الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)﴾ [النساء ١١١-١١٣]. * الشيخ: أحسنت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا﴾. يقول جل وعلا: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ هذه الجملة الشرطية، فعل الشرط فيها ﴿يَكْسِبْ﴾، وجواب الشرط فيها ﴿فَإِنَّمَا﴾، والسؤال هنا: لماذا اقترنت الفاء بالجواب؟ * طالب: لأنها جملة فعلية مقترنة بـ(قد)؟ * الشيخ: كيف؟ * الطالب: فقد. * الشيخ: لا. * طالب: الجواب اقترن بـ(إنما) جملة فعلية سُبِقَت بـ(إنما). * الشيخ: طيب. * طالب: جملة اسمية. * الشيخ: كيف جملة اسمية؟ * الطالب: إذا كانت (إن) (...). * الشيخ: لكن الجملة الآن اسمية ولَّا فعلية؟ إن هذه أداة حصر، ويكسب؟ * الطالب: فعلية. * الشيخ: الجواب: فعليّة. * طالب: أقول: لأنه يعني في الجملة هنا سُبِق الجواب.. سُبِق يعني الفاء بالذي. * الشيخ: وأين الفاء..؟ * الطالب: ﴿فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾. * الشيخ: لا. * الطالب: إلا أن جملة جواب الشرط بالفاء، إنما يكسب. * الشيخ: الجواب أن يُقال: إن هذه تشبه الجملة الاسمية؛ لاقترانها بـ (إنما)، وأصل (إنما): (إن) حرف توكيد دخلت عليه (ما) الكافة فصار (إنما). وقوله: ﴿إِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ يعني: لا، على غيره، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. ففي هذه الآية يخبر الله عز وجل أن من اكتسب إثمًا فإنه لا يضر إلا نفسه، لماذا؟ لأنه يكسبه على نفسه لا على غيره. وقوله: ﴿إِثْمًا﴾ نكرة في سياق الشرط فتعمّ جميع الآثام؛ الكبائر والصغائر، وتعمّ الآثام المباشرة والآثام السببية؛ لأن الإنسان قد يُباشر الإثم بنفسه، وقد يكون دالًّا عليه أو معينًا عليه فيكون بذلك إثمًا. وقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ سبق لنا أن مثل هذا التعبير لا يدل على الحدوث، وأن الله كان عليمًا حكيمًا فيما سبق، وإنما الفعل هنا مسلوب أيش؟ الزمان، والمقصود به تحقيق تسميته بهذين الاسمين واتصافه بما دلَّا عليه. في الآية الكريمة قرر الله -عز وجل- أن الإنسان إذا كسب إثمًا فإنما يكسبه على نفسه؛ لأن هذه الآيات -كما مر علينا فيما سبق- نزلت في قصة الرجل الذي سرق درعًا، ثم رمى به يهوديًّا، فأرادوا أن يتهموا هذا اليهودي، وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتبيّن براءة اليهودي، فيقول عز وجل: إذا كسب الإنسان إثمًا فإنما يكسبه على نفسه. * فيستفاد من ذلك فوائد؛ الأولى: أن الإنسان إذا كسب الإثم فإنما يكسبه على نفسه، ولا يحمله عنه غيره، ويؤكد هذا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام ١٦٤]. فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي ﷺ أَنَّ «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]؟ الجواب: بلى، إذن كيف يكون عليه وِزر من عمل بها وهو لم يباشِر العمل؟ نقول: لأنه هو الذي سنّ هذه البدعة السيئة، ولهذا ما قُتِلَت نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول منها كفل؛ لأنه أول من سنّ القتل، وعلى هذا فيقال: إن الذي سن البدعة واتبعه الناس عليها فإن سَنَّه إياها من عمله. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى لا يظلم أحدًا فيحمّل غيره إثمه إلا بحق، وقد سبق مرارًا أن مَن ظلم الناس فإن الناس يأخذون من حسناته حتى تفنى، ثم يؤخذ من سيئاتهم فيُطرح عليه ويُطرح في النار، وهذا ليس تحميلًا للغير إثم غيره، ولكنه من باب المقاصّة والمجازاة، فإذا لم يكن عند هذا حسنات ترد مظلمة الآخرين فإنه يؤخذ من سيئاتهم ويُطرح عليه، ويطرح في النار. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين من أسماء الله: العليم والحكيم؛ لقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾. * ومن فوائد هذه الآية: إثبات ما تضمنه هذان الاسمان من صفات الله؛ فالعليم تضمنت العلم، والحكيم تضمنت الحكمة والحُكم؛ لأنه مر علينا أن الحكيم مشتقة من (الحُكم) و(الإحكام) الذي هو الحكمة، ولا حاجة إلى أن نعيد أن الحكمة أربع حالات؛ لأنه سبق، والتكرار يأخذ يعني الوقت. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من علم الله وحكمته أن مَن كسب إثمًا فإنما يكسبه على نفسه، فإن ذلك من الحكمة البالغة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب