﴿وَسِیقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَتۡلُونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ٧١ قِیلَ ٱدۡخُلُوۤا۟ أَبۡوَ ٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِینَ ٧٢﴾ [الزمر ٧١-٧٢]
الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر ٧١] كيف يساقون؟
* طالب: يدَعُّون دعًّا.
* الشيخ: ما دليلك على هذا؟
* الطالب: قوله تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣].
* الشيخ: نعم، قوله: ﴿زُمَرًا﴾ معناها؟
* طالب: جماعات.
* الشيخ: جماعات متفرقة، كيف توزيع هذه الجماعات، هل هو بحسب الذنب وعِظَمه أو بحسب الأمم، يعني كل أمة وحدها؟
* الطالب: (...) جماعات بحسب الأمم، وأن غيرهم بالأعمال.
* الشيخ: يعني: قولان، أيهما أرجح؟
* الطالب: بالأعمال.
* الشيخ: الدليل؟
* الطالب: قوله ﷺ: «أَوَّلُ فَوْجٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ»(١).
* الشيخ: نعم، فالنار مثلها، يعني الأسبق إلى النار الأشد جرمًا، كالأسبق إلى دخول الجنة الأفضل عملًا.قوله:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧١] من الفاتح؟
* طالب: خزنتها.
* الشيخ: خزنتها.قوله:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الزمر ٧١] الاستفهام هنا أيش؟
* طالب: للتقرير والتوبيخ.
* الشيخ: للتقرير والتوبيخ.ما الفائدة في قوله:
﴿مِنْكُمْ﴾؟
* طالب: الفائدة في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ أنها أبلغ مِنْ لو قال: من عندكم؛ لأن (منكم) رد عليهم أنه إذا كان ملك فإنهم لا يقبلونه.
* الشيخ: إحنا قلنا: هذا أبلغ من قوله: من أنفسكم؛ كيف ذلك؟
* الطالب: لأن (منكم) دلالة (...).
* الشيخ: يعني من قبائلكم التي تعرفونها، ولهذا قال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران ١٦٤]؛ من جنسهم؛ لأن الرسول ليس من كل قبيلة من المؤمنين، وفي الأميين: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة ٢] لأنه من العرب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى:
﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ تقريرًا وتوبيخًا وتقريعًا
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر ٧١]، جملة
﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ يجوز أن تكون حالًا ويجوز أن تكون صفة أخرى؛ لأن قوله:
﴿مِنْكُمْ﴾ صفة، والنكرة إذا وُصِفت جاز وقوع الحال منها، وجاز أن تكون الجملة صفة أخرى؛ لأنه لا مانع من تعدد الصفة، على أن الحال في الواقع صفة كما قال ابن مالك رحمه الله:
الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ∗∗∗ مُفْهِمُ (فِي حَالِ) كَـ(فَرْدًاأَذْهَبُ)
يقول:
﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ يتلون عليكم: أي يقرؤون عليكم آيات ربكم، والمراد بالآيات هنا الآيات الشرعية؛ لأن المراد بها ما نزل من الوحي.
وقول المؤلف: (القرآن وغيره) يعني أنه يشمل كل الكتب التي أنزلت.
﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الزمر ٧١] يخوفونكم لقاء هذا اليوم حيث أخبروكم به، وأخبروكم بما فيه من الأهوال العظام، فلم يبقَ لكم عذر، ولهذا أقروا
﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر ٧١]، قالوا: بلى؛ يعني قد أتانا رسل منا يتلون علينا آيات ربنا وينذروننا لقاء يومنا هذا، ولكن حقت كلمت العذاب على الكافرين، وهذا هو الذي منعنا من طاعة الرسل.
﴿حَقَّتْ﴾ بمعنى وجبت وثبتت، وكلمة:
﴿الْعَذَابِ﴾ هي الكلمة التي يستوجبون بها العذاب، وما هذه الكلمة؟ قال المؤلف: هي قوله تعالى:
﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩]، هذه هي الكلمة، أن الله سبحانه وتعالى التزم لجهنم بملئِها، من الجنة والناس أجمعين، فإذا كان قد التزم للنار بملئِها فلا بد أن يخلق لها أقوامًا يكذبون الرسل ليستحقوا نار جهنم، والعياذ بالله.
وقيل: إن الكلمة هي قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾ [يونس ٩٦، ٩٧]؛ لأنها لما حقت عليهم كلمة الله امتنع إيمانهم.
ولكن هنا يقول الإنسان: هل هذا من باب الاحتجاج بالقدر أو من باب الاعتراف بالواقع؟
الجواب: الثاني؛ لأنه لا يمكن أن يحتجوا بالقدر في ذلك الموضع.
﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [الزمر ٧٢] قيل: فعل ماض مبني لما لم يُسم فاعله، فمن القائل؟
قال بعض العلماء: إنه أبهم الفاعل ليفيد أن كل الكون يقول لهم هذا، قيل: يعني من قِبَل الملائكة، من قبل أهل الجنة، من قبل كل من شاهد.
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الزمر ٧٢] ادخلوا: فعل أمر للإهانة وليس للإكرام؛ لأن من قيل له: ادخل النار. فإنه ليس بمكرم -أعوذ بالله- ولكنه مهان.
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أبواب جهنم سبق لنا أنها بنص القرآن سبعة أبواب،
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حال من الواو في قوله:
﴿ادْخُلُوا﴾ يعني حال كونكم خالدين فيها.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقدرين الخلود؛ يعني معناه أن الحال مقدرة؛ لأن الخلود يأتي بعد الدخول، يدخلون أولًا ثم يُخلدون ثانيًا، فالحال إذا لم تكن مصاحبة تكون حالًا مُقدرة.
والخلود في الأصل المكث الطويل، وقيل: المكث الدائم.
فعلى القول الأول: يكون ذكر التأبيد بعد الخلود تأسيسًا.
وعلى القول الثاني: أن الخلود هو البقاء الدائم: يكون ذكر التأبيد بعد الخلود توكيدًا، وأيًّا كان، فإن الله تعالى قد صرح في ثلاث آيات من القرآن أن خلود أهل النار فيها أبدي.
﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر ٧٢]، بئس: فعل ماضٍ جامد لا يتصرف، وهو محتاج إلى فاعل وإلى مخصوص، فما هو فاعله؟ فاعله مثوى ومخصوصه محذوف قدره المفسر بقوله: (جهنم)، والمثوى: المأوى، والمتكبر: فسره أعلم الناس به محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
«الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»(٢) فالمتكبرون هم الذين يردون الحق، ويعلون على الخلق، هؤلاء هم المتكبرون.
﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ ثم قال:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ [الزمر ٧٣].
* نستفيد من الآية الكريمة: بيان إهانة الكفار عند دخولهم النار، لكونهم يساقون بعنف ويدعون دعًّا.
* ومن فوائدها: أنهم يدخلون النار زمرًا، والحكمة من ذلك أشار الله إليها في قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف ٣٨].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أهل النار يفاجئون بها، فمن حين إتيانهم تفتح؛ ليكون ذلك أشد مباغتة وأشد حرارة -والعياذ بالله- فىلا يمكنون من الصبر عنها طرفة عين، مع أنهم يودون أنها لا تُفتح، ولكن الأمر على خلاف ما يودون تُفتح فورًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن للنار أبوابًا لقوله: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النار مظلمة بعيدة القعر يؤخذ من اسمها في قوله: ﴿جَهَنَّمَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال تنظيم الله سبحانه وتعالى للخلق حيث جعل للنار خزنة وللجنة خزنة وهنا يقول: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ [الزمر ٧١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الخزنة ينطقون كما ينطق البشر بخطاب مفهوم.وهل يُستفاد من هذه الآية أن لغة أهل النار واحدة؟ ربما يُقال ذلك، وربما يُقال: إن لغاتهم مختلفة، وأن الملائكة لكثرتهم كلٌّ يخاطب القوم بما يفهمون من اللغة، والله أعلم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: اجتماع العذاب القلبي والبدني على أهل النار؛ أما البدني: فظاهر، وأما القلبي: فما يحصل لهم من التوبيخ والتقريع في قوله: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ﴾ [الزمر ٧١]، وأنتم تعلمون أن من الناس من يحب أن يُوسع جلده ضربًا ولا يُوبخ بكلمة واحدة، فالتوبيخ ليس بالأمر الهين، لا سيما في مثل هذه الحال؛ لأنهم إذا ذكروا بهذه النعمة في حال لا يتمكنون من استدراك ما فات كان ذلك أشد حسرة، والعياذ بالله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام الحجة على بني آدم بإرسال الرسل منهم لقوله: ﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾؛ لأنهم لو كانوا من غير الجنس لم تتم الحجة، لكن إذا كانوا من الجنس، بل من القبيلة تمت الحجة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرسل صلى الله عليهم وسلم كانوا قد بلَّغوا البلاغ المبين؛ لقوله: ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما جاءت به الرسل من الوحي حُجة ملزمة؛ لأن الله سماه آيات، والآية: العلامة المعينة لما دلت عليه، فهي حُجة ملزمة لكل من سمعها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ما من رسول إلا وقد أتى بكتاب لقوله: ﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر ٧١] ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥]، وقوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣].ولكن هل نحن نعلم كل كتاب أوتيه رسول؟ لا، ما الذي نعرف؟ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم والقرآن، ولا عجب ألا نعلم إلا هذه الخمسة، كما أننا لا نعلم من الرسل إلا خمسة وعشرين، والباقون لا نعلمهم؛ لقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨] يعني ليس كل الرسل قُصُّوا علينا.
قال بعض العلماء: ولم يقص علينا إلا من كانوا في الجزيرة العربية أو ما حولها؛ يعني لم يقص علينا الرسل اللي في أمريكا أو في أقصى آسيا أو ما أشبه ذلك، إنما قص علينا من كانوا حولنا؛ لأن هؤلاء هم الذين يمكن أن نعتبر بهم أكثر من الآخرين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان مقتضى الربوبية، أعني ربوبية الله، أنها ربوبية مبنية على الرحمة في قوله: ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾، وما ظنكم لو أن الله تركنا هملًا هل تكون ربوبيته تامة؟ لا، لكنه سبحانه وتعالى لم يتركنا هملًا، بل أرسل إلينا الرسل، فتمت بذلك الربوبية التي كان مقتضاها هداية الخلق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: اعتناء الرسل باليوم الآخر، حيث ينذرون الناس به، ووجه ذلك: أنه إذا لم يكن يوم يرجع فيه الناس إلى الله وتُوفى كل نفس ما عملت فإن الناس لا يعملون ولا يهتمون بالعمل، إذا كان الوضع أن الناس يعيشون في الدنيا ما شاء الله أن يعيشوا ثم يموتون ولا يرجعون فهل يمكن لأحد أن يستقيم؟الجواب: لا، إلا بما أملاه عليه ضميره أما أن يستقيم على ما أمر به فهذا بعيد جدًا؛ لأن الإنسان يقول: إنه سيعيش ثم يموت ولا شيء، لكن إذا علم وأيقين بأنه سيكون يومٌ يُبعَث فيه ويُجازى على علمه فحينئذٍ لا بد أن يحرص للاستعداد لهذا اليوم، ولهذا قال:
﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ﴾ [الزمر ٧١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إقرار المكذبين في ذلك اليوم إقرارًا كاملًا بقولهم: ﴿بَلَى﴾ [الزمر ٧١]، وبلى هذه حرف جواب لإثبات النفي المتقدم أو لإثبات النفي المصدر بالاستفهام؟فمثلًا إذا قلت: أليس زيد قائمًا؟ فقيل: بلى؛ أي: إنه قائم، لكن لو قلت: نعم، لكان المعنى لم يكن قائمًا، ولهذا يُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى:
﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف ١٧٢]، لو قالوا: نعم. لكفروا؛ لأنهم إذا قالوا: نعم، فالمعنى: لست بربنا، وهذا كفر، فالنفي المسبوق بالاستفهام يُجاب بالإثبات بـ(بلى)، وبالنفي بـ(نعم)، لكن مع ذلك تأتي (نعم) في محل (بلى) لكنه قليل في اللغة العربية، قالوا: ومنه قول الشاعر:
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ∗∗∗ وَإِيَّانَا فَذَاكَ لَنَا تَدَانِي؎نَعَمْ وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ ∗∗∗ وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي
البيتان معروفان، هذا الرجل يقرر أنه قريب من معشوقته؛ لأن الليل يجمعهما، فما دام الليل يجمعها فكأنما الفراش يجمعهما.
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ∗∗∗ وَإِيَّانَا فَذَاكَ لَنَا تَدَانِي
هذا دليل على التقارب بيننا أن الليل يجمع بينهم.
الدليل الثاني: وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ، وما دامت رؤيتنا كلها تتفق في رؤية الهلال فهذا اجتماع.
الدليل الثالث:
.......................... ∗∗∗ وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي
ما دام النهار يعلوها كما علاني فنهارنا واحد وليلنا واحد وهلالنا واحد، هذا ممن يرى اتفاق مطالع الهلال، فإننا أيش؟ متدانون.
.......................... ∗∗∗ ... فَذَاكَ لَنَا تَدَانِي
وهذا المسكين إذا كان يقتنع بهذا التداني فهو قنوع جدًّا.
الشاهد من البيتين قوله: (نعم) يعني: نعم أن الليل يجمع أم عمرو، وهذه (نعم) في محل (بلى).
* من فوائد الآية الكريمة: أن من حقت عليه كلمة العذاب فقد أوجب لقولهم: ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر ٧١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المكذبين للرسل يبصرون في ذلك اليوم بصرًا شديدًا، ويعلمون الحق علمًا أكيدًا لقولهم: ﴿بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، لو كان هذا الإقرار في الدنيا لنجوا من العذاب، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ﴾ يعني يوم القيامة ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق ٢٢]، أما في الدنيا فبصرك أعشى، لكن في الآخرة البصر حديد قوي جدًّا يرى، يرى أكثر مما يرى في الدنيا أضعافًا مضاعفة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكلمة إنما تحق على الكافرين لقوله: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة فائدة: أن هؤلاء لم تحق عليهم الكلمة إلا لكفرهم فهو كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، وعلى هذا يندفع الإشكال، فيقال: كيف حَقَّت كلمة الله على هؤلاء دون غيرهم؟ والجواب على ذلك: أن الله علم من هؤلاء أنهم ليسوا أهلًا للهداية
﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥] أعاذني الله وإياكم من زيغ القلوب، هذا وجه.
الوجه الثاني أن يُقال: هل ظلم الله هؤلاء حيث منعهم فضله؟ لا، ففضل الله يؤتيه من يشاء، وقد مر علينا في الحديث في صحيح البخاري قريبًا أن:
«مَثَلُنَا وَمَثَلُ مَنْ قَبْلَنَا كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ وَإِلَى الْعَصْرِ وَإِلَى الْغُرُوبِ، فَأَعْطَى الْأَوَّلِينِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ وَالْآخَرِينَ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ: أَظَلَمْتُكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ»(٣).
ثم قال الله تبارك وتعالى:
﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ إلى آخره
[الزمر: ٧٢].
* في هذه الآية من الفوائد: أن هؤلاء المكذبين إذا وصلوا جهنم كأنهم -والله أعلم- يترددون أو يتوقفون، فيقال لهم إهانة: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ ففيه إهانة هؤلاء الكافرين عند دخولهم جهنم، حيث يقال: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الخلود؛ أي: خلود أهل النار فيها لقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الزمر ٧٢].وهل هذا الخلود مؤبد أو إلى أمد؟ مؤبد دل عليه آيات ثلاث من كتاب الله في سورة النساء وفي سورة الأحزاب وفي سورة الجن.
ففي سورة النساء:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩]، وفي سورة الأحزاب:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥]، وفي سورة الجن:
﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تقبيح مسكن النار وخبث سكنها؛ لقوله: ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر ٧٢].
* ومن فوائدها: أن النار مثوى أهل الكبر، وأما أهل التواضع فمأواهم الجنة، المتواضعون للحق وللخلق هؤلاء في الجنة، والمتكبرون عن الحق وعلى الخلق هؤلاء مثواهم النار.
* ومن فوائد الآية: التحذير من الكبر؛ لئلا يكون الإنسان من أصحاب النار.
* ومن فوائدها: أن الكبر قد يصل بصاحبه إلى عمل أهل النار، وإن كان يبدو قليلًا في قلبه؛ يعني إذا رأيت من نفسك تكبرًا على أحد فعالج هذا الداء، عالج هذا المرض قبل أن يستشري؛ لأن هذا المرض للقلب بمنزلة السرطان للبدن، إن لم تبادر بعلاجه فإنه يقضي عليك، ولا تتهاون بالكبر، الكبر خلق رذيل ذميم، جَرِّب نفسك إذا تواضعت تجد راحة طمأنينة، تجد أنك لن تندم، لكن لو استكبرت على أحد ثم عدت إلى عقلك لندمت واستغفرت، أما إذا تواضعت فإنك تجد راحة وطمأنينة، ويحصل لك في قلوب العباد محبة وألفة، فإياك والكبرياء، وعليك بالتواضع ولين الجانب، وإذا انضم إلى ذلك أنك تريد بهذا الوصول إلى كرامة الله عز وجل والخضوع لله فإنك تزداد ثوابًا ورفعة. قال النبي ﷺ:
«مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ»(٤)، ومعنى:
«تَوَاضَعَ لِلَّهِ» وجهان؛ يعني لها معنيان:
المعنى الأول: تواضع للخلق من أجل الله؛ لأن الإنسان قد يتواضع للخلق لا لله، ولكن لطمع يتواضع له ويتخضع له؛ لأجل أن ينال منه لقمة عيش، ولكن إذا تواضع لله امتثالًا لأمره فإن ذلك هو الذي يكون سببًا للرفعة.
المعنى الثاني: من تواضع لله نفسه، والتواضع لله نفسه هو التواضع لدينه، بحيث يقبله الإنسان وهو يشعر أنه محتاج إليه ومضطر إليه، وأن مقام الدين أعلى منه.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الزمر ٧٣]
* الشيخ: (...).
* طالب: ﴿طِبْتُمْ﴾، ما المقصود بـ(طبتم) هنا، طِيب المقام في الجنة؟
* الشيخ: لم نصل إليه، قرأناه ولم نفسره (...).
* طالب: يعني بالالتزام بالدين والصلاة، يقول: هي النار سيرسل لها حطب.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: يقول النار هذه سيبعث لها حطب؛ يعني المعنى يظن أنه سيذهب إلى النار، ما حُكم قول هذا؟
* الشيخ: يقول: إذا نصح بعض الناس قال: إن النار لها حطب؛ يعني أنه هو من حطب جهنم، هذا يوشك أن يكون كما قال، مثل الشيخ الكبير الذي عاده النبي ﷺ وهو مريض فقال له: «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فقال الرجل: طَهُور؟ بل حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور، فقال النبي ﷺ: «أَوْ ذَاكَ» فما أصبح الرجل إلا ميتًا»(٥)، يعني أنه عُومل بما أراد لنفسه، ولو قبل هذا الرجاء من الرسول ﷺ لأوشك أن يُعافى، فهذا الرجل -والعياذ بالله- الذي يقول: إن لجهنم حطبًا هذا يوشك أن يكون من حطبها؛ لأن هذا يدل على أحد أمرين: إما السخرية، وإما عدم المبالاة، وكلاهما كفر، فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى الإسلام بعد أن خرج منه.
* الطالب: يعني يُحكم بكفره يا شيخ؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: يمكن قصد هذا الرجل (...).
* الشيخ: نعم ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن ١٥].
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني أنه هو من حطبها، هو لما نُصح عن المعاصي قال: جهنم لها حطب، يعني أنه من حطب جهنم، هل يقول هذا إنسان جاد أو مؤمن بالنار؟! أبدًا.
* طالب: (...) دخول بلا خلود (...)؟
* الشيخ: هذا غير صحيح، هذا ليس بصحيح، وليس هذا مذهب أهل السنة والجماعة إلا في أهل الكبائر، أهل الكبائر صحيح دخول بلا خلود، أما أهل النار الذين هم أهل النار فإنه دخول بخلود. والآن قررنا عليكم قلنا: بعض العلماء يقولون: الخلود هو المكث الدائم، وبعضهم يقول: هو المكث غير الدائم، ولكن على هذا القول يكون هذا الخلود مقيدًا بالآيات الأخرى الدالة على الدوام.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما قال الله: خالدين فيها أبدًا إلا ما شاء ربك؛ هذه من كيسك، ما علق بالمشيئة، هات لي آية من كتاب الله: خالدين فيها أبدًا إلا ما شاء ربك، هاتها: خالدين فيها إلا ما شاء ربك، يا جماعة أنا أكلم واحدا، هات، أعطوه المصحف، كم صفحة؟ مائتين وثلاثة وثلاثين.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لماذا أسقطت ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [هود ١٠٧]، أنت تقول: خالدين فيها إلا ما شاء ربك، والآية: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وبينهما فرق؛ لأن ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ عائدة على دوام السماوات والأرض؛ يعني: إلا ما شاء ربك، مما فوق ذلك؛ لأن دوام السماء والأرض مؤقت، لكن عذاب هؤلاء غير مؤقت، ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك مما فوق ذلك، إلى ما لا نهاية له، عرفت؟﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ يعني: معناه: خالدين فيها مدة دوام السماء والأرض ولَّا لا؟ مفهوم المعنى؟ مدة دوام السماء والأرض.
﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ يعني إلا الذي زاد على مدة دوام السماء والأرض، وهو ما شاءه الله، أعرفت؟ هذا إذا جعلنا الاستنثاء متصلًا، أما إذا جعلناه منقطعًا وصار المعنى: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، لكن ما شاء الله، فلا حد له، فأيضًا واضح المعنى، فأنت أسقطت:
﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾، فتلوت الآية على وجهين: الوجه الأول: خالدين فيها أبدًا إلا ما شاء الله، ولما عرفت أن هذا لا يمكنك حذفت (أبدًا)، وقلت: خالدين فيها إلا ما شاء الله، وأما:
﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ فليست في ذهنك.
إذن ماذا نقول؟ لا بد أن نتلو الآية على ما هي عليه
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود ١٠٧]، وكل إنسان ينسى، ولكن لا مانع، أنا ما قلت هكذا إلا لأجل أنه نعطيه مهلة من المداعبة، وإلا كل ينسى (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر ٧٢ - ٧٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أخذنا إلى أي مكان؟ وأخذنا الفوائد؟قال الله تبارك وتعالى:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر ٧٣]، نقول في (سِيقَ) ما قلنا فيما سبق أنها فعل ماضٍ مبني للمجهول أو مبني لما لم يُسَم فاعله، وجاءت بصيغة الماضي مع أنها للمستقبل تحقيقًا لوقوعه في قوله تعالى:
﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل ١] فالماضي يأتي بصورة المضارع أحيانًا حكاية للحال، والمستقبل يأتي بصيغة الماضي تحقيقًا لوقوعه كأنه شيء وقع ويتحدث عنه.
وقوله:
﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾، التقوى أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنك لو سألت ما الذي يقي من عذاب الله؟ لقيل لك: طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه.
وقيل في التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله.
وقيل في التقوى:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ∗∗∗ وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى؎لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالِ مِنَ الْحَصَى ولكن ما ذكرناه أولًا هو الجامع المانع أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فإن خالف وترك شيئًا من الأوامر أو فعل شيئًا من النواهي فإنه ينقص من تقواه بقدر ما أخل به، وحينئذٍ يجتمع في الإنسان تقوى وعصيان، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، أن الإنسان يجتمع فيه خصال إيمان وكفر، خصال تقوى وفسق ولا مانع، ولكلٍّ حُكمه.
وقوله:
﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ أضاف الربوبية إليهم؛ لأن ربوبية الله للمتقين ربوبية خاصة ليست كالربوبية العامة لجميع العاملين، بل هي ربوبية خاصة، رباهم حتى اتقوا ربهم.
وقول المؤلف: (بلطف) مقابل قوله في أهل النار: (بعنف) لأن الله صرح بأن أهل النار يُدفعون دفعًا إلى نار جهنم، أما المؤمنون فإنهم يساقون سوق إكرام كأن الملائكة تحتفُّ بهم إكرامًا لهم وإجلالًا لهم.
وقوله:
﴿إِلَى الْجَنَّةِ﴾ الجنة في اللغة: البستان الكثير الأشجار، وسُمِّي بذلك؛ لأنه يَجُنُّ من فيه؛ أي: يَستره، وأصل المادة الجيم والنون، أصلها من الستر، ولهذا سُمِّي القلب جنانًا؛ لأنه مستتر، وسمي الجن جنًّا؛ لأنهم مستترون، وسميت الجنة جنة؛ لأنها تستر من فيها لكثرة أشجارها، هذا في الأصل.
أما في الشرع: فالجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال:
﴿زُمَرًا﴾ جمع زمرة، وسبق معنى قوله:
﴿زُمَرًا﴾ أنهم الجماعات المتفرقون، وهذه الزمر على حسب أعمالهم، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:
«أَنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ يَتَتَابَعُ النَّاسُ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ»(٦).
﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر ٧٣] حتى: للغاية، إذا جاءوها: أي: جاؤوا الجنة
﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر ٧٣]، إذا قرأت الآية هكذا سيبقى قلبك معلقًا، ستقول: أين جواب إذا؟
﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ كلها جمل متعاطفة، فأين جواب (إذا)؟
اختلف المعربون في ذلك، فمنهم من قال: إن جواب (إذا): (فُتِحت)، وإن الواو زائدة، ولكن هذا قول ضعيف؛ لأن زيادة الواو لم يعهد في اللغة العربية.
ومنهم من قال: إن الواو للحال بتقدير: قد؛ أي حتى إذا جاءوها وقد فُتِحت أبوابها، ويكون الجواب على هذا محذوفًا، وهذا ما ذهب إليه المؤلف المفسر.
وقيل: الواو حرف عطف، والجواب محذوف مقدر قبلها، والتقدير: حتى إذا جاءوها هُذِّبوا ونُقُّوا وفُتِحت أبوابها، وهذا القول أصح الأقوال أن (الواو) للعطف وليست للحال، وأن الجواب محذوف مُقدر قبل الواو، التقدير: حتى إذا جاءوها هُذِّبوا ونُقُّوا وفُتحت أبوابها، وهذا القول هو الراجح لدلالة الأحاديث عليه، فإنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة
«أنهم إذا عبروا الجسر -الصراط الممدود على جهنم- وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة»(٧)، ثم إنهم أيضًا
«إذا وصلوا الجنة لا يجدون أبوابها مفتوحة، بل يجدونها مغلقة حتى يشفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيفتح الله أبوابها»(٨)، هذا القول هو الراجح المتعين لدلالة السنة عليه.
وقوله:
﴿أَبْوَابُهَا﴾ قد عُلِم أن أبوابها ثمانية؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الوضوء:
«فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ»(٩).
والعجب أن بعض النحويين قال: إن (الواو) هنا واو الثمانية، فأحدث للواو معنى جديدًا، واستدل لقوله بأمر عجيب، قال: إن الله قال في القرآن:
﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف ٢٢] فالواو للثمانية، فيُقال: سبحان الله، من أين جاءك؟ الفائدة في قوله:
﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ تقرير ما ذُكِر؛ لأن الله قال:
﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف ٢٢].
قال العلماء: إنه قال:
﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ تقديرًا لهذا القول، ولهذا قال فيما قبله
﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف ٢٢] وهذا لم يقل رجمًا بالغيب؛ لأن الواو عاطفة تدل على أن ما قبلها ثابت متقرر.
﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ خزنتها الموكلون بها، وهم ملائكة، يقولون لأهل الجنة:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ (سلام عليكم) هذا خبر، وليس دعاء فيما يظهر؛ لأنه لو كان دعاء لكان القادمون هم الذين يسلمون، وهنا الملائكة هي التي تقول:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ فكأنها تخبرهم بأنه حل عليهم السلام؛ لأن الجنة دار السلام.
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾، حال
﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ يعني: سلام عليكم حال كونكم طيبين، فالجملة إذن حال من الكاف في قوله:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾.
﴿طِبْتُمْ﴾ من أي شيء أو في أي شيء؟ طبتم في كل شيء، في الأبدان والعقول والتصرف وكل شيء، فهم طيبون، حلُّوا مكانًا طيبًا، طابوا من الغل والحقد
﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر ٤٧] طابوا من كل مرض، لا يمكن أن يصيبهم مرض، طابوا من كل كلام فاحش
﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ [الواقعة ٢٥، ٢٦] فالطيب هنا قدَّره في كل شيء.
﴿طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (ادخلوا) فعل أمر يُراد به الإكرام، ليس أمرًا حقيقيًّا يُراد به إلزام المخاطب، ولكنه أمر للإكرام، كما تقول لمن استأذن عليك في بيتك: ادخل.
قال:
﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (خالدين) حال من الواو في (ادخلوها)؛ أي: حال كونكم خالدين، والحال هنا مقدرة ولا مقارنة؟ مقدرة؛ لأن الخلود بعد الدخول.
قال: (مقدرين الخلود فيها، وجواب إذا مقدر؛ أي: دخولها، وسوقهم وفتح الأبواب قبل مجيئهم تكرمة لهم، وسوق الكفار وفتح أبواب جهنم عند مجيئهم ليبقى حرها إليهم إهانة لهم).
﴿وَقَالُوا﴾ [الزمر ٧٤] عطف على (دخلوها) المقدر.
(وجواب إذا مقدر) بعد قوله: (وجواب إذا مقدر) في الأول (أي دُخولها)، أو: (أي دَخلوها)؟ لا: أي دُخولها غلط، أي دَخلوها هذا الصواب، أنا عندي أي دخلوها.
الواو على رأي المؤلف للحال : حتَّى إذا جاؤوها وقد فُتِحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدينَ، فدخلوها، تجد أن الكلام على هذا الوجه فيه ركاكة.
﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ يعني: وقد فُتِحت أبوابها
﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ أي: دخلوها، لا يستقيم، لكن ما ذكرنا أنه الراجح هو المطابق تمامًا لما جاءت به السنة، والسنة تفسر القرآن.
وقول المؤلف: (وسوقهم وفتح الأبواب قبل مجيئهم تكرمة لهم) سوقهم المستفاد من قوله:
﴿وَسِيقَ﴾.
(وفتح الأبواب قبل مجيئهم) لأنه يقول: الواو للحال، وقد فُتِحت أبوابها تكرمة لهم.
لكن يُقال: إن دعوى أن أبوابها فُتِحت قبل مجيئهم دعوى لا يسعفها الدليل، بل الدليل على خلافها؛ لأنهم إذا جاءوها لا يجدونها مفتوحة، بل يجدونها مغلقة، ثم يشفع النبي ﷺ أن تفتح الأبواب لأهلها، (...)، وهذه مسألة عقدية في الواقع؛ لأننا نؤمن ونعتقد أن للنبي ﷺ شفاعة خاصة به، وهي الشفاعة لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وعلى كلام المؤلف لا شفاعة؛ لأنهم يجدون الأبواب مفتوحة.
ثم قال: (وسوق الكفار وفتح أبواب جهنم عند مجيئهم ليبقى حرهم إليهم إهانة لهم) العبارة فيها نظر (ليبقى حرها إليهم) ما فيه نسخة مختلفة؟ أقول: نسخكم كلها متفقة؟
على كل حال، على كلام المؤلف أنها تُفتح عند مجيئهم من أجل أن يباشرهم حرها مباشرة بدون تأخر.
﴿وَقَالُوا﴾ (عطف على دخلوها المقدر).
فعلى كلام المؤلف:
﴿وَقَالُوا﴾ الواو حرف عطف، والفعل (قالوا) معطوف على دخلوها
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الزمر ٧٤].
والصواب: أن الواو للاستئناف، وأنهم بعد أن دخلوا واستقروا قالوا هذا الكلام.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر ٧٤] (بالجنة) حمدوا الله عز وجل هنا على إنعامه وعلى كماله؛ لأن صدق الله إياهم وعده بالجنة يتضمن شيئين:
الشيء الأول: وصف الله بالصدق، وهذا حمد له على كمال صفته.
والثاني: تحقيق ذلك لهم؛ أي: أنه حق لهم فيكون حمدًا على الشكر، فحمدهم لله الآن على أمرين: على الكمال وعلى الإنعام أو على الكمال وعلى الإفضال، الكمال في أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هي الصفة هنا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الصدق ﴿الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾، ولا شك أن الصدق كمال.الثاني: الإفضال، حيث أسكنهم الجنة، فيكون الحمد هنا شاملًا للأمرين؛ لأن الله يُحمد على ما له من صفات الكمال، وعلى ما له من تمام الإفضال.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ صدق المخفف غير صَدَّق المشدد؛ لأن صَدَق؛ يعني: أخبر بالصدق، وصَدَّق: صَدَّق من أخبر بالصدق، يُقال: حدثني فصدقني، المعنى: أخبرني بالصدق، ويُقال: حدثته فصدقني؛ يعني قال: إني صادق.
قال الله تعالى:
﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر ٣٣]، فالذي جاء بالصدق هو الذي صَدَق، وصَدَّق من أخبر بالصدق.
(
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ الجنة
﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ أي: أرض الجنة
﴿نَتَبَوَّأُ﴾ ننزل
﴿مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر ٧٤] لأنها كلها لا يُختار فيها مكان على مكان).
قوله تعالى:
﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ أي: جعلنا نرثها، والأرض هنا -كما تعلمون- دخلت عليها الألف واللام أو دخلت عليها (أل)، فهل المراد بها الأرض المعهودة أو المراد بها أرض الجنة؟ يرى المفسر أن المراد بها أرض الجنة، وهذا التفسير يرد عليه أمران:
الأمر الأول: أن الأرض إذا أطلقت فهي الأرض المقابلة للسماء، وهي أرضنا هذه.
وثانيًا: أنه قال:
﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ وكان مقتضى السياق إذا كانت الأرض هي الجنة أن يُقال: وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فلا يأتي بالظاهر؛ لأن الظاهر في هذا المثال لا معنى له.
ما المراد عند المؤلف بقوله الأرض؟ أرض الجنة، قلنا: على هذا التقدير يرد عليه شيئان:
الشيء الأول: أن الأرض عند الإطلاق يُراد بها ما يقابل السماء وهي أرضنا التي نسكنها.
وثانيًا: أنه قال: نتبوأ من الجنة، ولو كان المراد بالأرض هنا أرض الجنة لقال: نتبوأ منها حيث نشاء، وعلى هذا فالقول الصحيح أن المراد بالأرض هنا الأرض المقابلة للسماء، فتكون (أل) هنا للعهد، العهد أي العهود؟
* طالب: الذكري.
* الشيخ: الذكري، ما ذُكِر؟ إذن العهد الذهني، لا الحضوري ولا الذكري. ﴿نَتَبَوَّأُ﴾ منها؛ أي: من الجنة، فإذا قال قائل: كيف أورثهم الأرض؟ نقول: إن الله تعالى قال في كتابه:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] فتوريث الله الأرض للمؤمنين في الدينا أنهم يقاتلون الكفار ويستولون على أراضيهم، هذه واحدة.
ثانيًا: أن وجودهم على الأرض وسكناهم فيها وعمرانهم إياها كالميراث بالنسبة للكفار؛ وذلك لأن الكفار لا يتمتعون بنعمة في الدنيا إلا كانت عليهم نقمة، اللقمة إذا رفعها الكافر إلى فمه هل يُعاقب عليها؟ يُعاقب عليها، نعم يُعاقب عليها؛ لأن الله تعالى قال:
﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة ٩٣]، مفهومه: من لم يكن كذلك فعليه جناح فيما طعم، ويقول عز وجل في اللباس:
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف ٣٢] الكفار ليست لهم في الدنيا ولا خالصة لهم يوم القيامة، هم يكتسون بغير حق؛ لأنهم يتنعمون بنعمة الله ويكفرون الله.
على كل حال نقول: إيراث الأرض في الدنيا ما يستولي عليه المسلمون من أراضي الكفار، وإيراث آخر أن وجودهم على الأرض بحق، ووجود الكفار بغير حق، لكن الله أبقاهم لحكمة.
قال:
﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾، وقوله:
﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ أي: نسكن حيث نشاء، وهل هذا على ظاهره بمعنى أن الإنسان الذي في أدنى الجنة نزلًا يستطيع أن يصعد إلى أعلى شيء؟ لا يستطيع هذا، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ» يعني التي فوقهم
«كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ»(١٠) يعني: بعيدًا وله إضاءة، هؤلاء يتراءون أصحاب الغرف، وقال تعالى:
﴿لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ﴾ [الزمر ٢٠].
ولكن يُقال في توجيه هذه الآية الكريمة:
﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ إما أن المعنى: نتبوأ من الجنة حيث نشاء في الدنيا؛ يعني: نعمل في الدنيا ما نشاء من الأعمال التي تبوئنا النزل التي هي ثواب لأعمالنا.
في الدنيا الإنسان ممكن أن يكون مع الأبرار الأخيار، وممكن أن يكون مع المقتصدين، ويمكن أن يكون من الظالمين أنفسهم:
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر ٣٢] فالإنسان في الدنيا يمكن أن يتبوأ من الجنة حيث يشاء بأعماله الصالحة المختلفة، ظالم لنفسه، مقتصد، سابق بالخيرات، هذا واحد.
الوجه الثاني: أن نقول:
﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ أن كل واحد من أهل الجنة لا يشاء سوى الذي هو فيه، يعني لا يقع في قلبه أن يتمنى أنه فوق، بل هو مطمئن تمامًا في مكانه الذي هو فيه لقول الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف ١٠٧، ١٠٨] يعني لا يطلبون تحولًا كل واحد منهم راض بما هو فيه، ولا يرى أن أحدًا أنعم منه، حتى لو رآه حسًّا لم يره قلبًا؛ لأنه لو رأى أن أحدًا من الناس أعلى منه لكان في قلبه شيء من الحسرة واللوعة، وهذا منتفٍ في الجنة.
إذن يتوجه قوله:
﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ بوجهين، الوجه الأول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: اتضح الجواب ولّا جواب أعرج؟ أعرج الرجل مكسور الجناح، انتبه، إما أن المعنى ﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ في الدنيا، بمعنى أن الإنسان في الدنيا له أن يعمل العمل الذي يؤهله إلى أعلى الدرجات، أو العمل الذي يجعله في الوسط، أو العمل الذي يجعله في الأدنى، أليس كذلك؟الثاني:
﴿حَيْثُ نَشَاءُ﴾ في الجنة؛ يعني: أننا في الجنة لا نشاء سوى ما نحن فيه، بمعنى أن كل واحد منا يقتنع بمكانه الذي سكنه ولا يريد غيره، ودليل هذا قوله تعالى:
﴿لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف ١٠٨].
استمع إلى كلام المفسر يقول: (لأنها كلها لا يُختار فيها مكان على مكان) جنح المؤلف إلى أي الاحتمالين؟ إلى الاحتمال الثاني، أن كل إنسان في مكانه لا يختار مكانًا غيره.
يقول: (
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ الجنة) حركوا الجنة؟
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر ٧٤] الجنة بالضم ولّا بالكسر ولّا بالفتح؟
* طالب: بالضم.
* الشيخ: بالضم، على أنها؟
* طالب: فاعل.
* الشيخ: لا ما هي فاعل، على أنها المخصوص، الفاعل (أجر)، و(نِعْم أجر) و(بئس) -كما أسلفنا لكم- يحتاجان إلى شيئين؛ فاعل ومخصوص، الفاعل واضح والمخصوص دائمًا يكون محذوفًا في الغالب.﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ نِعْم: فعل جامد لإنشاء المدح، وأجر: بمعنى ثواب، الأجر هنا بمعنى الثواب، ولكن الله تعالى سماه أجرًا تفضلًا منه ومِنَّة، كأننا استحققنا ذلك وجوبًا كما يستحق العامل أجرته وجوبًا.
فإن قال قائل: وهل يجب على الله أن يثيبنا؟
الجواب: يجب بوعده، فإنه وعد أن يثيبنا، وما وعد فإنه لا يمكن إخلافه.
إذن فالوجوب هنا ليس منًّا على الله، بل مَنّ الله على نفسه
﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام ٥٤]، فتسمية الثواب أجرًا من باب التفضل على الله عز وجل أنه جعل هذا الثواب على نفسه كالأجرة للعامل؛ الأجرة الثابتة اللازمة، فكذلك ثواب المحسن أجر ثابت واجب على الله بإيجابه هو سبحانه وتعالى على نفسه تفضلًا منه وإحسانًا.
وفي مثل هذا يقول ابن القيم رحمه الله:
مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ ∗∗∗ هُوَ أَوْجَبَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الشَّانِ؎إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا ∗∗∗ فَبِفَضْلِهِ وَالْفَضْلُ لِلْمَنَّانِإذن فهو سبحانه وتعالى الذي مَنَّ علينا في الواقع مرتين: المرة الأولى: بتوفيقنا للعمل، والمرة الثانية: بجزائنا على هذا العمل الحسنة بعشر أمثالها، وانظر إلى الفضل أيضًا، والمنة الثالثة: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فكأننا نحن الذين أحسنا فأحسن إلينا، مع أن الإنسان لله أولًا وآخرًا، فالحمد لله رب العالمين.
قال: (
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ الجنة).
وقوله:
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ هل هو كلام مبتدأ من الله أو هو بقية كلام أهل الجنة حين قالوا:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾، إن كان من أهل الجنة فهو زيادة ثناء على الله عز وجل، وإن كان من الله ابتداء فهو حث لنا على أن نعمل هذا العمل الذي يكون هذا جزاؤه، انتهى الوقت؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، هذا إشكال جيد يقول: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ و﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ يقول: لماذا لم يقل: ونتبوأ، ليكون العطف يقتضي المغايرة؟يقال: إن جملة (نتبوأ) حال
﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ﴾ يعني: حال كوننا متبوئين، وهي حال مُقدرة، والحال المقدرة هي التي يتصف بها صاحبها بعد؛ يعني لا حالَ الفعل أو حال التلبس بها، فنقول: الحال هنا صحيح أننا لسنا نتبوأ من الجنة في نفس الدنيا، لكنها حال مقدرة، والحال المقدرة هي أن الحال تقع بعد عاملها.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يدل، نحن ذكرنا لكم شيئين يمتنع أن يكون المراد بها أرض الجنة.
* طالب: (...).
* الشيخ: أنا ظننت أنك ستورد إشكالًا غير هذا، القنطرة التي يوقفون عليها بعد العبور على الصراط، قيل: إنها طرف الصراط، فهي قنطرة وإن لم يكن تحتها شيء، وقيل: إنها قنطرة أخرى للعبور عليها، فالله أعلم.لكن الذي كنت أظن أن تورده أن تقول: كيف يُقتض لبعضهم من بعض والقصاص كان في عرصات القيامة قبل العبور على الصراط؟
فيُقال: هذا الاقتصاص غير الاقتصاص الأول، الاقتصاص الأول للجزاء والمعادلة، وهذا الاقتصاص لإزالة ما بقي في النفوس من أجل إزالة الغل والحقد، ولهذا لعلكم تذكرون أننا قلنا:
«إذا هُذِّبوا ونُقُّوا دخلوا الجنة»(١١) كما جاء في الحديث، أفهمت الآن؟ فهمت الإشكال والجواب ولّا بس الإشكال؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: على أحد القولين: القول الأول إن هذا الصراط هو طرف الصراط الكبير اللي يمر الناس عليه، وقفوا على القنطرة؛ أي على جانب الصراط الكبير.
* طالب: أنه من عمل سوءًا بجهالة..
* الشيخ: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الأنعام ٥٤].
* الطالب: إذا كان الإنسان يعمل سوءًا وهو يعلم..
* الشيخ: المراد بالجهالة -بارك الله فيك- السفه، ليس الجهالة التي هي ضد العلم، الذي ضد العلم يقال فيه: جَهْل ما يقال: جهالة، الجهالة هي السفه كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء ١٧] انتهى الوقت (...).
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر ٧٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ ما محل ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ من الإعراب؟
* طالب: نائب فاعل.
* الشيخ: نائب فاعل، ما الفرق بين سياق هؤلاء وسياقهم؟
* الطالب: سياق أهل النار بعنف، وأما سياق أهل الجنة سياق إكرام.
* الشيخ: قوله: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، وفي النار قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ فما هو الفرق؟ لماذا قال: ﴿وَفُتِحَتْ﴾ وهناك قال: ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني تفتح من حين مجيئهم مباشرة، وأما هذا؟
* الطالب: (...).
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: تكون مفتوحة قبل أن يأتوا، هذا على رأي من؟
* طالب: أنها مقارنة لمجيئهم.
* الشيخ: على رأي من أنها مقارنة لمجيئهم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بناء على أيش؟ على أن الواو؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: عاطفة، أن الواو عاطفة ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ﴾ تكون للعطف.وعلى رأي المؤلف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: تُفتَح قبل أن يأتوا؛ لأنه قال: جعل الواو للحال بتقدير قد، حتى إذا جاءوها وقد فُتِحت أبوابها.ما هو القول الراجح في هذا؟
* طالب: الواو للعطف والجواب تقديره..
* الشيخ: محذوف قبل العطف، التقدير؟
* الطالب: حتى إذا جاءوها وهُذِّبوا ونُقُّوا وفُتِحَت أبوابها.
* الشيخ: تمام، فيه رأي آخر أو رأي ثالث على الأصح في الواو؟
* طالب: (...).
* الشيخ: للحال، وقيل: إنها زائدة، وما رأيك في هذا القول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هل ترى هذا مقبولًا أو لا؟
* الطالب: (...).
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: نقول: هذا غير صحيح؛ لأنه لم تعهد زيادتها في اللغة العربية. قوله تعالى:
﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ﴾ هل هذا دعاء أو خبر؟
* طالب: هذا خبر.
* الشيخ: خبر، و﴿طِبْتُمْ﴾؟
* الطالب: (طبتم) حال تفيد كل ما يطيبكم.
* الشيخ: حال منين؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، حال من أين؟ الحال تحتاج إلى عامل وصاحب؟ ما فيه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المعنى العموم، لكن حال من أين؟ من حيث الإعراب؟
* طالب: من الكاف.
* الشيخ: من الكاف في قوله: ﴿عَلَيْكُمْ﴾، صحيح.قوله:
﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ أعربها المؤلف؟ ويش إعراب (خالدين)؟
* طالب: حال.
* الشيخ: منين؟
* الطالب: من الواو.
* الشيخ: من الواو في قوله: ﴿ادْخُلُوهَا﴾، هذه الحال مقارِنَة ولا مُقدَّرة؟
* الطالب: مقدرة.
* الشيخ: مقدرة.قوله تعالى:
﴿صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ معناه؟
* طالب: ﴿صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ وفانا ما وعد.
* الشيخ: وفاهم ما وعد، فكان وعده صدقًا لنا.﴿أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قيل المراد بها؟
* الطالب: قيل المراد بها: يرث الأرض.
* الشيخ: أي أرض؟
* الطالب: أرض الكافرين.
* الشيخ: والثاني؟
* الطالب: والثاني يشارك الكافرين في..
* الشيخ: لا.
* طالب: أولًا: قال: أرض الجنة.
* الشيخ: قيل: المراد بالأرض أرض الجنة؟ وقيل؟
* الطالب: القول الثاني: إنها الأرض التي نحن (...).
* الشيخ: وكيف أورثهم إياها؟
* طالب: هذه الأرض؟ بأن جعلها خالصة لهم من دون الكفار (...).
* الشيخ: بماذا؟
* الطالب: بالعلو عليهم في الدنيا، جعلهم عالين عليهم في الدنيا (...).
* طالب آخر: قلنا ميراث الأرض من وجهين: الأول مقاتلة الكفار وسكنى أراضيهم، والثاني: أنهم وارثوها بحق، بخلاف الكفار، فإنهم سكنوا الأرض بالباطل.
* الشيخ: صار أرض الدنيا، أيهما أرجح؟
* طالب: الراجح هو أن الأرض هي أرض الدنيا.
* الشيخ: بماذا ترجحه؟
* الطالب: بأمرين: أولهما: أنه إذا أطلق الأرض فيقصد بها الأرض المقابلة للسماء.الأمر الثاني: هو ذكر الله عز وجل الجنة بعد الأرض، ولو كانت الجنة ما صح ذكرها.
* الشيخ: كيف ذكر بعدها؟
* الطالب: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ لو كانت الأرض أرض الجنة ما يُقال: أرض الجنة نتبوأ؛ يعني كأن فيها..
* طالب آخر: الجواب من وجهين: الأول: أن الأرض إذا أُطلقت أُريد بها الأرض التي مقابلة السماء.وثانيًا: لو كانت الأرض المرادة هنا أرض الجنة لما قال الله عز وجل
﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾.
* الشيخ: ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ﴾، لقال: منها، نتبوأ منها حيث نشاء.لكن كيف يقول:
﴿أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ﴾؟ كيف يكون ميراثهم الأرض سببًا لتبوئهم من الجنة؟
* طالب: قيل لأمرين: بالعمل الصالح في الدنيا (...) الجنة، وقيل: تبوؤهم الجنة: الطمأنينة في المكان الذي يريدون.
* الشيخ: يعني يتخذون مكانًا من الجنة بعملهم الصالح في الدنيا، أو حيث نشاء من مكانهم في الجنة.قوله تعالى:
﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ هل هذا من كلام أهل الجنة أو من كلام الله؟
* طالب: هذا إذا كان من الله سبحانه وتعالى فهو يكون (...).
* الشيخ: لا، أقول أسأل: هل هو من كلام الله أو أنه بقية كلام أهل الجنة الذين قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾؟
* الطالب: بقية كلام أهل الجنة.
* الشيخ: هو بقية كلام أهل الجنة، فيه قول آخر؟
* الطالب: إذا كان من الله..
* الشيخ: ما هو إذا كان، أسألك هل فيه قول آخر أو لا؟
* الطالب: ما أعرف.
* طالب آخر: القول الثاني: أنه ابتداء من الله عز وجل فيكون فيه الحث لنا على العمل والاجتهاد في الطاعة.
* الشيخ: وأما إذا كان من قول أهل الجنة فهو من تتمة كلامهم وهو من باب التحدث بنعم الله.ثم قال الله عز وجل وهو ابتداء درس اليوم
﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ﴾ [الزمر ٧٥] ما أخذنا الفوائد؟ منين؟ سبحان الله.
قال الله تعالى:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ إلى آخره
[الزمر: ٧٣].
طالب: القول الثاني: أنه هداية من الله عز وجل، فيكون فيه حث على العمل واجتهاد الطاعة.
* الشيخ: وأما إذا كان من قول أهل الجنة فهو من تتمة كلامهم، وهو من باب التحدث بنِعَم الله.
(١) متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٦)، ومسلم (٢٨٣٤ / ١٤) من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مسلم (٩١ / ١٤٧) من حديث ابن مسعود.
(٣) أخرجه البخاري (٢٢٦٩) من حديث ابن عمر.
(٤) أخرجه ابن ماجه (٤١٧٦)، وأحمد في المسند (١١٧٢٤) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٥) أخرجه البخاري (٣٦١٦) من حديث ابن عباس.
(٦) متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٦)، ومسلم (٢٨٣٤ / ١٤) من حديث أبي هريرة.
(٧) أخرجه البخاري (٢٢٤٠)، (٦٢٣٥) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «يخلُصُ المؤمنون من النار فيُحبسون على قنطرةٍ بين الجنة والنار، فيُقصُّ لبعضِهم من بعضٍ مظالمُ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة».
(٨) أخرجه مسلم (١٩٧ / ٣٣٣) عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «آتِي بابَ الجنَّةِ يومَ القيامة فأستفتحُ، فيقولُ الخازن: مَن أنت؟ فأقول: محمَّدٌ، فيقول: بكَ أُمرْتُ لا أفتح لأحدٍ قبلَك».
(٩) أخرجه مسلم (٢٣٤ / ١٧) من حديث عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر.
(١٠) متفق عليه؛ البخاري (٣٢٥٦)، ومسلم (٢٨٣٠ / ١١) من حديث أبي سعيد الخدري.
(١١) أخرجه البخاري (٢٢٤٠)، (٦٢٣٥) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «يخلُصُ المؤمنون من النار فيُحبسون على قنطرةٍ بين الجنة والنار، فيُقصُّ لبعضِهم من بعضٍ مظالمُ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة».