت ؛ لأن هذا إيجاب تضمن القبول، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لصفية: «إِنِّي أَعْتَقْتُكِ وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٧١)، ومسلم (١٣٦٥ / ٨٤) من حديث أنس، بلفظ: أن رسول الله ﷺ أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.]]، ولم يحتج إلى إيجاب ولا قبول لأن المعنى مفهوم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: العناية بالمستضعفين من الولدان ؛ لأن المستضعف من الولدان سواء كان لصغره أو لمرضه أو لجنونه أو لغير ذلك، من الأسباب التي صار فيها ضعيفا، العناية به لا شك أنها دليل على رحمة الإنسان، وقد قال النبي ﷺ: «ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[[أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤)، واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو.]]، وقال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ»[[أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو.]]، ولهذا من أكبر أسباب حصول الرحمة في القلب هو الإشفاق على الصغار والضحك إليهم وإدخال السرور عليهم؛ فإن الإنسان يجد رقة ورحمة في قلبه، لو بقي يدرس مجلدات لإيصال الرحمة إلى قلبه ما حصل له ذلك. وانظر إلى معاملة الرسول ﷺ للصغار، فمرة «ركبه الحسن وهو ساجد يصلي بالناس، وتأخر في القيام من السجود، وأخبر الناس بعد سلامه أن ابنه ارتحله، وأنه أحب أن يقضي نهمته»[[أخرجه النسائي (١١٤١) من حديث شداد بن الهاد.]]، ارتحله يعني جعله راحلة؛ لأنه رآه ساجدًا متهيئًا، والصبي صبي، ركب عليه جعله راحلة له، فأقره النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنه لو جاء أحد أئمة الناس اليوم جاء ابنه وركبه لنفضه نفضًا ما ينزله تنزيلًا -نسأل الله العافية- وهذا غلط. كذلك «أمامة بنت زينب كانت تبكي فخرج بها ﷺ إلى المسجد، وجعل يحملها في الصلاة»[[متفق عليه؛ البخاري (٥١٦)، ومسلم (٥٤٣ / ٤١) من حديث أبي قتادة الأنصاري.]]، «ولما خرج الحسن والحسين وعليهما ثياب يعثران بها نزل من المنبر وحملهما بين يديه»[[أخرجه أبو داود (١١٠٩)، والترمذي (٣٧٧٤)، والنسائي (١٤١٣)، وابن ماجه (٣٦٠٠) من حديث بريدة الأسلمي.]]، والأمثلة على هذا كثيرة، كان يقول: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٦١٢٩)، ومسلم (٢١٥٠ / ٣٠) من حديث أنس. ]]، يمازحه، يدخل السرور عليه، ولو أننا مشينا على هذه الآداب لحصل في هذا خير كثير، اللهم اهدنا. * من فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب القيام لليتامى بالقسط، وهذا أمر عام يجب على كل إنسان أن يقوم لله شهيدًا بالقسط، لكن اليتامى لهم أمر خاص يعدل بينهم؛ لأن اليتيم يتيم ليس له من يدافع عنه، وربما يأكله وليُّه من حيث لا يشعر، ولهذا أوصي بهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل ما عملناه من خير قليل أو كثير فإن الله يعلمه، ويترتب على هذه الفائدة: الحذر من الإخلال بالواجب؛ لأنه إذا كان يعلم الخير الذي نعمله فهو يعلم أيضًا ما لا نعمله من الخير. * وفيها أيضا، الآية الكريمة: الحث على الخير؛ لأنك إذا علمت أن الله يعلمه، وأنه سيجازيك عليه، نشطت وقويت همتك وفعلت.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب