الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ [الزمر ٨].
﴿إِذَا مَسَّ﴾ أي: أصاب.
و﴿الْإِنْسَانَ﴾ يقول المؤلف: المراد به (الكافر).
وإنما جُعِل هذا العام خاصًّا؛ لظاهر سياق الآية كما يتبين، وإلا فالأصل أن الإنسان من ألفاظ العموم، الإنسان من ألفاظ العموم، فـ(أل) فيه لاستغراق الجنس، وعلامة (أل) التي لاستغراق الجنس أن يحل محلها (كل) أي: كل إنسان.
لكن المؤلف -رحمه الله- جعله عامًّا أُريد به الخاص بقرينة السياق، فإن السياق يدل على أن المراد به الكافر؛ لأنه لا يمكن أن يتأتَّى ما يدل عليه السياق من مؤمن.
﴿إِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ﴾ ﴿ضُرٌّ﴾ نكرة في سياق الشرط فتكون عامة؛ أي ضر يكون؛ في بدنه، في أهله، في ماله، عام، خاص، أي ضر يكون يدخل في قوله: ﴿ضُرٌّ﴾.
﴿دَعَا رَبَّهُ﴾ انظر إلى قوله: ﴿دَعَا رَبَّهُ﴾ ولم يقل: دعا الله ففي هذه الحال، أي في إصابة الضر عرف ربه، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه، فيدعو ربه معتقدًا أنه ربه يملك ما شاء ويتصرف فيما شاء.
قال المؤلف: (تضرع) يعني فسر ﴿دَعَا﴾ بمعنى (تضرع)؛ لقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا﴾ [الأعراف ٥٥] والتضرع هو الاستكانة والذل أمام الله عز وجل.
(﴿مُنِيبًا﴾ راجعًا ﴿إِلَيْهِ﴾ ) فإذا دعا ربه منيبًا إليه كشف الله ضره؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ [النمل ٦٢].
وإجابة الله للمضطر تشمل الكافر والمسلم حتى الكافر الذي يعلم الله أنه سيكفر بعد زوال اضطراره يجيب دعوته ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت ٦٥] فهو يعلم عز وجل أنهم سيشركون بعد النجاة، ومع ذلك يجيبهم؛ لأن رحمته سبقت غضبه، ففي حال الضرورة يصدق لجوء الإنسان إلى ربه؛ لأنه يعلم أنه لا يكشف الضر إلا الله، فإذا رجع إلى ربه سبحانه وتعالى فإن رحمته سبقت غضبه يجيبه رحمةً به.
فهنا يقول عز وجل: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ إلى آخره [الزمر: ٨].
قال: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ﴾ يعني كأن هذا -والله أعلم- إشارة إلى أنه بعد أن تغمره النعمة ويستمر فيها وقتًا ينعم به بعد ذلك يكفر.
وقوله: ﴿إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً﴾ قال: (أعطاه) تفسير لـ﴿خَوَّلَهُ﴾.
(إنعامًا) تفسير لـ﴿نِعْمَةً﴾.
أما تفسير ﴿خَوَّلَهُ﴾ بـ(أعطاه) فواضح، وأما تفسير ﴿نِعْمَةً﴾ بـ(إنعام) فلا وجْه له؛ لأن الْمُعطَى ليس الإنعام وإنما المعطى النعمة وعلى هذا فإبقاء الآية على ظاهرها أولى مما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
إذا اعطيناه إنعامًا لا يستقيم الكلام لماذا؟ لأن الإنعام فعل الله، والمعطَى هو النعمة وليس فعل الله، فإبقاء الآية على ظاهرها لا شك أنه هو الموافق للواقع.
يقول: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ ﴿مِنْهُ﴾ (مِنْ) هنا للابتداء؛ أي: نعمة صادرة من الله عز وجل، يتبين بها أنها فضْل محض من الله.
(﴿نَسِيَ﴾ ترك ﴿مَا كَانَ يَدْعُو﴾ يتضرع ﴿إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ وهو الله) انظر يا أخي، كان يتضرع إلى الله عز وجل في أن يكشف عنه الضر، كشف الله عنه الضر، وأعطاه نعمة زائدة على كشف الضر، ماذا تكون حاله؟
قال: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ والنسيان هنا بمعنى الغفلة، وليس المراد به ذهول القلب، وإنما المراد الغفْلة المتضمنة للترك، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون ٤، ٥] أي: غافلون عن صلاتهم.
﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ يقول: (﴿مَا كَانَ يَدْعُو﴾ يتضرع ﴿إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ )
﴿إِلَيْهِ﴾ الضمير يعود على الله عز وجل.
و﴿مَا﴾ تعود على الله، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (فـ(ما) في موضع (من)). (ما) في قوله: ﴿مَا كَانَ يَدْعُو﴾ في موضع (من) يعني مراد المؤلف أن (ما) بمعنى (من) أي: نسي من كان يدعو إليه من قبل، يعني من يدعو إليه من يوجه الدعاء إليه، أو كما قال المؤلف: (يتضرع إليه وهو الله عز وجل) فغفل، و(ما)، كأن الله أنعم عليه بكشف الضر وتخويله النعمة.
﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [الزمر ٨].
الأنداد ما غفل عنهم، والواحد القهار غفل عنه -والعياذ بالله- مع أن الأنداد لم تنفعه ولم يتضرع إليها حين أصابه الضر ومع ذلك يُقبِل عليها ويدع من أنعم عليه.
﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ (شركاء).
والأنداد جمع: (نِد)، والند هو المسامي لنِدِّه المماثل له، فيجعل لله أندادًا بماذا؟ في العبادة، يعبد هذه الأصنام كما يعبد الله عز وجل، ينذر لها كما ينذر لله، يذبح لها كما يذبح لله، وهكذا.
قال تعالى: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (بفتح الياء وضمها) ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (دين الإسلام).
﴿أَنْدَادًا لِيُضِلَّ﴾ اللام هذه إما أن تكون للتعليل، وإما أن تكون للعاقبة، فعلى قراءة الفتْح ﴿لِيَضِلَّ﴾ هو فاللام للعاقبة، يعني جعل لله أندادًا أدت به إلى الضلال، وإن كانت بضم الياء ﴿لِيُضِلَّ﴾ فاللام للتعليل يعني جعل لله أندادًا ليقتدي به الناس فيضلوا، والآية فيها قراءتان: ﴿يَضِلَّ﴾ و﴿يُضِلَّ﴾، فـ﴿يَضِلَّ﴾ تعود إلى نفسه و﴿يُضِلَّ﴾ تعود إلى غيره، وهاتان القراءتان كلاهما صحيح أو كلتاهما صحيح، وكل واحدة تفيد معنى يكمل معنى الأخرى فهو يضل بنفسه ويضل غيره أيضًا. اللام قلنا: إنها للعاقبة متى؟ على أي قراءة؟
* طلبة: ﴿لِيَضِلَّ﴾ .
* الشيخ: على قراءة الفتح؛ يعني أنه إذا اتخذ أندادًا صار عاقبته الضلال، وتكون للتعليل على أي القراءتين؟
* طلبة: الضم.
* الشيخ: على الضم؛ يعني جعل لله أندادًا ليُقتدَى به فيضل غيره.
لام العاقبة هل تأتي في اللغة العربية؟ نعم، تأتي، قال الله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨] هل آل فرعون التقطوا موسى من أجل أن يكون لهم عدوًّا وحزنًا؟ أبدًا. يقولون: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص ٩]، لكن العاقبة: صار عدوًّا وحزنًا.
وتأتي زائدة -تأتي اللام زائدة- كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ [الأحزاب ٣٣] ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ﴾ أي: أن يذهب، وكما في قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء ٢٦] ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ﴾ أي: أن يبين، وإنما قالوا إنها زائدة؛ لأن (أراد) تتعدى بنفسها لا باللام، ولا تصلح أن تكون للتعليل؛ لأن التعليل مستفاد من الإرادة، وعلى هذا فيعربونها على أنها زائدة، فتبين أن اللام التي تدخل على المضارع تكون زائدة، وتكون تعليلية وهي الأكثر، وتكون للعاقبة.
* طالب: (...).
* الشيخ: ليس خلافًا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، صح.
* الطالب: (...) في بعض الأشياء إرادة (...) بدون إرادة (...).
* الشيخ: نعم، صح.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أحسنت، هو يرضى من الكافر أن يُسلِم، ولكنه لم يُرِد أن يُسلم؛ فهنا..
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا هو، هذا وجه ألا تلازم أنه قد يُوجد الرضا بلا إرادة، وتوجد الإرادة بلا رضا، ويوجد رضا وإرادة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: الكافر ما الذي يرضى الله منه؟ أن يُسلم، لا يرضى الكفر، الله ما يرضى الكفر، يرضى الشكر فيرضى من هذا الكافر أن يشكر ويُؤمن، لكن هل أراد الله أن يشكر ويؤمن؟ لو أراد الله لوقع.
* طالب: يا شيخ، أحسن الله إليك يا شيخ، كيف نجمع بين ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر ٧] وبين ما ورد «أنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ »[[متفق عليه؛ البخاري (١٢٩٠)، ومسلم (٩٢٧ / ١٩) من حديث ابن عمر.]]؟
* الشيخ: نعم، هذا أيضًا صحيح ينبغي أن يُورَد على الآية، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام ثبت عنه «أن الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، » عائشة رضي الله عنها قالت: «إن المراد بذلك الكافر »[[متفق عليه؛ البخاري (١٢٨٨)، ومسلم (٩٢٩).]]. ولا شك أنها رضي الله عنها بشر تخطئ وتصيب، وذلك لأن الكافر يعذب سواء بكى عليه أهله أم لا، لكن هي أرادت أن تقول: إن معنى الحديث أن الكافر ليعذب وأهله يبكون عليه، جعلت هذا معنى الحديث، واستدلت بالآية.
ولكنا نقول: لا يستقيم هذا التأويل بل معنى الآية: أن المراد بالعذاب التألم النفسي، وليس التألم البدني، ونظير هذا قول الرسول ﷺ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧ / ١٧٩) من حديث أبي هريرة.]]. مع أن المسافر لا يتعذب تعذبًا بدنيًّا، قد يكون من آنس ما يكون إذا كانت الأرض مُخصِبة والإبل طيبة، والرفاق أصحاب، ويش يكون السفر؟ نُزهة، ومع ذلك فهو قطعة من العذاب القلبي، صح؟
نحن بالطائرة مستريحون، مُكندَشة، دفء في الشتاء، وبرودة في الصيف، ونشرب القهوة والعصير، ونأكل التمر، وكل ما طلبنا يأتي، ومع ذلك القلب متألم، ما هو مثل الإنسان المستقر في بيته، فالعذاب الذي في القبر هو هذا النوع من العذاب.
وقال بعض العلماء: يُعذَّب عذابًا بدنيًّا، يعاقَب عقوبة بدنية ولكن هذا في من أوصى أهله أن ينوحوا عليه، وإن كان هذا لم يُذكر بالحديث لكن يُحمل الحديث على ما تقتضيه النصوص الأخرى.
وقال بعضهم: هذا في الرجل الذي يعلم من أهله أن ينوحوا عليه ولم ينههم، والفرق بين القول هذا واللي قبله واضح: الذي قبله أوصاهم، وهذا لم ينههم، ما أوصاهم لكن يعلم أنهم يفعلون فلم ينههم، فهذه أربعة أقوال في الحديث، وأصحها أن المراد بالعذاب العذاب النفسي، وليس العذاب البدني؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر ٧].
* * *
* طالب: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٩) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ٩، ١٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾ [الزمر ٨] ما المراد بالإنسان هنا؟
* طالب: الكافر.
* الشيخ: الكافر، لماذا لا نحمله على العموم كما حملنا قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] على العموم؟
* طالب: (...) بقرينة السياق.
* الشيخ: ما هو السياق؟
* الطالب: قرينة السياق في الكافر ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [الزمر ٨].
* الشيخ: ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ أحسنت.
هل يسوغ في اللغة العربية أن يُستعمل العام بمعنى الخاص؟
* طالب: نعم، كثير.
* الشيخ: كثير، ومنه غير الآية هذه؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ فـ(الناس) الأولى رجل واحد، والثانية طائفة من الناس، وليس كل الناس.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ﴾ [الزمر ٨] ما معنى (خوله)؟
* طالب: أعطاه.
* الشيخ: أعطاه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ [الأنعام ٩٤]. نعمة؟
* طالب: المؤلف فسرها بالإنعام، وهذا خاطئ؛ لأن الإنعام هو فِعل الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: والصحيح أحسن من قولك هذا خاطئ، والصحيح أن المعنى أعطاه نعمة؛ لأنه خوله الْمُنعم به وليس الإنعام؛ الإنعام من فِعْل الله.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ﴾ [الزمر ٨] فيها قراءتان؟
* طالب: بفتح الياء، وبضم الياء، بضمها وفتحها.
* الشيخ: اقرأهما.
* الطالب: ﴿لِيُضِلَّ﴾، و﴿لِيَضِلَّ﴾ .
* الشيخ: نعم، أحسنت.
ماذا يكون معنى اللام على كلتا القراءتين؟
* الطالب: في حال فتح الياء تكون للعاقبة، إذا كانت ضم الياء تكون..
* الشيخ: للتعليل.
الأخ يبين لنا اللام الداخلة على المضارع تكون للعاقبة وللتعليل كما في هذه الآية، وهل لها معنى ثالث؟ يلَّا يا أخ، نحن نظنك صاحب نحو.
* طالب: زائدة.
* الشيخ: زائدة، مثل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، التي تدخل على المضارع ما هي باللام التي تدخل على الاسم.
* طالب: على المضارع؟
* الشيخ: إي، تأتي زائدة لكن نريد المثال الآن.
* الطالب: تأتي بمعنى (أل).
* الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله!
* طالب: مثل ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء ٢٦].
* الشيخ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ اللام هنا؟
* الطالب: زائدة.
* الشيخ: زائدة، ليش؟ لأن الإرادة تدل على معناها، لو قال الله عز وجل: يريد الله أن يبين لكم.
* طالب: صح.
* الشيخ: صح، استقام الكلام.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾ [الزمر ٨] وقفنا على (يضل)؟
قال الله تعالى: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أو ﴿لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الزمر: ٨] ﴿سَبِيلِهِ﴾ أي دينه، أي طريقه الموصِل إليه، طريق الله الموصل إليه، هذه سبيل الله.
والسبيل يُضاف إلى الله تارةً كما في هذه الآية، وكما في آيات أُخرى كثيرة، ويضاف إلى المخلوق كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف ١٠٨] فما هو الجمع بينهما؟
الجمع بينهما أنه يُضاف إلى الله باعتبار أنه هو الذي وضعه، وأنه مُوصِل إليه باعتبار أن الله هو الذي وضعه، وأنه مُوصِل إليه، ويُضاف إلى غير الله للمخلوق باعتبار أنه هو السالك له.
إذن فسبيل الله يعني هو الذي شرع هذا السبيل ووضعه للعباد وهو يُوصِل إلى الله، سبيل الرسول ﴿هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف ١٠٨] أي: طريقي الذي أسلكه، ومثل ذلك يُقال في الصراط ﴿صِرَاطِ اللَّهِ﴾ [الشورى ٥٣] و﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٧] فصراط الله باعتبار أنه هو الذي وضعه، وأنه مُوصِل إليه، و﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ باعتبار أنهم هم الذين يسلكونه.
وقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ قال المؤلف: (دِين الإسلام) وهذا تفسير للكلمة بمرادها؛ لأن التفسير للقرآن أحيانًا يكون تفسيرًا لفظيًّا وأحيانًا يكون تفسيرًا معنويًّا.
التفسير اللفظي: أن تُفسِّر اللفظ بمعناها، والتفسير المعنوي: أن تفسر اللفظ بالمراد بها.
فمثلًا: دين الإسلام لا يُطابِق في المعنى اللفظي لـ(سبيل)؛ لأن السبيل في اللغة الطريق، هذا في اللغة لو قيل لك: فسِّر سبيل تقول: يعني طريق.
لكن السبيل المراد به دِين الإسلام؛ لأن دين الإسلام وهو شرائع الإسلام يُوصِل إلى الله عز وجل، والذي وضعه هو الله سبحانه وتعالى.
إذن المؤلف فسَّر السبيل هنا بالمعنى اللفظي أو بالمعنى المرادي؟ يعني أن المراد بذلك كذا وكذا.
وقوله: (دين الإسلام) واضح أنه هو سبيل الله؛ لأن الله هو الذي شرعه سبحانه وتعالى؛ ولأن من سلكه أوصله إلى الله.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ (بقية أجلك) ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر ٨] أعوذ بالله.
﴿قُلْ﴾ الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أن يكون الخطاب لكل من يصح خطابه، أي: قل أيها الإنسان لهذا الكافر أو لهذا الإنسان الموصوف بهذه الصفات: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾.
﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ هذي أمر لكنه ليس على ظاهره بل المراد بالأمر هنا التهديد كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف ٢٩] معلوم أن الإنسان ليس بالخيار بين الإيمان والكفر لكن هذا من باب التهديد.
فهنا ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ ليس معناه أننا نبيح له أن يتمتع بالكفر، أو نأمره أن يتمتع بكفره بل نهدده، فالأمر هنا للتهديد.
فإن قال قائل: ما الذي أخرجه عن المعنى الأصلي؟
فالجواب: أنه أخرجه عن المعنى الأصلي قرينة السياق ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾ أي: اكفر وتمتَّع بالكفر؛ لأن الكافر يتمتع بكُفْره تمتع البهائم كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد ١٢]، فالكافر -والعياذ بالله- لا يُقيِّد نفسه بعبادة، لا بصلاة، ولا زكاة، ولا صوم، ولا حج، ولا غير ذلك من العبادات، بل هو قد اتبع هواه وتمتع كما يتمتع الحمار، وفي النهاية قال: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ كقوله تعالى: ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد ١٢]، وما أسرع وصوله إلى النار؛ لأن الدنيا قليل؛ أي: زمن قليل، مهما طال بك العمر فإنه إذا وافاك الأجل كأن لم تلبث إلا ساعة من نهار، وإذا شئت تصديق هذا فاعتبر ما مضى من عمرك بما بقي، اعتبر ما مضى، الآن كلنا يختلف سِنُّه عن الآخر لكن كلنا كأننا ولادة هذه الساعة؛ يعني كل اللي مضى كأنه لم يكن، هكذا يكون بقية العمر مهما طال بالإنسان العمر فإنه إذا جاء أجله كأنه لم يكن؛ ولهذا قال: ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ وإن طال بك العمر، يقول: (بقية أجلك).
﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر ٨] الجملة هذه مؤكدة بـ(إن)، يعني ومهما تمتعت فمآلك إلى النار ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، وأصحاب النار إنما تُطلق على الذين يُخلَّدون فيها، فالمؤمن العاصي وإن كان يستحق العذاب بالنار فإنه لا يسمى من أصحاب النار؛ لأن الأصل في الصُّحبة طول الملازمة هذا أصل الصحبة طول الملازمة إلا في مسألة واحدة ما هي؟
* طلبة: الصحابة.
* الشيخ: مَنْ؟ الصحابة، الصحابة مع الرسول ﷺ، لو اجتمع بالرسول الله صلى الله وسلم مؤمنًا به ولو لحظة صار من أصحابه.
يقول: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ النار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وقد بَيَّن الله تعالى في الكتاب، وبَيَّن رسوله ﷺ في السنة ما فيها من أنواع العذاب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء ٥٦]، وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان ٤٣ - ٤٨] أعوذ بالله، يصب فوق رأسه من عذاب الحميم الماء الحار الشديد الحرارة، ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩] وهذا من باب التهكم به ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ يعني وأين عزتك وأين كرمك؟ في الدنيا يرى نفسه سيدًا شريفًا ولكنه في الآخرة يهان إلى هذه الإهانة.
المهم: أن أنواع العذاب -والعياذ بالله- -نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من النار- أنواع العذاب في النار شيء -والعياذ بالله- إذا تصوره الإنسان فإنه يتبين له شدة ما يلاقيه هؤلاء من العقوبة الشديدة.
يقول عز وجل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ إلى آخره [الزمر: ٩]
﴿أَمَّنْ هُوَ﴾ قال: (﴿أَمَنْ﴾ بتخفيف الميم) أمن وعلى هذا فتكون الكلمة مركبة من همزة الاستفهام و(مَن)، من الاستفهامية، يقول: بل (مَن) الموصولة، همزة الاستفهام و(مَن) الموصولة أي: آلذي هو قانت إلى الآخر.
(﴿هُوَ قَانِتٌ﴾ قائم بوظائف الطاعات) القنوت يطلق على معانٍ متعددة:
منها: الخشوع كقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة ٢٣٨].
ومنها: الدعاء في الوتر أو في الفرائض عند النوازل.
ومنها: دوام الطاعة كقوله تعالى: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم ١٢].
ومثال الأول: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة ٢٣٨] أي: خاشعين؛ ولهذا لما نزلت هذه الآية أُمِر الصحابة بالسكوت، ونُهُوا عن الكلام.
فهنا ﴿قَانِتٌ﴾ من أي المعاني الثلاثة؟
* طالب: دوام الطاعة.
* الشيخ: من دوام الطاعة، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ [الزمر ٩] قال المؤلف: (قائم بوظائف الطاعات) يعني مديم لها.
(﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ يعني: ساعاته ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ في الصلاة).
﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ نص على السجود، وعلى القيام دون الركوع والقعود؛ لأن السجود شريف بهيئته والقيام شريف بذِكْره، كيف؟
السجود شريف بهيئته: أفضل هيئة للمصلي أن يكون ساجدًا؛ ولهذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
والقيام شريف بذِكْره: ما هو ذِكْره؟ القرآن كلام الله، وكلام الله تعالى أشرف الكلام؛ فلهذا نص على هذين الأمرين، أو على هذين الركنين من أركان الصلاة؛ القيام والسجود، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام «إذا سجد يُسْمع لصدره أَزِيزٌ كأزيز الْمِرْجَل»[[أخرجه في المسند (١٦٣١٢)، والنسائي في المجتبى (١٢١٤) من حديث عبد الله بن الشخير.]]. القِدر الذي يغلي، وكان عليه الصلاة والسلام« إذا قام لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية وعيد إلا تَعَوَّذَ، ولا بآية تسبيح إلا سَبَّحَ»[[أخرجه أبو داود (٨٧٣)، والنسائي في المجتبى (١١٣٢)، وأحمد في المسند (٢٣٩٨٠) من حديث عوف بن مالك الأشجعي.]]. وهذا يدل على أن القائم في الليل ينبغي له أن يلاحظ هذا، يلاحظ قوة الخشوع في حال السجود والبكاء، ويلاحظ أيضًا حضور القلب أثناء القراءة ليتابع إذا مر بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبَّح، قائمًا وقاعدًا ساجدًا وقائمًا.
(﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ أي يخاف عذابها ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ جنة ﴿رَبِّهِ﴾ ).
هنا قوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ هذه حال، حال كونه يحذر الآخرة، وحال مقارِنة لقوله: ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ يعني حال كونه في سجوده وقيامه يحذر الآخرة؛ أي: يخافها وليس يخاف وقوعها؛ لأن وقوعها لا بد لكن يخاف عذابها، يخاف أن يُعذَّب.
﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ يقول المؤلف: جَنَّتَه، ولا شك أن الرحمة يُراد بها الجنة كما قال الله تعالى للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٦) من حديث أبي هريرة.]].
ولكن يراد بالرحمة معنى آخر وهي فِعْل الله بالعبد؛ أي رحمته للعبد، فأيهما أولى في هذه الآية؟
* طالب: الرحمة بمعنى الجنة، ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ أي يحذر عذاب الآخرة، ويرجو رحمة الله يعني يحذر النار ويرجو الجنة.
* الشيخ: إي نعم، هذا ما ذهب إليه المؤلف، لكن لماذا لا نقول: يرجو أن يرحمه الله، ويكون المراد بالرحمة هنا رحمة الله التي هي فِعْله؛ يعني يرجو أن يرحمه الله بالأمرين بالنجاة من النار، وبدخول الجنة، هذا المعنى أحسن؛ لأن المتبادِر في الغالب لمعنى الرحمة أن تكون فِعْل الله؛ يعني أن الله يرحمك.
وأيضًا إذا قلنا رحمة الله: صار يرجو أن ينجوَ من النار، أو من عذاب الآخرة، وأن يفوز بالجنة.
﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ قال: (كمن هو عاصٍ بالكفر أو غيره)..
.. الله تعالى للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠) ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٦) من حديث أبي هريرة]]، ولكن يُرَاد بالرحمة معنًى آخر؛ وهي فعل الله بالعبد؛ أي رحمتُه للعبد، فأيُّهما أولى في هذه الآية؟
* طالب: (...) الرحمة بمعنى الجنة.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ [الزمر ٩] أي: يحذر عذاب الآخرة، ويرجو رحمة الله؛ يعني يحذر النار ويرجو الجنة.
* الشيخ: إي نعم، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
لكن لماذا لا نقول: يرجو أن يرحمه الله، ويكون المراد بالرحمة هنا رحمة الله التي هي فِعْلُه؛ يعني يرجو أن يرحمه اللهُ بالأمرين؛ بالنجاة من النار وبدخول الجنة، هذا المعنى أحسن؛ لأن المتبادر في الغالب لمعنى الرحمة أن تكون فعل الله؛ يعني أن الله يرحمك.
وأيضًا إذا قلنا: (رحمة الله) صار يرجو أن ينجو من النار أو من عذاب الآخرة وأن يفوز بالجنة.
﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٩] قال: (كمَن هو عاصٍ بالكفر أو غيره).
أفادنا المؤلف رحمه الله بهذا التقدير أن الآية يُبَيِّنُ الله فيها أنه لا يستوي هذا وهذا، هل يستوي مَن هو قانت آناءَ الليل ساجِدًا وقائمًا كمن هو عاصٍ بالكفر وغيرِه؟
الجواب: لا. وهذا مِن بلاغة القرآن؛ القرآن فيه أشياء كثيرة تُحذَف لدلالة المذكور على المحذوف، وهذا مِن البلاغة، كيف يكون من البلاغة؟ لأنه إذا حُذِفَ الشيء استفاد المخاطَب فائدتين:
الفائدة الأولى: اختصار الكلام.
الفائدة الثانية: قوة الانتباه؛ لأنَّ الآية إذا كان فيها شيء محذوف فإنَّ الذهن يتطلع إلى هذا الشيء المحذوف، فتجد الإنسان يتوقف يفكر يتأمل؛ ما الذي حُذِف؟ وما تقديره؟ لكن لو جاء الكلامُ مرسلًا هكذا لم يحصُل له هذا التوقف وهذا التفكير، أنت الآن لو قرأت الآية الكريمة: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ﴾ [الزمر ٩] لوجدت نفسك متشوِّفًا إلى أيش؟ إلى شيءٍ آخَر، الكلام ما تم، لا بد أن هناك شيئًا آخر، وحينئِذٍ يشتَدُّ انتباهك وتزدادُ تأمُّلًا في المعنى، فصار وجهُ البلاغة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني الاختصار، والثاني؟
* الطالب: التركيز.
* الشيخ: أيش التركيز؟
* طالب: شد الانتباه.
* الشيخ: إي، شدة الانتباه، كيف؟ الأول فهمنا الاختصار واضح؛ أن حذْف الشيء من الكلام يقتَضِي قلة الكلام واختصار الكلام، لكن الثاني؟
* الطالب: لأنه إذا كانت العبارة قليلة كان أسهل (...) المخاطب وأشد.
* الشيخ: لا.
* طالب: أنَّه لما حذف (...)، إنما لو كان الكلام تامًّا (...) مرَّ عليه بدون ملاحظة تامة.
* الشيخ: لأن هذا المحذوف لا بد منه، فالإنسان يتطلَّع ما هذا المحذوف؟ الكلام الآن ناقص؛ بمعنى أن الكلام يحتاج إلى شيء، فيتطلع الإنسان إلى معرفة هذا الشيء، وحينئِذٍ يزدادُ في التدبر، فهذه من بلاغة القرآن؛ أعني أنه يُحذَف أحيانًا، يحذِف الله عز وجل أشياء يحتاج المخاطب إليها مِن أجل هذه الفائدة، بل من أجل هاتين الفائدتين.
قال المؤلف رحمه الله: (وفي قراءَةٍ ﴿أَمْ مَنْ﴾ ) ويش تزيد هذه القراءة عن الأولى؟ (أم).
وقول المؤلف: (في قراءة) من اصطلاح المؤلف رحمه الله أنه إذا قال: في قراءة، أو قال: بفتح كذا وضم كذا، أو قال: بالتاء والياء؛ فالقراءة سبعية، وأما إذا قال: وقرئ، أحيانًا يعَبِّر فيقول: وقرئ، فالقراءة شاذة غير سبعية، انتبهوا لهذا الاصطلاح: إذا أتى بقراءتين متساويتين، مثل يقول: في قراءة، أو بالضم والفتح، أو بالياء والتاء، وما أشبه ذلك من العبارات؛ فالقراءة سبعية، أما إذا قال: وقُرِئَ -بصيغة المبني للمجهول- فالقراءَة شاذَّة.
بناءً على هذه القاعدة تكون القراءة ﴿أَمْ مَنْ﴾ ؟
* طلبة: سبعية.
* الشيخ: سبعية؛ لأنه قال: (وفي قراءة ﴿أَمْ مَنْ﴾ فـ(أم) بمعنى (بل) والهمزة) أي: بل أَمَن هو، بل أَمَن هو قانت آناءَ الليل، فتكون للإضراب. والإضراب هنا إبطالي أو انتقالي؟
* طالب: انتقالي.
* الشيخ: انتقالي، مؤكد يا جماعة؟ مؤكَّد أنه إضراب انتقالي، والفرق بين الإضراب الانتقالي والإضراب الإبطالي أنه في الإضراب الإبطالي يكون الأول ملغًى، والعمدة على الثاني، وأما في الانتقالي فالأول باقٍ على ما هو عليه، والثاني استئنافي لا علاقة له بالأول.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩] (قل) مَن؟ يا محمد، أو قل يا مَن يصح منه الخطاب.
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ استفهام بمعنى النفي، ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾؟
الجواب: لا، لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وهذا عامٌّ في كل علم، فلا يستوي العالم والجاهل، حتى في علم النِّجَارة والحِدَادَة والكيمياء وغيرها لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، لكن هذا لا يقتضي أن يكون العالم ممدوحًا؛ لأنَّ مِن العلوم مَن جهلُه خيرٌ مِن علمه، فإذا كان العلمُ مذمومًا وقلنا: لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون صار غيرُ العالِم أفضل، وإذا كان العِلْم ممدوحًا وقلنا: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون صار العالِم أفضل.
طيب إذا جاءت هذه الكلمة أو هذه الجملة في عِلْمِ الشريعة؟
* الطلبة: العالِم أفضل.
* الشيخ: العالِم أفضل. في علم النحو؟
* الطلبة: العالِم أفضل.
* الشيخ: طيب، في علم الكلام؟
* الطلبة: الجاهل أفضل.
* الشيخ: الجاهل أفضل نعم، كما قال بعض السلف: الجهلُ بالكلام عِلْم؛ لأنَّ علمَ الكلام أدَّى بأصحابِه إلى مهالِك، حتى إن فَطَاحِل عُلمائهم يتَمَنَّوْن وهم في سياق الموت أنهم ماتوا على دين العجائز، ودين العجائز أسلم وإن كان جهلًا لكنَّه أسلم من عِلْمٍ يؤَدِّي بهم -والعياذ بالله- إلى الشك والحيرة.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وهذه مِن الآيات القليلة اللَّفظ الكثيرة المعنى؛ لأنه يمكن أن تُطَبِّقَها على كل علمٍ. لكن هل هو هذا العلم محمود أو مذموم؟ على حسب الحال.
(أي: لا يستويان كما لا يستوي العالم والجاهل) ويش الكلام هذا؟ لو قال: العلم والجهل كان أوضح.
* طالب: ما ذكر يا شيخ، ما تكلم يا شيخ.
* الشيخ: لا، لا بد يتكلم عليه.
* طالب: بس ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾.
قوله: (بتخفيف الميم) أي: فالهمزة للاستفهام الإنكاري، كما سيشير له بقوله: (أي: لا يستويان)، و(مَن) اسم موصول بمعنى (الذي) مبتدأٌ في محل رفْعٍ، خبرُه محذوف قَدَّرَه بقوله: (كمن هو عاصٍ).
وقوله: ﴿قَانِتٌ﴾ جملة اسمية صلة الموصول، وقوله: ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ حالان مِن ﴿قَانِتٌ﴾.
وقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾ حال أخرى متداخلة أو مترادفة أو جملة استئنافية معترِضَة.
وقوله: (بمعنى بل) أي: التي للإضراب الانتقالي، و(الهمزة) أي: التي للاستفهام الإنكاري، وعلى هذه القراءة تُرسَم ميمٌ في النون كرسمها على قراءة التخفِيف، وهذا اتِّباعًا لخَط مصحف الإمام، كما يؤخذ من الجزرية وشرحِها لشيخ الاسلام، وهذا بالنظر لرسم المصحف، وأما في غيرِه فتُرْسَم ميمُ (أم) مفصولةً عن ميم (مَن)، كما في عبارة الشارح، و(مَن) على هذه القراءة مبتدأ أيضًا، والخبر مقدَّرٌ كما تقدم في الإعراب بعينه على القراءتين لم يختلف.
وقوله: (أي: لا يستويان) أي: القانت والعاصي، فهذا تفسيرٌ للنفي المستفاد من همزة الإنكار في قوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾، سوَاءٌ مصَرَّح بها على القراءة الأولى والتي في ضمن (أم) على الثانية.
وقوله: (كما لا يستوى العالم والجاهل) تفسير لقوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ إلى آخره، والاستفهام فيه أيضًا إنكاري. انتهى.
وعبارة السَّمِين: قوله: (أمن هو قانت) قرأ الحرمِيَّان نافع وابن كثير بتخفيف الميم، والباقون بتشديدها، فأما الأولى ففيها وجهان:
أحدهما: أنها همزة الاستفهام دخلت على (مَن) بمعنى (الذي)، والاستفهام للتقرير، ومقابله محذوف تقديره: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادًا، أو أمن هو قانت كغيرِه، أو التقدير: أهذا القانت خيرٌ أم الكافر المخاطب بقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾ [الزمر ٨]، ويدل عليه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فحَذَفَ خبرَ المبتدأ وما يعادل المستفْهَمَ عنه، والتقدير: أن الأَوَّلَان أولى؛ لقلة الحذف، والثاني أي تكون الهمزة للنداء، و(مَن) مُنَادَى، ويكون المنادَى هو النبي ﷺ، وهو المأمور بقوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾، كأنه قيل: يا مَن هو قانت قل: كيت وكيت. وأما القراءة الثانية فهي (أم) داخلة على (مَن) الموصولة أيضًا، فأُدْغِمَتِ الميمُ في الميم.
وفي (أم) حينئِذٍ قولان: أحدهما: أنها متَّصِلَة، ومعادِلُها محذوف تقديره: الكافر خيرٌ أم الذي هو قانت؟
والثاني: أنها منقطعة، فتُقَدَّرُ بـ(بل) والهمزة؛ أي: بل أَمَن هو قانِتٌ كغيره أو كالكافر المَقُولِ له ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ﴾؟ انتهى.
طيب على كل حال، تبين لنا مِن هذا البحث أن قوله: (لا يستويان) أي: القانِت والكافر، كما لا يستوي العالم والجاهل، فيكون قوله: (لا يستَوِيان) ليس عائدًا على قوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩]؛ عائِد على ما سبق، وهو أمَن هو قانت آناء الليل ساجِدًا وقائِمًا كمَن هو عَاصٍ لا يَسْتَوِيَان كما لا يسْتَوِي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الإنكار والنَّفْي.
﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ يعني: ساعات الليل؛ لأَنَّه أحيانًا يُطْلَب مِن الإنسان أن يقوم كل الليل، كما في عشر رمضان الأخيرة؛ فإن السنة أن يُحْيِيَ الليل كله.
فلو قال: (في) لتعين أن يكون هناك متَّسَع، فإذا قال: ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ شمل هذه وهذا.
* طالب: ما نقول: إنه من باب الاستعداد للعبادة لو نام بنية قيام الليل وهو يتوَضَّأ ويصلي (...)؟
* الشيخ: ربما يكون، لكن في بعض الأحيان قد لا يكون عملُه هذا اسْتَعْدَادًا للعبادة، قد يعمل أعمالًا لا يستعد للعبادة، ولهذا ليس من المشروع أن الإنسان يقوم الليل كله في كل أحيانه، لكن أحيانًا.
* طالب: يا شيخ، ذكر أي لا يستويان العالم (...)؟
* الشيخ: يعني كأنَّ هذه الجملة صارت كالدليل لِمَا سبقها؛ يعني كما أنه من المعلوم أنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فإنه لا يستوي القانت والعاصي.
ثم قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (إنما) أداة حصر، والحصر هو إثبات الحكم بالمحصور فيه ونفيُه عما سواه، فإذا قيل: إنما القائم زيد فهو كقولنا: لا قائم إلا زيد.
﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ﴾ يقول المؤلف: (يَتَّعِظ، ﴿أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أصحاب العقول)
(أصحاب) تفسير لـ﴿أُولُو﴾، و(العقول) تفسير لـ﴿الْأَلْبَابِ﴾ جمع لُبٍّ وهو العقل؛ لأن الإنسان بلا عَقْل قشور، ولا يكون إنسانًا حقيقةً إلا بالعقل، وعلى هذا فالكفار بجميع أنواعهم قشور لا خيرَ فيهم؛ لأنهم ليسوا بعقلاء، كما قال الله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٧١]، والعقل الذي يُحمَد فاعله هو عقْل الرُّشْد؛ أي الذي يحجِزُك عما يضرُّك، أما عقل الإدراك فإنه يستوي فيه المحمود والمذموم، عقل الإدراك الذي يترَتَّب عليه التكليف، وهو الذي يأتي في كلام الفقهاء يقولون: مِن شروط العبادة العَقْل، يعني عقل أيش؟ يعني عقْل الإدراك، أما عقل الرُّشْد الذي يحجِز صاحبه عما يضُرُّه فهذا لا علاقة للتكليف به، بل إنما يقال: مَن حجَزَه عقلُه عما يضُرُّه فهو العاقل حقًّا، ومَن لا فلا.
﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: ما يتذَكَّر إلَّا هؤلاء.
* نأخذ فوائد الآية: من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ﴾ إلى آخره [الزمر: ٨].
* من فوائد هذه الآية: أن الكافر لا يعرف ربَّه إلا عند الضرورة؛ لقوله: إِذَا مَسَّه ضُرٌّ ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ﴾ إلى آخره.
* ومن فوائدها: أن عبادة الضرورة لا تنفع غالبًا؛ أي أن الإنسان إذا عرف ربه عند الضرورة فقط فالغالب أنه لا ينتفع بهذه العبادة؛ لأنها ليست عبادةً عن رغبة ولكنها عبادة من أجل إنجاء الإنسان من الهَلَكة وإن كان أحيانًا ينتفع، ربما يكون هذا سببًا لفتح الله عليه، كما يوجد الآن من الناس -مثلًا- مَن يصاب بمرض شديد ويخاف منه الهلاك، فيُنِيب إلى الله عز وجل ويدعو الله سبحانه وتعالى، ثم يمُنُّ الله عليه بالاستمرار، لكن الغالب أن التعبُّدَ ضرورةً لا يفيد.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الكافر يؤمن بالله، وأن إيمانه بالله لا يخرجه من الكفر؛ لقوله: ﴿دَعَا رَبَّهُ﴾، فالإيمان بالله وبربوبيته لا يكفي ولا يُخرِج الإنسان من الكفر.
ودليل ذلك أن المشركين الذين بُعِث فيهم رسول الله ﷺ كانوا يُقِرُّون بالله؛ ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩] يعني: يقرُّون بأن الذي خلق هو الله ويصفونه بالصفات الكاملة ومع ذلك فهم كفار استباح النبي ﷺ دماءهم ونساءهم وأموالهم وذريتهم.
وبه نعرف أن مَن قال عن النصارى: إنهم مؤمنون فهو جاهل، بل إن كان عالِمًا بما يدل عليه الشرع مِن كفرهم فهو مرتدٌّ؛ لأنَّ مَن حكم بالإيمان لِمَن كفَّره الله فإنه مرْتَدٌّ مكَذِّب لله عز وجل، وكذلك مَن قال عن اليهود: إنهم مؤمنون بالله فإن هذا الكلام صادر إما عن جهل، وإما عن ردة والعياذُ بالله.
فإذا قال: إنهم يؤمنون بالله، يقولون لك: الله عز وجل هو الكاشف للضر، وهو المدبر للأُمور؟
قلنا: هذا لا ينفعهم، ولهذا تجد عند العامة لما التبس على بعضهم هذا الأمر تجدهم إذا قيل لهم: إن تارك الصلاة كافر، قالوا: كيف يكون كافرًا وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ أين الكفر؟ فيقال: ليس كل مَن شَهِدَ بهذا يكون مؤمنًا؛ المنافقون يأتون إلى رسول الله ﷺ يقولون: نشهد إنك لرسول الله ويؤكدون هذا، فيؤكد الله عز وجل كذبَهم فيقول: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون ١]، وإن شهدوا بألسنتهم فهم كاذبون بقلوبهم.
على كل حال هذه الآية تدل على أن مجرد اعتراف الإنسان بالرب لا يخرجه عن الكفر.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الله عز وجل يجيب دعوة المضطر ولو كان كافرًا؛ لقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ﴾ [الزمر ٨].
فإن قال قائل: كيف يجيب الله دعوتَه وهو كافر؟
قلنا: هذا من آثار سبْقِ رحمتِه لغضبِه؛ فإنَّ رحمتَه سبقت غضبَه، فالكفر موجِبٌ للغضب والضرورة موجِبَةٌ للرحمة، فتسبق الرحمةُ الغضبَ، فيجيبُه الله عز وجل، وهذا كإجابة المظلوم ولو كان كافرًا، المظلوم تجاب دعوته ولو كان كافرًا؛ إقامةً للعدل وانتصارًا للحَق، قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل: «اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٤٩٦)، ومسلم (١٩ / ٢٩) من حديث ابن عباس.]].
إذن فهذان شخصان تُجابُ دعوتهما مع الكفر؛ هما: المظلوم، ومَن وقع في ضرورة إذا دعا الله.
لماذا؟ لا بد أن نعَلِّل كيف يخرج هذا عن القاعدة بأن الكافر مغضوبٌ عليه؟
نقول: أما إجابة المظلوم فمِن أجل العدل والانتصار للحق، وأما إجابة المضطر فلِأَن المضطر اجتمع في حقِّه سببان: سببٌ موجِبٌ للرحمة وهو الضرورة، وسبب موجِب للغَضَب والانتقام وهو الكفر، ورحمةُ الله تعالى قد سبقت غضبَه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النعمة محْضُ فضْلٍ مِن الله؛ لقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً﴾، فالنعمة محْضُ فضْلٍ مِن الله عز وجل؛ لأنها لا يمكن أن تكون مكافَأَةً عن عمل، فإن الإنسان لو حُوسِب على عملِه محاسبةً دقيقة لكان عملُه لا يقابِل واحِد بالملايين منين؟ مِن نِعَم الله عز وجل، فيخرُج مغلوبًا.
بل أن بعض العلماء رحمهم الله يقولون: إن العمل الصالح مِن نعمة الله؛ نفْس العمل من النعمة، فإذا شكَرَ العمل صار الشكرُ نعمةً، وإن شكرَ الشكرَ صَار نعمةً أخرى، وعلى هذا قولُ الشاعر:
؎إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً ∗∗∗ عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ؎فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ∗∗∗ وَإِنْ طَالِتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَالْعُمْرُ
صحيح هذه ولَّا لا؟ صحيح.
؎إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً ∗∗∗ عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ؎فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ∗∗∗ وَإِنْ طَالِتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَالْعُمْرُ
لأنك إذا أنعم الله عليك نعمة ثم شكرْته فشكرُك إياه نعمة، ثم إن شكرْتَه على الشكر فهو نعمةٌ أخرى، وهلم جرًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكافر -وإن شئت فقل: الإنسان- ينسى النعمة، إذا أنعم الله عليه نعمةً بعد ضرورة نسِي، ثم عاد إلى غيِّه.
وهذا خطير جدًّا على الإنسان، هذا هو واقع الإنسان؛ واقع الإنسان أن الله إذا أنعَم عليه نعمة بإنجائه من ضرورة نسِي ذلك ثم عاد إلى غيِّه، وهذا يقع؛ نجد الأحداث الآن تمُر بالناس، يمكن في حال حُلُول هذه الأحداث يمكن أن يكون لهم رجعة بعض الشيء، ولكن إذا زالت الضرورة عادوا إلى ما كانوا عليه من قبل، بل ربما يحملُهم الأشر والبطر على أن يزيدوا في غيِّهم، وهذا له خطورته؛ فإنَّ الله تعالى ذكَرَ في القرآن أن الإنسان إذا عاد إلى غيِّه بعد إنقاذه من الهلاك فإن الله يصيبُه بعذابٍ أشَدَّ من الأول.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكافر يعود إلى كفره ولا يذكُر ما دعا اللهَ إليه من قبل وهو إنقاذه من الضرورة؛ لقوله تعالى: ﴿نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾ [الزمر ٨]
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل لا نِدَّ له؛ لأن الله أنكر على من جعل له أندادًا، فيكون في هذا رَدٌّ على أهل التمثيل الذين أثبتوا لله الصفات مع التَّمثيل، فقالوا: إن الله تعالى له وجه كوجوهنا، ويد كأيدينا، وعين كأعيننا، وساق كسُوقِنا، وهكذا، نقول: كلامكم هذا كذب، وأنتم وأهل التعطيل سواء؛ لأنكم أنتم عطلْتُم النص عن مدلوله الصحيح؛ إذ إن مدلول النصوص في صفات الله صفاتٌ لائقة بالله عز وجل، فإذا جعلتموها للتمثيل حَرَّفتموها.
وعلى هذا فيكون في الآية ردٌّ على من؟ على أهل التمثيل الذين أثبتوا الصفات لله عز وجل مع التمثيل، نقول: هذا الفعل منكم تعطِيل في الحقيقة، تعطيل لماذا؟ لمدلول النص الصحيح؛ لأن مدلول النص فيما يتعلق بالصفات صفاتٌ لائقة بالله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الكفار يحرصون على أن يَضِلَّ الناس بفعلهم؛ لقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ (لِيُضِلَّ) على قراءة الضم، ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه كما يكون الاقتداء بالقول يكون الاقتداء بالفعل. كيف ذلك؟ لأن هذا الكافر جعل لله أندادًا، وكان جعلُه الأنداد سببًا لضلَالِ غيرِه.
* ويتفرع على هذا فائدة: وهي تحذير الإنسان -ولا سيما القدوة- من المخالَفَة؛ لأن الناس سوف يقتدون به ويحتَجُّون بفعلِه.
فمثلًا: طالبُ العلم إذا قام إلى الصلاة يكثر الحركة؛ مرة يحُك رأسه، ومرة يحك ظهره، ومرة يحك بطنه، ومرة يعرِك عينه، ومرة ينظُر ساعتَه، ومرة يكتب ما تذَكَّر في صلاتِه، إذا كان هذا طالب العلم يفعَل هذا الشيء فإن الناس سوف يقتَدُون به، لو أُنْكِر على واحدٍ من الناس كثرةُ الحركة لقال: فلان يفعَل.
ولهذا أحيانًا نُنْكر على بعض الناس المعاملات الرِّبوية التَّحَيُّلِيَّة، فيقولون: فلان يفعل كذا مِن الناس ممن هو من طلبة العلم، فالناس يحتجُّون، وهذه الآية تدل على أن الاقتداء يكون بالفعل؛ لقوله: ﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ولم يقل: ودعا الناس ليَضِلُّوا عن سبيله، بل جعلَ فعلَه سببًا لِضَلال الناس، وهذا يدل على الاقتداء بالفعل كالقول.
وأما على قراءة الفتح* فيُؤْخذ منه فائدة، وهي: أن جَعْلَ الأنداد لله ضلال؛ لقولِه: ﴿لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ .
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تهديد هؤلاء الكفار الذين اتخذوا من دون الله أندادًا، تؤخذ من قوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا﴾، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى صفةَ هذا التمتع فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ البهائم، ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد ١٢].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الدنيا مهما طالت فهي قليلة ولا تُنْسَب للآخرة، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى ٤] يقول للرسول ﷺ، ويقول للعموم: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧]، وقال النبي ﷺ: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد الساعدي.]]، موضِع السوط، السوط عصا قصيرة خيرٌ من الدنيا وما فيها، «مِنَ الدُّنْيَا» أيُّ دنيا؟ كلها منذ نشأَتْ إلى قيام الساعة بما فيها من الزَّخارف واللهو والزينة، «خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، ولهذا قال: ﴿تَمَتَّعْ قَلِيلًا﴾، فهذه المتعة للكافر وإن كان ينالُ شهوتَه هي قليلة زمنًا، وقليلة كَمِّيَّة، وقليلة كيفية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكفار ملازمون للنار لا يخرجون منها؛ لقوله: ﴿أَصْحَابِ النَّارِ﴾؛ لأن الصاحِب هو الملازِم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مخاطبة الإنسان بما يليق بحاله، فهذا الكافر المعانِد الذي بدَّل نعمةَ الله كفرًا يخاطب بهذا الخطاب القاسي وهو ﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾، بينما لو كانت المسألة مسألة دعوة ما قابلناه هذه المقابلة، لا نقول لمن ندعوه للإسلام: تمتع بكفرك قليلًا إنك من أصحاب النار، لكن نقوله لِمَن عانَدَ وكابَر وبدَّل نعمة الله كفرًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات النار؛ لقوله: ﴿إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾.
ويجب علينا في إثبات النار شيئان:
الأول: إثباتُ وجودِها الآن وأنها موجودة؛ فإن النبي ﷺ عُرِضَت عليه الجنة وعُرِضت عليه النار في صلاة الكسوف وشاهدَها، ورأى مَن يُعَذَّبُ فيها؛ رأى فيها امرأةً تعذَّب بهرةٍ حبستها حتى ماتت، ورأى فيها صاحبَ الِمحْجَن يُعذَّب[[أخرجه مسلم (٩٠٤ / ١٠) من حديث جابر بن عبد الله.]]، صاحب المحجن رجل معه مِحْجَن، والمحجَن تعرفونه؟
* الطلبة: عصا.
* الشيخ: هو عندنا في اللغة العامية مِحْجَان، مِحْجَن: عصا محنِيَّة الرأس، هذا الرجل يمُر بالحجاج فيشبِك المتاع -متاع الحاج- برأس المحجن، فإن تَفَطَّنَ له صاحب المتاع قال: والله هذا المحجن، المحجَن أمسك به، سامحني، يمكن يقول: سامحني أو ما يقولها، لكن يمكن بعض الناس يقول هكذا، وإن لم يَتَفَطَّن له أخذَه، فرآه النبي عليه الصلاة والسلام يعذَّب في النار بمحجنه وهو يصلِّي صلاة الكسوف، ثم تأَخَّر النبي عليه الصلاة والسلام؛ تأَخَّر مخافةَ أن يصِيبَه من لَفْح النار، إذن فرؤيتُه إياها حِسِّيَّة. طيب هذا واحد.
الشيء الثاني: يجب أن نؤمن بأنَّ النار مؤَبَّدَة أبد الآبدين، يعذَّب فيها أهلُها ما هم عنها بمخرجين، وهي مؤبَّدَة دائمًا؛ لأن الله تعالى ذكَر تأبيدَها في ثلاثة مواضع مِن القرآن: الموضع الأول في سورة النساء، والموضع الثاني في سورة الأحزاب، والموضع الثالث في سورة الجن. والأخ يبين لنا الموضع الأول في سورة الأحزاب.
* طالب: الآية..
* الشيخ: في سورة النساء قصدي؟
* الطالب: حق أيش؟
* الشيخ: أن الله ذكر أن النار مؤبدة.
* الطالب: ما أدري.
* طالب آخر: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ﴾ [الأحزاب ٦٤]
* الشيخ: لا، في سورة النساء.
* طالب: بعد آية التيمم.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ [النساء ١٤].
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩].
* الشيخ: أحسنت، تمام، هذه صريحة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾.
الموضع الثاني في سورة الاحزاب، مَن؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥].
* الشيخ: نعم، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.
الموضع الثالث في سورة الجن؟
* طالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الجن ٢٣].
* الشيخ: وين التأبيد؟
* الطالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾..
* الشيخ: ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾..
* الطالب: ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾..
* الشيخ: نعم، وين التأبيد؟
* الطالب: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾.
* الشيخ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ تمام.
بعد هذا لا يمكن أن نقبل قولًا من أيِّ عالم قال بأن النار غير مؤبدة، ولا نقابل هذا النص الصَّرِيح بقياسات؛ لأن قولَه تعالى: «إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٢٢)، ومسلم (٢٧٥١ / ١٥) واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة.]]، هذا صحيح نصٌّ محكَمٌ وخبرٌ صادِق، لكن الخبر يجوز تخصيصه فنقول: أهل النار ليسوا أهلًا للرحمة، وعقوبة الله إيَّاهم على التأبيد هي من كمال عدلِه وحكمتِه، فكما أمضَوا أعمارهم بالكفر؛ كل الدنيا أفنوها بالكفر، فالآخرة أيضًا تذهب عليهم بالجزاء والعقوبة، هذا هو العدل وهذه الحكمة، أليس كذلك؟
نقول: عمرك في الدنيا كله مضى في الكفر، إذن حياتك في الآخرة تمضِي بالجزاء والعقوبة، لا حياةَ لك في الآخرة كما أنه لم يكن لك حياةٌ في الدنيا بطاعة الله.
ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ إلى آخره [الزمر: ٩].
* من فوائد هذه الآية: أن القرآن الكريم يفتَح للإنسان الاستدْلَال العقلي؛ يعني بأنَّه يعرض الأشياء عرضًا عقلِيًّا، وذلك بطلب التَّدَبُّر والتفهم.
فمثلًا مَن هو قانت ومَن هو عاصٍ، بكل بساطة إذا عُرِضَت حالُ هذا وحالُ هذا على العاقل ماذا يقول؟ يقول: لا يستويان؛ مَن هو قانت آناء الليل ليس كمن هو عاصٍ.
وهذه من الطرق التي ينبغي لطالب العلم عند المناظرة أن يتخذها سبيلًا إلى إفحام الخصم؛ لأنَّ كثيرًا من الخصوم قد لا يقتنعون بمجرد الدليل الأَثَرِي فنسوق إليهم الدليل النظري، ولا سِيَّما في الوقت الحاضر؛ حيث اتخذ كثيرٌ من الناس -إن لم أقل أكثرهم- طريق إبليسَ سبيلًا، وهو معارضَةُ السمْع بِمَا يظنُّه عقلًا؛ يعني معارضة النصوص بما يظنُّون أنه عقل، ونحن نعلم علم اليقين أنه ليس في النصوص ما يخالف العقل الصريح أبدًا، بل في النصوص ما يؤيدُه العقل الصريح ويكون هذا شاهدًا لهذا، كلٌّ منهما يقوى بالآخر.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في النونية أن لدينا أربعة أدلة كلها يشهد بعضُها لبعض؛ هي: الكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة. هذه الأدلة الأربعة لا يمكن أن تتناقض أو تتنافى، بل بعضُها يؤيد بعضًا ويشهَد له، والله أعلم.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ [الفرقان ٤٤] هل يدل على (...)؟
* الشيخ: لا، فيه مَن سمع وعقل، ولَّا كل كافر لا يسمع ولا يعقل.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: بعض الناس اللي مَنَّ الله عليهم بالهداية، إذا مَنَّ الله عليه بالهداية خرجوا عن الكفر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يعني في المستقبل؛ يعني ﴿يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ [الفرقان ٤٤] في المستقبل، قد يكون يَمُن الله عليهم، لكن ما داموا في هذه الحال فإنهم لا يسمعون ولا يعقلون، ولهذا قال: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان ٤٤]، فالآية التي ذكرْت موافقة للآية هذه؛ أن الكافر ليس عنده سمْع ولا عقل.
* طالب: ما قيل عن شيخ الإسلام أنه قال بفناء النار؟
* الشيخ: ما هو صحيح، ولنفرِض أن الذي قال بفناء النار -وحاشَاه من ذلك- أبو بكر أفضَل مِن شيخ الاسلام ألف مرة، هل نقبله مع وجود الآيات؟ لا نقبله، الحقيقة إذا وجدْنَا قولًا مخالفًا للكتاب والسنة من أي قائلٍ به فإن موقِفَنا أن نعتَذِر عنه لا أن نجعَل قولَه حجَّة على كلام الله ورسوله مهما كان؛ يعني ما فيه أحد معصوم، ليس فيه أحد معصوم من الخطأ أبدًا إلا مَن عصمه الله عز وجل؛ كالرسل.
* طالب: يمكن نقول: إن قراءة ﴿لِيُضِلَّ﴾ أبلغ من قراءة ﴿لِيَضِلَّ﴾ ؟
* الشيخ: لا، لكن يمكن أن نقول: إنه أضَلَّ؛ لأنه ضَلَّ.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا متعَدٍّ لا شك، (يُضِل) متعدٍّ ضررُه للغير، لكن إذا قلنا: إنه ضَلَّ أوَّلًا فأَضَلَّ ثانيًا يكون مجموع القراءتين فيهما فائدة ما تحصل بانفراد أحدهما (...).
* * *
* طالب: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الزمر ١٠ - ١٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال الله عز وجل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٩] إلى آخره.
* في هذه الآية بيانُ الفَرْق بين الناس في عبادة الله عز وجل، وأنه لا سواء بين مَن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا إلى آخره ومَن هو عاص بعيدٌ عن الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية: أن ظاهرها دوام الطاعة؛ آناءَ الليل في السُّجود، والقيام أي في الصلاة، ولكن السنة بيَّنَت ذلك وأن الأفضل في قيام الليل أن ينام نصفه ويقوم ثلثه وينامَ سُدُسَه، وهذا من تقييد القرآن بالسنة.
* ومن فوائد الآية: فضيلة صلاة الليل؛ لقوله: ﴿آنَاءَ اللَّيْلِ﴾، وقد دَلَّت على ذلك السنة، فقال النبي ﷺ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»[[أخرجه مسلم (١١٦٣ / ٢٠٢) من حديث أبي هريرة.]].
* ومن فوائد هذه الآية: فضيلَةُ القيام والسجود من بين أركان الصلاة، وقد بَيَّنا وجْهَ ذلك أثناءَ التفسير أن القيامَ شرِيفٌ بذِكْرِه والسُّجُودَ شريفٌ بهيئَتِه.
* ومن فوائد الآية: أنه ينبغي للإنسان أن يكون في سيرِه إلى الله جامِعًا بين الخوف والرَّجاء؛ لقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
ولكن هل يكونان سواءً أو يُغَلِّبُ جانب الرجاء أو يغَلِّب جانب الخوف؟
في هذا أقوال لأرباب السلوك؛ فمنهم من قال: ينبغي أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا؛ كجناحي الطير إذا مال أحدهما اختل طيرانه، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا فأيهما غَلَبَ هلَكَ صاحبُه؛ لأنه إن غلَّبَ جانب الخوف أدخله في اليأس والقنوط، وإن غَلَّب جانب الرجاء أدخلَه في الأمْن مِن مكر الله.
وقال بعض أرباب السلوك: ينبغي أن يُغَلِّب جانب الرجاء؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ»[[أخرجه أحمد في المسند (٩٠٧٦) من حديث أبي هريرة، وأصله في الصحيحين.]]، وعلى هذا فيُغَلِّب جانب الرجاء.
وقال بعض العلماء: يُغَلِّب عند فعلِ الطاعات جانب الرجاء، فإذا فعَلَ طاعة فلْيُغَلِّب جانب القبول دون جانِبِ الرد، أما في فعل المعصية فإن الأَولى أن يُغَلِّب جَانِب الخوف؛ لئلا يقَع في المعصية.
وقال بعضهم: في حال المرض يغلِّب جانب الرجاء، وفي حال الصِّحة يغلب جانب الخوف؛ لأن النبي ﷺ قال: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ»[[أخرجه مسلم (٢٨٧٧ / ٨١) من حديث جابر بن عبد الله.]]، والمريض قد وُجِد فيه سببُ الموت؛ وهو المرَض، فيُغَلِّب جانب الرجاء؛ لِيَمُوت وهو يحسن الظَّن بالله.
ولو قال قائل: إنه يُرجَع في ذلك إلى نفس الإنسان، والإنسان هو طَبِيبُ نفسِه؛ إن رأَي مِن نفسه جُنُوحًا إلى انتهاك المعاصي والمحرمات فليُعِدْها بل فليَتَوَعَّدها بالعذاب حتى يرْتَدِع، وإن رأى مِن نفسه قوَّة على طاعة الله ومثابَرَةً عليها وقيامًا بها فليغَلِّب جانب الرجاء حتى يُحْسِنَ الظن بالله، وهذا يرجع إلى الإنسان نفسه، والإنسان في بعض الأحيان يكون يغلب هذا وفي بعض الأحيان يغَلِّب هذا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، يعني لو قيل بهذا لكان أحسن.
* من فوائد الآيات: إثبات عذاب الآخرة؛ لقوله: ﴿يَحْذَرُ الْآخِرَةَ﴾، ولا يُحذَر الشيءُ إلا بثبوتِه، أما ما ليس بثابت فلا يُحذَر.
* ومن فوائد الآية: أنه في باب الجزاء والأَحكام يُغَلَّب جانِبُ الربوبية؛ لقوله: ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، لأن الربوبية هي التي بها التَّصَرُّف والسلطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يستوون الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ لقوله: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن هذا النفي أمر معْتَرَفٌ به؛ لأنه جاء بصيغة الاستفهام، ونحن ذكرنا أنه إذا جاء الاستفهامُ مُرَادًا به النفي صارَ مُشْرَبًا معنى التَّحَدِّي.
* ومن فوائد الآية: فضيلة العلم.
ولكن يجب أن نعلم أن العلم يشرف بشرف موضوعه، وعلى هذا فأفضل العلوم العِلم بأسماء الله وصفاته؛ لأن هذا أشرف موضوعات العلم، ثم العلم بأحكامه «مَنْ يُرِدْ بِهِ اللَّهُ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧ / ٩٨) من حديث معاوية.]]، ثم تتلو العلوم حسب مراتبها، وأخس العلوم ما يَصُدُّ عن سبيل الله وعن طريق السلف الصالح؛ مثل علم الفلسفة علم الكلام وما أشبهها، إلا إذا تعلمَه الإنسان من أجل أن يرُدَّ به على أهله فهنا قد يكون تعلُّمُه واجبًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام زيدَ بن ثابت رضي الله عنه أن يتعَلَّم لغة اليهود[[أخرجه البخاري (٧١٩٥) من حديث زيد بن ثابت.]]، مع أن تعلم اللغات الأجنبية ليس محمودًا ولا مأمُورًا به، لكن لَمَّا كان وسيلة إلى معرفة ما يأتي من الكتابات من اليهود والرَّدِّ عليهم بِلُغَتِهم أَمره النبي ﷺ أن يتعَلَّم لغة اليهود، وتعلَّم لغة اليهود في خلال ستة عشر يومًا؛ لأن زَيْدَ بن ثابت رضي الله عنه من الأذكياء فتعَلَّمَها، ثم إن اللغة العِبْرِيَّة قريبة من اللغة العربية فسَهُلَ تعلُّمُها.
* من فوائد الآية الكريمة: أن أصحاب العقول هم أهلُ الاتِّعَاظ؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
* ومن فوائدها: أن من لا يتذكر فهو ناقص العقل؛ لأنه إذا كان لا يتذكر إلا أصحاب العقول فمَن لا يتذكر يكون ناقِصَ العقل ولا شك، ونُقْصَانُ عقلِه بحسب نقصِه في التَّذَكُّر.
ووجْه ذلك من الناحية العقلية النظرية أن الإنسان العاقل لا يمكن أن يختَارَ لنفسه إلا ما فيه النجاة، ولا نجاة مِن عذاب الله إلا بالتذكر والاتِّعاظ، فلهذا كان العقل السليم يستلزم أن يتَذَكَّر الإنسان ويتَّعِظ من أجل طلب ما هو أحَظ للنفس وأنفع، ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى ٤].
* ومن فوائد الآية: الثناء على ذوي العقول؛ حيث جعلَهم هم المتذكرِين المتَّعِظِين المنتفعين بما يسمعون.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["۞ وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ ضُرࣱّ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِیبًا إِلَیۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةࣰ مِّنۡهُ نَسِیَ مَا كَانَ یَدۡعُوۤا۟ إِلَیۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادࣰا لِّیُضِلَّ عَن سَبِیلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِیلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلنَّارِ","أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"],"ayah":"أَمَّنۡ هُوَ قَـٰنِتٌ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ سَاجِدࣰا وَقَاۤىِٕمࣰا یَحۡذَرُ ٱلۡـَٔاخِرَةَ وَیَرۡجُوا۟ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ یَسۡتَوِی ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق