الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء ١٢٢].
مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن القرآن الكريم كان مثاني تُثَنَّى فيه المعاني، فإذا جاء الوعيد جاء الوعد، وإذا جاء ذكر النار جاء ذكر الجنة، وإذا جاء ذكر المؤمنين جاء ذكر الكافرين، وهلم جرَّا، وذلك من أجل أن لا يكون الإنسان خائفًا دائمًا فيستولي عليه اليأس، ولا راجيًا دائمًا فيستولي عليه الأمن من مكر الله، بل يكون بين هذا وهذا.
وقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، لا يكفي الإيمان، لا بد من إيمان وعمل، فبماذا آمنوا؟ آمنوا بكل ما يجب به الإيمان من أمور الغيب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصول ذلك في حديث جبريل؛ حيث قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب. ]].
وأما قوله: ﴿عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فالمراد بالصالحات: الأعمال؛ ولهذا قال النحويون: إن (الصالحات) صفة لموصوف محذوف، والتقدير: الأعمال الصالحات، وحذف الموصوف كثير في اللغة وفي القرآن أيضًا، كما في قوله تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ ١١] أي: دروعًا سابغات.
فما هي الأعمال الصالحات؟ الأعمال الصالحات ما كان خالصًا صوابًا، فالخالص هو الخالص لله الذي ليس فيه شرك لأحد، والصواب هو الذي كان على شريعة الله، وبهذا ينتفي الإشراك، وتنتفي البدعة، الإشراك بماذا ينتفي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: بالإخلاص، والبدعة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: بالمتابعة، ولا يمكن أن تتحقق المتابعة إلا إذا وافقت الشرع في أمور ستة، وهي: السبب، والجنس، والقدْر، والهيئة، والزمان، والمكان، إذا وافق العملُ الشرعَ في هذه الأمور الستة تحققت فيه المتابعة، وإن اختل واحد منها فلا متابعة.
أولًا: السبب، فلو أن الإنسان تعبَّد لله تعالى عبادة مقرونة بسبب لم يجعله الله سببًا فلا متابعة، ومن ذلك ما يحدث في مولد النبي عليه الصلاة والسلام من الصلاة عليه والأذكار وغير ذلك، حتى وإن كانت مباحة، فإنها ليست موافقة للشرع، لماذا؟ لأن مرور الوقت الذي وُلِدَ فيه ليس سببًا لإحداث هذه العبادة.
كذلك أيضًا يوجد بعض الناس إذا تجشَّأ، إذا تجشَّأ قال: الحمد لله، أتعرفون التجشي؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: واضح، قال: الحمد لله، هذا لا يصح؛ لأن التجشي ليس سببًا للحمد، وإلا لكان خروج الريح من الدبر سببًا للحمد، ولا قائل به حتى العوام، إذن نقول: هذا يعتبر غير مُتَّبَع فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.
بعض الناس إذا أعطيته البخور قال: اللهم صلِّ على محمد، فجعل تبخره سببًا للصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقول: هذا ليس فيه اتباع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتطيب، ولم يُنقل عنه أنه كلما تطيب صلى على النبي.
ومن ذلك أيضًا إذا تثاءب، فإن بعض الناس إذا تثاءب يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا ليس له أصل وليس من الشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دلَّنا على ما نفعله فيما إذا حصل التثاؤب: بأن يكظم الإنسان ما استطاع، فإن لم يستطع فإنه يضع يده على فيه[[متفق عليه؛ البخاري (٦٢٢٦) ومسلم (٢٩٩٤ / ٥٦) من حديث أبي هريرة. ]]، هذا واحد.
ثانيًا: أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها، فلو تعبد لله تعالى بشيء لم يتعبد الله عبادَه بجنسه، فإنه لا يُقبل ولا يكون من الشرع، مثاله أن يضحِّي بفرس، الفرس حلال، فلو ضحَّى به لم تُقبل أضحيته، لأيش؟ لأنه مخالف للشرع في جنسه؛ إذ إن الأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام.
الثالث: في قدرها، فلو أنه صلَّى خمسًا في رباعية، أو أربعًا في ثلاثية، أو ثلاثًا في ثنائية لم تصحّ عبادته؛ لأنه زاد على القدر المشروع، وكذلك لو توضأ أربع مرات، فإن هذه الزيادة لا يؤجر عليها؛ لأنه زاد عن الأمر المشروع، وكذلك لو طاف ثمانية أشواط، فالزائد ليس من الشرع، فلا يثاب عليه.
الرابع: هيئته، بأن تكون على الهيئة التي وردت، فلو أن الإنسان صلى فسجد قبل أن يركع، هو أتى بالركوع لكن بعد السجود، لم تُقبل؛ لمخالفتها الشرع في هيئته.
وكذلك لو توضأ مُنَكِّسًا؛ فبدأ بغسل الرجل، ثم مسح الرأس، ثم غسل اليدين إلى المرفقين، ثم غسل الوجه، فإن هذا الوضوء لا يصح.
الخامس: الزمان، فلو أن الإنسان صلَّى قبل الوقت بدقيقة واحدة فصلاته غير صحيحة؛ لأنها لم تكن في الوقت الذي عيَّنه الشرع، ولو ضحَّى الإنسان -أي ذبح أضحيته- في اليوم التاسع من ذي الحجة، لم تُقبل؛ لأنها في غير الزمن الذي عيَّنه الشرع.
السادس: في مكانها، فلو اعتكف في بيته بدلًا عن المسجد لم يُقبل اعتكافه؛ لأنه على غير الوجه المشروع.
إذن العمل الصالح هو الذي تُوبِع فيه النبي ﷺ، ولا تتحقق المتابعة حتى تكون العبادة على وجه الشرع في أمور ستة.
وقوله: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ﴾، الجملة هذه خبر المبتدأ؛ خبر ﴿الَّذِينَ﴾، والسين فيها للتحقيق والتقريب، أما التحقيق فلا إشكال، وأما التقريب -وإن كان بعيدًا- فإنه لتحقق وقوعه يكون كالقريب؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل ١]، فعبَّر بالماضي عن المستقبل، وذلك لتحقق وقوعه؛ لأنه قد يورد إنسان علينا إيرادًا فيقول: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾ إذا قلت: إن السين للتحقيق والتقريب، فالإنسان ربما يبقى في الدنيا ثمانين سنة قبل أن يموت؟ نقول: المحقَّق كالقريب، على أن المستقبل قريب مهما بعد، المستقبل لا شك أنه قريب مهما بعد، والماضي؟ بعيد مهما قرب.
﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، ﴿جَنَّاتٍ﴾ وأحيانًا يأتي التعبير (جنة) مفرد، ولا منافاة؛ فهي جنة باعتبار الجنس، وجنات باعتبار الأنواع، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٧٨)، ومسلم (١٨٠ / ٢٩٦) من حديث أبي موسى الأشعري.]]، فما هي الجنة؟ يقول بعض الناس: الجنة هي البستان الملتَفَّة أشجارها الكثيرة، وإذا عرَّفناها بهذا التعريف ربما تقلِّل من قيمتها أمام العامة خاصة، فنقول: الجنات هي الدار العظيمة التي أعدَّها الله تعالى للمتقين التي «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٧٨٠)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة. ]].
وقوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾، ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ يعني: من تحت أرضها؟ لا، بل من فوق الأرض، لكنها من تحت القصور والأشجار، والماء المطرد، النهر المطرد من تحت الأشجار والقصور يكون له منظر جميل جذَّاب، جعلنا الله وإياكم من أهلها بمنِّه وكرمه.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (١٢٢) لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ [النساء ١٢٢ - ١٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما ذكر الله سبحانه وتعالى وعيد المخالفين من الكفار والمنافقين، وأن مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصًا، ذكر ثواب المؤمنين، فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ﴾، وقد تقدم الكلام على هذه الجملة وعلى قوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، هذا جزاء المتقين الذين قاموا بالإيمان والعمل الصالح.
ثم قال عز وجل: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾، ﴿وَعْدَ﴾ هذه مصدر عاملها مضمون الجملة السابق، فهو مصدر مؤكِّد لمضمون الجملة؛ ولهذا لا يصح أن يُذكر معه العامل -أي عامل المصدر-؛ لأنه إذا ذُكِر معه عامل المصدر بقي التوكيد لهذا العامل لا للجملة، والمقصود هو تأكيد الجملة، أي أن هذا الخبر من الله عز وجل وعد ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾.
وقوله: ﴿حَقًّا﴾ قيل: إنه مصدر مؤكِّد للمصدر قبله، أي: أن هذا الوعد حق، وقيل: إنه مصدر لفعل محذوف، والتقدير: أحق ذلك حقًّا، والحق هو الشيء الثابت، وضده الباطل، وهو الزائل الضائع سُدى، وأما الحق فهو ثابت وليس بضائع، بل هو مقصود بذاته، وله ثمراته العظيمة.
﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾، (من) اسم استفهام، لكنه مُشْرَب معنى النفي، فهو أبلغ من الاستفهام المجرَّد، وأبلغ من النفي المجرَّد، وقد ذكرنا فيما سبق أنه إذا أُشْرِب الاستفهام معنى النفي فإنه يكون أيش؟
* طالب: للتحدي.
* الشيخ: نعم، مُشْرَبًا معنى التحدي، أي: إن كنت تزعم أن أحدًا أصدق من الله قيلًا فأت به.
وقوله: ﴿مَنْ أَصْدَقُ﴾، (أصدق) اسم تفضيل مأخوذ من الصدق، والصدق هو الإخبار بما يوافق الواقع، وضده الكذب؛ وهو الإخبار بما يخالف الواقع.
وقوله: ﴿قِيلًا﴾ بمعنى: قولًا، وهو تمييز واقع بعد اسم التفضيل، كقوله تعالى: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف ٣٤].
* ففي هذه الآية الكريمة: بيان جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
* وفيها من الفوائد: أن الإيمان وحده لا يكفي، بل لا بد من عمل، وأن العمل وحده لا يكفي، بل لا بد من إيمان، فلا يستحق الجنة إلا من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، وإذا ذُكِر ثواب الجنة مقيَّدًا أو معلَّقًا بالإيمان وحده فالمراد بذلك الإيمان المتضمن للعمل الصالح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العمل لا ينفع صاحبه إلا إذا كان صالحًا، وقد عرفتم ما هو الصالح؛ هو الخالص الصواب، أي: ما ابتُغِيَ به وجه الله، وكان على شريعة الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن نشهد لكل مؤمن عامل للصالحات بأنه يدخل الجنة؛ لقوله تعالى: ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾، ثم قال: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾، وهذا على سبيل العموم، فإننا نشهد لكل مؤمن عامل للصالحات أنه سيدخل الجنة.
لكن هل نطبق الشهادة هذه على جميع أفراد العموم، بمعنى أن نخص واحدًا بعينه؟ الجواب: لا، إلا من شهد الله له بذلك، أو شهد له رسوله ﷺ، أو أجمعت عليه الأمة، هذه ثلاثة:
الأول: من أخبر الله عنه بأنه من أهل الجنة.
والثاني: من أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام.
والثالث: من أجمعت الأمة عليه، أي: على الثناء عليه، وأنه من أهل الخير وأهل الحق.
فمن الأول أبو بكر رضي الله عنه؛ فإن قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل ١٤ - ٢١]، فإن أكثر المفسرين يقولون: هذه نزلت في أبي بكر، وعلى هذا فتكون الآية دالة على الشهادة، دالة على الإخبار بأنه رضي الله عنه سيُجَنَّب النارَ، وإذا جُنِّبَ النار فسيكون من أهل الجنة؛ لأنه ليس هناك إلا داران.
وأما من شهد له النبي ﷺ بالجنة فكثير، فمثلًا زوجات الرسول كلهن في الجنة؛ لأن زوجاته في الدنيا هن زوجاته في الآخرة، ومن ذلك أيضًا العشرة المبشَّرون بالجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وسعد بن أبي وقاص، إلى آخره، ومنهم ثابت بن قيس بن شماس؛ فقد شهد له النبي ﷺ بالجنة، ومنهم بلال شهد له النبي ﷺ بالجنة، ومنهم عكاشة بن محصن شهد له النبي ﷺ بالجنة، والأمثلة على هذا كثيرة.
وأما ما أجمعت الأمة عليه، فدليله «أنَّ النبي ﷺ مَرَّت بِهِ جنازَةٌ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مَرَتْ بِهِ أُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ»، قَالُوا: مَا وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩ / ٦٠) من حديث أنس بن مالك. ]].
ولكن من كان ظاهره الإيمان والعمل الصالح نقول: إن من آمن وعمل صالحًا فهو من أهل الجنة، ولا نقول: هذا بعينه؛ لأننا لا نعلم ماذا يُختم له -نسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير- لا يدري، فهذا الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزاة، وكان بطلًا شجاعًا مقدامًا، لا يدع للعدو شاذَّة ولا فاذَّة، «فقال النبي ﷺ: «هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، وهو مجاهد، جاهد، «فعظم ذلك على الصحابة وشقَّ عليهم، فقال رجل من الصحابة: لألزَمَنَّه،» يعني: ألازمه حتى أنظر ماذا تكون خاتمته، «فلزمه، فأصاب هذا الرجل سهم من العدو، فجزع جزعًا شديدًا، فسلت سيفه ثم وضع ذؤابته على صدره واتكأ عليه حتى طلع مع ظهره –والعياذ بالله- ومات، فجاء الرجل الذي لزمه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وَبِمَ؟»، قال: إن الرجل الذي قلت: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، حصل عليه كيت وكيت، فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ -فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ- وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٩٨)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد.]] -نعوذ بالله-؛ لهذا لا يجوز أن نشهد لشخص بأنه في الجنة وإن كنا نرى أن أعماله عمل أهل الجنة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يقول، والقول هو لفظ مسموع، فيكون الله سبحانه وتعالى يقول قولًا حقيقيًّا، وهل هو مسموع؟ الجواب: نعم، وإلا لما كان قولًا؛ لأن القول الذي هو قول النفس لا بد أن يقيَّد، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨]، وأما إذا أطلق فالمراد به القول المسموع، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الله تعالى يقول قولًا مسموعًا، وأنه بصوت، وأنه بحرف، وهذا لا يتضمن أي نقص ولا مماثلة، بل هو كمال، وهناك مذاهب ذكرها ابن القيم -راجعوها في مختصر الصواعق المرسلة- بلغت ثمانية أقوال، ثمانية مذاهب في كلام الله عز وجل، المشهور منها مذهب الأشاعرة : أن كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وأما ما يُسمع فهو أصوات مخلوقة خلقها الله عز وجل لتعبر عما في نفسه.
وقالت الجهمية: بل كلام الله مخلوق، وإضافته إلى الله تعالى من باب التشريف، وليس من باب الوصف، فقالوا: إن كلام الله كغيره من المخلوقات، فأيهم خالف السنة؟ كلاهما خالف السنة، والأشاعرة أبعد عن السنة من المعتزلة؛ لأن الجميع اتفقوا على أن ما يُسمع فهو مخلوق، لكن المعتزلة قالوا: هو كلام الله، والأشاعرة قالوا: ليس كلام الله، بل هو عبارة عن كلام الله، وكلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وعلى كلامهم يكون الكلام بمعنى العلم تمامًا، وهذا كله باطل.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: وصف كلام الله تعالى بالصدق، وصف كلامه وقوله بالصدق؛ لقوله: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾، وهل يمكن أن يوصف بالكذب؟ كلا واللهِ لا يمكن.
فإن قال قائل: أليس أهل البلاغة يقولون: إن الخبر هو ما احتمل الصدق والكذب؟ قلنا: بلى، لكنهم يقيِّدون ذلك فيقولون: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، أي: بقطع النظر عن قائله، فإن من القول ما يُقطع بكذبه، ومن القول ما يُقطع بصدقه، ولا يحتمل هذا ولا هذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يصح أن نضع اسم التفضيل بين صفات الله تعالى وصفات الخلق، فنقول: كلام الله أصدق الكلام، علم الله أيش؟ أوسع العلوم، والله تعالى أعلم من غيره.
وقد ظن بعض الناس أنك إذا قرنت الوصف باسم التفضيل فإنك قد مثَّلت الله، حتى ذهبوا يفسرون قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، وقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الإسراء ٥٥]، يفسرونها بأنه عالم، فيقولون: ﴿أَعْلَمُ﴾ أي: عالم، وسبحان الله! فرُّوا من النقص، ولكنهم وقعوا في أنقص منه؛ لأن اسم التفضيل يدل على علُوّ صفات الله، وأنها أعلى الصفات، وليس فيها نقص بوجه من الوجوه.
﴿أَعْلَمُ﴾ هم يقولون: عالم، وإذا قلت: عالم، لم يمنع المشاركة والمساواة، أليس كذلك؟ فإنك تقول: عمرو عالم، وزيد عالم، ومحمد عالم، وبكر عالم، فيستوون، لكن هذا كله يُؤتَى الإنسان من حيث يكون عنده عقيدة، فيحاول أن يصرف النصوص إليها فيقع في الزيغ، نسأل الله العافية.
إذن (أعلم) في أسماء الله وصفاته أيش؟ على بابها، (أعلم) على بابها، حتى إن الله تعالى قال: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩]، كلٌّ يقول الجواب: الله خير، حتى المشركون مع أصنامهم يقولون: إن الله خير، «ذكر أن النبي ﷺ سأل حصينًا أبا عمران بن حصين، قال له: «كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ؟»، قال: ستة: خمسة في الأرض، وواحد في السماء، قال: «مَنْ تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟»، قال: الذي في السماء»[[أخرجه الترمذي (٣٤٨٣) من حديث عمران بن حصين. ]]. كيف تعبد الآخرين؟ فهم يقرُّون بأن الله تعالى فوق كل شيء، حتى المشركون يقرون بذلك.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣰّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق