الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ﴿اسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾ أي: اطلب مغفرته، والمغفرة هي ستر الذنب، والتجاوز عنه، يعني إسقاط العقوبة عنه. ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، الجملة صلتها بما قبلها التعليل، ﴿اسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾؛ لأنه جل وعلا يغفر ويرحم كل من استغفره وطلب رحمته. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أنَّ هَمَّ النبي ﷺ وميله إلى هؤلاء فيه شيء من التقصير، ولهذا قال الله له: ﴿اسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾، فيؤخذ منها أنه يجب على الحاكم أن يتأنَّى في الحكم، وأن لا يتعجل، بل يتريث، لا سيما مع وجود قرائن. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمكن أن يقع منه الذنب، وهذا هو الحق، إلا ذنبًا ينافي مقتضى الرسالة، مثل الخيانة، والكذب، وما أشبه ذلك. وقال بعض أهل العلم: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يذنب، وأن المراد بذنوبه ذنوب أمته، أو أن المراد بذلك تعليمه؛ لتتعلم الأمة، ولكن هذا ليس بصحيح، أما الأول فإن الله تعالى قال: ﴿اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد ١٩]، والقرآن مُنَزَّه عن التكرار؛ لأننا لو قلنا: ﴿اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ أي: ذنوب أمتك، لكان قوله: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ تكرارًا لا فائدة منه. وأما كونه نبيًّا فلا يمكن أن يذنب، فنقول: إن الذنب إذا تلته التوبة فقد يكون الإنسان بعدها خيرًا منه قبلها، فهذا آدم عليه الصلاة والسلام كان من الأنبياء فأذنب، فصارت منزلته وحاله بعد الذنب أكمل منها قبل الذنب؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه ١٢١، ١٢٢]، نعم، النبي عليه الصلاة والسلام معصوم من أن يُقَرَّ على ذنب، بخلاف غيره، بمعنى أنه إذا أذنب فلا بد أن يستغفر بتنبيه الله له، أو بتنبهه هو، أما غيره فليست له هذه الميزة، وهذا يظهر به الفرق بين الأنبياء وغيرهم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين من أسماء الله، وهما: الغفور والرحيم، فبـ (الغفور) زوال المكروه، أي: زوال آثام الذنوب، وبالرحمة حصول المطلوب؛ أن الله ييسر الإنسان لما تكون به رحمة الله. * ومن فوائد هذه الآية: ما استنبطه بعض العلماء من أنه ينبغي لمن استُفْتِيَ أن يقدِّم بين يدي فتواه الاستغفار؛ لأن الله قال: ﴿لِتَحْكُمَ﴾، ثم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ﴾، ولأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين معرفة الصواب، كما قال تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٣، ١٤]، فهم لم يقولوا: إن القرآن أساطير الأولين، إلا لأنه حيل بينهم وبين معرفة حقيقته بسبب ذنوبهم التي رانت على قلوبهم، وهذا القول وجيه؛ أن الإنسان إذا أراد أن يُفْتِيَ أن يقدم بين يدي فتواه الاستغفار، لا سيما إذا التبست عليه المسألة، واشتبه عليه الحكم، فهو يدعو بذلك، وكذلك يدعو بقوله: اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب