الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر ٧٣] إلى آخره. * من فوائد هذه الآية: أن المتقين يُساقون إلى الجنة كما يُساق أهل النار إلى النار، لكن تختلف الكيفية. وما هو الدليل على اختلاف الكيفية؟ الدليل قوله تعالى في أهل النار: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣]، وقوله في أهل الجنة هنا: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر ٧٣]، فهذا يدل على أنهم يساقون سَوْق إكرام. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن التقوى سبب لدخول الجنة؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾. ووجه ذلك أن ترتيب الْحُكْم على الوصف يدل على عِلِّيَّته؛ يعني إذا رُتِّب الحكم على وصف دل ذلك على أن هذا الوصف هو عِلَّة الْحُكم، فالسياق إلى الجنة هنا سببه التقوى، إذن تفيد الآية أن التقوى سبب لدخول الجنة، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [آل عمران ١٣٣، ١٣٤] إلى آخره. * ومن فوائد هذه الآية: أن أهل الجنة يدخلونها جماعات متفرقة؛ لقوله: ﴿زُمَرًا﴾. وهذه الجماعات يترتب تقديمها على حسب أعمالهم الصالحة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أهل الجنة إذا جاؤوها لا يجدونها مفتوحة الأبواب؛ لقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧٣] ولكن يجدونها مغلقة حتى يشفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فتح أبواب الجنة لداخليها. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن للجنة أبوابًا، وقد ثبت في الصحيح[[أخرجه البخاري (٣٢٥٧) من حديث سهل بن سعد الساعدي.]] «أن أبوابها ثمانية». ويترتب على هذه الفائدة ما ثبت من أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، وأن عطاءه أكبر وأعظم من منعه؛ لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات أن للجنة خزنة؛ لقوله: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾. * يتفرع على هذه الفائدة: كمال تقدير الله سبحانه وتعالى للأشياء، وأن كل الأشياء منظمة محفوظة مرتبة. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن الملائكة ينطقون ويتكلمون؛ لقوله: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾. * ومن فوائدها: أن الجنة دار السلام، السلام من كل آفة؛ لقول الخزنة: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾. * ومن فوائدها: أن الله جمع لهم -أي لأهل الجنة- بين السلامة من الآفات وطِيب الأحوال والأوقات؛ لقوله: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ [الزمر ٧٣] فجُمِعَ لهم بين نفي الآفات وطِيب الأحوال والأوقات. * ومن فوائدها؛ أي فوائد الآية الكريمة: الإذن لهم على وجْه الإكرام بدخول الجنة؛ لقوله: ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر ٧٣]. * ومن فوائدها: الفرق التام والتباين العظيم بين ما يُقابَل به أهل الجنة وأهل النار، أهل النار يقابلون بالتوبيخ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر ٧١] إلى آخره، وأهل الجنة يُقابَلون بالتكريم والعِناية والبُشْرى: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر ٧٣]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إزعاج النفوس وإغراؤها على العمل بعمل أهل الجنة؛ لأن الإنسان إذا تبين له الفرق العظيم والتباين الكبير بين أهل النار وأهل الجنة فلا بد أن يكون عنده ما يحثه بل يزعجه إزعاجًا إلى العمل بعمل أهل الجنة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: خلود أهل الجنة فيها؛ لقوله: ﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾. والخلود هذا خلود أبدي سواء قلنا: إن الخلود هو المكث الدائم، أو إن الخلود هو المكث زمنًا طويلًا، وذلك لأنه قد تكرر ذِكْر التأبيد لأهل الجنة في عدة آيات. ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر ٧٤]. * من فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على الله عز وجل بالكمال والإفضال؛ لقوله: ﴿الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ فإن صِدْق الوعد كمال، ثم إن إيراثهم الجنة إفضال. فجمعوا في هذا الحمد بين الحمد على الكمال والحمد على الإفضال؛ لأن الله تعالى يُحمد على الأمرين جميعًا؛ على كماله، وعلى إفضاله، فيكون هذا الحمد جامِعًا بين الحمد والشكر. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: صِدْق الله وعده؛ لقوله: ﴿الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ وقد أخبر الله تعالى في آيات متعددة أنه لا يُخلف الميعاد، وذلك لكمال صدقه وكمال قدرته، فإن إخلاف الوعد إما أن يكون لكذب الواعد، وإما أن يكون لعجز الواعد، وكلاهما مما ينزه الله عنه فيكون فيه كمال الصدق وكمال القدرة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: شُكر أهل الجنة على إيراثهم الأرض ونصرهم وظهورهم على الكافرين؛ لقوله: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان يتبوأ بنفسه من الجنة حيث يشاء، وذلك بعمله؛ لقوله: ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مُجبَر على عمله، وليس له فيه اختيار؛ وذلك لقوله: ﴿نَتَبَوَّأُ﴾ فإن الفعل هنا ظاهر بالنسبة إليهم، فيكون باختيارهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أهل الجنة في منازلهم لا يريدون غيرها؛ لقوله: ﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ وهذا من تمام النعيم؛ لأن الإنسان لو تطلع إلى منازل غيره لرأى أنه لم يَكمل له النعيم، يقول مثلًا: فلان أحسن مني قصرًا، فلان أكثر مني مالًا، فيتنغص عليه النعيم، لكن إذا رأى أنه في المكان الذي يشاؤه ولا يريد التحول عنه، فإن هذا من كمال النعيم، قال الله تعالى: ﴿لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف ١٠٨]. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة للعبد. فيكون فيها رد على مَنْ؟ على الجبرية. * ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على هذا الثواب الذي حصل لأهل الجنة في قوله: ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر ٧٤]. * ومن فوائد الآية الكريمة: بيان مِنَّة الله سبحانه وتعالى بالجزاء، حيث جعله أجرًا، وكأنه أجر مفروض على الله عز وجل. فإن قال قائل: كيف تجعلون على الله تعالى شيئًا مفروضًا؟ قلنا: لم نجعله نحن ولكن هو الذي جعله على نفسه. * ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على العمل، ولكن أي عمل هو؟ العمل الصالح الذي يُورِث الجنة، وأن الإنسان لا ينبغي أن يكون كسولًا متراخيًا في الأعمال الصالحة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب