الباحث القرآني

ثم قال: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [النساء ١٠٩]، (ها) للتنبيه، و(أن) مبتدأ، و﴿هَؤُلَاءِ﴾ إما منادى محذوف الأداة، والتقدير: يا هؤلاء، وعليه فيكون قوله: ﴿جَادَلْتُمْ﴾ هو خبر المبتدأ، وإما أن تكون ﴿هَؤُلَاءِ﴾ هي الخبر ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾، وتكون الجملة ﴿جَادَلْتُمْ﴾ في محل نصب على الحال، أي: ها أنتم مجادلين عنهم في الحياة الدنيا، والإشارة في قوله: ﴿هَا أَنْتُمْ﴾ الإشارة إلى قوم الرجل الذي سرق درعًا واتهم به رجلًا من اليهود كما ذكرناه في تفسير الآيات. ﴿جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ﴾ وهم قد جادلوا عن رجل واحد، لكن هذا الجدال عن الرجل الواحد هو حقيقة جدال عن الجميع؛ لأن وصم السرقة لرجل من القبيلة هو وصم لجميع القبيلة؛ إذ يُعَيَّرُون بذلك، فيقال: منكم السُّرَّاق كفلان مثلًا، ولهذا قال: ﴿جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ﴾، والمجادلة إنما كانت عن شخص واحد، ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، وقد يكون الجدل فيه الغلبة ولو بالباطل في الحياة الدنيا؛ لأنه قد يجادل الإنسان بالباطل ويأتي بكلام فصيح بيِّن يلبِّس به الحق بالباطل وينجح. لكن ﴿فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، و(مَن) هنا استفهام بمعنى النفي، أي: لا أحد يجادل الله عنهم يوم القيامة، والاستفهام إذا جاء في موضع النفي فإنه يكون أبلغ من النفي المجرد، وذلك لأنه يكون نفيًا مُشْرَبًا بالتحدي، كأن القائل يقول: إذا كان هذا الأمر ممكنًا فأتني به، فلهذا مجيء الاستفهام في موضع النفي يكون أشد في النفي؛ لأنه مُشْرَب معنى التحدي، ﴿فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؟ والجواب: لا أحد، ولا يستطيع أحد أن يجادل عنهم، وذلك لأنه لو فرضنا أن أحدًا جادل شهدت عليه جوارحه، ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور ٢٤]، ﴿أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾، أي: ذا وكالة وولاية يدافع ويمنع وينصر؟ والجواب: لا أحد. * في هذه الآية الكريمة فوائد: * منها: أن المجادلة والمخاصمة في الباطل إن نفعت في الدنيا فلن تنفع في الآخرة، تؤخذ؟ * طالب: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾.. * الشيخ: ﴿فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الناس قد يتناصرون بالباطل؛ لأن هؤلاء القوم جادلوا بالباطل وهم يعلمون أن صاحبهم سرق؛ لقوله: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. * ومن فوائدها: تحريم المحاماة إذا علم المحامي أن صاحبه مُبْطِل، وجه ذلك أن الله أنكر على هؤلاء أن يجادلوا عن صاحبهم، أما إذا كان المحامي يريد أن يدافع عن الحق لإثباته فهذا جائز، بل قد يكون واجبًا، كما لو وكلك شخص لا يعرف ولا يكاد يُبِين أن تدافع عنه فهذا لا بأس به. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر وهو يوم القيامة؛ لقوله: ﴿فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن المجادلة يوم القيامة بالباطل لا تنفع، وصاحبها مخصوم، ومن ثم يجب الحذر مما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي أن الله قال: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»[[أخرجه البخاري (٢٢٢٧) من حديث أبي هريرة.]]، فإننا نعلم أن من كان الله خصمه فهو مخصوم بكل حال. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء، وأن من حاول أن يخفي عن الله شيئًا فإنه قد ظن بربه ظن السوء، ومع ذلك لن ينفعه هذا الظن؛ لقوله: ﴿فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب