الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء ١٠٨]، ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ﴾ من هم؟ هؤلاء الذين سرقوا، ولكنهم وضعوا السرقة في بيت آخر خوفًا من العار الذي يلحقهم بالسرقة، فهم يستخفون من الناس أن يوصَفُوا بالسُّرَّاق، لكنهم لا يستخفون من الله، وأيهما أحق أن يُسْتَخْفَى منه؟ الله عز وجل هو الأحق أن يُسْتَحْيَا منه، وأن يُخاف منه عز وجل، أما الناس فإنهم لا يضرونك ما دام الذي بينك وبين ربك سليمًا. وقوله: ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، قوله: ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ الجملة هنا حال، حال من أين؟ من (الواو) في ﴿يَسْتَخْفُونَ﴾ ولّا ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؟ من لفظ الجلالة أقرب، يعني: ولا يستخفون من الله والحال أنه معهم. وقوله: ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ المعيَّة يعني المصاحبة، لكن معية كل شيء بحسبه، والأصل في معنى هذه الكلمة هي المصاحبة، لكنها تختلف ويختلف مقتضاها بحسب ما تضاف إليه، فيقال مثلًا: المرأة مع زوجها، ويقال: القائد مع جنوده، ويقال: المتاع مع حامله، ويقال: القمر معنا، ويقال أشياء كثيرة تختلف فيها المعية من موضع إلى آخر، لكن يجمع هذه المعاني كلها المصاحبة، مطلق المصاحبة، وتختلف مقتضياتها بحسب ما تضاف إليه؛ فالله تعالى مع هؤلاء الذين بيَّتوا ما لا يرضى من القول، و﴿مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل ١٢٨] والمعيَّتان تختلفان بحسب مقتضاهما ولوازمهما، والله تعالى مع محمد عليه الصلاة والسلام في الغار، ومع موسى وهارون في الرسالة، وتختلف هذه المعية عن معيته مع المؤمنين والمتقين وما أشبه ذلك بحسب ما تضاف إليه. فما الذي تستلزمه هذه المعية في هذه الآية؟ التهديد، تستلزم التهديد بالإضافة إلى الإحاطة؛ لأن المعاني الخاصة بالإضافة إلى المعنى العام وهو الإحاطة التامة بالخلق، ثم هل هذه المعية حقيقة أو المراد بذلك لازمها؟ الصواب أن المراد بها المعية الحقيقية، وأنه سبحانه وتعالى معنا لكنه في السماء، ولا منافاة بين المعنيين، لا منافاة لثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن الله تعالى جمع بين هذين المعنيين في القرآن، بل في آية واحدة: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد ٤]، مع أنه ذكر أنه مستوٍ على العرش، ولا يمكن أن يجمع الله لنفسه بين وصفين متناقضين أبدًا. الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلوّ والمعية، فإن هذا ثابت في المخلوق فيما تقوله العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا، مع أن القمر من أصغر الأجرام السماوية، ومع ذلك هو مع المسافر وغير المسافر، وهو في السماء، فإذا جاز اجتماعهما -أعني اجتماع حقيقة المعية والعلوّ- في حق المخلوق، فالاجتماع في حق الخالق من باب أولى. والوجه الثالث: أنه لو فُرِض امتناع اجتماعهما في حق المخلوق فإنه لا يقتضي انتفاء اجتماعهما في حق الخالق؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فإذا كانت السماوات السبع والأرضون السبع في يده جل وعلا كخردلة في يد أحدنا، فهل يمكن أن يُقاس بالخلق؟ لا يمكن. إذن فنحن نؤمن بأن الله تعالى معنا حقيقة، وهو في السماء يعلم ما في قلوبنا، ويسمع ما نقول، ويرى ما نفعل، وله السلطة التامة علينا والقدرة التامة، وهذه كلها من مقتضيات المعية، وقد فسرها السلف أو كثير منهم بهذه المقتضيات، فقالوا: معنا بعلمه، وهذا لا ينافي أن يكون المراد به الحقيقة؛ لأنهم يفسرونها أحيانًا باللازم، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة التفسير؛ أن التفاسير الواردة عن السلف قد يكون التفسير للازم لا لانتفاء المعنى الحقيقي. * من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء بيَّتوا ما لا يرضى من القول، يعني صاغوه واجتمعوا عليه، متى؟ ليلًا؛ لأن البَيَات لا يكون إلا بالليل، ولهذا في بعض الرواة أنهم جاؤوا للرسول ﷺ في الليل بعد أن طبخوا ما طبخوا من آرائهم، جاؤوا إلى الرسول ﷺ. * يستفاد من ذلك: شدة اختفاء هؤلاء، وأنهم لا يحبون أن يطَّلع أحد عليهم، هل يؤخذ منه أننا إذا أردنا أن نخفي شيئًا نصنعه في الليل؟ نعم، ربما يؤخذ منه، ولهذا في المثل السائر: أَمْرٌ قُضِيَ بليل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الرضا لله عز وجل؛ لقوله: ﴿مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، وجهه؟ أن نفي الرضا عن هؤلاء يدل على ثبوته لغيرهم؛ إذ لو كان منتفيًا عن الجميع ما حسُن أن يُنفى عن هؤلاء، فما هو الرضا؟ الرضا الثابت لله رضًا حقيقيًّا، وليس كناية عن إثابتهم، كما قاله أهل التحريف، بل هو رضًا اتصف الله به حقيقة، لكنه ليس كرضانا، بل هو رضا أعظم وأجلَّ، ولا يمكن أن نحيط به. وهل أثبت الله لنفسه الرضا؟ يعني هل ذكره لنفسه وأضافه لنفسه على وجه الإثبات؟ نعم، مثل: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة ١١٩]، والله تعالى يرضى من الأقوال والأفعال والأشخاص، يعني أن متعلَّق رضاه يكون إما بالأعمال، وإما بالأقوال، وإما بالأشخاص، لكن رضاه عن الأشخاص إنما هو لأفعالهم وأقوالهم التي ترضي الله عز وجل. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إحاطة الله تعالى بكل شيء؛ لقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾. فإن قال قائل: قُدِّم المتعلِّق على المتعلَّق، وهذا يفيد الاختصاص؟ فالجواب على ذلك: ما أشرنا إليه سابقًا بأن تقديم ذلك لا يعني الاختصاص، لكن يعني شدة الوعيد وتعلق الحكم بهذا المقدَّم، يعني كأن الله تعالى يقول: لو لم يكن عالِمًا بشيء لكان عالِمًا بعمله، فيستفاد منه –يعني: فالمقصود من ذلك- شدة وعيد هؤلاء، وأنه لا يمكن أن يخفى عن الله عز وجل. * طالب: بارك الله فيك، صيغة المبالغة هل تأتي كما قلنا في موضوعنا تأتي للنسبة؟ * الشيخ: نعم. * الطالب: هل هذا دائم ولّا بالقرائن؟ * الشيخ: لا لا، بالقرائن هي الأصل أنها للمبالغة، الأصل أنها للمبالغة وهي كثرة الفعل، هذا الأصل. * الطالب: زوَّارات القبور، كيف يؤتى بها، في الشرح قلنا: إنها للنسبة ولّا أُلحقت؟ * الشيخ: نعم؛ لأن فيها (...). * طالب: قلنا: إن الرسول ﷺ الصحيح أنه يقع منه ذلك، لكن..؟ * الشيخ: لا يُقَرّ عليه. * الطالب: لا يقر عليه، لكن بالنسبة للذي يضادّ الرسالة فإنه لا يحصل منه. * الشيخ: إي نعم. * الطالب: مثل أيش؟ * الشيخ: مثل الكذب، لا يمكن أن يكذب، ولا يمكن أن يخون، إحنا ذكرنا هذا، ما ذكرناه لكم؟ * الطلبة: لا. * الطالب: الكبائر لا يمكن أن تصدر منه؟ * الشيخ: موسى عليه الصلاة والسلام قتل نفسًا بغير حق، المهم كل ما يناقض الرسالة هذا ممتنع، أما الرسول عليه الصلاة والسلام ما نعلم أنه فعل شيئًا من الكبائر، فعل أمورًا اجتهادية تعجَّل فيها مثل إذنه للمنافقين، تحريم ما أحلَّه الله له، وأشد شيء ما حصل منه في قضية زيد بن حارثة. * طالب: هل المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم من الكبائر؟ * الشيخ: كيف؟ * الطالب: المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم من الكبائر؟ * الشيخ: ما تقولون؟ المجادلة عن الذين يختانون أنفسهم هل هى من الكبائر؟ * الطلبة: لا، ليست من الكبائر. * الشيخ: أنا عندي في هذا شك، يعني من أعان شخصًا على كبيرة ولم يشاركه فيها فالإنسان يتوقف في أن يكون فعله من الكبائر، قد يقول: إنه من الكبائر؛ لأن الرسول ﷺ «لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه وكاتبه، وقال: «هُمْ سَوَاءٌ»[[أخرجه مسلم (١٥٩٨ / ١٠٦) من حديث جابر.]]، وقد يقال: إنه لا يمكن أن يكون مثل فاعل الكبيرة؛ لأنه لم يباشر الذنب، وإنما أعان عليه، فهو على خطر، في رأيي أنه على خطر. * طالب: عفا الله عنك، قوله: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، هل يدل هذا على أن الخيانة أعظم ذنبًا من السرقة؛ لأن السرقة فعل، وما علَّق عليها الله عز وجل (...) الكلام كله على الخيانة، هل يقال هذا؟ * الشيخ: لأن هذه أشد بالنسبة للاستخفاف بالله عز وجل وبالرسول عليه الصلاة والسلام، وسيأتي إن شاء الله أنهم همُّوا أن يُضِلُّوا الرسول عليه الصلاة والسلام. * طالب: شيخ، بارك الله فيكم، في قوله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾، هل نقول: إن هذا عام؛ كل من عمل ذنبًا يكون استخفى من الناس في هذا الفعل ولا يستخفي من الله عز وجل؟ * الشيخ: إي، ما فيه شك إن هذا لهم ولغيرهم، كل إنسان يكون المخلوق عنده أشد من الخالق فيستخفي من المخلوق ولا يستخفي من الله لا شك إنه فيه شبه من هؤلاء. * طالب: بالنسبة لحكم هؤلاء الناس الذين قالوا: إن المعاصي (...)، ولكن في بعض الأحيان يكون الإنسان متوكلًا على الله ولكن يقع في قلبه خوف من إنسان ظالم يمكن أن يقع بسببه ضرر على الإنسان. * الشيخ: لا، هذا ما هو من هذه الناحية، لكن الإنسان مثلًا يريد أن يفعل ذنبًا فيكتمه عن الناس، ولا يكتمه عن الله. * الطالب: القول الثاني ينافي حقيقة التوكل؟ * الشيخ: أيهم. * الطالب: إن الإنسان ربما أتاه رجل ظالم يبطش به أو يقع به؟ * الشيخ: ويعمل ما يخلِّصه منه؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: ما فيه شيء. * طالب: شيخ، بارك الله فيك، إن قلنا: إن الخيانة من كبائر الذنوب ذكر رسول الله عليها عقوبة، شيخ، الخيانة الواحدة ولا كثيرًا..؟ * الشيخ: الواحدة؛ لأن الإصرار على الخيانة ما فيه إشكال، حتى الصغائر إذا أصرَّ الإنسان عليها صارت كبائر. * طالب: شيخ، الذين نفوا الصفات الفعلية من الله عز وجل، يعني لهم شبهات، قالوا: إن الصفات الفعلية التي تقتضي الكمال لله عز وجل لم تكن قط من قبل (...)؟ * الشيخ: نحن ما أجبنا على هذا يا جماعة؟ يقول: إن الصفات الأفعال الاختيارية فيها شبهة؛ لأنها لو كانت كمالًا لكان متصفًا بها أزلًا وأبدًا، وإن كانت نقصًا فإنه لا يمكن أن يتصف بها وهي نقص، هذا بحثناه وأجبنا عنه، وقلنا: إنها هي في حال وجود أسبابها كمال، وفي حال انتفاء أسبابها نقص، لو غضب الله تعالى بدون أن يكون هناك سبب للغضب لصار نقصًا، وإذا غضب مع وجود مقتضي الغضب صار كمالًا. * الطالب: (...) يا شيخ القول يعني هل.. * الشيخ: هذا إذا جادلناهم بالعقل، أما بالسمع فنقول: الله تعالى أثبت لنفسه ذلك، فعلينا أن نثبته. * الطالب: هم ما يقرون (...). * الشيخ: أثبت لنفسه الاستواء على العرش، والرسول أثبت أنه ينزل إلى السماء الدنيا، خلاص يكفي هذا، لكن حتى بالعقل نجادلهم ما فيه مانع. (...) * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء ١١٠-١١٣]. * الشيخ: أحسنت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. * نأخذ ما بقي من فوائد قوله تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾، إلى آخره. معية الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى أقسام: معية يُقصد بها بيان الإحاطة، أي: بيان إحاطة الله تعالى بكل شيء، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة ٧]. وتارة يراد بها التهديد؛ كما في هذه الآية ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾. وتارة: يراد بها النصر والتأييد، معلَّقةً بوصف ومعلَّقةً بشخص: مثال المعلقة بالوصف: قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال ١٩]، ﴿اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال ٤٦]، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل ١٢٨]، هذه معية تقتضي النصر والتأييد، لكنها مقيدة بأيش؟ بوصف. ومعية تقتضي النصر والتأييد مقيَّدة بشخص، مثل قوله تعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦]، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة ٤٠]، فهذه المعية تقتضي النصر، والتأييد، والحفظ، والكلاءة، لكنها مقيَّدة بشخص. وهنا نسأل: هل المراد بالمعية حقيقتها أو لازمها؟ نقول: المراد بها حقيقتها، ولكن السلف يفسرونها دائمًا باللازم، كما قالوا: إن المعية هي العلم، فهو معهم بعلمه، ولكن هذا تفسير لها ببعض مقتضياتها، فإن مقتضى المعية العلم، والسمع، والبصر، والإحاطة، والسلطان، والقدرة، وغير ذلك، لكنها هي معناها حقيقي، وما فسره السلف بها فهو تفسير باللازم، وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله في مقدمة التفسير يقول: إن السلف قد يفسِّرون الشيء بلازمه. فإذا قلنا: إنها حقيقة، فهل هذا يعني أننا ذهبنا إلى ما ذهب إليه أهل الحلول الذين قالوا: إن الله معنا بذاته في أمكنتنا؟ الجواب: لا، بل نحن ننكر هذا غاية الإنكار، ونقول: إنه ضلال، بل إنه كفر، وإنما نقول: إنه معنا حقيقة وهو في السماء؛ لأن الآيات، بل لأن الأدلة السمعية والعقلية كلها تدل على أن الله في السماء، ولا ينافي ذلك أن يكون معنا؛ لوجوه ثلاثة: الأول: أن الله جمع بينهما في وصفه نفسَه، ولا يجمع الله تعالى بين متناقضين. ثانيًا: أن العلُوّ والمعية ممكنان في حق المخلوق، كما يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو النجم الفلاني معنا، بل أحيانًا الجبل الفلاني معنا، ومع ذلك فهو في مكانه، فالقمر في السماء، والنجم في السماء، والجبل بعيد، وما أشبهها. ثالثًا: لو فرض أن بين المعنى الحقيقي للمعية وبين العلُوّ منافاة في حق المخلوقات فليس ذلك ثابتًا في حق الخالق؛ لأن الخالق ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية: هو عَلِيٌّ في دُنُوِّه قريب في عُلُوِّه. * وذكرنا أيضًا من فوائد الآية: إثبات الرضا لله، أليس كذلك؟ * الطلبة: بلى. * الشيخ: تكلمنا عليه. * ذكرنا أيضًا: إحاطة الله عز وجل بكل شيء، وذكرنا لماذا قدم ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، والمعروف أن تقديم المعمول يدل على الحصر، والله محيط بكل شيء، فلماذا خصه ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ﴾؟ من باب التهديد، وأن ما فعلته لا يخفى على الله عز وجل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب