الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ﴾.. * الشيخ: الوقف أولى هنا ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾. * الطالب: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧)﴾ [النساء ١٢٥ - ١٢٧]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، (مَن) هنا اسم استفهام، والمراد به النفي، وقد قلنا عدة مرات: إن النفي إذا جاء بصيغة الاستفهام كان أبلغ مما لو أتى بصيغة النفي الصريحة؛ وذلك لأنه إذا أتى بصيغة الاستفهام صار مُشْرَبًا معنى التحدي، أي كأن المتكلم يقول: ائتني بأحسن من كذا، ائتني بأظلم ممن افترى على الله كذبًا، وما أشبه ذلك. وقوله: ﴿دِينًا﴾ هنا منصوبة على التمييز؛ لأنها وقعت بعد اسم التفضيل. فإذا قال قائل: هي تمييز لأي شيء؟ قلنا: لكلمة ﴿أَحْسَنُ﴾؛ لأن ﴿أَحْسَنُ﴾ مبهمة لا ندري إلى شيء تضاف، فإذا جاءت بعدها كلمة منصوبة فهي مميِّزة لها مبيِّنة لها، والدين هنا بمعنى العمل، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الدين يُطلَق بمعنى الجزاء، مثل قول الله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤]، وبمعنى العمل كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦]، وكما في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة ٣]. إذن ﴿دِينًا﴾ أي: عملًا، فالعمل الذي يبتغي عاملُه بذلك مقابلةً يسمى دينًا. ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾، ﴿أَسْلَمَ﴾ الإسلام بمعنى الإخلاص، أي: فوَّض أمره إلى الله عز وجل، وهذا يعني الإخلاص في القصد. ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ جملة حالية من (مَن) في قوله: ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ﴾، والإحسان هنا: الموافقة للشريعة، فيكون في الآية هنا دليل على شَرْطَي العبادة، وهما: الإخلاص، والمتابعة، فالإخلاص في قوله: ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾، والمتابعة في قوله: ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾؛ لأن إحسان العمل هو موافقته الشريعة. ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾، هذه جملة معطوفة على ما سبق للتوكيد المعنوي؛ لأن مِلَّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي الإخلاص والقيام بالشريعة، فتكون هذه الجملة كأنها مؤكِّدة لما سبق ومتضمِّنة له. وقوله: ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ هو أبو الأنبياء؛ لأن الأنبياء من بعده كانوا من ذريته، وفيها قراءتان: ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ و﴿إِبْرَاهَامَ﴾ ، أي: إبدال الياء ألفًا، وإذا أبدلت الياء ألفًا لزم فتح الهاء. وقوله: ﴿حَنِيفًا﴾ يحتمل أن يكون حالًا من فاعل ﴿اتَّبَعَ﴾، وأن يكون حالًا من ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، أفهمتم؟ وأيهما أرجح؟ الأرجح الثاني؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل ١٢٣]، ومن المعلوم أنه إذا كان إبراهيم حنيفًا وأُمِرْنَا باتباع مِلَّته فإننا سوف نكون حنفاء. ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، الواو هنا استئنافية وليست عاطفة، فكأنه عز وجل استأنف ليبين مرتبة إبراهيم الذي أمرنا باتباعه؛ لأن الله اتخذه خليلًا، والخليل هو ذو المحبة الخالصة، وسُمِّي بذلك؛ لأن المحبة شملت جميع جسده حتى تخللت عروقه، وفي ذلك يقول الشاعر: ؎قَدْ تَخَلَّلْتِ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ∗∗∗ وَبِذَا سُمِّيَ الْخَلِيـــــــــــلُخَلِيــــــــــــــــــــلَا * في هذه الآية فوائد: أولًا: الحث على الإخلاص؛ لقوله: ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾. * ومنها: الحث على المتابعة؛ لقوله: ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾. * ومن فوائدها: أنه لا أحد أحسن دينًا ممن هذا وصفه، وعلى هذا فلو قال النصارى: إنهم أحسن دينًا من المسلمين، ماذا نقول؟ نقول: هذا كذب؛ لأنه فُقِد منهم الإخلاص والمتابعة جميعًا، فالنصارى معلوم أنهم يقولون بالتثليث، وهم أيضًا لم يتبعوا شريعة الله؛ حيث كفروا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث أُمِرْنَا باتباعه، وهذا يعني أنه إمام؛ ولهذا يطلِق عليه العلماء اسم أو لقب: إمام الحنفاء. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله اتخذ إبراهيم خليلًا، وهذه مَنْقَبَة له عظيمة؛ أن الله اتخذه خليلًا، وهل اتخذ غيره؟ نعم، وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا»[[سنن النسائي الكبرى (١١٠٥٨) من حديث جندب، وابن ماجه (١٤١) من حديث عبد الله بن عمرو.]]. * ومن فوائدها: الإشارة إلى أن الخلة أعلى رتبة من المحبة؛ لاختصاص إبراهيم بها ومحمد ﷺ، ولو كانت بمعناها أو في مرتبتها لكانت ثابتة لجميع من يستحق المحبة، ومن المعلوم أنه لا يصح أن تقول: إن الله اتخذ المؤمنين أخلَّاء؛ لأن الخلة خاصة، ومن ثم نعلم خطأ من يقول: إبراهيم الخليل ومحمد الحبيب؛ لأن هذا تنقُّص للرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيث أنزل مرتبته من الخلة إلى المحبة التي يشترك فيها حتى المؤمن المتقي المقسط الصابر. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أفعال الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، والاتخاذ حادث بعد وجود سببه، وهذه ما يعبِّر عنها أهل العلم بقيام الحوادث بالله عز وجل، أي: بأنه تبارك وتعالى يفعل ما يريد متى شاء، خلافًا لمن قالوا: إنه لا تقوم به الأفعال الاختيارية، وأنه لا يتجدد له فعل؛ لا كلام، ولا خلق، ولا غيره، ولا شك أن هذا قول باطل، ومضمونه نقص الله عز وجل؛ حيث لا يفعل ما يشاء متى شاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب